شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أحمد دومة… هل تنتهي المعاناة بانقضاء السجن؟

أحمد دومة… هل تنتهي المعاناة بانقضاء السجن؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 20 أغسطس 202303:12 م

"أنا اسمي أحمد دومة"، عندما ترددت تلك العبارة منذ أكثر من 10 سنوات، سواء على شبكات التواصل الاجتماعي أو في الشوارع - وقتما كانت المظاهرات غير مجرمة في مصر-، لم تكن تعريفاً من شاب بنفسه، بل هتافاً يُردده المتضامنين معه، ويتنقل من أحدهم إلى الآخر "وأنا اسمي أحمد دومة"، متبوعاً بهتاف آخر "خايفة منّي ليه يا حكومة؟".

في تلك الفعاليات، كانت صورته محاطة بعبارة "الحُرية لأحمد دومة" ترتفع بين رفاقه في النشاط السياسي ضد نظام مبارك وما تبعه، كان التساؤل مهماً إذ بدا أن السلطات ووسائل الإعلام التابعة لها تنظر إلى دومة بين عدة أسماء باعتبارها خطراً جارفاً يتهدد "الدولة"، ما يبرر إلقاء أصحاب تلك الأسماء خلف القضبان عبر قضايا تتوالد ذاتياً.

وهو الأمر الذي تؤكده 3 شهادات، من معسكرين مختلفين، أعلنوا عقب إعلان العفو الرئاسي عن أحمد دومة أمس السبت 19 أغسطس/ آب.

الشهادة الأولى، كتبها الصحافي البارز والمدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت، إذ قال: "هو ده. صورة بعنوان من بق الأسد. دومة وباقر بعد رحلة طويلة من (مستحيل/انسوا/شوفوا غيرهم) ووصولا إلى (على الأسفلت). كل التقدير والشكر لكل من اوقف الظلم، وعقبال كل السجناء السياسيين بلا استثناء وخصوصا (المستحيلين)". أما الشهادة الثانية فكتبتها الناشطة نورهان حفظي زوجة دومة السابقة والتي ظلت ناشطة في الدفاع عن حريته حتى خروجه من السجن قبل 5 سنوات فقط من انتهاء مدة محكوميته، إذ سردت نورهان جانباً من المحاولات والوساطات العديدة التي لم تكلل بالنجاح عبر 10 سنوات قضاها دومة خلف القضبان.

بعد ساعات قليلة من انتظار التيقُّن بدأت الاحتفالات فور ظهور صور دومة "على الأسفلت" وسط أصدقائه. وحتى مَن هجروا البلاد لم يسمحوا لأنفسهم بتفويت الاحتفال، فنشروا صورهم وهم يتواصلون معه، فيما يُبين مدى التعطش للحظة مثل هذه، في ظل سجن آلاف مثل دومة لمطالبتهم بحقوق وحريات لعموم المصريين خلال ثورة يناير

أما الشهادة الثالثة والتي تأتي من معسكر مختلف تماماً فهي شهادة الصحافية والنائبة البرلمانية نشوى الحوفي وهي من أنشط الأصوات المدافعة عن السياسات الأمنية للسلطات المصرية والتي كشفت فيها عن رفضها وعدد من أعضاء لجنة العفو الرئاسي منهم اثنين لا يزالان ضمن اللجنة هما محمد عبد العزيز وطارق الخولي "من مؤسسي تمرد" لإدراج اسم دومة ضمن قوائم العفو.

على الأسفلت

بعد ساعات قليلة من انتظار التيقُّن - ورغم نشر خبر العفو في الجريدة الرسمية- بدأت الاحتفالات فور ظهور صور دومة "على الأسفلت" وسط أصدقائه، وحتى مَن هجروا البلاد لم يسمحوا لأنفسهم بتفويت الاحتفال، فنشروا صورهم وهم يتواصلون معه، فيما يُبين مدى التعطش للحظة مثل هذه، في ظل سجن آلاف مثل دومة لمطالبتهم بحقوق وحريات لعموم المصريين خلال ثورة يناير، وأصروا على الانتصار لمبادئ صاحبتهم مهما اختلفت الأنظمة.


نضال المراهق

دومة واحداً من أبرز وجوه ثورة 25 يناير. لكن بدايته في هذا المسار كانت مُبكرة؛ ليدفع الثمن من خلال عديد من مرات إلقائه في السجن، كان أولها عام 2009 وهو ما زال بعد طالباً يبلغ من العمر 16 عاماً، حين حاول العبور إلى القطاع المُحتل للانضمام إلى المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان الإسرائيلي عليه؛ فما كان أن تعرّض للاعتقال من مسؤولي حركة حماس وبعدها من السلطات المصرية.

حين اندلعت احتجاجات التنديد بمقتل خالد سعيد على يد ضباط وافراد من الشرطة، كان دومة من أوائل الخارجين للشوارع، بل ومن وأبرز المشاركين في ترتيبات المظاهرات الأولى للثورة

قبل ذلك بأعوام قليلة، كان الشاب ممن تحمّسوا للتحركات التي بدأت ضد مبارك تحت شعار "كفاية"، وصار واحداً من المعروفين- آنذاك- باسم "نشطاء المدونات"، المصطلح الذي ولّدته سُبل الاحتجاج ضد السلطة، قبل أن ينتقل الأمر إلى الشوارع عبر تنظيم الوقفات الاحتجاجية في أماكن حيوية في العاصمة وخارجها، وتنضم إليها صور أخرى عبر الإنترنت من خلال مدونات "بلوجر، ووردبرس" ومن بعدها صفحات ومجموعات فيسبوك وتويتر.

لهذا كان طبيعياً حين اندلعت احتجاجات التنديد بمقتل خالد سعيد، الذي صار جانب مقاومة مشروع توريث الحكم مُحفزين اندلاع الثورة، أن يكون دومة من أوائل الخارجين للشوارع، بل ومن وأبرز المشاركين في ترتيبات المظاهرة الأولى للثورة، وذلك برؤية تنم عن أنه لم يكن مُجرّد شاب غاضب يشارك في فعالية ضد مبارك، بل على قناعة بحتمية التغيير.

وخلال الترتيبات المتعلقة بخروج مظاهرة "ناهيا" الشهيرة يوم 25 يناير، لم يكن دومة متحمساً لهتاف "ارحل"، وكان رأيه أن يكون الهتاف اقتصادي واجتماعي يتناسب مع طبيعة المنطقة واحتياجات أهلها والتي مثّلها خلال التحرك بعضهم بحمل خبز وبصل، دلالة على الفقر والعوز لأبسط مقومات الحياة.

وخلال الفعاليات، كان على قدر من الإيمان بالتحرك حد أنه حين كان يقابل الأمن المتظاهرين بالعنف وقذف حجارة وقنابل مُسيّلة للدموع؛ كان هو من موقعه في الصفوف الأمامية يسارع بالتقاطها وردّها على الطرف الآخر حماية لزملائه، ما جعلهم يلقبونه بـ"صائد الفراشات".

تحت مظلة "ائتلاف شباب الثورة" شارك دومة في فعاليات، أبرزها المطالبة بوقف المحاكمات العسكرية للمدنيين، ونقل الحكم إلى نظام مدني مُنتخب. وحين صار الحكم إلى يد الإخوان، فإنه - ورغم أن والده كان عضواً سابقاً بالجماعة- لم يصمت أمام قراراتهم وواجهم، فتعرّض للسجن بتهمة "إهانة الرئيس مرسي"

ثورة مستمرة

انتهت أيام يناير من دون أن ينتهي سعي شبابها إلى تحقيق مطالبهم منها "العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية". فبعد أن انتقل الحكم من يد مبارك إلى خليفته العسكري، واصل الشباب نشاطهم سواء بصورة فردية أو عبر كيانات مثل "ائتلاف شباب الثورة" الذي صار دومة أحد أعضائه.

وتحت مظلة ذلك الكيان شارك دومة في فعاليات، أبرزها تلك التي كانت تطالب بوقف المحاكمات العسكرية للمدنيين، ونقل الحكم إلى نظام مدني مُنتخب. وحين صار الحكم إلى يد الإخوان، فإن الشاب - ورغم أن والده كان عضواً سابقاً بالجماعة- لم يصمت أمام قراراتهم وواجهم فتعرّض للسجن بتهمة "إهانة الرئيس مرسي".

بين أبرز الفعاليات كان ما عُرف بـ"أحداث مجلس الوزراء" 2011، والتي جلبت على دومة النوائب. فالأمر لم يكن سوى اعتصام سلمي في مُحيط المجلس احتجاجاً على تعيين أحد رجال عصر مبارك، وهو كمال الجنزوري، رئيساً للحكومة؛ إلّا أن قوات الجيش والشرطة هاجمته صباح 16 ديسمبر/ كانون الأول، وبعد أن اختطفت أحد المعتصمين وتعدّت عليه، ثم تصاعدت الأحداث حد الاعتداء بالضرب والسحل على المعتصمين، رجال ونساء.

رغم توثيق صور وفيديوهات لتلك الأحداث، إلّا أن الإدانات وجهتها السُلطات للمحتجين، وكان منهم دومة الذي قالت إنه "أحرق المجمع العلمي"، ليصدر بحقه حُكماً عام 2015 بالسجن المؤبد في تلك القضية، وبعد إجراءات تقاضي انتهى الأمر عام 2020 بإصدار بتأييد الحكم ضده بالسجن المشدد 15 عاماً وغرامة 6 ملايين جنيه.

تعرّض دومة في سجن استقبال طره، لصور عديدة من التنكيل وانتهاك الحقوق من قبيل "حرق كتبه الدراسية، ومنعه من التريض أو جعل تريضه مع سجناء من جماعات متشددة احتكوا به. وكذلك منعه من القراءة بمكتبة السجن، وحرمانه وأهله من الزيارات الاستثنائية والمراسلات

معاملة مُتشددة

حين كان محبوساً على ذمة تلك القضية، واجه دومة خصومة جديدة تمثّلت في صدور حكم غيابي ضده -رغم أنه بجهة معلومة هي السجن- قضت بحبسه وآخرين 6 أشهر، بتهمة التعدي على ضابط داخل محبسهم بمعهد أمناء الشرطة، أثناء محاكمتهم في قضية أحداث مجلس الشورى. ولم تتوقف الخصومات القضائية عند هذا الحد، فعلى هامش قضية "أحداث الوزراء" صدر ضده حكماً بالسجن ثلاث سنوات بتهمة "إهانة المحكمة".

كذلك، تعرّض في سجن استقبال طره، لصور عديدة من التنكيل وانتهاك الحقوق من قبيل "حرق كتبه الدراسية، ومنعه من التريض أو جعل تريضه مع سجناء من جماعات متشددة احتكوا به. وكذلك منعه من القراءة بمكتبة السجن، وحرمانه وأهله من الزيارات الاستثنائية والمراسلات في فترة ما"، بل ومعاقبة مَن يحاول الحديث معه من سجناء"، وهؤلاء منهم مَن تعرّض الشاب للأذى خلال محاولته صد اعتداءات عليهم.

انتهاك حقوق دومة تكرر، سواء بالتعدي عليه بالضرب فقط لممارسته حقه في الاحتجاج حين أضرب عن الطعام بسبب حرمانه من تلك الحقوق، أو بحرمانه من الرعاية الطبية الجسدية والنفسية رغم تعرّضه لانتكاسات صحية متكررة وصلت حد حضوره جلسات محاكمته على كرسي متحرك. بل تصاعد العقاب بحبسه انفرادياً لسنوات، بالمخالفة لما ينصّ عليه القانون في هذا الصدد.

الإجراءات العقابية لم تطل دومة داخل السجن فحسب، بل وفي قاعة المحكمة من قبيل وضعه في قفص زجاجي كاتم للصوت. وكذلك لم تقتصر عليه، بل طالت محامين موكلين عنه عام 2014، حين أحال القاضي محمد ناجي شحاتة ثلاثة منهم للتحقيق، عقب مطالبتهم بسماع دومة من داخل ذلك القفص.


مقاومة مستمرة

أمام كل ما جرى؛ حاول الشاب التأقلم مع ذلك العالم الجديد، فقبل صدور الحكم، وحين كان لا يزال محبوساً احتياطياً، كان يعتبر جلسات تجديد حبسه بمثابة رحلة لرؤية أصدقائه والاطمئنان عليهم والاطلاع على بعض ما يصير خارج أسوار السجن.

أمّا وقد صار سجيناً بأحكام نهائية، وعلى ذمة أكثر من قضية، فقد قرر مواصلة حياته على قدر المتاح والمستطاع، ليتقدم بطلب حضور محاضرات وتأدية امتحانات دبلومة العلوم السياسية، وحين رفضت إدارة السجن طلبه من دون إبداء أسباب، لم يستسلم دومة؛ ولجأ إلى استخدام حقه في التقاضي للاعتراض على قرارات إدارة السجن.

تعامل دومة بمثل هذا الإصرار والتمسّك بالحقوق، أتى من قناعات صاحبته من الميدان إلى زنزانته. فهو المخلص لثورة يعتبرها "تعرّضت للخيانة من مصلحجية"، وكان يأمل في تصحيح الأمور عبر مواصلة الاحتجاج السلمي والنشاط السياسي الرسمي، ما ظهر خلال مشاركته في فعاليات قليلة شهدها الشارع المصري قبل القضاء على كافة أشكال الاحتجاج، منها احتجاج سلمي عُرف باسم "أحداث عابدين"، انتهي بالحكم بسجنه ثلاث سنوات وغرامة 50 ألف جنيه.

قاوم دومة في الداخل، وكان التضامن معه مستمراً خارج السجن بل وخارج البلاد بأكملها، لأنه الشاب الصحفي والشاعر الذي لم يكن يوماً محسوباً على أي تكتّل، ولم يكن انتماؤه إلّا للثورة، ولم يكن إيمانه إلّا بمبادئها التي طالما رددها ورفاقه: "عيش، حريّة، كرامة إنسانية". وفي سبيل تحقيقها؛ صار خصماً لكل الأنظمة، بدءً من مبارك وقت أن ظهرت ضده "كفاية" مروراً بالمجلس العسكري ومن بعده الإخوان المسلمين، إلى أن خرج حُراً للشارع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image