منذ الإعلان عن دعوة مصر للانضمام إلى تجمع دول "البريكس" في ختام مؤتمر أعمال قمة زعماء دول المجموعة، مساء الخميس 24 أغسطس/آب الجاري، لم يعد للوجوه الإعلامية المحسوبة على الدولة ولا لناشطيها على شبكات التواصل الاجتماعي من حديث إلا عن الخطوة الدبلوماسية والاقتصادية الهائلة التي قطعتها مصر بانضمامها إلى هذا التجمع، فيما تناول قليلون بالتحليل الجوانب السياسية والاقتصادية المتوقعة من تلك الخطوة.
وخلال القمة التي عقدت بمدينة جوهانسبرغ، أعلن رئيس جنوب أفريقيا سيريا رامافوزا، دعوة مصر لعضوية دائمة في "بريكس" اعتباراً من أول يناير/ كانون الثاني 2024، ضمن قائمة من 6 دول، ضمت أيضاً: المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، إثيوبيا، إيران والأرجنتين.
وعلى الرغم من عدم حضوره القمة بنفسه، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، بياناً قال فيه: "أثمِّن إعلان تجمع بريكس عن دعوة مصر للانضمام لعضويته اعتباراً من يناير 2024، ونعتز بثقة دول التجمع كافة التي تربطنا بها جميعاً علاقات وثيقة، ونتطلع للتعاون والتنسيق معها خلال الفترة المقبلة، وكذا مع الدول المدعوة للانضمام لتحقيق أهداف التجمع نحو تدعيم التعاون الاقتصادي فيما بيننا".
ولأن "الآراء" تتضارب، نحاول هنا في هذا التقرير من خلال "المعلومات" والبيانات المتاحة التعرف على صورة تقريبية لما يمكن أن تَفيِد منه مصر في انضمامها إلى بريكس.
"بريكس B.R.I.C.S" هو اختصار لأسماء الدول المشكلة للتحالف والتي سجلت وقت تشكيله أسرع نمو اقتصادي في العالم وهي: البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا، ونشأت فكرة هذه المجموعة عام 2006، إلا أن أول قمة فعلية لها عقدت في عام 2009، وانضمت جنوب أفريقيا عام 2010
ما هو تحالف بريكس؟
"بريكس B.R.I.C.S" هو اختصار لأسماء الدول المشكلة للتحالف والتي سجلت وقت تشكيله أسرع نمو اقتصادي في العالم وهي: البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا، ونشأت فكرة هذه المجموعة عام 2006، إلا أن أول قمة فعلية لها عقدت في عام 2009، وانضمت جنوب أفريقيا عام 2010.
الأسباب التي نص عليها البيان التأسيسي لتجمع البريكس كان من بينها: خلق قطب جديد يحدث توازناً في النظام الدولي ويحد من هيمنة الغرب أو الدول الصناعية السبع G7: كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة على الاقتصاد، كما كان من أسباب تأسيسه، السياسة التي تتبعها دول الغرب والولايات المتحدة تجاه روسيا والصين، التي ينظر إليها باعتبارهما دولتان تديرهما أنظمة سلطوية غير ديمقراطية، ما دفعهما للبحث عن تكتلات وحلفاء يتوافقون مع سياساتهما.
وتضم الدول المؤسسة للتجمع نحو 40% من سكان العالم، وتسهم بما يقدر بنحو 26.3% من الناتج الإجمال للاقتصاد العالمي بمبلغ 27.6 ترليون دولار وذلك وفقاً لأرقام 2023، ولكن من المنتظر أن ينمو إسهامها في الاقتصاد العالمي ليتجاوز مجموعة الصناعية السبع الكبرى عقب إضافة الناتج المحلي الإجمالي للدول الستة الجديدة المدعوة ومن بينها مصر، إذ ينتظر أن يصل الناتج الإجمالي لإسهام البريكس إلى نحو 56 ترليون دولار، فيما تقدم الدول الصناعية السبع الكبرى 52 ترليون دولار للاقتصاد العالمي، بحسب بيانات البنك الدولي.
لكن هذه الصورة البراقة لا تخلو من مشاكل تتمثل في وضع أكبر دولتين مؤسستين وهما الصين وروسيا، حيث الصين تعاني من توقف نمو ومتاعب اقتصادية أما روسيا فتمر بحالة من الحصار الاقتصادي الناجم عن هجومها على أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، ما قد يؤثر على القوة الاقتصادية لتجمع البريكس إن استمرت الأوضاع الاقتصادية القائمة في الدولتين المهيمنتين.
ماذا تنتظر مصر؟
وفي أعقاب إعلان انضمام مصر لتحالف "بريكس" بدأت وسائل الإعلام الرسمية، ووسائل التواصل الاجتماعي، تضج بالمزايا التي قد تعود على الدولة نتيجة هذا الانضمام، وكان أبرزها "التغلب على هيمنة الدولار"، نظراً لأن دول البريكس تتعامل تجارياً فيما بينها بعملاتها المحلية، في وقت تعاني فيه الدولة من عجز شديد في احتياطاتها الدولارية، التي لا تكفي لسداد حاجاتها لاستيراد السلع الغذائية الضرورية وسداد الديون المقومة بالدولار في ظل توقعات بخفض رابع لقيمة الجنيه المصري، استجابة لشروط صندوق النقد الدولي، الذي يرهن استكمال حزمة التمويل المقدرة بـ3 مليارات دولار، التي اتفق عليها في ديسمبر/ كانون الأول 2022، بتحرير سعر صرف العملة المحلية.
كما لفت البعض إلى إمكانية استفادة مصر من بنك بريكس للتنمية، الذي تم تأسيسه نتيجة هذا التحالف وتصل موجوداته إلى 23 مليار دولار، ويعمل على دعم المشروعات العامة أو الخاصة من خلال الضمانات والقروض والمشاركة في رأس المال، ويتم الترويج له بأنه يتمتع بالاستقلال وغياب المشروطية التي أضر بها صندوق النقد الدولي بالعديد من الدول خاصة النامية منها. وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي فعلاً بمجرد الإعلان عن الدعوة أن مصر تتطلع إلى الحصول على قروض ميسرة من بنك بريكس للتنمية.
لفت البعض إلى إمكانية استفادة مصر من بنك بريكس للتنمية، الذي يعمل على دعم المشروعات العامة أو الخاصة من خلال الضمانات والقروض والمشاركة في رأس المال، ويتم الترويج له بأنه يتمتع بالاستقلال وغياب المشروطية التي أضر بها صندوق النقد الدولي بالعديد من الدول خاصة النامية منها
ماذا يرى الخبراء الاقتصاديون المستقلون؟
في تصريحات نشرها عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك، قال الدكتور جودة عبد الخالق المفكر الاقتصادي ووزير التضامن الاجتماعي الأسبق، إن اختيار الدول الست في تجمع "بريكس" من بين الدول التي تقدمت للعضوية، يحقق رغبة الدول المؤسسة للتكتل في تحقيق ما اسماه "التمدد الجيوسياستراتيجي" - سياسياً واقتصادياً وجغرافياً - فانضمام كل من السعودية والإمارات وإيران، يأتي تحت عنوان "النفط والغاز"، لإحداث توازنات في سوق الطاقة الدولية، إذ تمتلك هذه الدول الثلاث احتياطات نفطية كبيرة.
أما مصر والأرجنتين، فرغم أزمتهما الاقتصادية (أعلى دولتين في العالم مديونية)، فتم قبولهما لاعتبارات جغرافية، فمصر على سبيل المثال تخدم رغبة التحالف في التوسع باتجاه أفريقيا والعالم العربي وآسيا.
يتفق هذا مع ما ظهر في تكهنات وتسريبات ذهبت إلى التأكيد على رفض مصر التام لطلب من الدول المؤسسة للبريكس لدفع تكلفة العبور في قناة السويس بالعملات المحلية لدول الاتحاد بديلاً عن الدولار، ما يشير إلى كون قناة السويس كانت حجر اساس في قبول انضمام مصر للاتحاد.
من الفوائد التي قد تعود على مصر من هذا الانضمام، هو الحصول على المزايا التي يوفرها الاتحاد في التجارة والاستثمار بين دول البريكس، لكن وضع الميزان التجاري بين مصر ودول البريكس لا يتيح آمالاً كبيرة في هذا الصدد
آمال اقتصادية مشروطة
بدوره يرى الخبير الاقتصادي واستاذ التمويل، مدحت نافع، إن اختيار مصر للانضمام لتجمع "بريكس" يعد دلالة بالغة الأهمية على ثقلها بين المتقدمين للعضوية.
ويشرح نافع لرصيف22، أنه من الفوائد التي قد تعود على مصر من هذا الانضمام، هو الحصول على المزايا التي يوفرها الاتحاد في التجارة والاستثمار بين دول البريكس، إلى جانب خفض الضغط على الدولار، شريطة أن تعمد إلى تخفيض العجز التجاري في السلع والخدمات مع الدول الأعضاء.
ما يشير إليه نافع هو الفارق الهائل في الميزان التجاري بين مصر والدول الأعضاء، مثلا صدرت الصين إلى مصر ما بلغت قيمته 18.1 مليار دولار في العام 2021، بينما صدرت مصر إلى الصين ما قيمته 1.17 مليار دولار في السنة نفسها.
يتواضع الفارق بعض الشيء في حالة روسيا، فبينما صدرت روسيا لمصر ما قيمته 5.01 مليار دولار في العام نفسه 2021، صدرت مصر إلى روسيا ما قيمته 2.44 مليار دولار.
في حالة الهند، يتسع القارق إلى ما يزيد على 2 مليار دولار، فبينما استقبلت مصر من الهند واردات بلغت قيمتها 3.33 مليار دولار، لم تصدر إليها سوى ما تبلغ حصيلته675 مليون دولار فقط.
يتحسن الوضع بعض الشيء مع البرازيل، التي صدرت لمصر ما قيمته 2.09 مليار دولار، واستقبلت منها سلعاً تبلغ حصيلتها الدولارية 667 مليون دولار فقط.
أما آخر الدول المؤسسة وهي جنوب أفريقيا فالتبادل التجاري بينها وبين مصر هامشي بالنسبة للدولتين رغم ما يجمع بينهما من اتفاقية لتحرير التجارة، لكن جنوب أفريقيا صدرت لمصر في 2021 ما قيمته 120 مليون دولار، واستقبلت منها سلعاً بقيمة 11.5 مليون دولار.
أي ان الميزان التجاري في كل الحالات لا يميل لصالح مصر، ما يجعل التبادل بالعملات المحلية لا يزال غير واقعي، إذا استمر وضع مصر في الإنتاج الزراعي والصناعي على الوضع الحالي نفسه، إذ أنها لا تصدر ما يضمن لها حصيلة من عملات تلك الدول تغطي احتياجاتها للاستيراد منهم، وهو فارق سيكون على مصر تعويضه ربما بالدولار.
خبير اقتصادي: عضوية مصر في بنك "بريكس للتنمية" منفذ جديد للتمويل بشروط -نتمنى- أن تكون أفضل من شروط المؤسسات الدولية والإقليمية القائمة، كما نتمنى ألا تكون سبباً في زيادة حجم الدين الخارجي لمصر، بل وسيلة للتمويل عبر أدوات مختلفة منها المشاركة والصكوك
لكن نافع يشير إلى ميزات أخرى بخلاف التبادل السلعي والخدمات باستخدام العملات المحلية، وهو القدرات السياحية لمصر. إذ يرى نافع أنه من الممكن أن تسمح هذه العضوية بجعل مصر مقصداً ذا ميزة تفضيلية لمستثمري وسائحي الدول الأعضاء، ما يساعد على حل أزمة النقد الأجنبي في البلاد.
وبحسب مجلة Foreign Policy، فإن العديد من الزعماء الأفارقة يرون أن هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي تعيق النمو الاقتصادي لدولهم، خاصة بعدما أدى ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية والغزو الروسي لأوكرانيا، إلى تعزيز الدولار مقابل جميع العملات الرئيسية تقريبا، وزيادة تكلفة استيراد السلع المسعرة بالدولار.
لكن جودة عبد الخالق، يرى أنه لا بد من التعامل مع الواقع بشيء من "الاحترام"، فيما يتعلق بالحديث عن انتهاء سيطرة الدولار، فالتاريخ يعلمنا أن أي تحول كبير في النظام العالمي سواء تغير نقدي أو غيره، يحدث تدريجياً ومن خلال التراكمات، لافتاً إلى أنه لزعزعة الدولار عن عرشه لا بد من حدوث أزمة دبلوماسية طاحنة أو حرب كبرى، وهذا مستبعد الآن، وربما كل ما أحدثه توسع "بريكس" أنه وضع قشة إضافية على "ظهر البعير الأمريكي".
وعن عضوية مصر في بنك "بريكس للتنمية"، أكد مدحت نافع أنها منفذ جديد للتمويل بشروط -نتمنى- أن تكون أفضل من شروط المؤسسات الدولية والإقليمية القائمة، كما نتمنى ألا تكون سبباً في زيادة حجم الدين الخارجي لمصر، بل وسيلة للتمويل عبر أدوات مختلفة منها المشاركة والصكوك.
فرصة وتحدي
يقول الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية، رشاد عبده، إن وجود مصر في تحالف "بريكس" فرصة وكنز، يفتح لها أبواب الاستثمار والسياحة والتصدير، بالعملة المحلية، وينقذها من هيمنة الدولار على معاملاتها، ما يجعلها تخصص احتياطاتها الدولارية لسداد الديون، كما أن بنك دول بريكس للتنمية وصندوق النقد الاحتياطي، التابعان للتحالف يمكّن مصر من الاقتراض بفوائد مخفضة، مقارنة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لكن السؤال هنا: هل تستثمر الحكومة المصرية هذه الفرصة أم تضيعها؟: "هل إحنا عندنا إنتاج منافس لما تصنعه الصين نقدر نصدره لدول التحالف ونستفيد من وجودنا فيه؟".
وبحسب إحصاءات البنك المركزي المصري، ارتفع الدين الخارجي المصري إلى 165.361 مليار دولار، بنهاية الربع الأول من العام الحالي، بزيادة قدرها 1.5 أو ما يعادل 2.43 مليار دولار، مقارنة بالربع الأخير من عام 2022، وفي عام 2023 الجاري، يتعين على الدولة سداد نحو 17.6 مليار دولار.
خبير اقتصادي: التجارب السابقة للحكومة المصرية خاصة في ملف الاقتصاد لم تكن موفقة، وأوصلت مصر حالياً لوضع صعب وانضمامها لتحالف بريكس اختبار جديد لإيجاد سبل للاستفادة من الفرصة واستثمار المميزات، يحكم على مدى نجاحها في إدارة البلاد
ويصل الاحتياطي النقدي الأجنبي المصري إلى 34.878 مليار دولار، في نهاية يوليو الماضي، بحسب أحدث بيانات البنك المركزي، وهو احتياطي مقيد بودائع خارجية ويفترض به تلبية احتياجات الدولة من الواردات وسداد التزاماتها الخارجية أيضاً.
وأضاف عبده، في تصريحات لرصيف22، أن التجارب السابقة للحكومة المصرية خاصة في ملف الاقتصاد لم تكن موفقة، وأوصلت مصر حالياً لوضع صعب تعاني فيه من انخفاض قيمة عملتها المحلية وارتفاع أسعار الغذاء وضعف الإنتاج وبالتالي التصدير، ويعد انضمامها لتحالف بريكس اختبار جديد لإيجاد سبل للاستفادة من الفرصة واستثمار المميزات، يحكم على مدى نجاحها في إدارة البلاد.
بدوره يقول الكاتب والباحث الاقتصادي والاجتماعي، إلهامي الميرغني، إن انضمام مصر للبريكس، بالتأكيد يمثل لها مكسباً اقتصادياً، خاصة أن الصين وروسيا والهند من أكبر الدول التي تستورد منها مصر، لكن في الوقت ذاته فإن روابط مصر الاقتصادية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وديونها واحتياطات مصر المقومة بالدولار، يضعف من تأثير وجودها في "البريكس"، فلا يزال الاقتصاد المصري خاضع للدولرة وتنعكس عليه أزمات الاقتصاد الأمريكي.
وأضاف في تصريحات لرصيف22، أن بعض المزايا التي يشار إليها الآن، تستفيد مصر منها قبل انضمامها للبريكس، فعلى سبيل المثال مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تعهدت روسيا بالاستمرار في التوريد لمصر وتعويض نقص المنتجات الأوكرانية، كما أعلنت قبولها التعامل بالجنيه المصري، لكن لا يمكن إغفال أن مثل هذه الميزة ستستفيد منها مصر مع باقي دول البريكس، وسيتوفر لها شروطاً أفضل لوصول سلاسل الإمداد وتعويض أي فجوات قد تحدث.
انضمام متأخر لن يضيف لمصر
في المقابل ترى مديرة الأبحاث في مؤسسة "فريدريش إيبرت" الإقليمية، سلمى حسين، إن انضمام مصر للـ"بريكس" خطوة تأخرت نحو 18 عاماً، كان من المفترض خلالها أن تكون قد حققت قفزة في نموها الاقتصادي، وجاء انضمامها الآن في لحظة يبدو فيها تغير الهدف من تأسيس "بريكس".
وأوضحت حسين لرصيف22، أنه في عام 2006 وعند الإعلان عن تأسيس تحالف "بريكس" كان يروج له بأنه تكتل يمثل الدول النامية الكبيرة التي تحاول خلق عالم أكثر مساواة وعدل، أو على الأقل تقدم نماذج أخرى تنموية مخالفة للرأسمالية الأمريكية، في وقت كانت فيه الولايات المتحدة قطب كبير يسود العالم ولا يستطيع أحد الوقوف أمامه، أما اليوم وبعد مرور قرابة 20 عاماً على هذا التحالف، لم تعد الولايات المتحدة تقدم نموذجاً ناجحاً، كما لم تعد تتسيد العالم كما كان الوقع من قبل، ولا قدمت دول الـ"بريكس" نموذجاً أفضل، فالصين عندما بدأت تتسيد الاقتصاد، أصبحت تستخدم نفس الأساليب الاستعمارية للولايات المتحدة وفرنسا وانجلترا، مثل استخدام الدين الخارجي كوسيلة للهيمنة على الدول الأقل نمواً.
وتابعت سلمى حسين أنه بالتالي، لم يعد هدف مصر من الانضمام لـ"بريكس" تغيير النظام العالمي، ولا حتى خلق توازن سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، ولم يتبقى لها سوى الفتات: "دلوقتي بنقول إن البوصلة التي أنشأ على أساسها تحالف بريكس فُقدت، يبقى إيه ممكن نستفيده من وجودنا في بريكس؟".
ولفتت الباحثة الاقتصادية، إلى أنه في الواقع لن يضيف "بريكس" إلى مصر أكثر مما كانت تحصل عليه بالفعل قبل انضمامها إليها، فهي كدولة تحتاج إلى القمح والمواد الغذائية، كانت تحتاج إلى علاقة جيدة بروسيا، وهذه العلاقة بالفعل موجودة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/ شباط 2022، كما أن الصين من أكبر الدول المصدرة لمصر منذ سنوات.
وأشارت حسين إلى الميزان التجاري المصري، مشيرة إلى أن العجز في هذا الميزان لصالح الواردات يقلل من استفادة مصر من انضمامها للتحالف: "التجارة بين مصر والصين على سبيل المثال لو بقى باليوان مش الدولار، فأنا مش بصدر للصين، كانت هتبقى صفقة ناجحة لو مصر بتصدر بمقدار ما تستورد أو أكثر، وفي الحالة دي كنت هوفر دولارات، إنما في وضعي الحالي، محتاجة يبقى عندي دولار علشان اشتري بيه يوان وأمول بيه أي صفقة، وكذلك الأمر بالنسبة للتعاملات الروسية، في الواقع كل المعاملات التجارية لمصر بها نقص شديد لصالح الدول الأخرى".
ويتفق إلهامي الميرغني مع سلمى حسين، إذ يرى أن الميزان التجاري المصري يعاني كثيراً نتيجة الفارق الكبير بين الصادرات والواردات، والذي وصل إلى 45 مليار دولار، وبات يشكل عبئاً على الاقتصاد المصري ويعطل آلاف المشاريع المنتجة، وبالتالي ستظل مصر متأثرة بأزمة الدولار إلى أن تقلل الفجوة في ميزانها التجاري من خلال دعم وزيادة الإنتاج والصادرات.
وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفع عجز الميزان التجاري خلال شهر مايو/ آيار 2023، بقيمة 3.74 مليار دولار، تضاف إلى حجم العجز الذي تم تسجيله خلال عام 2022، بقيمة 42.8 مليار دولار.
وقالت سلمى حسين، إن تركيبة دول الـ"بريكس" لا تزال متباعدة وغير مفهومة على الصعيد الاقتصادي والسياسي، فبعض الدول قمعية وتعاني من غياب الديمقراطية، وبعضها الآخر به قدر من هذه الديمقراطية، وبعض الدول بينها صراعات كبيرة كالهند والصين، وبعض الدول غنية وبعضها أقل غنى، لافتة إلى أنها لا يمكنها التنبؤ بمستقبل هذا التحالف، هل سيحقق خلال السنوات الماضية ما روج به لنفسه قبل سنين بأنه تكتل من دول نامية كبرى تمتلك نماذج بديلة للهيمنة الأمريكية: "في الواقع خلال السنين اللي فاتت ماحصلش ده".
وفي تصريحات تليفزيونية، للخبير الاقتصادي، مدحت نافع، قال إن دول بريكس بينها خلافات سياسية عديدة، فالصين والهند تفرقهما صراعات حدودية، كذلك مصر وإثيوبيا وأزمة سد النهضة، ومشكلات إيران والسعودية، مشيراً إلى أن واشنطن صرحت بأن ما يفرق هذه المجموعة من الدول أكثر مما يجمعها.
وفي تصريحات له عبر حسابه على "لينكد إن" قال إن الصين والهند وهما أكبر عضوية في بريكس، خلافاتهما كبيرة ونزاعاتهما الحدودية شائكة وعلاقتيهما بالغرب متناقضة، وبالتالي فإن هذا التجمع أمامه الكثير من التحديات كي يلتئم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ اسبوعينمقال رائع فعلا وواقعي