شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
في

في "يوم الصحفي المصري"… الحبس الاحتياطي سيد الموقف

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سبع سنوات مرت على الصحافي المصري حمدى مختار الشهير بحمدي الزعيم خلف جدران الزنازين. منذ ألقي القبض عليه، أثناء تصريوه تقريراً صحفياً على سلم نقابة الصحفيين في سبتمبر/ أيلول 2016، وظل قيد الحبس الاحتياطي لأكثر من عام ونصف العام، على ذمة القضية رقم 15060 لسنة 2016 جنح قصر النيل والتي اتهم فيها معه صحافيين آخرين هما محمد حسن وأسامة جابر بالتهم المعتاد توجيهها للصحافيين والمعارضين السياسيين وهي الانضمام لجماعة محظورة ونشر الأخبار الكاذبة مضافاً إليها حيازة أجهزة تسجيلية (في إشارة لمعدات التصوير والتسجيل التي يستخدمها الصحافيون في تقارير الفيديو).

بعد رفض استئنافهم على قرار حبسهم أكثر من مرة، وفي ضوء مساع من منظمات المجتمع المدني لوقف التنكيل الأمني بالصحافيين، استبدلت محكمة جنايات القاهرة قرار حبس الزعيم وحسن وجابر بالتدابير الاحترازية في إبريل/ نيسان 2018، لكن في 4 يناير/ كانون الثاني 2021، اقتحمت قوات الأمن منزل الزعيم فجراً وحطمت محتويات بيته وألقت القبض عليه مجدداً رغم خضوعه للتدابير الاحترازية، للتحقيق معه على ذمة القضية رقم 955 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا. وجددت النيابة العامة توجيه الاتهامات نفسها: الانضمام لجماعة إرهابية على علم بأغراضها، واستخدام حساب على أحد مواقع شبكة المعلومات الدولية بهدف نشر أخبار كاذبة، ومنذ هذا التاريخ يقبع حمدي الزعيم، داخل السجن رهن الحبس الاحتياطي للعام السابع، من دون محاكمة.

يقبع المصور الصحفي حمدى الزعيم في سجن أبو زعبل داخل زنزانة مكتظة بمعتقلي الرأي والسياسة للعام الثالث على التوالي من دون محاكمة، رغم تجاوزه الحد الأقصى للحبس الاحتياطي

لدى حمدى الزعيم أربعة أبناء، الكبرى ميرنا، في عام 2016 كانت في المرحلة الثانوية بعدها التحقت بكلية الحقوق، وتخرجت ومارست مهنة المحاماة للدفاع عن والدها، وهى الآن في مرحلة الماجستير، والثانية ملك كانت في المرحلة الإعدادية عندما أُلقى القبض على والدها أول مرة، وهى الآن في كلية التجارة بالفرقة الأولي، والثالث فارس الذي يستعد للالتحاق بالصف الأول الإعدادي في العام الدراسي الجديد، أما الرابع فيدعى مالك، وُلد عام 2017 وكان والده رهن الحبس الاحتياطي ولم ير أباه إلا لشهور معدودة بين فترتي الحبس الاحتياطي وهو الآن يستعد للالتحاق بالصف الثاني الابتدائي، ووراءهم أماني، زوجته التي تحملت مسؤولية تربية الأبناء وحدها أملاً وتنتظر كل عام في "يوم الصحفي المصري" الذي كان موعده أمس السبت 10 يونيو/ حزيران، أن يكون هذا العام هو الأخير في محنة أسرتها التي طال مداها.

الزعيم هو واحد من نحو 25 صحفياً مصرياً قيد السجن أو الحبس الاحتياطي وجهت إليهم ذات الاتهامات، ويرتفع عددهم إلى 37 صحافياً إذا ما أضيف إليهم المدونون والصحافيون غير المقيدين في نقابة الصحفيين المصرية، بحسب تقديرات حقوقية.

المصور الصحافي المصري حمدي الزعيم

حمدي الزعيم نفسه، يقضي فترة الحبس الاحتياطي التي لا يعرف متى تنتهي في سجن أبو زعبل 2، داخل زنزانة مكتظة بمعتقلي الرأي والسياسة، وفقاً لحديث ابنته مع رصيف 22، وسجلت منظمات حقوقية حالة التدهور الصحي التي بات يعانيها داخل محبسه، وسجلت شكاوى عديدة من نقص الرعاية الصحية في السجون بشكل أسهم في تفاقم سوء وضعه الصحي حيث يعاني من أمراض مزمنة مثل الضغط والسكر، وبجانب إصابته بانزلاق غضروفي، كما بات يعاني من ضعف النظر.

الحبس الاحتياطي في مصر تحول من إجراء احترازي إلى عقوبة مطولة بدون تهم أو محاكمة، وفي حالات كثيرة تصدر الجهات المختصة قرارات بالحبس الاحتياطى تجاوز مجموعها العامين، في جنايات لا علاقة لها بأية أحكام محتملة بالمؤبد أو الإعدام

تعاني أسرة المصور المصري خلال زيارة الأب في محبسه، من مشقة السفر في أوقات متأخرة من الليل، والانتظار أمام السجن ساعات طويلة أملاً في الالتقاء به والجلوس معه في زيارة لا تتجاوز 15 دقيقة في أحسن الظروف. وفي كل جلسة تجديد حبس، تقف الابنة باعتبارها محامية أبيها للدفاع عنه، وتطالب بإخلاء سبيله بأي ضمان تراه هيئة المحكمة، وتدفع بتجاوز المدة القصوى للحبس الاحتياطي التي يحددها القانون بعامين اثنين على الأكثر، لكن النيابات والمحاكم المصرية لم تعد تتقيد بذلك النص القانوني الملزم منذ ما يقرب من 10 سنوات.

إلى الآن لم تواجه النيابة العامة أو المحكمة الصحافي المصري بأية أحزار أو أدلة على ارتكابه للجرائم المنسوبة إليه، يتساوى في ذلك مع مئات المحبوسين احتياطياً. تدفع ابنته الكبرى ومحاميته بتجاوز تلك القاعدة القانونية أيضاً، وتطالب بتساوي المراكز القانونية حيث أنه تم إخلاء سبيل عدد كبير من المتهمين في نفس القضية مع أبيها، لكن كل جلسة نظر تجديد تنتهي إلى القرار نفسه برفض طلب إخلاء السبيل وتجديد حبس أبيها احتياطياً من دون دليل واحد على ارتكابه أية جريمة.

الحبس الاحتياطي عقوبة الصحافيين

الحبس الاحتياطى هو إجراء احترازي، من المفترض قانوناً أن تلجأ إليه السلطات في حالات محدودة خشية هروب المتهم، أو إلحاقه الأذى بالآخرين، أو خشية تأثيره على الشهود أو العبث بالأدلة. ونصت عليه المادة 54 من الدستور المصري، وتنظمه عدة قوانين على رأسها قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950، وتعديلاته الصادرة في 5 سبتمبر/ أيلول 2020، وقانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، وقانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، وتتدرج مدده من 3 أيام حتى عامين، وتختلف مدد الحبس الاحتياطي بخلاف نوع الجرم إن كان يشكل جناية أو جنحة، وأقصى مدة هي العامين، وتكون في الجرائم التي تكون عقوبتها المؤبد أو الإعدام.

هناك عشرات القصص التي تدمي القلوب لصحافيين وإعلاميين مصريين، يعانون من جحيم الحبس الاحتياطي، تئن أسرهم وأبناؤهم في صمت، يراقبون في كل مناسبة قوائم العفو التي يتم الإعلان عنها

وتؤكد منظمات حقوقية محلة ودولية أن الحبس الاحتياطي تحول من إجراء احترازي إلى عقوبة مطولة بدون تهم أو محاكمة، موضحةً أنه في حالات كثيرة تصدر الجهات المختصة قرارات بالحبس الاحتياطى تجاوز مجموعها العامين، وفق اتهامات لا علاقة لها بأية أحكام محتملة بالمؤبد أو الإعدام، الأمر الذي يشكّل مساساً كبيراً بالحرية الشخصية التي تحدثت عنها المادة 54 من الدستور المصري.

وبالإضافة إلى قصة حمدى الزعيم، هناك عشرات القصص التي تدمي القلوب لصحافيين وإعلاميين، يعانون في الحبس الاحتياطي، تئن أسرهم وأبناؤهم في صمت، يراقبون في كل مناسبة قوائم العفو التي يتم الإعلان عنها، ونذكر من هؤلاء: بهاء الدين إبراهيم، وربيع الشيخ، صحفيا الجزيرة القطرية، ويحيى خلف الله، ومدحت رمضان، وهالة فهمي الصحافية في التلفزيون المصري وزميلتها صفاء الكوربيجي، وتوفيق غانم، ومصطفى الخطيب، ومحمد رضوان، ومحمد مصطفى موسى، بحسب قائمة أعدتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير (مؤسسة حقوقية غير حكومية).

ووفقاً لإحصائية نشرها المرصد المصري للصحافة والإعلام ( مؤسسة حقوقية غير حكومية تقدم دعم قانوني للصحافيين المصريين)، ففي اليوم العالمى لحرية الصحافة 3 مايو/ أيار المنقضي، قُدر عدد الصحافيين المصريين الذي ألقى القبض عليهم في السنوات العشر الأخيرة، ب 218 صحافياً، بينهم صحافيين صدر بحقهم قرارات إخلاء سبيل بعدما قضوا شهوراً وسنوات في الحبس الاحتياطي من دون محاكمات. هذا الرقم هو ما استطاعت المؤسسة رصده وتوثيقه، وقد يكون العدد الفعلي أكبر من ذلك بكثير بحسب بيانها، فيما وضعت منظمة مراسلون بلا حدود مصر في المركز 166 عالمياً في حرية الصحافة وفقاً لتقرير 2023.

لا توجد إحصائية رسمية دقيقة ترصد عدد الصحافيين المصريين المحبوسين احتياطياً في الوقت الراهن، الأمر متروك لاجتهادات المنظمات الحقوقية في التقصى والرصد

أرقام متضاربة ومؤشرات مثيرة للقلق

لا يوجد حتى الآن إحصائية رسمية دقيقة ترصد عدد الصحافيين المصريين المحبوسين احتياطيا في الوقت الراهن، والأمر متروك لاجتهادات المنظمات الحقوقية في التقصي والرصد، فحسب قائمة المرصد المصري للصحافة والإعلام، فإن العدد يقدر بـ5 صحافيين، يزيد العدد في قائمة مؤسسة حرية الفكر والتعبير ليصل إلى 10 صحافيين، بينما تشير منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى أن 20 صحافياً يقبعون في السجون المصرية الآن، يقول محمود كامل وكيل نقابة الصحفيين ورئيس لجنة الحريات، لرصيف22، إن عدد المحبوسين حالياً 24 صحافياً، بينهم 11 نقابياً بعضهم محبوسين احتياطياً، والبعض الآخر صدر ضدهم أحكاماً قضائية بالحبس، فيما يقدر عدد الصحافيين غير النقابيين المحبوسين بنحو 13 صحافياً.

بحسب محمود كامل فإن الصحافي النقابي، هو الشخص المعين في مؤسسة صحيفة والمقيد بجداول نقابة الصحافيين المصريين، أما الصحافي غير النقابي، فهو شخص يمارس مهنة الصحافة ولديه أرشيفا مهنياً، تعترف به جهة عمله لكنه لم يُعيَّن بعد (لم تتعاقد معه المؤسسة)، موضحاً أن النقابة - في ملف الحريات- لا تفرق في تعاملها بين الصحافيين حسب علاقات العمل بينهم وبين مؤسساتهم، فالجميع يتم التعامل معه من دون تمييز.

وتتضمن جهود نقابة الصحفيين المصريين في ملف الصحافيين المحبوسين: تقديم الدعم القانوني، وإرسال مخاطبات للنائب العام لتحسين بيئة وظروف الصحافي داخل محبسه وللسماح بالزيارات، كما تجرى النقابة مفاوضات غير رسمية مع السلطات من أجل الإفراج عن الزملاء المحبوسين، وتصرف دعماً شهرياً لأسر الصحافيين النقابيين المحبوسين قيمته 2000 جنيه (61 دولار).

ينام الصحافيون المحبوسون احتياطياً على الأرض في غرف ضيقة بها أعداد كبيرة من السجناء، يقضون وقتهم ما بين التريض وقراءة الجرائد القومية، أو الاستماع إلى الراديو، أما دخول مكتبات السجن فهي ميزة لا يحظى بها إلا السجين الصادر في حقه حكم قضائي

قضبان خارج الزنازين

لا شك أن حياة الشخص خلف القضبان، بعد انعزاله عن العالم الخارجي، وابتعاده عن الأهل والأصدقاء صعبة للغاية، وللتعرف أكثر على هذه الحياة، تواصل رصيف22، مع صحافيين أخضعوا للحبس الاحتياطي، ووجهت لهم اتهامات لم تتمكن السلطات من إثباتها بالأدلة، ولا تستند إلى تحريات جدية، وإنما تعتمد على الشك وافتراض نية ارتكاب الجريمة، وأُخلى سبيلهم من دون أن تتم محاكماتهم بعد أن قضوا شهوراً وسنوات في دوامة الحبس الاحتياطي.

الصحافي الأول هو عادل صبري رئيس تحرير موقع مصر العربية، الذي ألقي القبض عليه يوم 3 إبريل/ نيسان 2018، بعد نشر موقعه الإخباري تقريراً مترجماً لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، تكشف فيه عن مخالفات ارتُكبت خلال الانتخابات الرئاسية التي أجريت في ذاك التوقيت. وظل صبري رهن الحبس الاحتياطي لأكثر من عامين، إلى أن أُخلي سبيله في يوليو/ تموز 2020.

والصحافي الثاني هو مصطفى الأعصر، هو شاب من مواليد 1993، كان يعمل بجريدة الشروق المصرية، وموقع "ألترا صوت"، أُلقى القبض عليه، يوم 4 فبراير/ شباط 2018، وقضى ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف في الحبس الاحتياطي على ذمة قضيتين، القضية الأولى رقم 441 لسنة 2018 وفيها وجهت له اتهامات الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار وبيانات كاذبة، وبعد تجاوزه الحد الأقصى للحبس الاحتياطي؛ صدر قرار بإخلاء سبيله يوم 6 مايو/ أيار 2020، لكنه لم يهنأ بهذا القرار، فسرعان ما تم تدويره على ذمة قضية جديدة هي القضية رقم 1898 لسنة 2019، لتستمر بذلك معاناته في دوامة الحبس الاحتياطي، هذه المرة بتهمة "الترويج لأعمال إرهابية". وأُخلي سبيله يوم 18 يوليو/ تموز 2021.

الصحافي الثالث هو أحمد فايز مدير تحرير جريدة أخبار البرلمان، أُلقي القبض عليه في الساعات الأولى من يوم الخميس الموافق 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وجرى عرضه على النيابة في ذات اليوم، وتقرر حبسه على ذمة التحقيقات بالقضية رقم 2070 لسنة 2022 حصر أمن دولة عليا، بتهم الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار وبيانات كاذبة، والاشتراك في اتفاق جنائي بغرض ارتكاب جريمة ارهابية، ليقضى 126 يوماً في الحبس الاحتياطي داخل سجن بدر 1 إلى أن صدر قرار بإخلاء سبيله يوم 15 مارس/ أذار 2023 على هامش الإعداد لبدء فعاليات الحوار الوطني.

"المعيشة داخل الزنانين وحالة الجو صيفاً وشتاءً تجعل المعتقل لا يفكر إلا في أمرين: كيف تستخدم الحمام بشكل تقترب فيه من حياة الحيوانات الأليفة، وتحصل على المأكولات التي يرسلها الأهل نظيفة وكاملة دون أن تقتحمها أيادي ملوثة بكل الأشياء"

اختلفت أوضاع الصحافيين الثلاثة بعد القبض عليهم قبل أن يستقروا داخل السجون، فعادل صبري قضى أربعة أيام داخل تخشيبة قسم الدقي، وهى عبارة عن حجرة صغيرة لا تتعدى 4 أمتار بها ما يقرب من 70 شخصاً ما بين سجناء رأي، وسجناء جنائيين من أصحاب سوابق السرقة والقتل. بعدها انتقل إلى سجن الكيلو 10ونص، ثم سجن القناطر، أما مصطفى الأعصر، فأُخفي لمدة 11 يوماً في معسكر تابع لقوات الأمن بالجيزة، وظهر أمام نيابة أمن الدولة العليا لأول مرة يوم 15 فبراير/ شباط 2018، وتنقل خلال فترة حبسه بين 3 سجون. أما أحمد فايز، فجرى عرضه على نيابة أمن الدولة العليا في نفس يوم القبض عليه، وقررت حبسه 15 يوما على ذمة التحقيقات، وأودع في سجن بدر1.

كان روتين الحياة داخل السجن متشابه إلى حد كبير، صبري والأعصر كانا ينامان على الأرض في غرف ضيقة بها أعداد كبيرة من السجناء، شديدة الحرارة صيفاً، وشديدة البرودة شتاءً، في المقابل كان ينام فايز في سجن بدر على وسادات ومراتب نظيفة وفي مساحات واسعة، ولم يكن عدد الأفراد في الغرفة الواحد يتجاوز 10 أشخاص.

الصحافيون الثلاثة كان يُسمح لهم بالتريض ساعتين في اليوم، وكانوا يقضون وقتهم في غير أيام تجديد الحبس والزيارات، في قراءة قصاصات الكتب القديمة والجرائد القومية، أو الاستماع إلى الراديو، وتميز صبري عنهم بتعلمه صناعة المشغولات اليدوية من الخرز وإرسالها لعائلته، أما فايز فكان يلعب "الدومينو" و"الكوتشينة" بأدوات بدائية ابتكرها بعض السجناء السياسيين. أما دخول مكتبات السجن؛ فهي ميزة لا يحظى بها إلا السجين الصادر في حقه حكماً قضائياً، ما يعني حرمان معظم المعتقلين السياسيين في مصر منهم بمن فيهم الصحافيين، كونهم مقيدو الحرية تحت مظلة الحبس الاحتياطي من دون محاكمة.

شكى صبري والأعصر من تواضع الرعاية الطبية داخل السجون، ويقول الأول: "الرعاية الصحية كانت مفقودة في سجن القناطر، فالإمكانيات الطبية بسيطة للغاية، والأدوية التي تُصرف كانت عبارة عن مسكنات لكل الأمراض، وأذكر أنني انتظرت 5 أشهر من أجل عمل كشف نظارة، بعدما كسرت نظارتي، فيما ظل أحد الرفقاء عامين في انتظار الموافقة على إجراء عملية فتاق، ورفيق آخر كان يعاني من مشكلة في معدته ظل عاماً ونصف العام في انتظار عمل بحث منظار، وفي بداية أزمة كورونا تعاملت إدارة السجن مع الوباء برعونة، ولم يتحركوا إلا بعد أن مات اثنين من أفراد الأمن بالفيروس، وانتقل الوباء إلينا، وقتها سمحوا لنا بدخول الأدوية والطعام من الخارج".

فيما اشتكى الثاني في إحدى الرسائل التي كان يكتبها داخل محبسه، من طريقة تعامل أطباء عيادة السجن معه وعدم استماعهم إلى شكواه بصدق واهتمام. أما فايز، فلم يتردد خلال فترة حبسه على عيادة السجن إلا مرة واحدة فقط عند شعوره بألم في صدره، ووقتها حصل على حقنة مضادة للالتهاب، ووفقاً لحديثه كانت إدارة السجن تسمح له بدخول الأدوية العرضية خلال زيارات الأهالي.

وعن جودة الطعام المقدم لهم داخل السجن، يقول صبري: "الأكل كان سيئاً وكان فيه رمل"، فيما يقول فايز الذي كان نزيلاً بسجن حديث، ضمن مجمعات السجون التي تفخر بها السلطات المصرية، فيقول: "الأكل كان متوسط الجودة، وكانت وجبة الإفطار عبارة عن خبز وفول وقطعة جبن وحلاوة، أما وجبة الغداء فكانت عبارة عن خضار مطهو وأرز أو مكرونة، وكان يصرف لنا لحوم ودجاج مرتين في الأسبوع، وكان قائمة الطعام تضم خضروات مثل الخس، والبصل الأخضر، والطماطم والخيار، إلى جانب فاكهة البرتقال".

الصحافي عادل صبري رئيس تحرير موقع "مصر العربية" (مغلق)

بالنسبة لطريقة تعامل أفراد الأمن معهم، يقول عادل صبرى: "حصلت على معاملة أفضل من غيري من المعتقلين الذين ألقوا في زنانين انفرادية بسجن القناطر، أو حشروا بين السجناء الجنائيين، بعد أن اكتشف مسئولو السجن أنني من النوع الهادئ المطيع للأوامر، ولا أبحث عن زعامة أو إثارة الأخرين". ويضيف: "المعيشة داخل الزنانين وحالة الجو صيفاً وشتاء تجعلك لا تفكر إلا في أمرين: كيف تستخدم حمامّاً تقترب فيه من حياة الحيوانات الأليفة، وتحصل على المأكولات التي يرسلها الأهل نظيفة وكاملة من دون أن تقتحمها أيادي ملوثة بكل الأشياء".

أما طريقة تعامل مسؤولي السجن مع أحمد فايز، وفقاً لقوله، فكانت تتسم بالانضباط والاحترام من قبل الضباط وأفراد الأمن، ولم يحدث أى تجاوز أو تعامل غير لائق حتى في حالة اعتراض السجناء على بعض الأمور داخل السجن.

"الرعاية الصحية شبه مفقودة والإمكانيات الطبية بسيطة للغاية، الأدوية التي تُصرف عبارة عن مسكنات لكل الأمراض"

تباينت ردود فعل الصحافيين الثلاثة فور علمهم بقرار إخلاء سبيلهم، فصبرى لم يصدق الخبر لمدة يومين، وكان يتخوف من أن يتم تدويره على ذمة قضية جديدة. فيما لم يكن قرار إخلاء السبيل أمراً مفاجئاً بالنسبة للأعصر، فقد سبق هذا القرار قيام ضباط الأمن الوطنى بالتحقيق معه للاستفسار عن وجهته بعد الخروج، الأمر الذي كان يمثل بالنسبة له مؤشراً على قرب خروجه، أما فايز فشعر بصدمة كبيرة لعدم توقعه للخبر.

واختلفت إجراءات الإفراج عن الصحفيين الثلاثة، بالنسبة لعادل صبرى، كانت إجراءات الإفراج عنه "رحلة مميتة" على حد وصفه، تحمل خلالها مشاق الترحيلات والمبيت عدة أيام في أجواء يوليو/ تموز شديدة الحرارة والرطوبة في زنزانة تحت الأرض في تخشيبة الجيزة، لا يؤنسه إلا طوابير الصراصير التي تزحف في كل مكان وتزاحمها جماعات النمل ومياه البول وأكوام القمامة المنتشرة في الأركان. كما عايش أياماً أكثر شقاءً في رحلة إنهاء الأوراق في قسمي الدقي والطالبية، وأنهي 3 مقابلات في مقار أمن الدولة بالهرم والشيخ زايد، قبيل الإفراج النهائي.

في المقابل لم تكن إجراءات الإفراج عن فايز معقدة، بل اتسمت بالسهولة واليسر، وبعد أن تلقى خبر إخلاء سبيله كان مع عائلته على الطريق بعد أقل من ساعتين.

قد يظن البعض أن محنة الحبس الاحتياطي وأزمته تنتهيان بالإفراج عن الصحافي، لكن الحقيقة أن السنوات التي ينزفها الصحافي المحبوس احتياطياً لا تعوَّض، وإطالة أزمنة الحبس غير المبررة تزيد الجراح التي لا يمحوها الزمن. فهناك من أصيب بأمراض جسدية كثيرة بسبب معاناته النفسية داخل السجن، وهناك من كان ينتظر فرصة الخروج من السجن للهجرة وترك البلاد.

فور خروجه من المعتقل خاض عادل صبرى رحلة طويلة من العلاج النفسي، وذلك الأمر لم يتوقف بالنسبة له على حبسه احتياطياً لمدة تجاوزت العامين، بل أغلقت السلطات المصرية مقر موقع مصر العربية الإخباري الذي كان يرأس تحريره بدعوى عدم الحصول على ترخيص من الجهات المعنية، وذلك بعد عام واحد من حجبه داخل مصر، الأمر الذي دفع إدارة الموقع إلى تقليل العمالة والمرتبات، والعمل من المنزل، وحاولت إدارة الموقع توفيق أوضاعها والحصول على تراخيص مزاولة مهنة الصحافة، إلا أن الجهات المعنية رفضت، ولم يستطع الموقع الصمود كثيراً أمام التضيقات التي واجهته، فاضطر إلى الإغلاق رسمياً في إبريل/ نيسان 2021.

بالنسبة لأحمد فايز، فقد غيرت تجربة تجربة الحبس "الكثير من الأمور". فإلى جانب تأثيراتها النفسية عليه، فإنها جعلته يهتم أكثر بمتابعة أخبار زملائه المحبوسين وغيرهم من سجناء الرأي والسياسة. وبالنسبة لمصطفي الأعصر، أثرت هذه التجربة عليه سلبياً، حيث توقفت حياته لمدة ثلاث سنوات ونصف، خسر فيها كل شيء؛ فقد وظيفته ومدخراته، وزاد العبء المادي على أسرته، وخسر منحة الماجستير وفرصة استكمال المسار الأكاديمي، وواجهته تحديات كثيرة بعد إخلاء سبيله منها فكرة الاندماج مع المجتمع مرة أخرى، وصعوبة إيجاد وظيفة مناسبة، الأمر الذي دفعه إلى السفر وترك البلاد، وقد حذا حذو الأعصر صحافيين آخرين عاشوا مرارة الحبس الاحتياطي مثل سولافة مجدى وزوجها المصور حسام الصياد، والصحافي محمد البطاوي والصحافية بسمة مصطفى.

وبسبب المعاناة التي تكبدها عشرات المصريين، جراء إساءة استخدام السلطات المصرية للحبس الاحتياطي خلال السنوات الماضية، تعالت الأصوات المطالبة بالتعامل المباشر والفوري مع ملف الحبس الاحتياطي لإغلاقه نهائياً، بالتزامن مع اجتماعات الحوار الوطني.

وسعياً منها لإيجاد حلول قانونية لمعضلة الحبس الاحتياطي المطول، اقترحت مؤسسة "حرية الفكر والتعبير"، في ورقة بحثية بعنوان "الحبس الاحتياطي في التشريع المصري"، استحداث نظام جديد للحبس الاحتياطي، وجاء من بين المقترحات أن يصدر قرار الحبس الاحتياطي عن قضاة مستقلين عن الاتهام أو التحقيق، وأن يكون نظام الرقابة القضائية والإلكترونية هو الأصل على أن يكون الحبس الاحتياطي بديلاً، كما أوصت المؤسسة بتعديل بعض مواد قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 الخاصة بالحبس الاحتياطي، وتعديل المادة 43 من قانون الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، وإضافة مادة تقضي بالتعويض عن فترات الحبس الاحتياطي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard