شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
لماذا رضي نجيب محفوظ باستغلال السينما التجارية لاسمه وأعماله؟ (2 من 2)

لماذا رضي نجيب محفوظ باستغلال السينما التجارية لاسمه وأعماله؟ (2 من 2)

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع نحن والتاريخ

الخميس 7 سبتمبر 202301:47 م

الفتوات والحرافيش... إغراء المرايا العاكسة للضحالة

شاهدتُ الأفلام الستة المأخوذة من "الحرافيش" بترتيب قصص الملحمة، لا تاريخ إنتاج الأفلام: "الحرافيش" عن الحكاية الثالثة "الحب والقضبان" لحسام الدين مصطفى، عرض في 17 شباط/فبراير 1986. "المطارد" عن الحكاية الرابعة "المطارد" لسمير سيف، عرض في 19 آب/أغسطس 1985. "شهد الملكة" عن الحكاية السادسة "شهد الملكة" لحسام الدين مصطفى، عرض في 18 حزيران/يونيو 1985.

"أصدقاء الشيطان" عن الحكاية السابعة "جلال صاحب الجلالة" لأحمد ياسين، عرض في 16 أيار/مايو 1988. "الجوع"، لعلي بدرخان، عرض أول أيلول/سبتمبر 1986. "التوت والنبوت" عن الحكاية العاشرة، الأخيرة، "التوت والنبوت" لنيازي مصطفى، عرض في 20 كانون الثاني/يناير 1986. وقبل فتوات "الحرافيش" أُنتجت ثلاثة أفلام عن هذه الأجواء. 

الأول "فتوات بولاق" ليحيى العلمي، (كانون الثاني/يناير 1981). قبل أن يتنوْبل محفوظ، ويحظى بشرف "عالمية" لا يتصف بها كاتب غربي، من سرفانتس إلى ماركيز. الكاتب يُنسب إلى جنسيته، لا إلى سراب "عالميّ". والفيلم "قصة نجيب محفوظ" وكفى، معالجة سينمائية وسيناريو وحوار وحيد حامد.

يذكر هاشم النحاس أن "فتوات بولاق" عن قصة من مجموعة "حكايات حارتنا". ويقول سمير فريد في كتابه "نجيب محفوظ والسينما" إن الفيلم مأخوذ من "الحرافيش". ولم أجد الأصل الأدبي للفيلم. والفيلم الثاني "الشيطان يعظ" لأشرف فهمي، (آب/أغسطس 1981). والفيلم الثالث "وكالة البلح" (1982) لحسام الدين مصطفى. وتستهله "نجمة الجماهير نادية الجندي"، ويليها "في قصة الكاتب الكبير نجيب محفوظ".

الأدب العظيم يهزم المبهورين بسطحه، فتقنع أبصارهم بالظاهر، ويصنعون أفلاماً من نثار معارك الكلام وضربات النبابيت. والبصائر تدرك أشياء أخرى، تسري في دماء النصوص

أتعبني التوصل إلى المصدر الأدبي لفيلم "وكالة البلح". يذكر سمير فريد أنه "قصة سينمائية"، بمعنى معالجة، مثل فيلم "الاختيار". ويقول هاشم النحاس إنه "واحد من سلسلة الأفلام المعدة خصيصاً للممثلة نادية الجندي في دور المرأة المثيرة التي تلعب بعواطف الرجال وتسيطر عليهم وتذلهم وهي تنتقل من واحد لآخر... المعلمة التي تصارع الرجال".

وأخيراً وضعت يدي على "أهل الهوى"، أولى قصص مجموعة "رأيت فيما يرى النائم". قصة محفوظ من النوع الذي يستهوي مصطفى محرم إذا كتب سيناريو فيلم يخرجه حسام الدين مصطفى لنادية الجندي؛ فالمعلمة نعمة الله، "المرأة الرائعة المخيفة"، تبدو تجميعاً لقصاقيص من بقايا شخصية زهيرة، "شهد الملكة"، في "الحرافيش".

لا أعرف، على وجه الدقة، في أي شهر من عام 1982 نشرت مجموعة "رأيت فيما يرى النائم". ولكن قصة "أهل الهوى" قرئت، وكتب لها السيناريو، (والحوار لشريف المنباوي)، وأنتج فيلم "وكالة البلح"، وعرض في 20 أيلول/سبتمبر 1982. الفيلم ينتمي إلى بطلته ومخرجه الذي استعار من أفلام مصرية نهاية ميلودرامية ساذجة. وقد ادخر نسخة من هذه النهاية لفيلم "الحرافيش"، الذي سيخرجه بعد أقل من أربع سنوات. وبين فيلمي "فتوات بولاق" و"وكالة البلح" أُنتج "الشيطان يعظ" المأخوذ من قصة "الرجل الثاني"، أولى قصص مجموعة "الشيطان يعظ". أفضل ما في الفيلم مشهده الأول، بالتقطيع السريع اللاهث لنحو عشرين لقطة في أربع وعشرين ثانية.

من المشهد الأول، يعد مدير التصوير سعيد شيمي، والمونتير عبد العزيز فخري بعمل كبير، ولا يصمد الفيلم (سيناريو وحوار أحمد صالح) فيقع في الارتباك الأول، بلافتة "مصر في عصر ما قبل القانون"، بخط الرقعة، على جدار يفضي إلى قبو يعبره الفتوة الديناري (الممثل فريد شوقي)، ليصرع ثلاثة من أعدائه.

في فيلم "الجوع" قدم علي بدرخان حلاً، قبل المشهد الأول، بلوحة "القاهرة 1887". وفي "الشيطان يعظ" وضع أشرف فهمي لوحة "مصر في عصر ما قبل القانون" في مشهد يتحرك فيه الممثل، للإيهام بأنها كتابة على جدار، وهي ليست كذلك إلا بمقدار ما تحمله عملة كتب عليها "سكّت سنة 66 قبل الميلاد".

ينتهي فريد شوقي من قتل الثلاثة، وتبدأ التترات وتنتهي بمشهد يحمل الارتباك الثاني المضاد للوحة "مصر في عصر ما قبل القانون". ففي القهوة يتربع المعلم طبّاع (الممثل توفيق الدقن) وهو كبير رجال الفتوة، ويستقبل الشاب شطاً الحجري (نور الشريف)، على خلفية أغنية "ودّع هواك". يضيق طبّاع بالأغنية التي تذكّره بالأفول، فيقدم شطا دليلاً على استحقاقه الانضمام إلى العصابة، ويحطم راديو القهوة، ويكفّ المطرب عن التذكير بالخواتيم. اللوحة التي يبدأ بها الفيلم تعني أن الأحداث تجري قبل ولادة كاتب الأغنية فتحي قورة عام 1919، والمطرب محمد عبد المطلب المولود عام 1907. أما إذاعة الراديو للأغنية فيعني أننا في منتصف القرن العشرين!

بالأغنية نفسها يتكرر الالتباس في المشهد الأخير، بعد قتل الشاب شطا. ويضجر طبّاع من سماع "عمر اللي فات ما هيرجع تاني". هل يبثها راديو آخر، أم راديو المشهد الأول بعد إصلاحه؟ ويفاجأ بتحطيم الراديو، بمبادرة من حنفي الأبيض (سعيد صالح)، عربون ولاء؛ ليلحقه بعصابة الديناري، فيتساءل مندهشاً: "جرى ايه للدنيا؟ الناس كلها بقت فتوات؟ أمّال مين اللي هينضرب؟". فيلم يشبه أدواراً قدمها ممثلوه من قبل، ويسهل وضعه في سلة أفلام سطّحت رؤية فلسفية يكتنز بها نص مراوغ، يبحث ثنائية الجبر والاختيار، واضطراب العاجز عن فهم مراد كائن متعالٍ قرر اختيار خليفة له، فينزع منه الطمأنينة. إله محيِّر يأمر، ولا يُسأل.

الأدب العظيم يهزم المبهورين بسطحه، فتقنع أبصارهم بالظاهر، ويصنعون أفلاماً من نثار معارك الكلام وضربات النبابيت. والبصائر تدرك أشياء أخرى، تسري في دماء النصوص. في فيلم "اللص والكلاب" (1962) لمس كمال الشيخ روح الرواية. الفيلم والرواية ظلماً أشرف فهمي، بإعادة إنتاجها في عمل باهت عنوانه "ليل وخونة"، (8 كانون الثاني/يناير 1990)، وبداية التترات "قصة أديب مصر العالمي نجيب محفوظ".

كانت صرعة نوبل في بداياتها المعلنة والسرية. وأكاد أشعر بروح "اللص والكلاب" تحت جلد "الهروب" (1991) لعاطف الطيب. "الهروب" تأليف مصطفى محرم، وأعاد بشير الديك كتابته. التفاصيل سجلها أحمد شوقي عبد الفتاح في كتابه "بشير الديك جدل الواقع والحياة"، في حياة محرم.

لعل "الكرنك" و"الحب فوق هضبة الهرم" أفضل سيناريوهات مصطفى محرم، منفرداً، عن أدب محفوظ. كلا الفيلمين ينافس الأصل الأدبي، ويضيف إليه بصرياً ودرامياً ما يعمق مأساة إرهاب البوليس في "الكرنك"، والآثار الكارثية للانفتاح الاقتصادي في "الحب فوق هضبة الهرم"، لولا موسيقى هاني مهنى الإنشائية التي أخذته إلى ساحة الميلودرما، الإغراء المخايل لعاطف الطيب أحياناً. وكان "الحب فوق هضبة الهرم" قبل نوبل؛ فاكتفوا بثلاث كلمات: "قصة نجيب محفوظ".

وسيكون فيلم "سمارة الأمير"، عام 1992، أكثر ملاءمة لمصطفى محرم، وبطلته الممثلة نبيلة عبيد التي جاء اسمها في اللوحة الأولى: "نجمة مصر الأولى"، وتليها لوحة "في رائعة الأديب العالمي نجيب محفوظ". ميلودراما أخرى.

أعمال محفوظ الناجية من محرم أكثر حظاً. لا أظن محسن زايد كتب سيناريو "قلب الليل" (1989) بتأثير نوبل، وإن حرص صناع الفيلم على كتابة "قصة الحائز على جائزة نوبل في الآداب لعام 1988 نجيب محفوظ". لمحسن زايد حساسية إزاء النصوص المهمة، وهنا ظلمته رواية تناقش قضايا الحرية والخطيئة وصراع الغريزة والضمير، ومأساة جعفر الراوي؛ لأنه "عاجز عن الكفر بالله!". جده الحالم بسلالة من البشر الإلهيين أخبره أن الإنسان إما إلهي وإما دنيوي. وتمزق الحفيد بين عقله وإيمانه، وحسد "الذين يعيشون عيشة كبيرة ويموتون راضين بلا إله". وراوده حلم الرسالة: "نذرت نفسي لإنقاذ البشرية في مصر فحسب!". أين الفيلم من ذلك؟

أفلام حسام الدين مصطفى مثال لصيد خاطف لوقائع من الشواشي، بلا تهمّل لتأمّل ما وراءها. والأعجب أن يعيد أشرف فهمي إخراج "الطريق"، عام 1986 بعنوان "وصمة عار"؛ فنعيد مشاهدة "الطريق" لحسام الدين مصطفى (1964).

وسداسية "الحرافيش" كاشفة للخفة والجدية في استلهام نص أكبر من حكاياته. "المطارد" يشبه سمير سيف. وأفلام الحركة لا تتوقف أمام فلسفة الحياة، وعبثها بالمطارد البريء، فتحرمه لذة الانتقام من عدو ينقذه الموت، ولا تريح المطارد؛ فتجبره على هروب سيزيفي جديد، مثقلاً بصخرته الأبدية. ويمكن قسمة "شهد الملكة" على نادية الجندي وحسام الدين الذي سيغفل الصراع الطبقي في فيلم "الحرافيش"، ويختمه بنسخة ساذجة من نهاية "وكالة البلح".

في مطلع التسعينيات رسم الفنان محمد إبراهيم شخصيات "الحرافيش"، وعرضها على محفوظ الذي قال على الفور: "أشوف جلال!". "جلال صاحب الجلالة" عنوان الحكاية السابعة في الملحمة، من أكثر شخصيات محفوظاً قلقاً، ولا تشبهها شخصية أخرى ربما في الأدب العربي.

ينتمي جلال إلى آلهة الإغريق. ابن زهيرة، "شهد الملكة"، المرأة التي جن أول أزواجها (عبده الفران أبو جلال)، وشنق الثاني، وقتل الثالث وهو الفتوة ليلة زفافه، ونفي المأمور الذي أراد خطبتها، ومات آخر أزواجها حزناً. والصبي رأى مصرع أمه، وتهشيم رأسها، ثم فجعه موت خطيبته "قمر". من رأس أمه المهشم الغارق في الدم، ومن وجه قمر وهي تموت، بدأت مأساة جلال.


قرر صاحب الجلالة أن يكون الفتوة، فكان. أنكر الموت، وآمن بخلود البشر ما لم يصبهم ضعف أو خيانة، وقد قتلته خيانة. شعر "بأن كائناً خرافياً يحل في جسده. إنه يملك حواس جديدة ويرى عالماً غريباً. عقله يفكر بقوانين غير مألوفة".

بدأ "يتحرك بإلهام القوة والخلود". التمس الخلود من "شاور"، الشيخ الذي لم يره أحد. وفي الظلام أمره بالعزلة، سنة كاملة تنتهي بمؤاخاة الجن؛ فلا يموت، وأن يشيد مئذنة ارتفاعها عشرة طوابق، مستقلة من دون مسجد. وصارت مئذنة العفاريت عنوان غطرسة كائن نيتشوي أيقن أنه "سيكون طليعة كون جديد". ولا يهزمه إلا السم، فقتل عارياً، في حوض للدواب، غارقاً في الروث.

أحمد ياسين اختتم سداسية الحرافيش بفيلم "أصدقاء الشيطان" (1988). هذا النص التراجيدي الملهم يثير الخيال، ويسمو بالفيلم إلى الكلاسيكيات، لو اقتبس روح النص. كاتب السيناريو إبراهيم الموجي أهمل قصة المئذنة، وقد رآها الناس دليل مسّ أصاب الفتوة، وأخرجوا من الدفاتر القديمة أدلة وأكاذيب تتهم عائلة الناجي باللصوصية والجنون. وانشغل الفيلم بظاهر الحكاية، وجعل من جلال المتهم بخيانة عهد جده بطلاً شهيداً صاحب قضية، وحلماً في الضمير الجمعي، في استعارة لروح الحكاية الأخيرة "التوت والنبوت"، وكان نيازي مصطفى قد أخرجها قبل عامين، وفيها يجرؤ عاشور الناجي الحفيد على هدم مئذنة جلال، ويرفض اقتران تحقق العدل والسعادة بالزعيم الفرد، وإنما بقوة الحرافيش.

فيلم "الجوع" لعلي بدرخان (1986) يمثل جوهر الحرافيش. لا وجود لاسم نجيب محفوظ في الشريط، والسيناريو لعلي بدرخان ومصطفى محرم وطارق الميرغني، وتصميم الديكور والملابس لصلاح مرعي، والمونتاج لعادل منير، ومدير التصوير محمود عبد السميع، والموسيقى الساحرة لجورج كازازيان. تحرر الفيلم من النص، هضمه وأذاب معالمه، وأبقى على خلاصته. بالندية تفاعل بدرخان مع الرواية، وقطف زهورها، غير متقيد بفكرة أو مشهد أو حكاية، وتخلص من اسم عائلة الناجي. ويظن القارئ والمشاهد أن الفيلم من إحدى حكايات "الحرافيش"؛ لانسياب الأحداث بنعومة وانسجام وتصاعد. وبناء الفيلم يستند إلى الحكاية التاسعة "سارق النغمة" التي تمجد قوة الجماهير في اندفاعها الهادر؛ فتتغلب على الطاغية.

ويستلهم من الحكاية الأخيرة "التوت والنبوت" حكمة الرواية، امتلاك القوة، وألا ينوب عنهم فرد، وألا يعلقوا الآمال بشخص فتوة عادل، ولو كان عاشور القائل: "أحب العدل أكثر مما أحب الحرافيش وأكثر مما أكره الأعيان". وفي "الجوع" يعمل فرج الجبالي (محمود عبد العزيز) سائق عربة، وأخوه جابر (عبد العزيز مخيون) حداد ضعيف طيب يحب زبيدة (سعاد حسني) في صمت، وتخبره بأن الفتوة محروس ابن خالته خدعها، وتخلى عنها. فرج يجهل قوته، وتهان أمه؛ فيعارك الفتوة محروس ويقتله؛ فلا تبكي عليه إلا زبيدة الحامل منه. ويتستر عليها جابر بالزواج. وينصّبون فرج فتوة؛ فيخافه التجار، ويتحايلون لجعله منهم، بالزواج من الثرية ملك (يسرا).

النصوص المحفوظية أكثر عمقاً من كل الأفلام التي اقتربت منها. دفعني الانحياز إلى التعميم باطمئنان، على الرغم من استثناءات نادرة ذكرت بعضاً منها. وأخشى أن يكون انحيازي صائباً

فرج يصعد طبقياً، ويتنكر للأهالي. يستبد، ويهدد المتمردين بأن "يلبّسهم طُـرَح". وتنحسر مياه النيل، والجوع يعم، والتجار يخفون السلع، وفرج يحتكر الأقوات. وجابر يسرق الطعام من المخازن ويوزعها على الجوعى. يكتشفه فرج ويعذبه ويسجنه. وبتدبير زبيدة يحرره الحرافيش، ويثورون على فرج ويرجمونه، ويختارون جابر فتوة، فينصحهم بالاعتماد على أنفسهم، والتسلح بالنبابيت. هي نهاية "التوت والنبوت". لكن "الجوع" حلق في سماء الرواية، وجنى حكمتها. جابر المثالي يشبه شخصيتيْ "قرة" من الحكاية الخامسة "قرة عيني"، و"فتح الباب" من الحكاية التاسعة "سارق النغمة". وفرج مزيج من ثلاثة: شمس الدين بطل الحكاية الثانية، وسليمان بطل الحكاية الثالثة "الحب والقضبان"، وسماحة فتوة حكاية "سارق النغمة".

في الفيلم مشاهد وعبارات حرفية من الحكايات. تحتال الدلالة، في حكاية "شمس الدين"، وتغري الفتوة بالسيدة "قمر"، وتعدد صفاتها وهو يقود الحنطور: "مهنتي بيع الملابس والسعادة". وبعد مواقعة قمر همست أنها خجلى: "لا تسئ بي الظن". الدلالة تقول الكلام لفرج الكلام نفسه عن ملك. وفي حكاية "قرة عيني" ينتظر قرة أخاه الشقي "رمانة" العائد من الخمارة، فيضيق بموعظة الفجر، ويقبل الاستماع: "شرط ألا يكون له علاقة بالأخلاق". ويحدّثه قرة عن خداعه لعزيزة. الحوار نفسه بين جابر والفتوة محروس، فتضجره "موعظة آخر الليل"، ويشترط ألا تكون للكلام "دعوة بالأخلاق". كلاهما، رمانة ومحروس، يقترح على محدثه إكمال شهامته بالزواج من البنت المخدوعة!

هذه ملامح عامة عن أفلام مهمة استلهمت أعمالاً لنجيب محفوظ، عبر ذائقة شخصية أطللت منها على نصوص بارزة، وترجماتها السينمائية، أياً كان مستوى الأفلام. وقد عاهدت نفسي على تجنّب إسداء النصيحة، فلتكن اقتراحاً. وإن كان لي اقتراح على من يريد مشاهدة هذه الأفلام، وغيرها، ألا يبدأ بقراءة العمل الأدبي، وأن يتناساه إذا كان قد قرأه. أخشى أن تكون المشاهدة التالية للقراءة ظالمة للأفلام كصناعة محكومة بشروط الإنتاج. قلت، في بدايات المقال، إن النصوص المحفوظية أكثر عمقاً من كل الأفلام التي اقتربت منها. دفعني الانحياز إلى التعميم باطمئنان، على الرغم من استثناءات نادرة ذكرت بعضاً منها. وأخشى أن يكون انحيازي صائباً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard