"يا صحبتي الباقية
يا سكّتي لله
يا دايرة في الساقية
ورا حلم مش طايلاه"
- من ديوان كيرلي، للشاعر والناشط المصري أحمد دومة-
هذه الأيام يكون قد مرّ 10 سنوات على حبس الناشط المصري أحمد دومة، والتهم الموجهة: "التجمّهر وحيازة أسلحة بيضاء ومولوتوف، والتعدّي على أفراد من القوات المسلحة والشرطة وحرق المجمع العلمي، والاعتداء على مبان حكومية أخرى، منها مقرّ مجالس الوزراء والشعب والشورى، والشروع في اقتحام مقرّ وزارة الداخلية، تمهيداً لإحراقه".
لكن جميعنا يعرف أن التهمة الحقيقية لدومة: هي الانتماء إلى ثورة 25 يناير، تحديداً أنه واحد من وجوهها الشهيرة.
وهي قضايا تعود إلى ما عقب تنحي مبارك من مظاهرات طالبت القوات المسلحة بتسليم السلطة، وإجراء الانتخابات، وكانت البلد كلها في حالة سيولة، لا تعرف إلا للتظاهر سبيلاً، لاستكمال مطالب الثورة بالحرية والعدالة الاجتماعية.
حصل الفنان طارق النهري، الذي سُجن بسبب الاتهامات نفسها، على عفو رئاسي، وهو ما لم يحدث مع دومة.
لكن جميعنا يعرف أن التهمة الحقيقية لدومة: هي الانتماء إلى ثورة 25 يناير، تحديداً أنه واحد من وجوهها الشهيرة. لذا، وعلى عكس ربما بعض المتفائلين، لا أتوقّع، وإن كنت أتشبّث بالأمل، أن تستجيب الدولة كثيراً لمحاولات المنظمات الحقوقية في الإفراج عنه.
ما أعتقده، وأتمنى أن أكون مخطئاً، أن التعنّت ضدّه منذ عام 2012، يماثل ما حدث مع علاء عبد الفتاح، وأنهما حالتان خاصتان بالنسبة للسلطات المصرية، التي أرادت وجهين معروفين للجميع بالانتماء إلى 25 يناير، للتنكيل بهما بشكل مضاعف، كي تصل الرسالة بشكل أوسع لكل من شاركوا في تلك الثورة، وبالطبع إلى قطاعات من المؤيدين للسلطة، والذين رغم تدهور الأوضاع اقتصادياً، يواصلون حثّ الدولة على أن تواصل معاقبة كل من شاركوا في تلك الثورة.
مؤخراً، تقدمت أسرة دومة بعدة طلبات للحصول على عفو رئاسي، وجدّدت مرة أخرى دعوتها للرئيس المصري لإعادة النظر في القضية وإصدار عفو رئاسي، خاصّة في ظلّ تدهور صحته النفسية والبدنية. لكن حتى الآن، لم تعلن لجنة العفو أنها تنظر في قضيته.
اعتقلت قوات الأمن أحمد في 12 يناير 2012، وكان وقتها يبلغ من العمر 25 عاماً، بسبب مشاركته في اعتصام "مجلس الوزراء". أُطلق سراحه بعد ثلاثة أشهر، لكن أعيد اعتقاله في 3 ديسمبر 2013 وسط موجة من الاعتقالات بعد صدور قانون التظاهر المجحف (القانون رقم 107/2013) الذي يقيّد الحق في التجمّع السلمي.
10 سنوات على حبس الناشط المصري أحمد دومة، دون أمل بالعفو الرئاسي، رغم مناشدات العائلة والمنظمات الحقوقية
خلال فترة احتجازه، تعرّض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك الحرمان المتعمّد من الحصول على الرعاية الطبية، واحتُجز في الحبس الانفرادي لفترات طويلة بلغت إجمالاً أربع سنوات وثمانية أشهر، بين ديسمبر 2013 وحتى يناير 2020.
يعاني دومة من آلام شديدة في أجزاء مختلفة من جسده، نتيجة حبسه في زنزانته لأكثر من 22 ساعة في اليوم في ظروف سجن سيئة. ويعاني من آلام في الركبة والظهر ناتجة عن قلّة الحركة وعدم توفير سرير وأحياناً مرتبة في زنزانته الانفرادية، كما أنه يعاني من ارتفاع ضغط الدم والأرق والصداع المستمرّ والاكتئاب الشديد ونوبات الهلع، بحسب بيان مشترك وقّع عليه أكثر من ألف شخص وعدد من الجماعات الحقوقية في مصر والعالم.
في فبراير 2015 أُدين وحُكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً، فيما يتعلق بمشاركته في الاحتجاجات المناهضة للحكومة، في أعقاب محاكمة ذات دوافع سياسية تفتقد إلى معايير المحاكمة العادلة، وتهدف لمعاقبته على نشاطه. في يوليو 2020 أيّدت محكمة النقض، أعلى محكمة في مصر، إدانته والحكم عليه، وبالتالي فإن السبيل الوحيد للإفراج عنه هو العفو الرئاسي. في 26 أبريل 2022 أعلن الرئيس المصري "إعادة تنشيط عمل لجنة العفو الرئاسي".
أحمد دومة وعلاء عبد الفتاح، حالتان خاصتان بالنسبة للسلطات المصرية، التي أرادت وجهين معروفين بالانتماء إلى 25 يناير، للتنكيل بهما بشكل مضاعف لإيصال رسالة للجميع
لم يتوقف دومة عن الكتابة ولا عن الحلم من داخل محبسه، لكن لم تتوقف السلطات عن تتبع هذه الحلم ومصادرته، وقد نشرت له دار المرايا في عام 2021، ديوان "كيرلي"، أشعار بالعامية المصرية، وعُرض للمرة الأولى في جناح الدار بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، فحضرت لجنة من المصنّفات الفنية وعناصر أمنية إلى جناح الدار، وأخذوا نسخة من الديوان لمراجعتها، قبل أن يطلبوا منع عرض النسخ الأخرى، وفي اليوم التالي حضر أفراد أمن للتأكد من امتثال الدار للقرار، التي اضطر أصحابها، ولا أحد باستطاعته أن يلومهم، إلى سحب المجموعة الشعرية.
قرارات عفو رئاسي لا تضم الوجوه البارزة في 25 يناير، أمر يؤكد أن مسألة الحوار الوطني مسألة غير جادة، وأن الرغبة في التنكيل وعقاب تلك الثورة، مستمرّة، رغم أنهم عوقبوا بما يكفي، وتحقق للسلطة في مصر ما أرادت، من حيث السيطرة على الأوضاع في مصر، وضمان عدم تكرار ما حدث في يناير، ورغم علمهم أن لا أحد ممن شاركوا في تلك الثورة، أو آمنوا بها، يملك الرغبة أو القدرة، بعد كل مراحل الإنهاك الطويل الذي مرّوا به، على أن يمثل أي خطر على النظام القائم في مصر، والذي لم نعد نطلب منه أكثر سوى أبسط قواعد الرحمة، ولا نقول العدل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...