شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أحفاد يحتمون بأحضان الجدات من أساليب التربية الحديثة

أحفاد يحتمون بأحضان الجدات من أساليب التربية الحديثة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

السبت 26 أغسطس 202311:44 ص

هل يمتلك الآباء والأمهات الحق في التدخل في العلاقة بين الأجداد والأحفاد بحجة التربية؟ وحتى لو تدخلوا فمن سيأخذ بآرائهم حين تصل نسبة التوافق بين الجيل الصغير والجيل الكبير إلى الكمال؟ فكلا الجيلين لا يعملان، ويبحثان عن التسلية، فالأول ليس لديه مسؤوليات والثاني أنهى مسؤولياته، بينما يغرق الجيل الأوسط من الآباء والأمهات في هموم الحياة، ودفع الأقساط، والاعتناء بكل من حولهم.  

سمعنا الكثير عن صراع الأجيال، قد نراه في تعامل كبار السن مع ثورة التكنولوجيا والأجهزة الإلكترونية، أو في التفاوت في معالجة المسائل الاجتماعية ورسم الحد بين المقبول والمرفوض، ولكن من يريد بحق رؤية صراع الأجيال، عليه مراقبة الفرق بين أم تؤنب ابنها وبين مراضاة جدته -أمها- له، فأحضان الجدات الدافئة وروائحهن الحنونة ستكون دائماً مفتوحة لحماية الصغار من أساليب التربية الحديثة الصارمة واستنتاجات علماء نفس الطفل.  

ترى العديد من الجدات أن خبراتهن في تربية الأطفال تفوق خبرة الأمهات، وهذا قد يكون طبيعياً، ولكن الأمر قد يتطور إلى اعتقادهن بأن خبرتهن تفوق خبرة الأطباء وخبراء تغذية الطفل ومراكز الأبحاث الصحية والطبية، وحتى معارف منظمة الصحة العالمية، فيضربن بإرشادت هذه الجهات العلمية عرض الحائط.   

"أمال ربيناكم إزاي؟" 

الخلاف يبدأ منذ لحظة ولادة الطفل، وإصرار الجدات على أن سوائل مثل اليانسون والكراوية قد تمنع المغص الذي يشعر به الرضيع، إذ ترفض كثير من الجدات تقبّل معلومة علمية بسيطة مثل أن هذا المغص هو في الحقيقة انتفاخات غازية طبيعية في هذا العمر المبكر، وهي المعلومات التي تتبناها الأمهات الجديدات.
ترى بعض الجدات أن خبراتهن في التربية تفوق خبرة الأمهات، ولكن الأمر قد يتطور إلى اعتقادهن بأنهن يتفوقن على الأطباء وخبراء تغذية الطفل ومراكز الأبحاث وحتى منظمة الصحة العالمية

تقول ندا حسن وهي أم لطفلتين: "عند ولادة ابنتي الأولى أصرت أمي على إعطائها الكراوية واليانسون للتخفيف من شعورها بالمغص، وهو ما رفضته بناءً على نصيحة طبيب الأطفال حديثي الولادة، حيث أنه أصر على عدم إعطاء الطفل أي شيء سوى الرضاعة الطبيعية فقط".
وتتابع في حديثها لرصيف22: "رفضي لنصائح أمي جعلها تغضب مني بكل تأكيد، ليس غضباً مؤقتاً، بل اتصلت بزوجي، وشقيقتي الكبيرة وحرضتهم علي".
"هو إنتِ لوحدك إللي عندك عيال" كلمات أمي لي في نقاش آخر حول إطعام ابنتي الأكل الصلب. أنا أريد أن أتبع نصائح منظمة الصحة العالمية بعدم السماح لطفلتي بتناول أي شيء سوى الرضاعة الطبيعية في أول ستة أشهر، بينما تُصر أمي على أنني لا أفهم شيئاً، "أمال ربيناكم وكبرناكم إزاي، وشوفي ولاد أختك الكبيرة". 

"هو إنتِ لوحدك اللي عندك عيال؟" هذه كلمات أمي لي في نقاش حول عدم إطعام ابنتي الأكل الصلب في أول 6 أشهر

في هذه الجدلية ترجح الأبحاث الحديثة كفة ندا على كفة أمها، وتشير إلى أن إعطاء الرضيع اليانسون تحديداً يتسبب له بخمول عقلي وربما يخفض من مستوى ذكائه مستقبلاً، أما الأكل الصلب فلا اختلاف أن تناوله قبل الشهر السادس سيتسبب للرضيع بمشاكل هضمية قد تستمر معه طوال حياته.   

ما أعز من الولد إلا ولد الولد 

ننتقل من ندا ووالدتها إلى بسنت خطاب وهي أم لثلاثة أطفال، وتوضح أن الصراع بين الأمهات والأجداد لا ينتهي عند مرحلة الإطعام والرضاعة والفلسفة في كيفية علاج الرضيع، بل يستمر إلى طريقة التربية.
تقول بسنت: "وإحنا صغيرين كان ممنوع نفتح ثلاجة بيتنا دون استئذان، ولكنهم يسمحون لأطفالنا بفتح الثلاجات، وهو ما لا أحبه لكي أربي أطفالي على مبدأ احترام الخصوصية، وعندما أعترض يقولون لي براحتهم".
تتابع: "اتعودنا أنه عيب نقول كلمة جعان عند الناس، لكن ابني الصغير يغنيها في بيوت أجداده، أرفض ذلك لكي أعلمه الصواب من الخطأ، ولكن الأجداد يعترضون ويقولون لي ربوا في بيوتكم".
مشكلة ندا وبسنت في العموم هي مشكلة شائعة يلاحظها الآباء الجدد، وهي تساهل أهلهم في المعايير التي يفرضونها على أحفادهم مقابل المعايير التي خضعوا لها هم في التربية، ويعزوا كثير من علماء النفس هذا الأمر إلى أن الإنسان يصبح أرق وأقل شِدّة مع العمر، وتزيد قابليته للاستمتاع كلما قلت ضغوط الحياة عليه، أما الثقافة العربية فقد اختصرت كل هذه الجدلية بمقولة "ما أعز من الولد إلا ولد الولد". 

سلطة أعلى من سلطة الأم والأب

تتفق شيرين في حديثها لرصيف22 مع النظرية السابقة، وهي أم لطفل عمره 3 سنوات، وتشير إلى أنها عندما تتحدث مع ابنها أو تؤنبه تتدخل والدتها للدفاع عنه، وفور استشعار الطفل لدفاع جدته عنه يماطل في عناده وعدم سماع تعليمات أمه. لشعوره بوجود سلطة أعلى من سلطة الأم.  

تساؤل طريف... هل يستمتع الأجداد والجدات بتدليل الأحفاد وإفسادهم بالحب والحلوى والحماية كجزء من انتقام بريء من التعب الذي تسبب به لهم آبائهم وأمهاتهم خلال تربيتهم؟  
أما بسمة وهي أم لطفلين فتقول: "كل اللي بعمله مع ولادي من طرق تربية بيبوظ لما بروح عند جدتهم، بداية من السماح لهم بأكل كل أنواع الحلويات دون قيود، ثم تشجيعهم على التواكل، كعدم غسل أطباقهم، عدم ترتيب أشيائهم... الأطفال طبعاً بيستغلوا الدلع". 

وتتابع بسمة حديثها لرصيف22 بأنها حاولت تعليم أولادها ألا يردوا بالعنف في حال تعرضوا للضرب أو التنمر في المدرسة وأن يذهبوا إلى المعلمة ليقدموا الشكوى، ولكن جدة الأطفال تقول لهم "إللي يضربك إضربه".

ثم تستدرك: "الحقيقة بعد فترة صرت بآمن بكلامها، يمكن معها حق في النقطة ده".

بنتي بترجع من عندهم متحولة 

محمد أب لطفلتين يقول عن دلع الأجداد لأحفادهم: "أبويا وأمي لو بنتي قامت ضربتني قدامهم حيدافعوا عنها، عادي ترفع رجليها وواحد غريب قاعد، عادي تعلي صوتها عليّ أنا ومامتها هناك، لأنها عارفة إن جدها وجدتها هيدافعوا عنها".
ويقول محمد لرصيف22: "أنا بنتي بترجع من عند جدها وجدتها متحولة، أكثر عناداً، أكثر عنفاً، دايماً عارفة إنهم بيقفوا في صفها حتى لو غلط، ممكن تتصل عليهم تشتكي مني، وتسمعهم وهمّ بيخانقوني لأني ضايقتها، أو يسمحولها تاكل حلويات وتطلب فلوس".

جحا والحمار وابنه

جميع الأمهات اللواتي تحدثن إلينا أجمعن على شعورهن بالسعادة لارتباط أطفالهن بأجدادهم وجداتهم، ولنعمة خلق ذكريات معهم، ولهذا الحب الذي يربط الطرفين و"يذهب الآباء والأمهات في الرجلين بسببه" وليس الاعتراض على التدخل في طريقة التربية وتدليل الأحفاد إلا  خوف مما قد يواجه هؤلاء الأطفال من انتقاد لسلوكهم في المجتمع عندما يكونون دون حماية، سواء من الآباء والأمهات، أو من الأجداد والجدات. 

محمد: "بنتي بتتصل على جدها وجدتها علشان تشتكي منيـ وبعدين تسمعهم وهم بيخانقوني لأني ضايقتها" 
فالأمهات هن من سيشعرن بالإحراج من تصرف أطفالهن في المناسبات والأماكن العامة، وسيقعن في حيرة إما ردع تصرف الطفل غير الجيد بالعنف حتى لا تشعر بالإحراج، وإما الهدوء حتى لا توصم بأنها لا تتبع طرق التربية الحديثة، لذا تقع الأمهات عادة في معضلة "جحا والحمار وابنه".
"أعز الولد ولد الولد" مقولة يؤمن بها كل من تذوق حلاوة احتضان الأحفاد في الشرق، يرى البعض أن الأجداد والجدات ينتقمون بحب شديد من التعب الذي تسبب به الأبناء من خلال تدليل الأحفاد، وهي فكرة لطيفة في خبثها.

ويرى البعض أن الأحفاد هم مكافأة نهاية الخدمة الحقيقية وثمرة التعب الطويل، ولا يملك حتى الآباء والأمهات حق التدخل في هذه العلاقة السعيدة السخية بينهم وبين أحفادهم 

والحقيقة، لا يُنكر أي أب أو أم سعادتهما برؤية طفلهما بين أحضان أبيه أو أمه، قد يرى البعض أنها اللحظة الأسعد بعد الزواج، وأنها لا تُقدر بثمن، لكن هل على الأب والأم التمتع بذكاء كافٍ لمسك العصا من النصف، وعدم إغضاب الأجداد، أم الاستمتاع فقط بهذا الإفساد غير المضر بقليل من الحلوى وقليل من الحماية من العقاب؟ 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image