ابتدعت الثقافة العربية عادات متنوعة وغريبة لاستقبال المولود الجديد. بعض العادات تقوم بها عائلة الأم أو عائلة الأب، وأخرى يقررها الأبوان. في مصر يحتفلون بأسبوع المولود/ة، وفي الشام يشهرون طهور الذكور، وفي المغرب يطلقون زغرودة واحدة عند ولادة أنثى وثلاثاً عند ولادة ذكر، وفي السعودية يحنّكون فم الطفل باستخدام حبة تمر لتقويته.
جهاز المولود على الجدات
تروي لرصيف22 أسماء العمري (36 عاماً)، وهي تعمل فنية كمبيوتر في الأردن: "أنجبت مرتين، الأولى في عام 2016 ثلاثة توائم، وفي نهاية 2017 توأمين، في المرة الأولى كانت ولادتي كرنفالاً لعائلتي وعائلة زوجي، قامت أمي بشراء الجهاز كاملاً للصغار وهو ما نسميه (ملبوس بدن) من (الدقونة) إلى الكوفلية إلى البطانات الثقيلة لكل منهم تماشياً مع عادات قريتنا الواقعة في شمال الأردن، حيث يشيع في هذه المناطق أن يجهّز أهل الأم أول مولود لبنات العائلة والاحتفاء به قدر المستطاع، ويتم ادخار المال لـ(نقوطهنّ) لبياض الوجه أمام الأنسباء ولدعم ابنتهم نفسياً ومادياً".وتضيف: "قامت والدة زوجي بنفس الشيء ولكن بطريقتها الخاصة، فابتاعت أغطية أكبر لأطفالي وزارت منزلي عدة مرات لمساعدتي بتجهيز غرفة النفاس وتزيينها وتبديل قطع الأثاث إن لزم الأمر".
"ملبوس بدن" تعني جهاز المولود الجديد بكل ما يحتاجه من لباس وكوفليات وبطانيات، وهو في العادة هدية أم الأم في كثير من قرى الأردن وفلسطين، لتبييض وجه ابنتها أمام الأنسباء
غالباً يحتفل أهل الأم وأهل الأب بالمولود الجديد على طريقتهم إلا أن الأمهات يحتجن إلى دعم نفسي ومساعدة في الفترة الأولى لاستقبال المولود، فبحسب أسماء استمرت عائلة زوجها بإرسال الطعام لمنزلها مدة شهر تقريباً للمساهمة بتوفير جانب من الراحة البدنية لها، خاصة أن تلك الفترة كانت متعبة إذ لم تحظ هي وزوجها بأي قسط من الراحة مع التوائم الثلاثة.
تقول: "الجدير بالذكر أن الطعام الذي وصلني حينها كان نوعياً مثل أطباق البيض وعلب الحلاوة والسمن البلدي تماشياُ مع عادات أهل الرمثا التي تهتم بصحة أم المولود/ة وتغذيتها حتى تتم فترة النفاس وهي بأفضل صحة".
بالونات وشوكلاته وزينة
حضور الأم والأب يصبح كثيفاً في موعد استقبال الطفل، ورغم أن للأم الحق باختيار طريقتها الخاصة بالاحتفال في هذه المناسبة، فإن الشرعية التي يستمدها الأهل جراء حبّهم وفرحهم يمكنها أن تبرر تدخلهم في هذه الاحتفالية. خاصة أن الثقافة العربية تفضّل الأحفاد على الأبناء ولا خلاف أن كل الشدة في تربية الأبناء تتحول إلى دلال تجاه الأحفاد، فلا يختلف اثنان في هذه الثقافة أن "ما أعز من الولد إلا ولد الولد".تقول دعاء حامد (32 عاماً) لرصيف22 وتعمل مهندسة في الأردن: "كان موعد استقبال طفلتي الأولى مهرجاناً من حيث التحضيرات التي قمت بها، أولاً خصصت لها غرفة في البيت وصممتها بما يتناسب مع طفلة، واشتريت الاحتياجات الخاصة بها من عربة بيت وأخرى للشارع وكرسي طعام وكرسي لعب وأرجوحة، ثم بدأت بتجهيز ملابسها وملابسي، ويمكنني الآن الاعتراف بأنني كنت مصابة بهوس الشراء في تلك الفترة، إذ دفعت مبالغ كبيرة لتجهيزها بصورة خاصة. حتى حين ظننت أنني انتهيت كنت أعاود الشراء".
"المباركة" هي زيارة النساء للتهنئة بسلامة الوالدة والمولود، وتقدم بها الكراوية، وتكون في منزل إحدى الجدتين احتفالاً بالحفيد، وتقام إما في الأسبوع أو في الأربعينللتجارب الأولى خصوصيتها رغم أن استشارة الأمهات السابقات بوسعها التخفيف من عبء شراء أمور لا حاجة لها، لكن لكل أم طريقتها في التعبير عن مشاعرها عند اللقاء بالمولود/ة، تضيف دعاء: "لم تعجبني تصاميم الشوكولاته الخاصة بالمولود والمتوفرة في السوق، لذا ذهبت إلى مصممة لتقوم بتصميم تغليف خاص للشوكولاته التي سأقدمها للمهنئين بابنتي، وقد غيّرت الألوان عدة مرات حتى اقتنعت، وقبل أن ألدها مباشرة اتفقت مع شركة تصميم البالونات والهدايا ليجهزوا غرفتي بأسرع وقت،ج. كانت تجربة عميقة في التعرف إلى نفسي، لكنني سعيدة بكل ما جرى في تلك الفترة".
مباركة ونقوط
مؤخراً تطورت طرق الاحتفال بالمولود/ة من قبل الأمهات أنفسهن أو الجدات، فاليوم لدينا "shower party" كما لدى أمهاتنا حفل "مباركة" واستقبالات ودعوات، تقول رنا الرابي (35 عاماً) وتعمل معلمة في فلسطين لرصيف22: "حين أنجبت طفلي الأول أقمت حفلة مباركة في منزل أهلي في دير غسّانة، حيث دعوت أنا وأمي بعض الصديقات ونساء العائلة، وحضرّنا الطعام والشراب والحلويات، وهي عادة متوارثة في قريتنا عند استقبال مولود جديد".في الثقافة العربية نفضّل الأحفاد على الأبناء، ولا خلاف أن كل الشدّة في تربية الأبناء تتحول إلى دلال ودلع للأحفاد، فلا يختلف اثنان في هذه الثقافة أن "ما أعز من الولد إلا ولد الولد"
على المهنئين بقدوم المولود الجديد أيضاً واجب تقديم هدية للطفل وأخرى للأم، وتختلف الهدايا بحسب عمق العلاقة مع أم المولود من جهة والظرف المادي من جهة أخرى، تضيف رنا: "وصلني ووصل ابني الكثير من الهدايا. بعض الهدايا عينية بسيطة لأول للطفل، وبعضها نقوط توضع بجانب ابني".
يميل بعض المتدينين إلى التصديق بأن آيات الكتب السماوية والتعويذات يمكنها حماية الأطفال من أي مكروه، لذا تكرر الأمهات والجدات التعويذات والآيات القرآنية في فترة استقبال المولود/ة.
تقول منى موفق القاسم (67 عاماً) من فلسطين لرصيف22: "حين اقتربت ولادة ابنتي البكر بحفيدتي الأولى منها، قمت بتجهيز حقيبة ملابس للطفلة، وأخذت الحقيبة إلى بيتي وفي يوم الجمعة قرأت على كل قطعة ملابس آية الكرسي في وقت صلاة الظهر ووضعت مع الملابس قطعة من المسك الأصلي لتعطيرها والحفاظ عليها، وكررت قراءة التعاويذ على الملابس ثم أرسلتها لابنتي".
كراوية ومكسرات
ثمة فرق في أسلوب الاحتفاء بالمولود/ة بين القرية والمدينة، فأهل المدينة يحتفلون بصخب أكبر، واهتمام أكبر بالتفاصيل حتى الصغيرة منها. ثائرة المصري (52 عاماً) أكاديمية من نابلس، تقول لرصيف22: "الاحتفال بالمولود في نابلس مختلف عن أي مكان في فلسطين، لدينا عادات تشبه عادات سوريا في استقبال المولود، أهمها الضيافة التي تقدم للزوّار الذي يباركون بقدوم الطفل/ة، نقدم الكراوية المليئة بالمكسرات، والحلويات الشرقية وتتنافس النساء في كمية المكسرات المقدمة، بالإضافة لأهمية الهدايا التي تقدم للأم، فعلى الزوج أن يقدم لزوجته قطعة ذهب مع كل ولادة جديدة، وإن لم يستطع تظل ديناً عليه".بعض الثقافات تلزم الأم بمجموعة إرشادات بعد الولادة حفاظاً على صحتها، أهمها أن لا تخرج من بيتها قبل أربعين يوماً على ولادتها، تضيف ثائرة: "حين نتناول الضيافة نقول للأم: تكملي أربعينك على خير، لأن خروج الأم في تلك الفترة يمكن أن يتسبب لها بأمراض ومشاكل صحية، لأن عظمها طري ومفتوح، ولأنها معرضة لحمّى النفاس التي كانت تتسبب في موت النساء قديماً".
الجدّة: قمت بتجهيز حقيبة ملابس لحفيدتي، وفي يوم الجمعة قرأت على كل قطعة ملابس آية الكرسي في وقت صلاة الظهر، وكررت قراءة التعاويذ على الملابس ثم أرسلتها لابنتي
تجربتي وتمليح الطفلة
أما تجربتي، فيمكن سردها كالتالي: حين اقتربت ولادتي كتبتُ قائمة الاحتياجات التي علي شراؤها لاستقبال ابنتي، لكنني تفاجأت بأن أمي قد حضّرت لي كافة المستلزمات الخاصة بالطفلة من ملابس وحفاظات وسرير وأرجوحة وجهاز حرارة وغيرها، ومستلزمات الضيافة من مشروبات ومأكولات تقدم لمن يأتي إلى البيت، وأخبرتني حينها أن الأهل ملزمون بمراسم الاحتفال بالطفل الأول لابنتهم.لم تنته الأمور هنا، فبعد خروجي من المشفى مع طفلتي طلبت مني أمي أن أجهّز صحن الملح لتمليح ابنتي، وهنا دب خلاف كبير بيننا؛ أطرح على أمي أسئلة طبيّة وتجيبني بخزعبلات غير مفهومة أهمها أن الطفل الذي لا يملّح تظل رائحته زنخة طيلة حياته، وقتها لم تستجب أمي لأي من توسلاتي وملّحت ابنتي وقامت بتغسيل جسد حفيدتها من الملح بعد يوم كامل، ثم بدأت عملية التزييت، وهي تدليك جسد الطفلة بزيت الزيتون لتليين عظامها ومفاصلها، رغم أن المنطق يقف حائراً أمام جسد طفلة عمرها أيام ويحتاج إلى تليين.
لمّا أتمت ابنتي أسبوعها الأول سألتني أمي عن موعد العقيقة، وهي سنّة دينية إسلامية تتلخص في قيام والد الطفل/ة بذبح خروف عند ولادة أنثى وتوزيع لحمه على المحتاجين وخروفين اثنين عند ولادة ذكر. وفي كل مرة تمرض فيها ابنتي تذكرني أمي بأنني لم أنفذ هذه السُنّة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...