لعقود طويلة، ظل الأردنيون يتوجسون خيفةً من محاولات إسرائيل المستمرة لاختراقهم، وبسط نفوذها في بلادهم.
وبرغم وجود علاقات دبلوماسية بين عمان وتل أبيب، إلى أنه على المستوى الشعبي ينظر أغلب الأردنيين إلى إسرائيل على أنها العدو التوسعي القابع عند حدودهم. وهو ما دفع المشرّع الأردني لإصدار قانون واضح وصريح يمنع الإسرائيليين من تملك أراضٍ في الأردن، مستثنياً أراضي منطقتي الباقورة والغمر التي ظلت تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ نكسة 1967، حتى استردتها المملكة الأردنية عام 2019.
عادت المخاوف للظهور مجدداً، مؤخراً، بعد إقرار البرلمان الأردني قانون الملكية العقارية الجديد، في جلسة ساخنة شهدت مشادات بين النواب الذين عدّوا ذلك القانون مدخلاً إلى التطبيع، وآخرين تبنّوا موقف الحكومة من أنه لا يعدو كونه قانوناً لمحاربة البيروقراطية وتشجيع الاستثمار.
بنود قانون الملكية العقارية الجديد المثيرة للجدل
تشكل المادة (3) من القانون المعدل الجديد، وتحديداً الفقرة (ج)، أحد النصوص الأكثر جدلاً في القانون وتمنح مجلس الوزراء صلاحيَّة نقل ملكية قطع من الأراضي من أملاك الدولة إلى الصناديق الاستثمارية العامة أو إلى الشركات المملوكة بالكامل للحكومة.
وهو ما أثار مخاوف كثيرين من أن القانون الذي سيسمح بنقل أراضي الدولة إلى "الصناديق الاستثمارية"، سيكون مدخلاً للشركات الإسرائيلية للاستحواذ على الأراضي الأردنية. وتعالت الأصوات الرافضة أكثر، بعد أن رفض مجلس النواب استثناء حملة الجنسية الإسرائيلية من قانون الملكية العقارية، وبذلك ووفقاً للقانون بات لهم الحق كغيرهم في شراء الأراضي.
وهذا ما دفع سبعة أحزاب سياسية لإصدار بيان صحافي، أدانوا فيه ما وصفوه بـ"نهج التطبيع مع العدوّ الصهيوني" مشيرين إلى أنّ ذلك القانون يشكّل ثغرةً تتيح للعدوّ الاستيلاء على أراضٍ أردنية.
وأشارت أحزاب (الشيوعي الأردني، الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، الشعب الديمقراطي/ حشد، البعث العربي الاشتراكي الأردني، جبهة العمل الإسلامي، الشراكة والإنقاذ، المستقبل والحياة الأردني)، في بيانها إلى أنّ الرأي العام الأردني تفاجأ بالسرعة التي أقرّ بها مجلس الأمة قوانين تمسّ الحياة السياسية والحريات العامة والسيادة الوطنية.
نهج التطبيع مع العدوّ الصهيوني
عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب، النائب المهندس عدنان مشوقة، يقول في حديثه إلى رصيف22، حول تلك المخاوف: "هناك العديد من البنود غير الواضحة في قانون الملكية العقارية ومنها المادة (3) التي تسمح بنقل ملكية قطع الأراضي من أملاك الدولة إلى الصناديق الاستثمارية العامة التي من الممكن أن تكون تابعةً لشركات أجنبية، وهو ما سيسمح لغير الأردني بتملك الأراضي والعقارات لتصل إلى عشرة دونمات وذلك بغرض السكن الخاص لغير الأردني أو لأسرته كما في المادة (9)، عوضاً عن خمسة دونمات في البند 139 من القانون القديم".
ويضيف: "فيما يمكّن القانون الجديد الشركات والمستثمرين من تملك أراضٍ بغرض الاستخدام في مشاريع صناعية أو خدمية في مساحات تصل إلى 40 دونماً كما في المادة (10) من القانون المعدل الجديد، بخلاف القانون القديم الذي لا تتعدى مساحة التملك فيه قطعة أرض مساحتها عشرة دونمات بحسب المادة (140) من القانون الأصلي السابق قبل التعديل".
ويختم النائب حديثه بالقول: "القانون يحتوي على كثير من الثغرات التي تحتاج إلى الضبط".
هل يعطي قانون الملكية العقارية الجديد فلسطيني الشتات الحق في الاستيلاء على أراضي الأردن؟
اللجنة القانونية في مجلس النواب تتجاهل الكل
وفي سياق متصل، انتقد النائب في مجلس النواب الأردني أيوب خميس، منح مجلس الوزراء صلاحيات تفويض أراضي الدولة من خلال قانون الملكية العقارية، مشيراً لرصيف22، إلى أنّ العديد من النواب فوجئوا بالمواد التي وردت في القانون.
ويكشف خميس أنّ اللجنة القانونية في مجلس النواب هي المرجعية التشريعية لهكذا قانون، حيث تمّت صياغة القانون -عبر تلك اللجنة- من دون الرجوع إلى النواب الآخرين، مكتفيةً بحق عرض القانون فقط على التصويت على أعضاء مجلس النواب الآخرين أو الحق في إبداء الرأي.
ويشدد النائب الأردني على أنّ الحكومة ومجلس النواب كان بإمكانهما أن يعطيا استثناءات أخرى في القانون تضمن ضبط القانون حتى لا يتم استغلاله من الشركات الأجنبية أو من قبل شركات مجهولة يمكن أن تتبع للكيان الصهيوني.
أنصار القانون يتحدثون
يذهب النائب في مجلس النواب وعضو اللجنة القانونية فيه، سليمان القلاب، إلى رؤية مخالفة لما ذهب إليه كل من النائبين أيوب خميس وعدنان مشوقة، وذلك في تصريحاته لرصيف22، التي يؤكد فيها أنّ القانون المعدل لا يهدف إلى بيع أراضي البلاد للمستثمرين الأجانب بحسب ما يراه البعض، بقدر ما هو تشجيع على الاستثمار في البلاد، وذلك عبر دخول المستثمرين كشركاء مع الحكومة.
ويوضح القلاب أنّ فقرة نقل مُلكيَّة قطع أراضٍ من أملاك الدَّولة للصَّناديق الاستثماريَّة العامَّة أو الشَّركات المملوكة للحكومة؛ كما في البند (3) من القانون المعدل، تعني أنّ الشركات المستثمرة مملوكة بالكامل للدولة، مثل المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي أو النقابات المهنية كنقابة المهندسين أو بعض المستثمرين المحليين الذين بإمكانهم الدخول كشركاء مع الحكومة بحسب القانون المعدل. بالإضافة إلى ذلك فإنّ المستثمرين الأجانب يحق لهم الدخول كشركاء مع الحكومة ولا يهدف القانون المعدل إلى تعزيز قانونية التمليك للأجانب بحسب رؤية البعض.
ويشير القلاب إلى أنّ القانون المعدل للملكية العقارية عمد مجلس النواب إلى عقد جلسات ومشاورات بخصوصه داخل اللجنة القانونية وعلى مستوى مجلس النواب، دعيت إليها شخصيات رسمية كوزراء ومختصين في الدولة، ومن ثمّ تمّ رفعه إلى مجلس الأعيان، تمهيداً للمصادقة عليه بشكله النهائي لدى الحكومة الأردنية.
هكذا أصبح الأردن بلد المليونيرية والمستثمرين وتحول الى وطناً من دون شعب
خطوة للحد من النفوذ العشائري
المخاوف من القانون الجديد لم تقف عند الشق السياسي، بل امتدت إلى الشقّ الاجتماعي حيث ترى قيادات "عشائر الحديد" أنّ تعديل قانون الملكية العقارية يهدف بالدرجة الأولى إلى تسهيل اقتطاع الأراضي المصنفة أراضي الخزينة والتصرف فيها دون الرجوع إلى رئيس الوزراء أو إلى أي مسؤول، حيث يعتبر الشيخ محمد خلف الحديد في حديثه إلى رصيف22، أنّ "الأردن أصبح بلد المليونيرية والمستثمرين وأصبح وطناً من دون شعب، لكن الشركات وعدداً من الأشخاص هم من يقررون مصير البلاد وفي هذه الأراضي".
مكاسب فلسطينيي الشتات
كما أنّ الخطوة بحسب تأكيدات الحديد، تهدف إلى تسهيل الأمور للفاسدين لكي يتصرفوا بأراضي الخزينة كيفما شاءوا، معتبراً أنّ هذه الخطوة لا تُعدّ قانونيةً وهي غير دستورية، ومؤكداً أنّ الدولة العثمانية حافظت على الأراضي المملوكة للعشائر وكانت موزعةً عليها على شكل مراعٍ لهم وحافظت عليها، في حين أنّ القانون المعدل يمنع مسائلة أي مسؤول في تصرفه بأيٍّ من أراضي الخزينة.
ويرى الحديد أنّ مشروع عمان الجديدة يدخل في إطار مشروع قانون الملكية العقارية المعدل، الذي يعطي فلسطيني الشتات الحق في الاستيلاء على الأراضي لصالح الشركات الاستثمارية، وكلها تصب في إطار التفريط بالأراضي المصنفة على أنّها أراضٍ حرجية وأراضي خزينة.
ويبقى السؤال مطروحاً وبقوة: هل يسعى فعلياً مشروع القانون الجديد إلى تشجيع الاستثمار عبر تخفيف القيود أمام تملُّك العقارات من المستثمرين والأجانب، أمّ أنّ المشروع المعدل يحمل في طياته أبعاداً سياسيةً تسعى لوبيات في الداخل الأردني إلى تمريرها لصالح أطراف خارجية؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...