شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
زيارة العيادة الطبية النسائية ليست

زيارة العيادة الطبية النسائية ليست "للعذراوات"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الثلاثاء 5 سبتمبر 202311:29 ص


"خلص صار الوقت"، وما إنّ نطقت شفتا والدتي هذه العبارة حتى توقف عقلي عن التفكير واستعادة ذاكرتي لقصص نساء عدّة مع الطبيب النسائي.

جاء اليوم المنتظر، غادرنا المنزل باكراً هاربين من ازدحام السير، بعد مرور أربعين دقيقة، وصلنا إلى مبنى قديم، صعدت السلم درجة تلو الأخرى، ومعها زادت نبضات قلبي. قرعنا الجرس، فرحبت بنا سيدة أربعينية، أخذت المعلومات اللازمة وطلبت منا الجلوس.

جلست على كرسي المدخل لمدة ثلاثين دقيقة بدت وكأنها دهر. كل هذا جرى في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2022.

وبينما كنت أتأمل غرفة الانتظار، وجدت سيدة حامل في أشهرها الأولى وأخرى جاءت مع زوجها لمعرفة جنس المولود، وواحدة توبخ ابنها وتنتظر الآخر، وفيما الجميع جالس يتحدث باندهاش عن لحظات الولادة، وقفت امرأة على نافذة وهي تدخن سجائرها وتتنهد مع كل نفس، وصوّبت نظراتها نحوي، أنا الفتاة التي لم أتخط الثلاثين عاماً.

سألتني إحدى المريضات في العيادة النسائية: "عذراء أم امرأة؟"، لترد والدتي باستغراب: "هل زيارة الطبيبة النسائية محصورة بمن فقدت عذريتها؟"

العيادة النسائية مخصصة للحوامل فقط!

توقف المشهد، عندما سألتني السكرتيرة: "قدي صرلك مجوزة؟"، لأردّ بكلمة "عزباء"، التي تردّد صداها في أفواه النساء اللواتي يلقين بنظراتهنّ، يتغامزن بأعينهنّ، لتخاطبني إحداهنّ: "عذراء أم امرأة؟".

أحسست أنّ الدم توقف في شراييني والصوت تاه في أوتاري، لترد والدتي باستغراب: "هل زيارة الطبيبة النسائية محصورة بمن فقدت عذريتها؟"، غير أن جوابها لم يكن مقنعاً، فابتسمت ابتسامة صفراء.

تجهل العديد من نساء الجيل القديم أهمية زيارة الفتيات للعيادة النسائية، إذ تساعد الزيارة المبكرة في التوعية حول تغيرات الجسم والمشاكل المحتملة والدورة الشهرية والنظافة الشخصية والإفرازات المهبلية.

بعد طول انتظار، توجهتُ مع والدتي إلى غرفة صغيرة الحجم مليئة بصور أجنة في رحم أمهاتهنّ وأطفال في الأشهر الأولى بعد ولادتهنّ.

وجّهت لي الطبيبة أسئلة محدّدة تتعلّق بسبب زيارتي وتاريخ عائلة والدتي الوراثي ومعاناتي من مشاكل هرمونية أو عدم انتظام دورتي الشهرية. وبعدها، طلبت مني الاستلقاء لإجراء صورة ECHO تفصيلية.

خلال معاينتها، شرحت لي بالتفصيل عن الرحم والمبيض، وطلبت مني رؤيتهما والتعرّف على جسدي عن قريب، وختمت حديثها: "خطوة أساسية، أهنئك عليها".

دقائق المعاينة انتهت بنصائح طبية تستدعي معاودة زيارتي لها في أقرب وقت عند معاناتي من اضطرابات في دورات الحيض لمدة 3 أشهر، وتدفق قوي للعادة الشهرية على شكل نزيف.

"تابو حتى الزواج"

أعيش في مجتمع محاصر بقضايا محدّدة، كالعنف الأسري والتحرّش الجنسي ومسائل سياسية واقتصادية، وفي زحمة المدافعة عمّا يتناسب مع الأجندات، يتم نسيان حقي كفتاة بالحصول على معلومات واضحة عن صحتي الجنسية.

الموضوع لا يقف هنا، ففي المدرسة كما الجامعة، تغيب التوعية في المناهج الأكاديمية عن الصحّة الجنسية وأهمية زيارة الطبيب/ة واستشارته/ا بتفاصيل عدّة حول العادة الشهرية، فحص الرحم والعلاقة الجنسية، بالإضافة إلى العادة السرية.

وعلى الرغم من كل الانفتاح الذي "يدّعيه" المجتمع، ما زالت فكرة زيارة طبيب/ة نسائي/ة غير محبذة حتى الزواج، حتى أمهاتنا يخجلن من دعوتنا لاكتشاف أجسادنا وطلب المساعدة في شرح ما يحدث معنا: عادة قوية أو خفيفة؟ يرافقها ألم حاد؟ إفرازات طبيعية؟، وفي أحيانٍ، يستشرن نساء العائلة أو صديقاتهنّ.

ليس من المحرّمات اكتشاف جسمنا وفهم احتياجاته، وليس من المحرّمات أيضاً استشارة شخص مختص حول أي معلومة جنسية، على عكس ذلك، يجب بناء علاقة صحية بيننا وبينه، والعبرة هي كسر الخجل ووضع صحتنا الجنسية والإنجابية كأولوية

تجارب عن زيارة العيادة النسائية

لم أتمالك أعصابي حتى مشاركة ما جرى في العيادة النسائية مع صديقاتي المقرّبات، أخبرتهنّ بالتفاصيل المملة عن نظرات النساء الحوامل، ولأكثر من ساعتين متواصلتين، تحدثن عن عيّنة من هؤلاء. رفضت والدة إحدى الصديقات فكرة زيارتها طبيبة نسائية بعد تأخر دورتها الشهرية، موضحةً ردها: "أمر طبيعي، لم يحن الوقت بعد". عاندت رأي أمها وتوجّهت إلى طبيبة في المبنى المجاور لهنّ، ليتبين أنّها تعاني من مشاكل هرمونية وأكياس على المبيض.

تقاطعها نيرمين مشاركة إيانا تجربة سيئة تعرضت لها في زيارتها الأولى لطبيب نسائي تحرّش بها أثناء فحصها: "توترتُ قبل أنّ أنفجر صارخة"، ليقول لي: "شو هالولاد لبتجي لعندي؟". عرّضت هذه الحادثة صديقتي إلى طلب مساعدة من مرشدة نفسية لتخطيها، بعد خوفها من تكرارها مع طبيب آخر، وتفضيلها طبيبة نسائية.

تستغرب لين أحاديثنا، وتندهش بما تسمعه، فهي وحيدة بين ثلاثة شبان، دفعتها أمها لزيارة الطبيب بعد بلوغها، وطلبت منها تقديم كافة المعلومات حول العادة الشهرية. ومنذ ذلك الحين، تزوره باستمرار كل 6 أشهر لإجراء فحص روتيني والتأكد من "نظافة رحمها"، وما قد نعتقده انفتاحاً، يخبئ وراءه قصة أم قامت باستئصال رحمها نتيجة تأخر قيامها بفحصها الدوري: "لا أعلم أكانت أمي من النساء النادرات أم الواعيات في المجتمع، لكن ما بت أدركه أنّها متصالحة مع جسدها قبل نفسها أولاً؟".

ليس من المحرّمات اكتشاف جسمنا وفهم احتياجاته، وليس من المحرّمات أيضاً استشارة شخص مختص حول أي معلومة جنسية، على عكس ذلك، يجب بناء علاقة صحية بيننا وبينه، والعبرة في رحلتي إلى العيادة النسائية هي كسر الخجل ووضع صحتنا الجنسية والإنجابية كأولوية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard