شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"الزواج المحظور"... لماذا لا يتزوج الأمازيغ البيض من الأمازيغ السُّمر في مناطق مغربية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

السبت 8 يوليو 202312:10 م

[[audio id=93956 title=]]

"لم يكونوا سوى عبيدٍ عندنا"؛ هكذا يفسر أغلب الأمازيغ ذوي البشرة البيضاء، موقفهم من الزواج من الأمازيغ ذوي البشرة السمراء من كلا الجنسين. قد تتلخّص الحكاية كلّها في هذه الجملة "العنصريّة" التي ما زالت حاضرةً في أذهان كثيرين في الصحراء الشرقيّة المغربية.

في هذه القضية، يقف التاريخ حاجزاً أمام أيّ تمرّد على العرف والتقليد، وإن حدثت تغيّرات ظاهرة على مستوى التعايش والتجاور جنباً إلى جنب بينهما، وتبددت مظاهر العنصرية نسبياً، إلا أن هذا التعايش ينفي مجرد التفكير في تكوين أسرة مختلفة، وفي هذه الحالة تطفو القبليّة فوق السطح.

حين تمرّ مثلاً في خملية (قرية تابعة لجماعة الطاوس، نواحي مرزوكة)، حيث التجمعات البشرية هناك من الأمازيغ سمر البشرة -بشكل غالب- قلّما، بل نادراً ما تجد أسراً مختلطةً من بيض وسمر، وحين تمر هناك يظهر لك الأبناء بلونهم الأسمر الواضح، لتُدرك حينها أن جيناتهم من أمّ وأبٍ من الأمازيغ سمر البشرة.

ما دور التاريخ والقبلية في هذا التنافر على مستوى التزاوج؟ لماذا يقف التعايش عند هذه المسألة؟ هل تتقبل الأجيال الأمازيغية الحالية فكرة التزاوج باختلاف اللون والقبيلة؟ ألهذه الأجيال قدرة على التمرد على التاريخ والعرف والقبيلة والإيمان بالمساواة بين الناس؟

زواج مستحيل... ثقل التاريخ

حسن دادة، شاب من الأمازيغ سمر البشرة، ينطلق في تصريح له لرصيف22، من المعجم المصطلحي المتعامل به معهم قديماً وحديثاً، ليُظهر أن عدوى التاريخ برغم التغيّرات والتحولات المجتمعية والقبلية ما زال مستمراً في بعض تمظهراته.

يقول حسن: "حتى هذه اللحظة ما زال يُطلق علينا بالأمازيغية 'إسمخان'، أي 'العبيد' باللغة العربية، برغم انتهاء العبودية منذ عقود. هذا التوظيف المصطلحي المتداول يُبرز تلك النظرة الدنيئة التي يُنظر بها إلينا. من المصطلحات المعتمدة أيضاً؛ 'أبخوش' نسبةً إلى حشرة 'الخنفساء' التي يُطلَق عليها في المغرب 'البخوشة'، للتعبير عن 'القبح والبشاعة'، برغم التحولات المجتمعية والاقتصادية وحتى الإنسانية، وهذا يؤثر سلباً على مسألة الزواج من الأمازيغ البيض.

"لم يكونوا سوى عبيدٍ عندنا"؛ هكذا يفسر أغلب الأمازيغ ذوي البشرة البيضاء، موقفهم من الزواج من الأمازيغ ذوي البشرة السمراء من كلا الجنسين

نظرة عنصرية تتأسس على العرق، ولها أسباب تاريخية، وفق حسن، الذي يقول إن الأمازيغ سمر البشرة كانوا عبيداً لدى الأمازيغ البيض (الشلوح)، في مناطق خملية ومرزوكة ونواحيهما، لذلك فكرة الطبقيّة والعبودية ما زالت قائمةً، ولا يمكن أن يزوّج الأمازيغي "الحرّ" ابنته لعبد. يتسرب التاريخ إلى عقول بناتهم أيضاً، ما يجعل أي قناة للحوار مع الأب أو الأم مغلقةً، باعتبار رفض الابنة مسبقاً.

يُشير حسن إلى نقطة مهمة: "من الممكن أن تكون معها في علاقة خارج إطار الزواج، أي أن تعيش معها الحب والعشق. لكن بمجرد أن يصل الأمر إلى الزواج، تُمحى من ذاكرتها، وإن وافقت هي، يتدخل الأب، وفي غياب الأب يتدخل العم أو الأخ، وقد يصل الأمر حتى إلى تدخّل القبيلة، بل حين تطرق باب أمازيغي أبيض البشرة طلباً للزواج، فبمجرد أن يرى لونك 'الأسود' ينفي تماماً وجود أي ابنة عنده للزواج، وهذا الأمر يقتصر غالباً على قبائل آيت عطا وآيت خباش".

الأمازيغ 'السود' أنفسهم يدركون هذه المسألة ويتعاملون وفقها، وهم لا يطرقون باب أمازيغية بيضاء من أجل الزواج

يضيف حسن: "تصوَّر أنه وإن كانت الزوجة من الرُحَّل أو الطبقة الفقيرة فإنها تفضّل أن تتزوج أمازيغياً من طبقتها نفسها على أن تتزوج أمازيغياً 'أسود'، وإن كان وضعه الاقتصادي ميسراً، حتى لو كان وزيراً".

الزواج في المنطقة إذاً أمر لا يرتبط بالثقافة ولا بالعلم ولا بالدين، فحين يصل الأمر إلى الزواج تذوب كل هذه المؤشرات. باختصار المسألة لها علاقة باللون والعرق.

سألنا حسن حول إمكانية زواجه من أمازيغية بيضاء برغم كل هذه الإكراهات، فأجاب: "أنا لا أرفض ذلك، لكن الأمر لا يتعلق بموافقتي من عدمها. فأن تتزوج أمازيغيةً بيضاء معناه ألا تكون من منطقتنا بتاتاً. مثلاً، قد أتزوجها جباليةً (من جبالة)، كما حدث مع الكثير ممن أعرفهم. قد أتزوجها لكن الحاجز هي تلك النظرة التي ستظل دائماً هنا: عقدة اللون واشمئزاز القبيلة. قد أتزوجها لكن بالنسبة لها لست سوى اختيارٍ ثانٍ، أو كما يقولون في العامية: 'دارت فيك خير منين تزوجاتك'".  

يؤكد يوسف مولودة، من جانبه، مسألةً أخرى، في حديثه إلى رصيف22، هي أن هذه القبلية لا تقتصر فقط على مسألة اللون، بل تجد الأمازيغ البيض أنفسهم لا يتصاهرون إلا من العِرق نفسه. مثلاً آيت خباش لا يتصاهرون مع آيت عطا، وآيت عطا لا يتصاهرون مع آيت صغورشن... وهكذا. كل شيء يرتبط بالقبيلة، والأمر نفسه أيضاً ينطبق على الأمازيغ سمر البشرة، إذ قد تجد أمازيغياً أسمر من قبيلة معيّنة لا يُصاهر أسمر من قبيلة أخرى. هذه الأمور عند يوسف مرتبطة بالعرق والقبيلة.

حين يكون الزواج من هذا المنظور، أرفض بشكل قاطع حتى فكرة التعايش معهم، باعتباري أؤمن بالإنسانية، التي لا تؤمن بالتفاضل أو التمايز

غير أن فاطمة (امرأة أربعينية)، وبحكم أنها ترعرعت وعاشت وسط الأمازيغ سمر البشرة، ترى في تصريح لرصيف22، أنه "لا يوجد أي شكل من أشكال العداوة أو العنصرية، وإنما قديماً كان كل شخص يتزوج وفق لون بشرته وعرقه وقبيلته، ولا يرتبط الأمر بالأسود أو البيض، بل بعُرف القبيلة وتقاليدها، حتى أن الأمازيغ 'السود' أنفسهم يدركون هذه المسألة ويتعاملون وفقها، وهم لا يطرقون باب أمازيغية بيضاء من أجل التصاهر والتزواج". هذا العرف في قبيلة فاطمة ما زال ممتداً حتى أيامنا هذه.

تؤكد فاطمة على أن مجرد التفكير في التمرد على هذا العرف القبلي يخلق صراعاً داخل العائلة، ويكون الرفض الحل الوحيد، نظراً إلى كون الأب أو الأم هما السلطة العليا داخل البيت.

هذا الرفض تتعدد أسبابه حسب الباحث في التراث لحسن تاوشيخت، إذ يقول: "المعروف تاريخياً أن الأمازيغ سمر البشرة كانوا عبيداً للأمازيغ 'البيض'، بل أكثر من ذلك العبيد كانوا يلقَّبون بأسماء أسيادهم نفسها، وتالياً عرفياً وربما حتى شرعياً كان الناس يرون أنه لا يُسمح للعبد بأن يتزوج من بنات سيده. والأبيض لا يتزوج كذلك بنات عبده، كما لا يزال السود يعدّون البيض أسياداً ويقولون فعلياً: 'سيدي' للرجل، و'لالة' للمرأة".

استثناءات "على مضض"

ما من قاعدة إلا وتحمل معها استثناءات عديدة، والأمر نفسه ينطبق على عرف الزواج بين البيض والسود، تطفو أحياناً بعض الاستثناءات فوق السطح، ويتمرد البعض على القبيلة والعادات، لكن تلك الاستثناءات نادرة.

يسرد لنا حسن دادة بعض هذه الاستثناءات قائلاً: "أعرف شخصاً كان برتبة قائد في الجيش المغربي، وضعه المادي وحتى الاعتباري جيد، تزوج من أمازيغية بيضاء، لكن نظرتها إليه كانت دائماً نظرة احتقار، فهي لا تمنحه أي قيمة لا من حيث العواطف أو من حيث السلوكيات والتعامل. مثلاً، حينما يكونان ضيفَين على مناسبة لشخص معيّن، تخجل من السير معه، ما يجعل كل واحد منهما يذهب وحيداً، بل ترفض بشكل مطلق أن يذهبا إلى والديه، حتى من أجل الزيارة، لذا لم يجد حلاً سوى الطلاق، إذ أدرك أن زواجها مبنيّ على منفعة مادية، لا على الحب.

حتى هذه اللحظة ما زال يُطلق علينا بالأمازيغية 'إسمخان'، أي 'العبيد'. هذا التوظيف المصطلحي يُبرز تلك النظرة الدنيئة التي يُنظر بها إلينا

الأمر نفسه أيضاً يطرحه وليد يعقوبي، إذ يقول في تصريح لرصيف22: "بحكم أن الحي الذي أقطن فيه يشهد تعايشاً بين الأمازيغ البيض والسود، ظهرت بعض استثناءات الزواج من اللون نفسه، لكن يُنظر إلى الزوج دائماً نظرة احتقار وازدراء من طرف عائلة الزوجة خصوصاً.

في أوزينا (نواحي مرزوكة)، يضيف وليد، أعرف شخصاً متزوجاً من أمازيغية بيضاء، يتدخل في كل تفاصيل حياتهما عم الزوجة، محاولاً بكل استطاعته أن يفكك هذا الزواج وينهيه ولو بالكذب، وافتعال المشكلات بين الزوجين.

"التعايش لكن بكرامة"

محمد هروان فاعل جمعوي، يرى في تصريح لرصيف22، أن هذه الإشكالية مركّبة؛ تأخذ من التاريخي والعرقي والاقتصادي وحتى السياسي، ذلك أن هذه التفرقة بين البيض والسود واستمرارية الصراع وتراكمات التاريخ، تشكل حاجزاً أمام كل وحدة اجتماعية، باعتبار أن هذه الحزازات العنصرية مترسخة تحديداً في البلدان والقبائل الهشة اقتصادياً. وحدة القبيلة وتجاوز العرق والجنس قد ينتج عنها تكتل اجتماعي وقوة مجتمعية تطالب بحقوقها الاجتماعية، لأنه في غياب الحس المشترك، يغيب الإقلاع الاجتماعي. لذلك فحتى السياسات العمومية المحلية و"الجماعاتية" (البلديات) تحاول جاهدةً الإبقاء على هذا النوع من التفرقة.

ولأن محمد ينتمي كذلك إلى فئة الأمازيغ سمر البشرة، فهو يؤكد على ضرورة التعايش والاختلاط مع "البيض" في إطار الزواج، لكن من زاوية أخرى يشدد على أنه لا بد من أن تتبدد فكرة أن الزواج منهم يعني أنهم أفضل عرقاً أو مكانةً، وأن الزواج منهم حظوة وإنجاز.

يضيف محمد: "حين يكون الزواج من هذا المنظور، أرفض بشكل قاطع حتى فكرة التعايش معهم، باعتباري أؤمن بالإنسانية، التي لا تؤمن بالتفاضل أو التمايز".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

الإعلام بوق السلطة

تهدف وسائل الإعلام المُحتَكرة من قبل الأحزاب السّياسيّة والميليشيات إلى مصادرة الإرادة الشعبيّة، والتعتيم على الحقوق، والاعتداء على الحريات، ونشر الفتنة وبثّ خطاب الكراهيّة.

حتى لا يكون اللاجئون/ ات، وأصحاب الهمم، والأقليات الدينية، ومجتمع الميم-عين وغيرهم/ نّ من مهمّشي المجتمع كبش فداء، ساهم/ ي معنا في إنتاج صحافةٍ أكثر استقلاليةً.

Website by WhiteBeard