شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
هل تهدد زراعة الأفوكادو الثروة المائية في المغرب؟

هل تهدد زراعة الأفوكادو الثروة المائية في المغرب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والبيئة

الثلاثاء 5 سبتمبر 202302:22 م

لم تكن زراعة الأفوكادو ذائعة الصيت في المغرب قبل العقدين الأخيرين، برغم أن هذه الفاكهة زُرعت أول مرّة في حوض اللوكوس (شمال غرب)، خلال موسم 1988-1989، على مساحة تبلغ 3 هكتارات فقط.

بعدما تكيّفت هذه الزراعة مع الظروف المناخية للمنطقة، سُجّل نموّ متنامٍ مع مرور السنين للأفوكادو هناك، ثم قام مستثمرون بزراعة الفاكهة، التي تحتاج إلى تربة وسقي جيّدين أيضاً، في منطقة الغرب المجاورة، بعد الطلب الكبير على الأفوكادو في السوق الدولية، وهامش الربح الذي تُدرّه مقارنةً بباقي الزراعات التقليدية الأخرى في المغرب.

في المقابل، تتعالى أصوات معارضة لزراعة هذه الفاكهة، كونها تحتاج إلى مياه كثيرة وتستنزف الفرش المائية، في ظل وضع يعاني فيه المغرب من أزمة شح في المياه في السنوات الأخيرة، جعلت الملك محمد السادس، يدق ناقوس الخطر، داعياً في خطابه أمام البرلمانيين، إلى "أخذ إشكالية الماء، في كل أبعادها، بالجدية اللازمة".

"تهافت" على الأفوكادو

أضحت زراعة الأفوكادو اليوم في المغرب أشهر من نار على علم في أوساط المزارعين، بالنظر إلى الأرقام القياسية في إنتاج هذه الفاكهة وفي تصديرها إلى خارج المملكة كذلك، وفي تهافت المستثمرين على إنتاجها في منطقتي اللوكوس والغرب.

وفق معطيات موقع "east-fruit"، صدّر المغرب خلال الموسم الفلاحي الممتد بين تموز/ يوليو 2022 وأيار/ مايو 2023، 45 ألف طن من الأفوكادو، بقيمة 139 مليون دولار، فضلاً عن أن المصدّرين المغاربة وَسّعوا جغرافية مبيعاتهم، إذ قبل ست سنوات كانت هناك 19 دولةً مستوردةً، وارتفع العدد اليوم إلى 25 دولةً.

غالبية صادرات المغرب من الأفوكادو، تتجه نحو إسبانيا وفرنسا وهولندا، وقد زادت ألمانيا أيضاً من وارداتها من هذه الفاكهة المزروعة في المملكة، استناداً إلى معطيات الموقع المُتخصّص في تحليل بيانات صادرات الخضروات والفواكه.

تتعالى أصوات معارضة لزراعة الأفوكادو، كونها تحتاج إلى مياه كثيرة وتستنزف الفرش المائية، في ظل وضع يعاني فيه المغرب من أزمة شح في المياه 

يجتهد منتجو الأفوكادو في المغرب في زيادة حجم الإنتاج باستمرار في جميع مناطق زراعة الفاكهة من الغرب إلى اللوكوس، إذ يتوقع رئيس الجمعية المغربية للأفوكادو، عبد الله اليملاحي، أن تكون هناك "زيادة في الغلّة بنحو 20 في المئة مقارنةً بالعام الماضي، وهو ما يمثّل حجماً إجمالياً لا يقل عن 60 ألف طن على المستوى الوطني، وهو رقم قياسي".

يؤكد اليملاحي، أن الزيادة المتوقعة في كميات الأفوكادو، ترجع أساساً إلى "التوسع في المساحات المزروعة بنسبة لا تقل عن 15 في المئة، بعدما انضم لاعبون جدد إلى القطاع هذا العام".

ندرة المياه أفاضت كأس المعارضة

يبدو أن هؤلاء المنتجين الملتحقين حديثاً بمجال زراعة الأفوكادو، لن يسلموا من "انتقاد" حادّ من طرف فاعلين في مجال البيئة، ومن برلمانيين كذلك؛ خصوصاً أن ندرة الماء في المملكة أفاضت كأس "معارضة" زراعة الأفوكادو في تربة هذا البلد الذي يعيش "حالة طوارئ مائية".

وهذا ما دفع النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي (معارضة)، فاطمة الزهراء التامني، إلى مساءلة وزير الفلاحة، حول "تصدير أكثر من 40 مليار ليتر من الماء (تقدير ما استهلكته صادرات الأفوكادو) إلى أوروبا، في الوقت الذي يواجه المغرب فيه ما ينذر بأزمة حقيقة في الماء".

ولهذا، "يطرح الاهتمام بزراعة الأفوكادو أسئلةً على الحكومة وإرادتها وجديتها في التعاطي مع الأزمة المحدقة بالمغرب، ويثير العديد من الشكوك حول مظاهر الريع في الواقع التي تتنامى بشكل كبير إرضاءً للمصدّرين على حساب احتياجات المغاربة"، تقول التامني في حديثها إلى رصيف22.

تضيف المتحدثة، أنه "يمكننا الاهتمام بتصدير المنتوجات الزراعية، لكن ليس قبل تحقيق اكتفاء ذاتي في الحاجيات الأساسية للمغاربة. أما الاهتمام بمنتوج ليس أولويةً فهو ضرب من العبث، واستهتار بمصلحة المغاربة ومصلحة الوطن".

ولفتت النائبة البرلمانية إلى أن "مناطق عديدةً في المغرب تعاني من ندرة الماء، وهناك مناطق لا تتوفر أصلاً على ماء، ما يضطر ساكنتها إلى التنقل لمسافات طويلة من أجل الحصول على جرعات منه".

زراعة الأفوكادو تحتاج مياه كثيرة

على المستوى التقني والعلمي، يؤكد الأستاذ في كلية الناظور المتخصص في العلوم الزراعية والفيزيولوجيا النباتية، كمال أبركاني، أن "فاكهة الأفوكادو صنف من الزراعات التي تحتاج إلى كمية كبيرة من الماء، لكن هناك أيضاً زراعات أخرى تستهلك هي الأخرى كميات كبيرةً من المياه".

الاهتمام بمنتوج ليس أولويةً فهو ضرب من العبث، واستهتار بمصلحة المغاربة ومصلحة الوطن

وأوضح أبركاني، في تصريحه لرصيف22، أن "كيلوغراماً واحداً من الأفوكادو يستهلك ما بين 1،700 حتى 2،300 ليتر من الماء، وتالياً هكتار واحد من الأفوكادو يحتاج إلى 100 ألف ليتر من الماء، وهو أمر يتوقف على عوامل الحرارة والرطوبة، بالإضافة إلى الحالة الفيزيولوجية للنبتة".

لكن المتخصص في العلوم الزراعية، يعتقد أن "هذه المساحات المحدودة التي تتم فيها زراعة فاكهة الأفوكادو، تحديداً في منطقة الغرب، لن تؤثّر في شيء".

إبعاد الخطر عن الفرشة المائية

زراعة الأفوكادو للتصدير في المغرب، يُعارضها العاملون في مجال التنمية الفلاحية والإنتاج أيضاً، معتقدين أن هذه الهكتارات من الأفوكادو، ولو كانت محدودةً، "كان المفروض أن تُهيّأ لها دراسات تُبعد الخطر عن فرشتنا المائية"، يقول رئيس الجمعية المغربية للتنمية الفلاحية في جهة الدار البيضاء سطات (غير حكومية)، الفاطمي بوكرزية.

وتابع بوكرزية، في حديثه إلى رصيف22، أن "متطلبات فاكهة الأفوكادو من الماء كبيرة جداً لا تستطيع الفرشة المائية تلبية حاجياتها، خصوصاً في ظل موجة الجفاف التي تعرفها بلادنا".

لذلك، "لا يجب أن يكون إنتاج هذه الفاكهة على حساب ثروتنا المائية، برغم أننا نعلم جيداً دور هذه المنتوجات في الصادرات سواء إلى أوروبا أو إفريقيا، ودورها الكبير في الميزان التجاري للدولة، إلى جانب خلقها فرص العمل"، يردف الفاعل في المجال الزراعي.

زراعة بديلة وريادة دولية

في الجانب التجاري والاقتصادي لهذه الزراعة، "يمكن اعتبار إنتاج الأفوكادو في المملكة زراعةً بديلةً ستجعل المغرب رائداً في مجالها، بعد المنافسة القوية التي شهدتها بلادنا في السوق الدولية على مستوى زراعات الحمضيات"، يسجل المتخصص في العلوم الزراعية والفيزيولوجيا النباتية، كمال أبركاني.

وقال أبركاني لرصيف22: "هذا استثمار مهم جداً، وأكيد أنه باعتماد الزراعة الرقمية وتقنيات الفرز الجيني، واعتماد الطرائق الزراعية الحديثة والجيّدة، ستتقلص نسبة استهلاك شجرة الأفوكادو للماء مع مرور الوقت".

يرى البعض أنه: "يمكن اعتبار إنتاج الأفوكادو في المملكة زراعةً بديلةً ستجعل المغرب رائداً في مجالها"

كما اقترح المتخصص نفسه، "زراعة الأفوكادو في المناطق التي توجد فيها موارد مياه تتجدّد وتعرف تساقطات مهمةً؛ وهي المناطق التي يمكن أن يتم فيها تركيز مثل هذه الزراعات لحماية الفرشة المائية".

توازن البيئي والتنموي

أمام الشعار الذي رفعه ناشطو البيئة للحفاظ على الثروة المائية، يبرز هذا "الجدل" بين السبيل إلى تحقيق "توازن" بين ما هو بيئي وما هو تنموي واقتصادي، خصوصاً أن زراعة الأفوكادو تُدرّ عائدات مهمةً من العملة الصعبة.

يذهب المنسق الوطني للائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة، عبد الرحيم كسيري، إلى أنه "يجب خلق توازن بين التنمية الاقتصادية والفلاحة الإيكولوجية، مع التأكيد أن تكلفة المواد الغذائية واختيارات أنواع النباتات والزراعات يجب أن تراعي المواطنين وتستجيب لحاجاتهم".

لهذا، "لا يمكن زراعة الأفوكادو إذا كنا لا نملك إمكانية زراعة منتجات أخرى تؤمّن احتياجات المواطنين المغاربة من المواد الغذائية"، يشدد كسيري في تصريحه لرصيف22.

لا يمكن زراعة الأفوكادو إذا كنا لا نملك إمكانية زراعة منتجات أخرى تؤمّن احتياجات المواطنين المغاربة من المواد الغذائية

ويرى الفاعل البيئي، أن "الترخيص أو عدم الترخيص لزراعة الأفوكادو لا يتوقفان على نقاش سياسي أو نقاش بيئي أو نقاش اقتصادي، أو غيرها، إنما يتعلق الأمر بمسألة علمية؛ من خلال لجان تفصل في هذه المشاريع الزراعية بناءً على معطيات علمية وموضوعية دقيقة".

هذه الأمور، "سنتعرف من خلالها على كمية الماء المتوفّرة، والتي يجب أن تضمن الأمن المائي للمواطنين، والمواشي، ثم الغابات والأشجار المثمرة، وبعدها للإنتاج الاقتصادي"، يخلص المصدر ذاته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image