شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"جزء من كبدي لولدي وبقية أعضائي للمحتاجين"... ثقافة وهب الأعضاء تتسع في الخليج

Read in English:

From taboo to acceptance: Gulf nations embrace organ donation

التبرّع بالأعضاء بعد الوفاة، فكرة لا تزال تتأرجح بين التشجيع والرفض في العالم العربي عموماً، والإسلامي خصوصاً، بسبب اختلاف علماء الدين حول حرمة أو جواز نقل الأعضاء من الميت إلى الحي. إلا أن النظريات والفتاوى الدينية تراجعت في عدد من الدول التي باتت تشجع هذه المبادرة الإنسانية لإنقاذ حياة آخرين، لذا شهدت دول خليجية عدة في السنوات الثلاث الأخيرة، تقدّماً في دعم وتشجيع ثقافة وهب الأعضاء على الرغم من قلة إقبال المتبرعين/ ات، لكن التقدّم ملحوظ نوعاً ما.

سعت كُل من الإمارات والكويت والسعودية في السنتين الأخيرتين إلى زيادة الوعي بأهمية التبرع بالأعضاء بعد الوفاة للحد من ظاهرة الاتّجار بها، وتقليل عدد المرضى المسجلين على قوائم انتظار عمليات زرع الأعضاء.

وتُعدّ السعودية أول دولة خليجية تشرّع وهب الأعضاء وفق قرار حكومي صدر في نيسان/ أبريل 2021، وتم نشره على صفحة وزارة الصحة الرسمية في المملكة، وفتحت  الوزارة الباب من خلال تطبيق "توكلنا" لأي مقيم ومواطن فوق الـ18 من تسجيل اسمه في قائمة المتبرعين، ووفق وزارة الصحة كان هناك إقبال ولا يزال على تسجيل الأسماء.

في كانون الثاني/ يناير 2023، تكريماً وتشجيعاً للواهبين، منح الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، "وسام الملك عبد العزيز" من الدرجة الثالثة لـ100 متبرع بالأعضاء، سواء كان العضو من حيّ أو من متوفى دماغياً، وهو إجراء يعلن عنه باستمرار، وشمل مئات المتبرعين، خلال السنوات الماضية.

برغم ذلك، كانت بعض الأصوات في السعودية، تحديداً الدينية منها، تعارض هذه العمليات، خاصةً حين أعلن مواطن سعودي (وفق حساب الوزارة على التويتر)، أنه تبرع بأعضاء ابنه المتوفى سريرياً، والبالغ من العمر ستة عشر عاماً تقريباً، ليستفيد منها ستة أشخاص يعانون من أمراض القصور العضوي النهائي.

في المقابل، كانت هناك ترحيبات من قبل عدد كبير من السعوديين/ ات بهذه الخطوة، وأثنوا على شجاعة الأب وأعلنوا رغبتهم في التبرع.

أرقام متقدمة

وفق كلام مدير عام المركز السعودي لزراعة الأعضاء الدكتور طلال القوفي لرصيف22، فإنه قبل نهاية العام 2022 ومع بدء العام 2023، تسجّل نحو 520 ألف واهب للأعضاء بين مواطنين ومقيمين، وهذا رقم كبير بعد سنة ونصف فقط من تشريع هذه العمليات. ومنذ مطلع العام الجاري وصل عدد المتبرعين إلى نحو 300 ألف شخص بين ذكور وإناث، ومن الأديان والجنسيات كافة، وهذه أرقام كبيرة في فترة قصيرة.

ويضيف القوفي: "بالنسبة إلى أرقام العام الماضي الرسمية الموجودة معنا، فقد أنقذت عمليات التبرّع 15،130 مريضاً، وأجريت 9 آلاف و268 عمليةً ناجحةً، فيما ينتظر 20 ألفاً و971 مريضاً التبرع".

حين أصاب المرض ولدي فهمت تماماً مشاعر الأهل حين يحاولون بذل ما في وسعهم لإنقاذ فلذات أكبادهم، وحين احتاج عبد الله إلى كبد لم أتردد في منحه جزءاً منه

خالد الأحمدي، أستاذ ثانوي يبلغ من العمر 49 سنةً، قبل سنة ونصف قرر منح كل أعضائه بعد وفاته لمن يحتاج إلى زرع، والسبب في اتخاذه هذه الخطوة ابنه عبد الله (19 سنةً)، الذي عانى لفترة من مرض خطير في الكبد وكانت ضروريةً زراعة جزء من الكبد له، فلم يتردد الوالد في التبرع له لينقذه في اللحظات الأخيرة وفق حديثه إلى رصيف22.

يضيف: "حين أصاب المرض ولدي فهمت تماماً مشاعر الأهل حين يحاولون بذل ما في وسعهم لإنقاذ فلذات أكبادهم، وحين احتاج عبد الله إلى كبد لم أتردد في منحه جزءاً منه، ونذرت إلى الله حين يخرج ولدي سالماً من العملية أني سأمنح الأعضاء الصالحة طبياً لعدد من الأشخاص الذين ينتظرون لحظة الأمل لعودتهم أو عودة أبنائهم إلى الحياة".

ويلفت الأحمدي إلى أن "هناك التباساً لدى بعض مفسري الدين الذين في وقت سابق كانوا يحرّمون وهب الأعضاء لأنه كانت هناك ظاهرة بيع الأعضاء للاستفادة من المال، لكن شتّان بين الوهب المجاني والاتّجار بالأعضاء، والدين الإسلامي يحض على عمل الخير والتضحية، وهل أسمى من هكذا عمل خير؟".

الأجانب يتفاعلون

كانت الإمارات الدولة الخليجية الثانية التي بدأت بدعم هذه الحملات، ففي العام 2022 أقرّت الحكومة الإماراتية اليوم العالمي لوهب الأعضاء الذي يصادف في 13 آب/ أغسطس الجاري.

وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2022، أحيت الإمارات حملة "حياة" التي تهدف إلى تشجيع التبرّع بالأعضاء والأنسجة البشرية، والتي كانت قد أطلقتها في العام 2016، لكنها لم تلقَ الصدى والتجاوب لأن الفكرة كانت جديدةً على المجتمع.

ثم عادت وزارة الصحة ووقاية المجتمع لتنشيط الحملة بشكل مكثّف في شهر أيار/ مايو 2023، عبر منصات التواصل التابعة للوزارة إلى جانب حملات في المدارس والجامعات وحتى في بعض المراكز الدينية.

"أي شخص من أي دين وعرق وجنسية وجنس تجاوز سنّ الـ21، ويقيم داخل الأراضي الإماراتية، يحق له التبرع بأعضائه عبر تسجيل بياناته على موقع الوزارة في القسم الخاص بوهب الأعضاء أو من خلال مسح رمز الاستجابة السريعة على تطبيق الوزارة وتحديداً في قسم برنامج حياة، وعليه أن يشارك هذا الرمز مع عائلته، وفي حال الوفاة يتم التواصل مع أحد أفراد عائلة الشخص لأخذ الموافقة النهائية على نقل الأعضاء قبل تصريح الدفن"؛ وفق ما يقول رئيس لجنة وهب الأعضاء في الوزارة الدكتور علي العبيدلي، لرصيف22.

ويشير إلى أن "نسبة المشاركة في برنامج حياة، شهدت زيادةً كبيرةً بمعدل 41 في المئة في عام 2022، مقارنةً بسنة 2021، أي بداية الترويج للحملة لتزيد في العام 2023 عن 55 في المئة، وهذا مؤشر جيد على مدى الوعي لدى الناس، سواء أكانوا مقيمين أجانب أو عرباً أو حتى مواطنين، وحتى الآن شاركت 54 جنسيةً مختلفةً في الإمارات العربية المتحدة في وهب الأعضاء، واستفاد منها عدد من حملة الجنسيات المختلفة بمن فيهم مواطنين إماراتيين".

عدد الذين يحتاجون إلى عمليات زرع في الإمارات السبع، أكثر من عدد المتبرعين حتى الساعة، وغالباً ما يتم الاستعانة بأعضاء من متبرعين من خارج الدولة لتلبية الحاجات، ولكن وفق العبيدلي فإنه "في المستقبل القريب، ستزيد ثقافة الوهب خاصةً لدى المواطنين وسنكون في وضع نستطيع فيه تلبية كل الحاجات في كل المستشفيات".

ووفق كلامه فإن "رفض المواطنين التبرع يعود إلى الخوف النفسي أولاً، وثانياً ربما إلى العقيدة الدينية، وثالثاً إلى قلة الوعي بهذا الموضوع، وهنا دور الإعلام الذي يشكّل ركيزةً أساسيةً في فهم معنى الوهب وتشجيع الناس من خلال البرامج والحديث عن الموضوع والاستعانة بأشخاص لهم تجارب مع الوهب أو الزرع".

ويلفت العبيدلي إلى مسألة مهمة تنتهجها وزارة الصحة، "وهي أنه بسبب التقدم الطبي بات يمكن للأشخاص المصابين بأمراض مزمنة والسرطان وفيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد، التبرع، وحين يسجّل شخص ما في HAYAT فلا يعني هذا أنه سيكون في النهاية متبرعاً. مع العلم أنه ليس كل شخص تسجّل في البرنامج على منصة حياة بات بإمكانه أن يكون متبرعاً فهناك إجراءات نقوم بها لاحقاً بعد وفاة هذا الشخص".

وضعت كل بياناتي وكذلك شجعت ابني الذي يبلغ 22 عاماً على المشاركة، ثم قام زوجي أيضاً بالتسجيل ففي النهاية هذه الأعضاء ستتلف وتختفي في التراب، فلماذا لا يستفيد منها آخرون؟

لا يوجد رقم رسمي نهائي حتى الساعة عن العدد الإجمالي للمتبرعين، لكنه تجاوز 10 آلاف شخص تسجلوا منذ العام 2016 حتى اليوم، وهناك 130 شخصاً (أكثرهم من المقيمين الأجانب الذين توفوا في الإمارات)، أسهموا في إنقاذ حياة أكثر من 500 فرد من مختلف الأعمار والجنسيات.

"لماذا لا يستفيد منها آخرون؟"

فهيمة البشاني (45 عاماً)، سيدة جزائرية متزوجة ولديها أربعة أولاد يقيمون جميعهم في دبي، تقول لرصيف22، إنها قبل أن تأتي إلى دبي كانت تعيش في كندا حيث درست وقررت في العام 2003 التسجيل في برنامج وهب الأعضاء في ولاية كوبيك حيث كانت تقيم، ولكن بعد انتقالها إلى الإمارات لم تكن هذه الثقافة موجودةً، "حتى سمعت من صديقة لي أن وزارة الصحة هنا فتحت باب التسجيل في برنامج حياة وذهبت إلى المنصة ووضعت كل بياناتي وكذلك شجعت ابني الذي يبلغ 22 عاماً على المشاركة، ثم قام زوجي أيضاً بالتسجيل ففي النهاية هذه الأعضاء ستتلف وتختفي في التراب، فلماذا لا يستفيد منها آخرون؟".

"في العام 2022 أُجريت نحو 50 عملية زرع كلى، وهي أكثر الأعضاء المطلوبة في دولة الكويت التي تصدرت المرتبة الأولى عربياً والثانية شرق أوسطياً في عدد المتبرعين بالأعضاء بعد الوفاة، وذلك قياساً إلى عدد السكان"، وفقاً لمصطفى الموسوي، رئيس الجمعية الكويتية لزراعة الأعضاء في حديثه إلى رصيف22.

يؤكد الموسوي أن ثقافة وهب الأعضاء لا تزال ضعيفةً في المجتمع الكويتي لكن "إذا قارننا الرقم مع عدد السكان فالأمر غير سيئ، ومع الوقت أعتقد بأن الأرقام سترتفع جداً خاصةً لدى جيل الجديد من الشباب، ومع حملة وزارة الصحة مؤخراً التي تهدف إلى زيادة عدد حمَلة بطاقات التبرع من 17 ألف متبرع حالياً إلى 30 ألفاً".

مع العلم أنه وفق موقع وزارة الصحة الكويتية، فإن عملية التبرع بالأعضاء في الكويت تعود إلى عام 1979، إلا أنها كانت تقتصر على التبرع من الأحياء، وعن طريق الأقارب، وفي عام 1996 بدأ برنامج للتبرع من المتوفين دماغياً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image