"كنت أتمنى أن أرى أو أسمع عن أحد مثلي وأنا صغيرة". جملة لطالما كررها أفراد مجتمع الميم – عين، وهذا ما قالته الفنان/ة الرابر إنانا من سوريا (هنّ)، بعد المشاركة في بودكاست "بينَ بين" الذي أُطلق مؤخراً في العاصمة الألمانية برلين.
جمّع البودكاست خمس قصص من مجتمع الميم – عين السوري في ألمانيا، أغلبهم/ن من العابرين/ات جندرياً، وغير محددي الجندر، ودارت الحوارات حول العلاقة بينهم/ن مع عائلتهم/ن البيولوجية وتطورها من مرحلة البحث عن الذات وتحقيقها وصولاً إلى اليوم. ويطرح البودكاست تساؤلات حول كيفية تعافي العلاقات العائلية بعد معاناتها من ضعف أو انقطاع التواصل.
وعن متى يكون قطع العلاقة أفضل من استمرارها، بالإضافة للحديث عن مفهوم العائلة البديلة وأهميته في حياة أفراد مجتمع الميم – عين.
أُطلق البودكاست ضمن مبادرة "سرديات تقاطعية"، التي تشجع على الحوار حول عدة موضوعات تقاطعية، على مستوى الأجيال والجغرافيا والمستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وقد تم تمويل المشروع من مؤسسة تبنى ثورة وGIZ الألمانية، وعملت على تنفيذه كل من الصحافية السورية سعاد عباس، والمصور/ة نيمار، حيث استغرقت مرحلة الإعداد والبحث ما يقارب الخمسة أشهر، حسب ما أفصحا في حفل الإطلاق.
"من المهم أن نقف للحظة لننظر ونبحث ونتحدث عن كيف نرى أنفسنا وكيف نقدمها في المجتمعات الجديدة، بعيداً عن الوصاية والتنميط". الكاتبة إنانا عثمان
قالت الكاتبة إنانا عثمان من سرديات تقاطعية: "نحن كذوات سورية معنيون بالهوية، خصوصاً في مجتمعاتنا الجديدة، ومن المهم أن نقف للحظة لننظر ونبحث ونتحدث عن كيف نرى أنفسنا ونقدمها في المجتمعات الجديدة، بعيداً عن الوصاية والتنميط، لذلك سعينا أن نبحث عن مساحات متقاطعة ومنفصلة في تعريفنا عن أنفسنا ومن هنا جاء بودكاست بينَ بين".
العلاقة بالعائلة
تشرح سعاد عباس: "يدور المشروع حول الأشخاص الكوير وعائلاتهم/ن، وقدرتهم/ن على التعبير عن أنفسهم/ن ضمن شبكة أمان شخصية، خصوصاً وأن بعض الأهالي تلقوا قصص أبنائهم/ بناتهن كصدمة نفسية ولم يتلقوا الدعم المجتمعي ولا المعلوماتي، ووجدوا أنفسهم غير قادرين علي التعامل مع ابن/ة أصبح/ت شاذ/ة عن القاعدة، وليس لديهم دليل للتعامل معه/ا".
وتضيف: "أردنا الحديث عن علاقات الأشخاص مع عائلاتهم/ن، كيف كانت؟ وكيف أصبحت؟ والمعاناة التي مروا بها. لم نوفق في استضافة عائلات، ولكن إحدى الأمهات قبلت الظهور مع ابنتها/ ابنها".
ويضيف/ تضيف نيمار: "لدي هذه المشكلة مع أهلي شخصياً، لكننا استطعنا الوصول لاتفاق فيما بيننا، نريد من هذا البودكاست أن نقول للأشخاص الكوير الذين لا يستطيعون أو لا يريدون الظهور لأهاليهم/ن، بأن هناك أناس مثلكم/ن ومجتمع مشابه لكم/ن، وكذلك للأهالي الذي يفتقرون للمعلومات وعن كيفية التعاطي مع أبنائهم وبناتهم الكويريين/ات، وأن نوصل لهم رسالة بأن الحب هو الحل، وإذا استطعنا الوصول إلى السوريين/ات في الداخل، فسوف نكون قد حققنا نجاحاً، كما أن هذا العمل هو إضافة للمكتبة العربية الفقيرة في هذه الموضوعات".
"نريد من هذا البودكاست أن نقول للأشخاص الكوير بأن هناك مجتمع مشابه لكم/ن، وكذلك للأهالي الذي يفتقرون للمعلومات وعن كيفية التعاطي مع أبنائهم وبناتهم الكويريين/ات، وأن نوصل لهم رسالة بأن الحب هو الحل". المصور/ة نيمار
وهنا أشارت سعاد إلى أن البودكاست لا يزال جديداً على السوريين/ات، ولكنه أصبح جزءاً من يوميات أهالي الخليج: "فالوصول لهم يعتبر أيضاً نجاحاً لنا، لأن الموضوع يعنيهم أيضاً".
وشددت على أن المهم في هذا المشروع هو: "إن هذه قصص إنسانية، ولها الحق في العدالة والحياة، من النفاق أن أكون شخصاً حراً وفي بلد حر، ولكنني لا أؤمن بحرية أناس معينين".
في ردها على جهوزيتهم/ن لخطاب الكراهية الذي من الممكن توجيهه للبودكاست والقائمين عليه، قال/ت نيمار: "استغنينا عن الفيسبوك حيث إن أكثر خطاب الكراهية ينطلق عبره".
تحديات العمل
وأضاف/ت نيمار: "اعتبرت الموضوع كتحد، كيف سأقدم نفسي؟ هل أخفي هويتي؟ كما أن الموضوع المتناول يوقظ مشاعرعديدة، بعض منها قد لا يكون جميلاً أو سعيداً، لكن عملي على البودكاست كان تجربة خاصة فتعلمت شيئاً جديداً من كل ضيف/ة".
وفي إشارة لتنوع الضيوف قال/ت نيمار: "هناك تنوع طائفي، ثقافي وعرقي كبير في سوريا، وحاولنا من خلال الحلقات الخمس أن نغطي بعض هذا التنوع، فالضيوف يمثلون جزءاً من هذا التنوع السوري الجميل".
كما بينّت سعاد بأنها تعلمت الكثير من هذا البودكاست: "كل ما قرأته ودرسته وتعلمته، كان مختلفاً تماماً عن قصص الضيوف الذين/ اللواتي شاركوا/ن معنا في البودكاست".
الصوت لا يغيب
ووضحت سعاد سبب اختيار إخراج العمل في بودكاست: "الصوت يحمل معه الطاقة والأحاسيس، كالسخرية والغضب وهذا ما يجعله مختلفاً عن الكتابة".
"من المهم أن نحكي قصصنا ونشعر الأشخاص الآخرين إنهم ليسوا لوحدهم، أصواتنا ستبقى ويوماً ما ستغير شيء في هذا العالم". الفنان/ة إنانا من سوريا.
وأكدت الفنان/ة إنانا أنه: "من المهم أن نحكي قصصنا ونشاركها مع الناس، ونشعر الأشخاص الآخرين إنهم ليسوا لوحدهم وأن هناك أناس مثلهم/ن حول العالم، أو من نفس جنسيتهم/ن، كما أن الصوت باق، لا يمكن حرقه، لا يمكن تشويهه، لذا فأن أصواتنا ستبقى ويوماً ما ستغير شيء في هذا العالم".
وفي السياق ذاته، أكد أحمد عوض الله الكاتب والباحث المصري، بأن الكتابة هي فعل من أفعال الشفاء، وهي مهمة بالنسبة للكثيرين/ات، إلا أن الصوت له وقعه، يحمل الطاقة والأحاسيس، كما إنه يجعل منك أقرب من الأشخاص في بعض الأحيان".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...