بدأت تقنية الخلايا الجذعية تتصاعد بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة في منطقة الخليج، على الرغم من التحذيرات والمخاطر التي أطلقها عدد من الأطباء في تلك المنطقة منذ سنة ونصف، تحديداً في السعودية التي كانت أبرز دولة خليجية قد حذرت من مخاطر العلاج بالخلايا الجذعية، وفق وزارة الصحة عام 2021، كونه عالي المخاطر.
هذه التجربة الطبيّة نجحت في عدد من دول مجلس التعاون الخليجي مثل الكويت والإمارات وقطر، فإمارة دبي على سبيل المثال، تتحضر لافتتاح مختبر أبحاث الخلايا الجذعية، في شهر أيار/ مايو المقبل (أول مختبر من نوعه في المنطقة الخليجية)، لتسريع فهم الجينوميات البشرية (أحد فروع علم الوراثة) في المنطقة، وتحسين النتائج الصحية للأمراض الوراثية، وفقاً للطبيبة التي ستكون مشرفةً عليه، فاطمة الهاشم.
تقول في حديثها إلى رصيف22: "تُعدّ أبحاث الخلايا الجذعية مجالاً ناشئاً في مجال الرعاية الصحية في الإمارات والخليج عامةً، وهذا الإنجاز الطبي سيتيح للآباء تخزين دم الحبل السرّي من مشيمة الأطفال حديثي الولادة، والذي يمكن استخدامه لعلاج السرطانات ونقص المناعة والاضطرابات الوراثية مستقبلاً".
وعُقد في دبي مؤتمر للخلايا الجذعية في 27 شباط/ فبراير الماضي، للإضاءة على قيمة بنك دم الحبل السرّي وأنسجة المشيمة في الحفاظ على صحة الإنسان، وقد أعطت حكومة الإمارة موافقتها على إنشاء أول مركز من نوعه وكذلك مراكز أخرى مستقبلاً بهدف خدمة صحة الإنسان.
أعطت حكومة دبي موافقتها على إنشاء أول مركز من نوعه وكذلك مراكز أخرى مستقبلاً بهدف خدمة صحة الإنسان
كلفات العلاج ونجاعته
تكلفة هذه التقنية ليست رخيصةً، وتصرّح الطبيبة الإماراتية بأن الأسعار تتراوح من 5 آلاف إلى 50 ألف دولار أمريكي، إلا أن "النتائج يمكن أن تكون منقذةً للحياة".
تُستخدم الخلايا الجذعية في علاج بعض حالات سرطان الدم الحاد، وفشل نخاع العظم، وأورام الغدد اللمفاوية التي لم تستجِب للعلاج، ولم تثبت فعالية هذا العلاج حتى الآن مع حالات مرضية أخرى.
"سنبدأ التجارب السريرية في المختبر بمجرد افتتاحه في أيار/ مايو لأخذ الخلايا الجذعية من أنسجة الحبل السرّي للبحث في أمراض القلب والرئة بشكل أساسي"، ومن وجهة نظر الطبيبة، فإن "هذه المختبرات الموجود باهظة الثمن، ولكنها تنقذ الأرواح وهنا تكمن القيمة، ويختلف المختبر الجديد عن الموجود بأنه يبحث عن الاضطرابات الأيضية وفقر الدم المنجلي والتلاسيميا، وهي حالة دموية موروثة تُعدّ واحدةً من أكثر الاضطرابات الوراثية شيوعاً في دولة الإمارات".
أول عملية
يُعدّ مركز أبو ظبي، أول مركز طبي للعلاج بالخلايا الجذعية والطب التجديدي في الإمارات، يليه مركز برجيل الطبي (في أبو ظبي أيضاً)، الذي يُعدّ أول مشفى في منطقة الخليج يُجري عملية زراعة نخاع عظمي لأصغر طفلة لم تتجاوز أربعة أشهر من عمرها، كما أنجز خلال العام الأخير نحو 18 عملية زراعة نخاع عظمي لأطفال من جنسيات أجنبية مقيمين في الإمارات ولمواطنين.
الطبيبة الهندية، ماتسي شالتيف، التي أجرت هذه العملية لطفلة عربية مقيمة داخل أبو ظبي، تقول لرصيف22: "في العام الماضي، أجرينا عمليات زراعة نخاع العظم بنوعَيها، من متبرّع للمرضى الأطفال الذين يعانون من سرطان الدم، والتلاسيميا، ومرض فقر الدم المنجلي، ونقص المناعة الأولية، وHLH، ونتطلع هذا العام لإتمام 50 عملية زراعة نخاع عظمي للأطفال".
وتأسس المركز الطبي في شهر آذار/ مارس 2019، ويركّز بشكل أساسي على معالجة الخلايا وتصنيفها لاستخدامها في التطبيقات السريرية، مثل الطب التجديدي، وزراعة الخلايا الجذعية المكونة للدم والعلاجات الخلوية.
وفق شالتيف، فإن أول عملية زراعة نخاع عظمي لطفل أُجريت داخل الإمارات، كانت لطفلة من الجنسية الأوغندية اسمها "جوردانا"، وتبلغ من العمر ست سنوات، تم تشخيص حالتها بمرض فقر الدم المنجلي منذ صغرها، وتبرعت لها شقيقتها بالنخاع لتنهي معاناتها بعد سنوات من التعب النفسي والجسدي، فضلاً عن معاناة الأهل.
تجارب ناجحة ومنقذة
وفي حالة أخرى، وفق الطبيبة الهندية، فقد أُجريت عملية أخرى قبل عام أيضاً، وكانت من متبرّع لطفل مصاب بالتلاسيميا التي تحدث بسبب خلل وراثي في تركيبة الهيموغلوبين (خضاب الدم)، وتُعد أحد أكثر أمراض الدم شيوعاً بين الأطفال، وتقتضي نقل الدم كل فترة وهو أمر مرهق من نواحٍ عدة، نفسياً وجسدياً لطفل صغير.
بالنسبة إلى كلفة هذا النوع من العمليات، فهي باهظة الثمن نوعاً ما، ولا يوجد سعر محدد وإنما هناك رقم تقريبي لا يقلّ عن أربعة آلاف دولار أمريكي وفق الحالة، ولكن في بعض الحالات الأخرى يرتفع السعر وأحياناً في الحالات الطارئة تكون هناك مساهمة من قبل الحكومة الإماراتية.
"جوردانا"، طفلة أوغندية تبلغ من العمر ست سنوات، تم تشخيص حالتها بمرض فقر الدم المنجلي، وتبرعت لها شقيقتها بالنخاع لتنهي معاناتها بعد سنوات من التعب النفسي والجسدي... فكيف ينظر الخليجيون إلى هذا العلاج؟
في عمليات زراعة نخاع العظم من متبرعين، يتم استبدال نخاع عظم المريض بخلايا دم جذعية سليمة، يتم الحصول عليها من متبرع، ويمتاز بالتطابق الكامل وفقاً لمستضدات HLA لضمان التوافق المناعي، وعدم رفض جسم المريض له، وبناءً على ذلك وبعد فحوصات عديدة.
وحلّت الكويت في المرتبة الثانية على مستوى دول الخليج العربي في إنشاء برنامج زراعة الخلايا الجذعية للأطفال منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2020، بعد الإمارات، وبالنسبة إلى قطر فقد نجحت في إجراء أول عمليتين لزراعة الخلايا في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2015، لاثنين من المقيمين يعانيان من نوع سريع الانتشار من أنواع سرطان الدم يُسمّى الورم النخاعي.
وعقب تينك العمليتين، نجح المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان التابع لمؤسسة حمد الطبية، في إجراء 147 عملية زراعة خلايا جذعية منقذة للحياة، منها 42 عملية خلايا خيفية متبرَّع بها، و105 عمليات خلايا ذاتية مستخلصة من جسم المريض.
ما هي الخلايا الجذعية؟
الخلايا الجذعية، وفق موقعNational Institute of health ، هي خلايا يتم استخراجها عادةً من مصدرَين رئيسَين هما أنسجة جسم الإنسان البالغ، وأنسجة مأخوذة من الأجنّة، كما يسعى العلماء حالياً إلى محاولة إيجاد طرق أخرى قد تمكّنهم في وقت قريب من تصنيع خلايا جذعية من مصادر أخرى.
ولا تزال الخلايا الجذعية حتى اللحظة من المواضيع المثيرة للجدل علمياً، لا سيما عندما يتعلق الأمر باستخداماتها ومصادرها، كما أن غالبية العلاجات التي تعتمد على استخدام الخلايا الجذعية لم تحصل حتى اللحظة على أي موافقة من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية.
وقد حذّر العالم الياباني الحاصل على جائزة نوبل للطب، شينيا ياماناكا، في 2019، مما سمَّاه "وهم وسائل العلاج بالخلايا الجذعية".
الخلايا الجذعية، هي خلايا يتم استخراجها عادةً من مصدرَين رئيسَين هما أنسجة جسم الإنسان البالغ، وأنسجة مأخوذة من الأجنّة
تجارب عربية أخرى
صحيح أنّ دول الخليج، وفي طليعتها الإمارات، باتت من الدول العربية المشجعة والداعمة لهذه التقنية الطبية، لكن هناك دولاً عربيةً سبقتها في هذا المجال غير أنها لم تنشئ أو تدعم بشكل كامل مراكز متخصصةً.
يقول الطبيب المتخصص في استخدام الخلايا الجذعية لعلاج الأمراض المستعصية والمقيم في أبو ظبي، رشيد زيدية، لرصيف22، إنّ "فريقاً طبياً أردنياً نجح في العام 2010، في علاج مئة حالة أردنية وعربية مصابة بأمراض مستعصية ومزمنة بما فيها الشلل والقلب والتلاسيميا وسرطانات الدم ونقص المناعة المتوارثة، باستخدام الخلايا الجذعية، بنسبة نجاح تراوحت بين 50 و90 في المئة".
ويضيف: "هؤلاء كانوا يعانون من الشلل النصفي أو الكلّي، جرّاء حوادث سيارات أو سقوط من أعلى، وكانت نتائج الفريق أفضل من دراسات مشابهة أُجريت في دول غربية وشرقية".
أما لبنان، الذي كان يُعدّ لفترات طويلة من الزمن، عاصمة الطبابة ومستشفى المنطقة، فكان من أوائل الدول العربية التي خاضت تجربة زراعة الخلايا الجذعية، وحدث ذلك في العام 2008، حين أُجريت داخل مستشفى القديس جاورجيوس في بيروت، وعلى يد البروفسور أنطوان نشاناقيان، عملية زرع خلايا الجذع لطفل مشلول الأطراف. الطفل الذي كان يبلغ من العمر 9 سنوات تعرّض لطلق ناري أدى به إلى قطع النخاع الشوكي الرقبي بين الفقرتين السادسة والسابعة.
وتُعدّ العملية التي خضع لها الأولى عالمياً، لأنها أُجريت بعد الحادث بأسبوعين، وعادةً تُجرى هذه النوعية من العمليات بعد سنتين من الحادث، وهي المدة التي يحتاج إليها النخاع الشوكي ليُظهِر تحسّناً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 5 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت