تابعت نهى أحمد عبد المجيد فعاليات كأس العالم لكرة القدم للسيدات، التي فازت بها أسبانيا في المباراة النهائية مساء الأحد 20 أغسطس/ آب الجاري، وبداخلها أمل أن تكون ضمن لاعبات المنتخب المصري في تلك المسابقة الدولية في يوم قريب.
لكن نهى تعلم أن الوضع الذي تمارس فيه هي ورفيقاتها تلك اللعبة في مصر ربما لا يجعل حلمها قريب المنال.
بمزيج من الدهشة والرفض واجهت عائلة اللاعبة نهى أحمد عبدالمجيد، خط وسط وكابتن فريق صيد المحلة، قرارها الذي اتخذته قبل نحو 12 عاماً، بلعب كرة القدم؛ إذ كان من النادر أن تجد في مصر آنذاك فتاة تحترف كرة القدم. واجهت نهى صعوبة في إقناعهم قبل أن يرضخوا أمام إصرارها وحماسها، ويوافقوا على انضمامها لنادي يلعب في الدوري المصري، وبمرور الوقت تغير موقفهم ليقوموا بدعمها وتشجيعها، إلاّ أنها لا تزال ترى قطاعاً كبيراً من المجتمع المصري لا يتقبل مشاهدة فتاة تلعب كرة القدم "الناس لديهم حكم مسبق بأن مستوى أداء البنات سيكون أقل من المعتاد".
تقول عبد المجيد: "كل اللي بيحتاجه الأولاد للعب كرة القدم، طوبتين على كل ناحية وكرة ويلعبوا في الشارع في أي مكان وأي وقت، على عكس البنت في مجتمعنا مش مسموح لها تلعب في الشارع بحرية".
كل اللي بيحتاجه الأولاد للعب كرة القدم، طوبتين على كل ناحية وكرة ويلعبوا في الشارع في أي مكان وأي وقت، على عكس البنت في مجتمعنا مش مسموح لها تلعب في الشارع بحرية
"العبي رياضة بناتي"
وكغيرها من الفتيات اللواتي يلعبن الكرة، تذكر نهى أنها تعرضت منذ صغرها للسخرية من اللاعبين الذكور في مثل عمرها والتقليل من قدراتها، وعبارات التعجب الممتزجة بالإساءة تجاه اختيارها لتلك الرياضة: "الناس ممكن تتفاجئ لمجرد إن بنت بتنطط الكرة أو حتى بتعمل تمريرة مظبوطة، ناس كتير نصحتني ألعب رياضة (بناتي) أو أقل عنفاً، ودايماً بيكون ردي إنها اختيار شخصي ولا يحق لحد إنه يتدخل فيه".
وتؤكد عبدالمجيد أن بعض المعلقين على المباريات يمارسون أحياناً تمييزاً ضد اللاعبات الإناث فيقومون بالمقارنة بين أداء فريق نسائي وآخر للرجال، متأثرين بثقافة المجتمع التي تجعل من الكرة لعبة للذكور فقط، وتستشهد اللاعبة بتعرض منتخب مصر للسيدات، تحت 20 سنة، لحملة تنمر ممنهجة على السوشيال ميديا بعد مباراة لهم مع منتخب لبنان، في عام 2020، لكنه لاعبات المنتخب رددن وقتها بتقديم أداء أفضل ولم يسمحن للتنمر بالتأثير على عزيمتهن.
"بنتعرض لتنمر جامد جدًا والإعلام مش بيهتم ومنتخبنا الوطني مش واخد ربع اللي بياخده منتخب الرجال من تغطية إعلامية مش فلوس بس، وفي 2020 حصل تنمر كبير وتحرش لفظي، وكان لازم يتاخد معاه إجراء قانوني لكن لا حياة لمن تنادي"
حكاية سارة محمود فتحي، لاعبة نادي السكة الحديد، تختلف عن بداية نهى، تعلقت سارة بكرة القدم منذ بدأت في لعبها في الشارع مع الأولاد، وهو ما قابله الجميع بالدهشة وكان والدها دائم الصراخ عليها بسبب ذلك لكنها لم تكترث، حتى استطاعت اللعب في أكاديمية لكرة القدم وهي صغيرة فوجدت في البداية احتفاءً من الدائرة المحيطة (الأسرة والجيران) لكن ذلك الاحتفاء لم يدم، إذ بات المحيطون يحرصون على تكرار عباراتهم التي تراها فتحي "مُحطِّمة" منها تكرار "نصيحة" مفادها أنها تُضيّع وقتها بإصرارها على لعب الكرة، و"أننا مجتمع شرقي متربي على أن البنت تتجوز وبس" على حد تعبيرها في نقلها عنهم.
"بنتعرض لتنمر جامد جدًا والإعلام مش بيهتم ومنتخبنا الوطني النسائي مش واخد ربع اللي بياخده منتخب الرجال من تغطية إعلامية مش فلوس بس، وفي 2020 حصل تنمر كبير وتحرش لفظي، وكان لازم يتاخد معاه إجراء قانوني لكن لا حياة لمن تنادي" تقول سارة بألم واضح.
وبجانب التمييز الجندري والاستخفاف باللاعبات على أساس النوع والقول إن مكانهن الطبيعي المطبخ والسخرية من قدراتهن البدنية؛ فإن بعضهن يتعرضن للوصم الاجتماعي والأخلاقي لمجرد ارتداء الزي الرياضي، المتمثل في الشورت.
محمود عبدالمنعم، مدرب كرة القدم النسائية: "إصرار البنات على ممارسة اللعبة أجبر طبقة كبيرة من جمهور كرة القدم على تشجيعهن وأصبحت دوريات البراعم مليئة بالمدربات، لأن "البنت لما بتصمم على حاجة بتعملها"
ممنوعات من السفر للمباريات
ويرى محمود عبدالمنعم، مدرب كرة القدم النسائية بأحد الأندية الرياضية، أن النظرة السلبية تغيرت بفضل صمود وقوة تحمل لاعبات كرة القدم النسائية في مصر، مما جعل الأمور تختلف عما كانت عليه قبل سنوات.
يحكي المدرب: "زمان كنت بروح معظم الماتشات ناقص لاعبات، لأن أهالي البنات مش راضين يسفروهم يلعبوا ماتش، غير إن التمرين كان معظمه اعتذارات بسبب اعتبار الأهالي إن تمرين البنت كرة قدم ده مشوار ثانوي عادي نأجله لأي وقت!، حالياً بيجي لنا بنات من برج العرب وكفر الدوار وأهاليهم بيجوا معاهم ومبسوطين بيهم وده بفضل اللاعبات القدام اللي فضلوا يقاوموا"، مضيفاً أن التنمر تجاه اللاعبات كان ملحوظاً في السنوات الماضية، لكن حالياً نجد في ملاعب الخماسي بنات يلعبن كرة القدم مع أولاد ويتحدونهم، مؤكداً أن إصرار البنات على ممارسة اللعبة أجبر طبقة كبيرة من جمهور كرة القدم على تشجيعهن وأصبحت دوريات البراعم مليئة بالمدربات، لأن "البنت لما بتصمم على حاجة بتعملها"، بحسب تعبيره.
ويوضح عبدالمنعم أنه لم تكن هناك سوى أكاديمية واحدة تقبل تدريب الفتيات على كرة القدم في العام 2015، وبدأت في محافظة الإسكندرية التي يعمل ويقيم بها. ولم يكن يلعب في الدوري الممتاز للكرة النسائية سوى 12 نادياً، والآن يلعب أكثر من 50 نادياً في الدوري نفسه، وتوجد في الإسكندرية وحدها أكثر من 30 أكاديمية لكرة القدم النسائية، مشيراً لكون كل من اللاعبين الذكور واللاعبات الإناث، يحتاجون في تدريبهم للإعداد الحرفي، أما الإعداد البدني فيكون ذا طابع مختلف بسبب اختلاف التكوين الطبيعي لجسم الأنثى أو الذكر.
ياسمين الأجدر واجهت تنمراً واسع النطاق على السوشيال ميديا، كونها مُلاكمة ترتدي النقاب، بحجة أنها رياضة لا تناسب النساء وتفسد أنوثتها ومعالم جسدها، لكنها تقول إن دافعها للملاكمة هو الدفاع عن النفس أمام "اعتداءات وتحرش أشباه الرجال واللصوص في الشارع"
"هتبقي راجل وتضربي جوزك"
التمييز الجندري والاستخفاف بقدرات اللاعبات الإناث طال أيضاً بطلة المُلاكمة رحمة سامح، الحاصلة على المركز الثاني على الجمهورية وزن 54 كيلو، في بداية مشوارها، إلاّ أن أسرتها كانت داعمة لها واحترمت رغبتها وشجعتها.
"في الأول واجهت شبه سخرية، وإن أنا شهر أو شهرين وهقعد من التدريب ومش هقدر أكمل في الملاكمة، كان عندي طاقة كبيرة وإحساس بيقول لي هعمل حاجة في وقت قليل، والاعتراض راح بعد أول ميدالية أحصل عليها"، هكذا تحكي رحمة مؤكدة أنها تواجه التنمر والاستخفاف بالتجاهل، معتبرة إياه جهل لا أكثر.
أما ياسمين الأجدر فقد واجهت تنمراً واسع النطاق على السوشيال ميديا، كونها مُلاكمة ترتدي النقاب، بحجة أنها رياضة لا تناسب النساء وتفسد أنوثتها ومعالم جسدها، لكنها تقول لرصيف22 إن دافعها للملاكمة هو الدفاع عن النفس أمام "اعتداءات وتحرش أشباه الرجال واللصوص في الشارع" واكتساب الثقة بالنفس، مضيفة أنها لم تجد تشجيعاً على مدار 12 عاماً من ممارسة الرياضة، وقيل لها: "هتتحولي لراجل، مش هتتجوزي، أو هتضربي جوزك بعد الجواز".
رغم كونها رياضة عقلية بعيدة تماماً عن العنف؛ إلاّ أن المجتمع يستغرب احتراف بعض النساء للشطرنج، ذلك لكون جزء من المجتمع الشرقي يرى الأنثى في إطار منزلي ولا يرى جميع مقوماتها وامكانياتها الحقيقية، وقدرتها على الاستيعاب والتفكير والتي قد تتغلب على الرجل
تغلب فتاة على الرجل عار عليه
ورغم كونها رياضة عقلية بعيدة تماماً عن العنف؛ إلاّ أن المجتمع يستغرب احتراف بعض النساء للشطرنج، ويستخف بقدراتهن وذكائهن، وترجع حكم الشطرنج الدولي مها محمود، ذلك لكون جزء من المجتمع الشرقي يرى الأنثى في إطار منزلي ولا يرى جميع مقوماتها وامكانياتها الحقيقية، وقدرتها على الاستيعاب والتفكير والتي قد تتغلب على الرجل، فلو تغلبت فتاة على رجل تعتبر وصمة عار عليه وسخرية تتنافى مع روح الرياضة، ولكن الوقت كفيل بتغيير الكثير من المفاهيم، وهي ترفض التعميم لكون الفتيات يجدن أحياناً تشجيع كبير وبعضهن حصلن على تقييم دولي، مثل: منى خالد، شاهندا وفا، شروق وفا، آية معتز، والدكتورة/ منى اللبودي أول سيدة حكم عربي والتي كونت قاعدة كبيرة من الفتيات.
وينصب الاهتمام على النشاط الرجالي رغم وجود عناصر نسائية مصر في منتهى الذكاء والقوة، كما تقول د. منى اللبودي، رئيسة النشاط النسائي السابقة، عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للشطرنج، ومؤلفة كتاب الشطرنجي.. لعبة الملوك عبقرية أم جنون؟، مستغربة الاعتقاد بأن النساء لا يجيدن لعبة الشطرنج، لكون الدراسات أثبتت أن لاعبي الشطرنج من الجنسين لديهم مهارات ذاكرة قوية ولاسيما الذاكرة السمعية وقدرة كبيرة على التخيل والتخطيط المدروس، ووجود لاعبات دوليات حققن انتصارات تاريخية على نظرائهم من الرجال مثل: فيرا مينشيك ونونا جابرينداشفيلي وجوديت بولغار.
وتوضح اللبودي أن الإتحاد خصص لجنة للشطرنج النسائي، ونظم أول دورة تحكيم للنساء فقط وبطولات للسيدات وأخرى مختلطة وبطولات للناشئات والأكاديميات وأول بطولة عربية أفريقية.
قولبة للنساء
وتُرجع استشارية حقوق المرأة وقضايا النوع الاجتماعي، لمياء لطفي، ذلك لكون المجتمع المصري مُنمّطاً بطبعه، فهو يرى المرأة في صورة الرقيقة الضعيفة التي تحتمي بالرجل، وهذا جزء من القبول الاجتماعي لها، ومن تخرج عن تلك الصورة المألوفة وتطالب بحقها في ممارسة رياضة اقتصرت لسنوات على الذكور ككرة القدم أو تخالف التصور الناعم الرقيق للأنثى فتلعب رياضة قتالية، تتعرض للتنمر ليتراجعن ولا يفرحن باختياراتهن ولردع الأخريات عن تقليدهن، فهم يريدون قولبة المرأة في نمط محدد غير مقبول الخروج عليه.
بينما يوضح معاذ محمد، الباحث بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، أن هناك رفضاً للظهور العلني والتمثيل الاجتماعي للمرأة ومنها الانتصارات الرياضية، إضافة لاستمرار النظرة للرياضة على كونها تخص الذكور وأن الإناث يتغولن على المساحة الخاصة بهم، ولا يمكن فصل التنمر باللاعبات أو مهاجمة زيهن الرياضي، عن الوصم من خلال الجسد والرفض في المجال العام، وتخويفهن عبر التحرش الجنسي العقابي لردعهن ومنع الأخريات من الاقتداء بهن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...