شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
العودة إلى زمن

العودة إلى زمن "الكافولة"... أمهات يلجأن إلى الفوط القماشية حفاظاً على الصحة والبيئة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الثلاثاء 24 يناير 202311:58 ص

قبل قرابة عقدين، كانت السيدات يعتمدن على "الكافولة"، وهي قطعة قماشية تُلفّ حول وسط الطفل، ثم تُمرّر بين الفخذين لتعمل عمل الحفاضات، كما كن يستخدمن الفوط القماشية أوقات طمثهن، إلى أن انتشرت المنتجات ذات الاستخدام الواحد في الأسواق المحلية، وأصبحت لا تفارقهن، ومن ثم ينتهي بها المطاف إلى مجمعات النفايات.

ترتبط هذه المنتجات الحديثة في أذهان السيدات بتحقيق معدلات نظافة مُرضية بالنسبة إليهن، وما أن انعدمت تسببت لهن بالارتباك والخجل في بعض الأحيان. منال ج.، وهي سيدة خمسينية، تقول لرصيف22: "قبل انتشار الفوط الصحية، كنا نشعر بعدم الارتياح من استخدام الفوط القماشية، ونمتنع خلال تلك المدة عن الذهاب إلي المدرسة أو الخروج من المنزل". وتتابع: "الآن أكون واثقةً وأنا أحمل حفيدتي وهي ترتدي الحفاضات البلاستيكية، إذ لا أتوقع أي نقطة تسريب مثل السابق".

ووفقاً لتقريرٍ لمعهد الاستدامة العالمي نُشر عام 2019، فإن متوسط استخدام السيدات للفوط الصحية خلال حياتهن يصل إلى 11 ألف فوطة، كما يستخدم الطفل وسطياً 8،000 حفاض في حياته، بمعدل ست حفاضات يومياً.

تستغرق الفوط البلاستيكية ما يصل إلى 500-800 عام لتتحلل، وتخلّف أضراراً بيئيةً، مثل تلوث المياه الجوفية وانتشار الأمراض.

وتشير الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، إلى أن تلك الفوط تستغرق ما يصل إلى 500-800 عام لتتحلل، إذ تُلقى في مكبات النفايات وتغطّى، ولا تتعرض للشمس أو الهواء على الإطلاق، مخلفةً بذلك أضراراً بيئيةً، مثل تلوث المياه الجوفية وانتشار الأمراض.

أطفال بلا نفايات

وفي الوقت الذي يصعب فيه على الأهالي تخيّل حياتهم مع الطفل الرضيع خاليةً من الحفاضات البلاستيكية والمناديل الورقية، أرادت رضوى أحمد (30 عاماً)، اعتماد نمط "صفر نفايات" في بيتها ومع طفلتها الأولى، والذي يعتمد على أفكار لتقليل البصمة الكربونية للإنسان وعيش حياة أكثر استدامةً.

تقول رضوى لرصيف22، إنها تعرفت على ذلك النمط في أثناء مشاهدتها مجموعةً من الأفلام الوثائقية، فبدأت بتدوين ما يُخرجه بيتها من عناصر ذات استخدام الفردي، والتي يمكن استبدالها بسهولة بقطعة قماشية، وجاء في مقدمتها الفوط الصحية والحفاضات، مردفةً: "أنا لا أتقبل فكرة استمرار النفايات أكثر من عمر الإنسان".

في عام 2017، أسست رضوى مشروع "أخضر"، للتوعية بأخطار المخلفات البيئية، فوفرت منتجات تعيش لفترة طويلة، وبديلة عن المنتجات التي تتلف سريعاً وتلقى في القمامة، وعملت على بيعها بهامش ربح بسيط، لتشجيع الناس على خوض تلك التجربة.

تشير إلى أن الحفاضات القماشية توفر للأمهات خيارات عدة تناسب وزن الطفل ومستوى نشاطه، كما تجمع بين قوة الامتصاص وسهولة الاستخدام في وقت واحد، إذ تتكون من طبقتين إلى ثلاث طبقات من خامة "الميكروفيبر" شديدة الامتصاص، تليها طبقة من البامبو أو القطن المقاوم للبكتيريا والفطريات على سطحه، بالإضافة إلى غطاء خارجي مقاوم للماء، ومن الممكن زيادة عدد الحشوات القماشية لجعلها تدوم طوال الليل من دون تسريب.

وتوضح رضوى أن هذه الحفاضات من الممكن أن يستخدمها الطفل منذ ولادته إلى أن يصل إلى وقت الاستعداد للتدريب على الاستغناء عنها واستخدام "النونية"، فهي "تنمو مع الطفل" وفق تعبيرها، إذ تُغلَق عند وركه بكبّاسين على حسب وزنه، بدلاً من الشرائط اللاصقة التي في كثير من الأحيان تؤدي إلى التسريب لعدم وجود مقاسات محددة لكل زيادة عمرية.

إلى جانب ذلك، ينصح الأطباء باختيار نوع حفاضات يضمن سلامة الأطفال، ويكون مريحاً لهم وحسب. وتذكر مروة وجيه، أخصائية طب الأطفال وحديثي الولادة، لرصيف22، أن "المواد الكيميائية المتضمنة في الحفاضات قد يكون بعضها محفوفاً بالمخاطر، خاصةً أن التعرض المطول للحفاضات الممتلئة بفضلات الأطفال والمُحملة بتلك المواد فائقة الامتصاص هو السبب الأكثر شيوعاً لطفح الحفاضات، بينما استخدام الحفاضات القماشية والتغيير بمعدل كل ساعتين هو أكثر أماناً، ويسهل التدريب في ما بعد على الاستغناء عن الحفاضات".

فائدة بيئية واقتصادية

تقول مروة حبيب، وهي أم لطفلتين، وشريكة مؤسسة في مجموعة "دعم الأم المستخدمة للحفاضة القماش" على فيسبوك، والتي يقارب عدد أعضائها 12 ألفاً، أن هناك اتجاهاً للأهالي للتعرف على تلك الحفاضات الصديقة للبيئة، ولاحظت تدفق طلبات الانضمام إلى المجموعة، وبداية من منتصف كانون الأول/ ديسمبر الماضي وحتى وقت نشر التقرير، انضم ما يقرب من 3،000 عضو جديد إليها.

وتوضح حبيب خلال تصريحات لرصيف22، أنها لجأت إلى استخدام الحفاضات بدافع الحفاظ على البيئة وعلى صحة طفلتها في آن واحد، بعد تعرّضها لمضاعفات من استخدامها.

سارة ترك، وهي أم مستخدمة للحفاضات القماشية أيضاً، تقول لرصيف22: "بعد تجربتي أدركت أن التخلص من الحفاضات البلاستيكية أصبح منطقياً أكثر بسبب التطور في الخامات، وبإمكان الأمهات إلقاء كل شيء في الغسيل عندما يتّسخ".

الحفاضات القماشية توفر للأمهات خيارات عدة تناسب وزن الطفل ومستوى نشاطه، كما تجمع بين قوة الامتصاص وسهولة الاستخدام، إذ تتكون من طبقتين إلى ثلاث طبقات من خامة "الميكروفيبر" شديدة الامتصاص، تليها طبقة من البامبو أو القطن المقاوم للبكتيريا والفطريات

في المقابل، عارضت إسراء إبراهيم، وهي أم لطفلين، استخدام الحفاضات القابلة للغسيل والاستخدام أكثر من مرة، قائلةً: "نحن كأمهات متعبات، ولا نغفل عن تلك الضغوط التي نمر بها خلال اليوم، إذ نفكر في الملابس، والوجبات، ولسنا في حاجة إلى أعباء إضافية".

من جهة أخرى، تراجع الجنيه المصري بأكثر من 90% أمام الدولار الأمريكي خلال أقل من سنة، مما دفع بعض شركات الحفاضات إلى أن تعلن رفع أسعار منتجاتها مع تخفيض العدد داخل العبوة الواحدة، إذ وصل سعر العبوة التي تحتوي على 58 قطعةً إلى 250 جنيهاً (8.5 دولارات)، وأكدت بعض الأمهات أنها لا تكفي لأكثر من 15 يوماً، فيما يبدأ سعر الحفاض القماشي من 160 جنيهاً، وتحتاج الأم إلى أربع حفاضات لتبدأ تجربتها، ومع زيادة العدد ستقل المشقة، وفق حديث رضوى.

منتجات الحيض الخضراء

منذ خمس سنوات، تستخدم رضوى منتجات "الحيض الأخضر"، وهي أدوات النظافة الشهرية القابلة للتحلل الحيوي، مثل الفوط الصحية القابلة لإعادة الاستخدام، والمصنوعة من ألياف طبيعية مثل القطن والبامبو، إلى جانب طبقة خارجية من مادة مقاومة للماء، يمكنها امتصاص ومنع تسرب الدم.

وعن هذه المنتجات تشرح: "مع استعمالي لتلك الفوط شعرت بأنها الطريقة التي يجب أن تكون عليها الأمور. وبرغم أنها قد تكون مرهقةً، لكن يمكننا الاعتياد على التعامل معها، لذلك أشجع السيدات من خلال متجري على خوض تلك التجربة". وتؤكد أن استخدام بعض المُلحقات مع الحفاضات القماشية والفوط الصحية، تجعل التجربة أكثر سلاسةً، خاصةً أن التعامل مع تلك المنتجات قد يكون مزعجاً للبعض، بذلك توفر في متجرها أكياساً مقاومةً للماء بألوان زاهية وتصميمات مبتكرة، لإخفاء الفوط المتّسخة منها خلال التنقل إلى حين العودة إلى المنزل.

تستخدم مصريات الفوط الصحية القابلة لإعادة الاستخدام، والمصنوعة من ألياف طبيعية، إلى جانب طبقة خارجية من مادة مقاومة للماء، يمكنها امتصاص ومنع تسرب الدم، وتؤكدن أن تلك الفوط قدّمت لهن قدراً من الأمان مثلما تفعل الفوط العادية، كما خففت عنهن عبء الشراء الشهري

وكما هو حال حفاضات الأطفال، قفزت أسعار مستلزمات الحيض في مصر، بينما كان سعر العبوة العادية المكوّنة من 28 فوطةً، قرابة 25 جنيهاً، أصبح الآن 40 جنيهاً.

وتحدث رصيف22، مع عدد من السيدات اللواتي يستخدمن الفوط الصحية القماشية، ولم يفضّلن ذكر أسمائهن الكاملة، خاصةً أنهن غير معلنات عن تجاربهن ضمن دوائرهن المحيطة، نظراً إلى ما هو شائع عن تلك الأقمشة في أذهان البعض من تسريب أو أمور تتعلق بالنظافة الشخصية. لكنهن أكدن أن تلك الفوط قدّمت لهن قدراً من الأمان مثلما تفعل الفوط العادية، نظراً إلى وجود أقمشة عازلة، بالإضافة إلى توافرها الدائم في خزائنهن، مما خفف عنهن عبء الشراء الشهري.

وأشارت المتحدثات إلى أن المرأة في معظم الأحيان تتجاهل في أثناء دورتها الشهرية التفكير في المنافع والمساوئ الطبية للمنتج، سواء كان مصنوعاً من البلاستيك أو القماش، فما يشغلها هو التخلص من التقلصات المستعصية عليها خلال تلك المدة، وأن تمر بسلام من دون بقعة دم واحدة على ملابسها الخارجية.

وضمن هذا السياق تقول س. أ (28 عاماً): "أرغب في تجربة الفوط القماشية، لكني مقتنعة بأن ذلك يتطلب مزيداً من الجهد والوقت، دائما سأكون في قلق، لا أستطيع أن أغامر وأستخدمها خاصةً أن هناك بدائل أسهل".

ولا تنكر رضوى أهمية الفوط الصحية الورقية الاعتيادية في حياة النساء اليومية، لكنها ترى أنه "يجب أن ننظر إليها على أنها الاستثناء وليست القاعدة، حتى لو اضطررنا إليها في بعض الأوقات".

وفي نهاية يومها، تشعر مؤسِسة "أخضر" بالرضا، وهي تُخرج كيس قمامة صغير من منزلها، مؤمنةً تماماً بأن خطوة تقليل النفايات ليس تفضّلاً منها، لكنها واجب إنساني تجاه البيئة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

البيئة هي كل ما حولنا، وهي، للأسف، تتغير اليوم باستمرار، وفي كثير من الأحيان نحو الأسوأ، وهنا يأتي دورنا كصحافيين: لرفع الوعي بما يحدث في العالم من تغييرات بيئية ومناخية وبآثار تلك التغييرات علينا، وتبسيط المفاهيم البيئية كي يكون الجميع قادرين على فهمها ومعرفة ما يدور حولهم، وأيضاً للتأكيد على الدور الذي يمكن للجميع القيام به لتحسين الكثير من الأمور في حياتنا اليومية.

Website by WhiteBeard
Popup Image