استطاعت يمنى محمود، السيدة الأربعينية، بعد أربعة شهور من البحث أن تعثر على شقة للإيجار بموجب العقود محددة المدة المسماة "عقود الإيجار الجديد"، وكانت قبل ذلك لا تحمل هماً في العثور على مسكن يناسب إمكانيتها قبل أن تتراجع الأوضاع الاقتصادية ويطرأ على سوق الإيجارات في مصر عوامل جديدة جعلت: "الأسعار زادت الضعف، ووجود مسكن ملائم صعب" كما تؤكد يمنى لرصيف22.
انتقلت يمنى وأسرتها من مدينة الرحاب - واحد من أغلى أحياء القاهرة- إلى حي النرجس في القاهرة الجديدة - حي أقل في الإيجارات ومستوى الرفاهية- بعد أن قرر صاحب الشقة التي كانت تسكنها زيادة قيمة الإيجار 50%.
ورصد تقرير حديث صادر عن شركة JLL المتخصصة في إدارة العقارات، ارتفاع الإيجارات بنسبة 19% في مدينة السادس من أكتوبر و17% في مدينة القاهرة الجديدة خلال الربع الثاني من عام 2023 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
ويسعى هذا التقرير للتعرف على أسباب ارتفاع أسعار الشقق السكنية في القاهرة بالرغم من الرياح الاقتصادية المعاكسة التي تتمثل في تراجع المبيعات في سوق العقارات الأساسية (مبيعات المطورين العقاريين) وحالة الانكماش والتضخم التي تشهدها السوق المصرية. وتأثير تلك الزيادات على مختلف طبقات المجتمع المصري وخاصة شرائح الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة من المجتمع المصري، إذ تتركز الزيادات الهائلة في أسعار الإيجارات في الأحياء والمناطق التي تميل إليها تلك الشرائح.
انتقلت يمنى وأسرتها من مدينة الرحاب - واحد من أغلى أحياء القاهرة- إلى حي النرجس في القاهرة الجديدة - حي أقل في الإيجارات ومستوى الرفاهية- بعد أن قرر صاحب الشقة التي كانت تسكنها زيادة قيمة الإيجار 50%
السودانيون يحملون عبء الغلاء وأصابع الاتهام
قبل بدء شهر رمضان الماضي، بدأت يمنى في إدراك أن السوق يتغير، "أسعار الإيجار في مصر بقت غريبة أوي".
يصف محمد السمان، صاحب شركة إيليت للتسويق العقاري في مدينة الرحاب ومدينتي، ارتفاعات أسعار الإيجارات بأنها "غير مفهومة، رغم أن السوق في الرحاب مقفول ومن السهل التعرف على الأسعار. وبدأت الارتفاعات بشكل مبالغ منذ ثلاثة أشهر مع اندلاع الأزمة السودانية".
تدور منذ 15 أبريل/نيسان معارك طاحنة في شمال السودان، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية. وأعلنت الأمم المتحدة أعلنت أن ما يزيد عن 4 ملايين شخص لجأوا إلى الدول المجاورة، استقبلت مصر منهم نحو 300 ألف سوداني.
ويتابع السمان، "ارتفع إيجار الشقة 90 متراً في الرحاب من 6 آلاف جنيه إلى 10 آلاف جنيه، أما إيجار الشقة 131 متراً فارتفع من 8 آلاف إلى 13 ألف جنيه، والمفروش لا يقل عن 25 ألف جنيه، أما إيجار الفلل ارتفع 40%. في اول الأزمة السودانية أجَّرت فيلا بمبلغ 30 ألف جنيه، بعدها بأسبوعين وصلت 50 ألف جنيه. أما كمبوندات الحكومة، ارتفعت [فيها أسعار الإيجار] من 4 آلاف إلى 6 آلاف، الزيادة 150%! رقم جنوني".
ارتفع إيجار الشقة 90 متراً في الرحاب من 6 آلاف جنيه إلى 10 آلاف جنيه، أما إيجار الشقة 131 متراً فارتفع من 8 آلاف إلى 13 ألف جنيه، والمفروش لا يقل عن 25 ألف جنيه، أما إيجار الفلل ارتفع 40%
يمكن التعرف على طرف من حجم الأزمة فيما يظهره موقع تويتر (إكس حالياً) إذ يظهر عليه شكاوى لمواطنين سودانيين نازحين إلى مصر أو يخططون للسفر إليها، يتحدثون عن الغلاء الهائل الذي صعب على كثير من الأسر السودانية العثور على مسكن ملائم في القاهرة وضواحيها، فيما يظهر على الجانب الآخر عشرات التغريدات من مصريين يتهمون السودانيين بالتسبب في تحجيم قدرتهم على إيجار المساكن، منها تغريدة حذفها كاتبها بعد أن نالت ما يزيد على 5000 مرة لإعادة التغريد، بعضها جاء مصحوباً بهجوم أو سخرية من صاحب التغريدة، قال فيها: "الضرر اللي أخواتنا السودانين عاملينه في سوق العقارات في مصر ميخطرش على بال حد".
في تغريدة أخرى كتب محمد إبراهيم "النكتة الحالية إن أصحاب الشقق اللي مأجرينها للسوريين عايزين يطلعوهم علشان يأجروها للسودانيين، لأنهم بيدفعوا أكتر... الإيجار كان في مساكن ظباط مصطفى كامل اسكندرية من 6 شهور يتراوح من 6000 لـ9000. حالياً وصل الإيجار لـ 15000 وأكتر كمان".
المسوق العقاري راضي البدوي يتهم الحروب والاضطرابات السياسية للدول المجاورة لمصر بالتسبب في رفع الإيجارات في قطاع الإسكان الفاخر وفوق المتوسط: "مع مجيء الليبيين بدأوا يستثمروا في العقارات لأن مصر بالنسبة لهم الوطن الثاني".
وطبقاً لراضي، فإن الوافدين ليسوا مسؤولين عن تلك القفزات فهم يدفعون مقابل تلك الزيادات مثل المصريين، لكن المسؤول هم "السماسرة" على حد وصفه" [السماسرة] وفروا عقارات سواء للبيع أو الإيجار بأسعار أعلى حتى يحصلوا على عمولة أكبر، وتكرر الموقف مع مجيء السوريين"، لكن "الاستغلال" كما يقول: "ارتفع بصورة فظيعة، ووصلت الزيادة في بعض المناطق إلى 200% مع اندلاع الأزمة السودانية، منطقة المهندسين يؤجَّر الشهر بـ3 آلاف دولار (ما يقرب من 120 ألف جنيه مصري بأسعار السوق الموازية التي يتوفر فيها الدولار)".
بعد اندلاع الأزمة السودانية اتجهت الفئة الفقيرة كما يشرح راضي، "للمناطق الشعبية مثل عزبة الهجانة والكيلو أربعة ونصف في مدينة نصر، والفئة المتوسطة اتجهت لفيصل والهرم وعين شمس".
على الرغم من أن منطقة فيصل هي منطقة تسكنها شرائح دنيا ووسطى الطبقة المتوسطة، إلا أن معدل إيجارات الشقق فيها بات يتجاوز 7000 جنيه شهرياً صعوداً من رقم كان يتراوح بين 1800 إلى 3000 جنيه شهرياً
الارتفاع الأكبر في الأسعار كان في المدن الجديدة. ولدى راضي تصور للأسباب التي أدت للغلاء، "أولاً استغلال بعض مكاتب العقارات الفئة الغنية التى اتجهت إلى مدينة نصر والتجمع، وتم تأجير بأسعار تزيد عن السوق بنسبة 50%".
السبب الثاني كما يتابع، "بعض السماسرة السودانيين، أخذوا الشقق لحسابهم ثم أعادوا تأجيرها مرة أخرى، يؤجر شقة من المالك بسبعة آلاف ثم يعيد تأجيرها بأربعين ألف جنيه، مستغلين ظروف عدم معرفة الفارين بأحوال مصر".
والسبب الأخير: "شقق القانون الجديد أصبحت نادرة الوجود، لأن اغلب السودانين نزلوا على الشقق المفروشة، وبعد شهرين بدأوا يلجأون للشقق الخالية ويملؤنها بالأثاث لأنها أرخص، كما أن السودانى بدأ يفهم [السوق] لأن طبعه أقرب للمصريين".
واتفق معه محمد رمضان، سمسار عقارات بحى فيصل والهرم: "السودانيين يفضلون الإقامة مع أكثر من عائلة في نفس الشقة، وبذلك ارتفعت أسعار إيجار الشقق خاصة المفروشة، كما أنهم يفضلون العيش في تجمعات" أي في نفس الحي أو الشارع.
بحسب رمضان، على الرغم من أن منطقة فيصل هي منطقة تسكنها شرائح دنيا ووسطى الطبقة المتوسطة، إلا أن معدل إيجارات الشقق فيها بات يتجاوز 7000 جنيه شهرياً صعوداً من رقم كان يتراوح بين 1800 إلى 3000 جنيه شهرياً". ومنطقة فيصل هي مناطق تجمعات السودانيين الرئيسية في منطقة القاهرة الكبرى.
وفي جولة لرصيف22 في بعض المواقع الإلكترونية المتخصصة في التسويق العقاري في مصر مثل: "أوليكس، عقار ماب، بروبرتي فايندر"، تبين أن إيجار الشقق السكنية في حي مدينة نصر بات يصل إلى 35 ألف جنيه للشقق المفروشة، وفي حي المهندسين لا تقل الإيجارات عن 18 ألف جنيه للمساحات الصغيرة في الشوارع الرئيسية، وفي زهراء المعادي ارتفعت الأسعار من 7 إلى 10 آلاف جنيه لمساحات 200 متر غير المفروشة.
ابحث عن التعويم
بدأت يمنى وأسرتها العيش في شقق بنظام الإيجار الجديد منذ عام 2016: "كانت الأسعار في الرحاب 2 متهاودة جداً، كانت الشقة 139 متراً بثلاثة آلاف ونصف في الشهر لأن المكان جديد والسوق لم يكن افتتح بعد".
الزيادة السنوية في عقود مدينة الرحاب 10%. لكن عندما حان موعد تجديد عقدها في 2019: "وصلنا إلى 7 آلاف والبعض كان يؤجر بستة آلاف ونصف".
"القفزة الرهيبة في الأسعار" كما تقول يمنى، جاءت بعد تحريك سعر العملة (التعويم المدار) في مارس/ آذار 2022: "الإيجارات وصلت إلى 10 آلاف ثم 11 ألفاً، ثم بعد التعويم الثاني وصلت الأسعار إلى 13 ألفاً، وبعد الأزمة السودانية وصلت إلى 14 ألفاً".
في منطقة التجمع كان متوسط الأسعار في بداية عام 2022 ما بين 5 آلاف و6 آلاف في فلل الأهالي، الآن وصلت الأسعار إلى 10 و12 ألفاً للمساحات من 180 إلى 200 متر
بداية ارتفاع الأسعار مع "تعويم" مارس/ آذار 2022، يقول المسوق العقاري محمد السمان وهو يضحك بشكل ساخر: "الزيادات الأكبر في حياتي منذ اندلاع الأزمة السودانية كانت الشقة 99 متر تباع بمليون ونص، بقت 3 مليون بقى البيع بالوحدة وليس بالمتر".
ويتساءل: "كيف لشقة كانت بسبعة آلاف جنيه، بعد ثلاثة أسابيع تؤجر بثلاثة عشر ألف جنيه؟".
يفرق السمان بين خفض قيمة العملة في عام 2016 والتحرك المماثل في 2022: "بعد 2016 ارتفعت [الأسعار] قليلاً ثم استقرت. أما الآن فهناك حالة من العشوائية طبقاً لرغبات الملاك".
ويلقي على زميله في المكتب سامر سؤالاً: "إنت تعرف تحدد سعر المتر بكام؟"
يجاوبه سامر: "لا"
فيعلق السمان: "المسألة فوضى".
يوافقه محمد العربي الذي يعمل في مجال التسويق العقاري منذ عشرين عاماً في منطقة القاهرة الجديدة: "كانت الأسعار بتزيد في فترات الأزمات، ولكن ليس بالشكل الحالي".
يعمل العربي في منطقة التجمع: "كان متوسط الأسعار في بداية عام 2022 ما بين 5 آلاف و6 آلاف في فلل الأهالي، الآن وصلت الأسعار إلى 10 و12 ألفاً للمساحات من 180 إلى 200 متر".
ويتعجب العربي من ارتفاع أسعار الإسكان الاجتماعي: "الإسكان التعاونى كان [الإيجار] بألف ونصف وصل إلى ثلاث آلاف".
وقال أيمن سامي، رئيس جي إل إل - التي سبقت الإشارة إليها- في بيان صحافي: "ارتفعت أسعار العقارات السكنية 25% خلال أول 3 أشهر من 2023، وارتفعت الإيجارات بوتيرة أسرع (مقارنة بالأرباع السابقة) بنسبة 11% في 6 أكتوبر و8% في القاهرة الجديدة".
السمسار راضي البدوي: المُلّاك يرفعون الأسعار بناء على المزاج. مبقاش السعر بالمتر، وأصبحت الأسعار مثل البورصة كل دقيقة بثمن لا أستطيع أن أعرف السعر في الوقت الحالي. في فترات الأزمات السوق مالوش رقيب
قواعد الإيجار هل تحتاج إلى مراجعة؟
يعمل محمد السمان في مهنة السمسرة منذ 2009: "السماسرة كانوا يقيمون أسعار البيع والإيجار، لم يكن الدولار مؤثراً، كنا ننتظر أسعار بيع الوحدات في طلعت مصطفى، ويرتفع سعر الإيجار بناء على زيادات الشركة في نهاية العام".
طريقة تقييم الإيجار يشرحها السمان لرصيف22: "آخر وحدة اتأجرت بكام؟ ثم يعرض السماسرة الأسعار طبقاً لآخر سعر تم إيجار شقة وفقه. ومع أي حدث اقتصادي المعروض بيقل وتزيد أسعار الإيجارات، لكن ما حدث منذ ثلاثة أشهر المعروض [لم يعد معياراً] زادت الأسعار بشكل مرعب، وأصبحت مثلما يريد المالك".
مع بداية عمل راضي البدوي في التسويق العقاري: "كانت الشقة تؤجر بألفين جنيه لمدة سنتين، وإذا لم يجدد العميل العقد بعد المدة المحددة (زيادة 10% إلى 15% فقط)، تتراوح الزيادة للمؤجر الجديد ما بين 500 جنيه وألف جنيه".
ويتابع راضي "ما يحدث في الثلاث سنوات الأخيرة أن المُلّاك يرفعون الأسعار بناء على المزاج. مبقاش السعر بالمتر، وأصبحت الأسعار مثل البورصة كل دقيقة بثمن لا أستطيع أن أعرف السعر في الوقت الحالي. في فترات الأزمات السوق مالوش رقيب".
يحكم قواعد الإيجار في مصر أمران كما يشرح، أحمد زعزع الباحث والمصمم العمراني لرصيف22: "أولاً الإيجار القديم، الذي يختفي بالتدريج وترجع الشقة للمالك بوفاة الورثة، النظام الثاني الإيجار الجديد وهذا ليست له أية ضوابط".
الإيجارات في القاهرة ارتفعت بدون أي رفع لكفاءة الأحياء والشوارع، على سبيل المثال شوارع المعادي مليئة بالحفر، وفي مناطق مثل مدينة نصر ومصر الجديدة خطة توسيع الطرق وقطع الأشجار قللت من القيمة العقارية للبيع وجعلت جودة الحياة أسوأ
قانون الإيجار القديم صدر عام 1920، وطبقاً للتعديل الأخير في مارس/ آذار 2022، تقر زيادة سنوية بنسبة 15% على الإيجار المحدد في العقد القديم بدءاً من شهر مارس/ أذار 2022 وحتى 2027، لتنتقل بعدها الوحدة السكنية إلى المالك بالقانون.
وفي 31 يناير/ كانون الثاني 1996، أصدر المشرع القانون رقم 4 لسنة 1996 للأماكن التى لم يسبق تأجيرها والتي انتهت عقود إيجارها، ويجيز حرية تعاقد لكل من طرفي العقد المالك والمستأجر على المدة والسعر.
ويشرح زعزع: "الممارسة جعلت العقود لمدة 3 سنوات للسكني و7 سنوات للإداري، وهو ما لم ينص عليه القانون، لو مؤجر لديه شقة بثلاثة آلاف جنيه، وبعد ثلاث سنوات العقد انتهى يحق للمالك وضع أى سعر يريده". وبات عدد غير قليل من الملَّاك يوافقون على التأجير لمدة سنة واحدة كي يمكنه تغيير سعر التأجير كما يريد من دون التزام بالنسبة القانونية في كل سنة.
أما الزيادات الأخيرة، فيصفها زعزع بأنها غير مفهومة: "مثال شقة في أغسطس 2021 في المعادي كانت بسبعة آلاف ونصف، في أغسطس 2022 ارتفعت إلى 18 ألف جنيه". يلاحظ أن هذا قبل موجة النزوح السودانية.
ويتابع باستياء: "الإيجارات في القاهرة ارتفعت آخر سنتين - تزامناً مع تفاقم الأزمة الاقتصادية- ما يزيد عن خمسة أضعاف سعرها، بدون أي رفع لكفاءة الأحياء والشوارع، على سبيل المثال شوارع المعادي مليئة بالحفر، وفي مناطق مثل مدينة نصر ومصر الجديدة خطة توسيع الطرق وقطع الأشجار قللت من القيمة العقارية للبيع وجعلت جودة الحياة أسوأ"، ما يجعل اتجاه الإيجارات للانخفاض هو الاتجاه المنطقي.
ويتساءل زعزع عن عدم سبب وجود رقابة على سوق الإيجارات: "الموضوع بقى بشكل ممنهج في موقع اسمه عقار ماب، المؤتمر السنوي برعاية بعض الاجهزة الحكومية، هنا في تداخل لأنه أصبح المصدر الرئيسي للحصول على المعلومة تاجر".
وبحسب زعزع: "هناك قيمة الكتاب والقيمة السوقية، بنعتبر مواقع مثل عقار ماب هي قيمة الكتاب، ونجد القيمة المكتوبة مختلفة تماماً عن الواقع، مثلاً فيلا للبيع في الشروق مقدرة ب 18 مليون، وفي الحقيقة وقت البيع لا يريد أحد أن يدفع هذا المبلغ وبالتالي هذا مؤثر جداً ويخلق خلاف بين البائع والمشتري، ولكن في الإيجار قد لا يتنازل المالك لأنه يريد أموال".
ويعتبر زعزع ارتفاعات أسعار الإيجار إضافة غير مبررة لأعباء شرائح واسعة من المصريين: "من المفترض إن الإيجار يستحوذ من 15 إلى 18 % من الدخل، لكن في مصر قد يتعدى 35% من الدخل".
الارتفاعات المتتالية للإيجارات جعلت المؤجرين يتوجهون إلى المناطق الأبعد والأرخص في التجمع، مثل الأندلس وجاردينيا واللوتس أو يتجه المعادي أو مدينة نصر، والمدن الجديدة مثل مدينة الشروق ومدينة بدر والعبور
بينما رصد مؤشرات بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2019/2020 الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن إنفاق الأسرة المصرية على السكن يصل ما يقرب من 20% من إنفاقها السنوي. ويمثل الإنفاق على الإيجارات نسبة 55.4%.
ويمتلك 56.7% من الأسر المصرية مسكن، أما الباقي 6.7% يسكن في إيجار قديم و يسكن 8.9% في إيجار قانون جديد/ مفروش، وفي مساكن هبة 18.1%، ويسكن 0.6% في ميزة عينية.
المؤجرون هم الضحية
الزيادة الأخيرة جعلت محمد السمان يرى في مكتبه الكائن بمدينة الرحاب أن هناك: "شرائح جديدة من المصريين والسودانيين. طبقة جديدة الملاك بيحاولوا يستبدلوا المؤجرين بناس جديدة تقدر تدفع الأسعار الجديدة، عملاء كتير بيسيبوا الرحاب وخصوصاً اللى كانوا ساكنين في المفروش، معانا عميل طول عمره ساكن في مفروش كان بتسعة آلاف جنيه وصاحب الملك يريد منه 25 ألف جنيه في التجديد، وإحنا مش عارفين نساعده ونلاقي شقة بسعر معقول".
الارتفاعات المتتالية جعلت المؤجرين يبحثون عن أماكن أخرى، كما يقول محمد العربي لرصيف22: "يتوجهون إلى المناطق الأبعد والأرخص في التجمع، مثل الأندلس وجاردينيا واللوتس أو يتجه المعادي أو مدينة نصر، والمدن الجديدة مثل مدينة الشروق ومدينة بدر والعبور".
ويرى العربي أن المشكلة ليست فقط في ارتفاعات الإيجار: "في ناس كان لديها القدرة على دفع ما بين 10 و12 ألف جنيه في الشهر، بدأوا يبحثون عن أماكن ارخص لأن مرتبط معها ارتفاعات أخرى مثل أجرة حارس العقار وفواتير المياه والكهرباء والصيانة".
وكان معدل التضخم السنوي واصل مساره الصعودي، وقفز في يوليو/ حزيران إلى 36.5% من 35.7% في يونيو/ تموز، وفقاً للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
بالرغم من الفوضى الحالية ما زال السمان متفائلاً:"الأسعار ستنخفض مثلما حدث في بداية الأزمة السورية كانت في 2013 أجرت شقة ب 3500 جنيه، بعدها بشهر انخفضت إلى 2500 جنيه، أفراد الجاليات العربية تستأجر شققاً في المدن الجديدة بحثاً عن أماكن يشكلون فيها تكتلات من الأمان الاجتماعي، في رأيي السودانيين سيمرون بنفس ظروف السوريين، ويفهم أنه لو عاش خارج كمبوند لن يحدث له شيء، ومنهم من سيترك مصر".
إيهاب محمد : المشكلة في منطقة حدائق أكتوبر إنها جديدة والعرض أكثر من الطلب، والفئة التي تؤجر في أكتوبر متوسطة الدخل، لان الشقة الواحدة إيجارها ما بين 2500 جنيه و3000 جنيه، والخدمات والمرافق من مياه وكهرباء لم تصل جميع الأماكن
المؤجرون أيضاً متضررون
على عكس الأسعار في القاهرة الجديدة يواجه ايهاب محمد، الرجل الخمسيني، مشكلة في تأجير شقته في منطقة حدائق أكتوبر، "استغرقت حوالي سنة ونصف لكي أجد مستأجر".
المشكلة في حدائق أكتوبر كما يقول إيهاب لرصيف22: "المنطقة جديدة والعرض أكثر من الطلب، والفئة التي تؤجر في أكتوبر متوسطة الدخل، لان الشقة الواحدة إيجارها ما بين 2500 جنيه و3000 جنيه، والخدمات والمرافق من مياه وكهرباء لم تصل جميع الأماكن".
لجأ ايهاب لتأجير وحدته، "لأن التضخم والأسعار بتزيد مش عارف أخلص بناء، ممكن فلوس الإيجار تساعد في استكمال العمارة".
وكان تقرير أحوال الإيجار في مصر 2017 ، للباحث يحيى شوكت رصد تراجع الإيجار كنمط للسكن. اجتذب قانون الإيجارات الجديد مليون أسرة في العقد الأول من تطبيقه (1996- 2006). ثم وقف كل من التضخم وتراجع الدخول أمام انضمام أسر جديدة لهذا النمط من السكن. حيث ارتفعت نسبة الإيجار من 14% إلى 39%من الدخل خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.
إضافة إلى أن نحو ثلث المصريين يدفعون ما بين 25% إلى 50٪ من إجمالي قيمة العقد مقدماً. أو تأمين يساوي إيجار شهر واحد على الأقل. وفي كثير من الحالات لا يتم رد التأمين في نهاية العقد.
الحل في قوانين جديدة
يطالب راضي - المسوق العقاري- بإجراء "حصر شامل على جميع العقارات واصحاب الشقق يكون في حصر مثل التعداد السكاني". وهو حصر يقوم به الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فعلياً بشكل دوري.
وثانياً: "تأسيس نقابة لحماية المسوق العقاري". وثالثاً "تحديد قاعدة لتقييم سعر الإيجار، من خلال جهاز حكومي مثل الشهر العقاري في حالة البيع؛ يقيم الوحدة ولا يترك الأمر للملاك والسماسرة، وفرض ضريبة تصاعدية على البيع لو مثلا شقة تعدى 3 مليون يبقى الضريبة 5% حتى تضع حد للارتفاعات الرهيبة".
أما الباحث أحمد زعزع فيرى أن الحل لا بد أن يخرج من القانون والمشرع: "مناقشة في البرلمان لسن قوانين جديدة تنظم قواعد التأجير، ولا بد من وجود جهاز في المحليات يقيم أسعار الإيجارات ولا يترك للأهواء الشخصية".
ويتوقع زعزع أنه إذا استمر الوضع الحالي من دون تدخل: "انتشار المناطق العشوائية، كان في البداية يهاجر من الريف للسكن في القاهرة ويتم البناء عشوائي، أما الآن المقاولين بيبنوا عمارات 13 دور ويؤجرها".
منذ أسبوع استطاعت يمنى وأسرتها الانتقال للشقة الجديدة في النرجس، "بنحاول نتعود على المكان الجديد ونعرف الخدمات فين لأنها متفرقة مش مكان واحد مثل الرحاب".
وتحلم يمني باليوم الذى تستطيع تدبير مبلغ لشراء شقة: "وربنا يرحمنا من الإيجار".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...