شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الضريح كفضاء لمقدّس أنثوي… كيف استخدمته النساء في سبيل الانطلاق؟

الضريح كفضاء لمقدّس أنثوي… كيف استخدمته النساء في سبيل الانطلاق؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

 تأخدنا مفردة "الضريح" إلى الحديث عن الفضاءات المقدسة التي تكتسي أهميةً بالغةً في المخيال الشعبي عند الجماعة والفرد. تُعدّ زيارة الأضرحة من الطقوس التي تشمل في جزء كبير منها دلالاتٍ تحمل من الرمزية والمعنى الشيء الكثير، فدائماً يرتبط الولي بـ"البركة" كجزء أساسي في عملية إعادة إنتاج المقدّس داخل سياق سوسيو-ثقافي معيّن. تتعدد أسباب زيارة الأضرحة والأولياء ويمكن تلخيصها في البحث إما عن الشفاء من مجموعة من الأمراض الروحية والوجدانية أو طلباً للحظ والتبرك.

ننطلق في هذه الدراسة من فرضية مفادها أن الضريح فضاء أنثوي، تحضر فيه النساء بشكل قوي، مما جعل فكرة زيارة الضريح مرتبطةً بهن في الحس المشترك. تجربة ارتباط الأنثوي بالضريح كفضاء للمقدس تظهر من خلال إلحاح المرأة وعزيمتها على المطالبة بمكانة لها داخل حقل المقدّس، منتزعةً بذلك حق الاعتراف والتمرد على كل الأفكار والقوالب التي طالت الحضور النسوي وجعلت منه حضوراً مهمشاً في تبعية لازمة لكل ما هو ذكوري.

تجربة ارتباط الأنثوي بالضريح كفضاء للمقدس تظهر من خلال إلحاح المرأة وعزيمتها على المطالبة بمكانة لها داخل حقل المقدّس منتزعةً بذلك حق الاعتراف والتمرد على كل الأفكار 

لم يكن التمييز والإقصاء اللذان طالا النساء داخل فضاء المسجد كفضاء مقدس نابعَين فقط من تأويلات دينية تنتصر للرجل، وتجعل منه فضاءً محتكراً من طرفه، بل شكّل الجسد والطهارة والدم العلامات التي تكرّس لهذا التمييز، معتبرةً أن الرجل طاهر. كيف لا وهي التي كانت تجرّ وراءها تلك الصورة النمطية الدونية المكرّسة، إما من قبل تأويلات دينية ذكورية لعبت الثقافة جزءاً منها ومن إثباتها وإعطائها الشرعية -ناقصة عقل ودين، شيطان، غير طاهرة-؟ فحتى تلك التأويلات التي كانت تتجاوز الصورة النمطية والنظرة السلبية والمنطق الذكوري بقيت محكومةً بخلفيات ذكورية صارخة.

الفكرة الأساسية لهذه المادة تتمحور حول مسألتين أساسيتين؛ تنطلق الأولى من كون الأضرحة أو المجال "الأوليائي" المقدّس يتجاوز كل الاختلافات الجنسية والمعطيات الفيزيولوجية التي تحدد مكانة المرأة داخل الفضاءات المقدسة وتجعلها في وضعية دونية مقابل الرجل.

أما المسألة الثانية فتركز على فكرة الإقصاء الذي طال النساء في وظائف دينية ارتبطت بالرجل، كالإمامة، والتي تعدّت حرمانها من الولوج إلى المسجد إلا وفق ما يتناسب مع الرؤية الذكورية التي جعلت من هذا الحضور محتشماً أو إقصاءً كاملاً في حالات ترتبط بمعطيات فيزيولوجية، كفترة الحيض والنفاس، مع إعطاء تبريرات ذكورية تتأسس على اللا مساواة بين كلا الجنسين. فالضريح لم يكن فضاءً مقدساً فقط، بل كان فضاءً تجاوز كلَّ سلطة دينية ورقابة اجتماعية حاولتا تهميش المرأة، للخروج عن كل الصور والتمثلات الذهنية التي كرستها التأويلات الدينية.

تُعدّ زيارة الضريح بالنسبة لبعض الأفراد بمثابة جلسة علاجية بامتياز، زيادةً على أنه من الفضاءات التي تحافظ على تلك الحميمية التي يفتقدها الأفراد داخل فضاءات أخرى مثل المسجد. يكتسي الضريح هالةً من الاحترام والتبجيل والوقار يستمدها من قداسة الولي المدفون في داخله. كيف لا وهو الذي يربط بين فضاءين مختلفين؛ الفضاء المقدس والفضاء الدنيوي، كما يشير إلى ذلك مارسيل موس في كتابه "الصلاة".

يمثل الولي سلطةً رمزيةً تتغذى على ثقافة المجتمع، فالذاكرة الشعبية غنية بقصص تُروى عن بركة الولي الصالح وعن كراماته وعن قداسة المكان والهالة التي تحيط به كمجال للمقدس. فحسب إدوارد فيستر مارك في كتابه "الطقس والاعتقاد في المغرب"، تُعدّ البركة بمثابة خاصية حظيت بها قلة من الناس أو من يطلَق عليهم في المغرب "الشرفاء" ولدى الشيعة لا سيما في المشرق العربي "السادات"، الذين ينتسبون إلى سلالة النبي.

يُعدّ النسب الشريف رأسمالاً رمزياً يمنح مالكه البركة ويميزه عن غيره، بل يضعه في منزلة أكثر تقديساً ووقاراً وإجلالاً، وكما يشير عبد الغني منديب في كتابه "الدين والمجتمع، دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب"، إن البركة ليست مجرد مفهوم ديني، بل تتجاوزه لتصبح عقيدةً؛ فالمقدس بمثابة هبة إلهية وقوة يمتاز بهما أناس قليلون. فبالرغم من أن ليس كل الأولياء لا يمتلكون النسب الشريف، لكنهم وصلوا إلى مستوى القداسة بحكم ما عُرفوا به من ورع وتقوى.

الولي يمارس سلطةً رمزيةً من خلال قداسته على الزائرين الذين يمثلون كل أشكال الخضوع والافتقار. فقدسية الفضاء تُستمد بالأساس من الولي المدفون في داخله، كما تتمثل قدسية الضريح في الطقوس التي يفرضها على من يترددون عليه. هذه الطقوس متوارثة ولكنها ليس بالضرورة من فرض الولي.

 بين الطقس والتقديس

تعمل كل الفضاءات المقدّسة على سن مجموعة من القوانين التي تظهر من خلال السلوكيات التي يقوم بها زوار ذلك الفضاء. تحضر أهمية الطقس في خاصية أساسية حسب مارسيل موس، وهي الفصل بين عالمين مختلفين الأول منهما يحمل صبغةً دنيويةً، والثاني هو العالم المقدس الذي يرتبط مباشرةً بكل الأفعال المقدسة، بدايةً من نوع اللباس، والذي يكون بالنسبة للنساء جلابةً وغطاء رأس، مروراً بخلع الحذاء عند باب الضريح، ثم إشعال الشموع والطواف حول الولي، وتقبيله، والمسح على الوجه بالتراب، والدعاء وترديد اسم الولي، وأخيراً تقديم النقود التي تكون بهدف طلب الحظ والبركة ودفع الأذى، فيظهر من خلال كل هذه السلوكيات أنها ترتبط مباشرةً بالمقدس الذي يحمل كل المتناقضات، مثل الخوف والإعجاب، كونه فضاءً خارجاً عن المألوف. فالقداسة هنا ليست قداسة المكان والزمان فقط، بل ترتبط بقداسة صاحب المكان الذي يشكل المحور الأساسي لهذه الفكرة، فتظهر قوة المقدس وتجلياته الواقعية في الأزمنة والأمكنة والأشخاص.

 الضريح فضاء مؤنث

ظلّت فكرة زيارة الأضرحة مرتبطةً بالنساء، ويرجع ذلك بالأساس إلى كل الأفكار والتمثلات الاجتماعية التي تم إنتاجها داخل المجتمع، بل إعادة إنتاجها بشكل أو بآخر. وذلك بالنظر إلى التقسيمات التي يقوم بها المجتمع في كل ما يخص الفضاءات الأنثوية والذكورية، فنجد أنه انطلاقاً من هذه المبدأ سيتم النظر إلى الضريح كفضاء مؤنث بامتياز وكمجال نسوي.

الضريح لم يكن فضاءً مقدساً فقط، بل كان فضاءً تجاوز كلَّ سلطة دينية ورقابة اجتماعية حاولتا تهميش المرأة، للخروج عن كل الصور والتمثلات الذهنية التي كرستها التأويلات الدينية.

لقد لعب المخيال الشعبي دوراً كبيراً في تكريس هذه الصورة النمطية التي تعود جذورها إلى بناء فكري اجتماعي وعقائدي أيديولوجي، ففضاء الضريح لا يمكن التفكير فيه إلا من منطلق أنثوي يغيب فيه الحضور الفيزيقي للذكوري، وقد يحضر بشكل رمزي من خلال الولي أو من خلال دوافع تقود هؤلاء النسوة، والتي تكون غالباً إما طلباً للزواج أو الحمل. فيقترن الضريح بفكرة "الأنثوي"، وينطلق هذا التجسيد المكاني له من خلال كل التوجيهات الذكورية أحادية الرؤية التي ألصقت بعض المظاهر الثقافية والاجتماعية والأخلاقية بالمرأة، والتي يستمد التفكير الشعبي شرعيته منها، كالعار، الجنس، الإنجاب والحياة، وكلها موضوعات ارتبطت بالمرأة وأثثت لها رمزياً داخل فضاءات مختلفة.

ففي المغرب يكتسي الضريح تمثلاً اجتماعياً يجعل منه مجالاً للأنثوي ، ومجالاً للهروب من كل سلطة ذكورية لا تتحرر منها المرأة إلا في هذه الفضاءات التي قد تُعدّ لحظات هروب من كل سلطة بطريركية، لا سيما أن تركيبة المجتمع المغربي لا تختلف من حيث البنية الثقافية عن المجتمعات العربية الأخرى والتي تشمل في جزء منها ما هو ذكوري، ما يدفع بعض النساء إلى البحث عن مجالات جديدة؛ مجالات لا يكون فيها الأنثوي مقيّداً، ولا يذعنّ لأي سلطة أبوية، حيث يشكل الضريح وسيلةً للهروب والانفلات من كل القيم الذكورية، ويصبح وسيلةً للدفاع عما هو أنثوي، فتصبح الأضرحة بمثابة فضاءات ليست فقط للعلاج وطلب الحظ، بل للترويح للعالم الأنثوي، فضاءات يتحرر فيها الجسد الأنثوي الذي ظل مقيداً ومحاطاً بسياج سميك قوامه الصمت والعيب والعار.

يصبح الضريح أو المجال "الأوليائي" متنفساً لكل الرغبات المكبوتة والمقموعة التي لم تجد لها مكاناً في الواقع، ومن هنا يدخل المجال "الأوليائي" ليصبح ملتقى التقديس والتحرر، على اعتبار أن هذا الفضاء يتعدى كونه مقدساً، وذلك عبر ربطه بالكتابات القرآنية الموجودة على جدرانه لإضفاء المزيد من الشرعية عليه، حتى لا يظهر على أنه يخالف الشريعة الإسلامية أو التراث الإسلامي ككل، ما دام الولي يتصف بالورع والتقوى والصلاح. تُتخذ الأضرحة كشكل من أشكال التمرد النسوي وفضاء لكسر الهيمنة الذكورية؛ فعلى سبيل المثال المسجد هو فضاء مقدس بامتياز، لكنه فضاء محتكر من طرف الذكور ويعدّ فضاءً ذكورياً، وذلك عبر رصد أكثر فئة تتردد عليه وهي الرجال. ثم من ناحية الإمامة، إذ يُشترط في الإمام أن يكون رجلاً والفقيه الذي يخطب يوم الجمعة أيضاً. وهكذا نجد أن هذه القاعدة يتم كسرها داخل الضريح الذي قد نفترض أنه مجال نسوي، لغياب التمايز الجنسي بين النساء والرجال.

يُعدّ الشيخ الأكبر ابن عربي من أول المدافعين عن الحضور النسوي ليس فقط في فهم العالم، بل في حضوره داخل مجموعة من الفضاءات التي كانت تُعدّ في العديد من القراءات والتأويلات الدينية حكراً على الرجال.

تصبح الأضرحة بمثابة فضاءات ليست فقط للعلاج وطلب الحظ، بل للترويح للعالم الأنثوي. فضاءات يتحرر فيها الجسد الأنثوي الذي ظل مقيداً ومحاطاً بسياج سميك قوامه الصمت والعيب والعار. 

ينطلق ابن عربي من فكرة أساسية رئيسية حول فهم الأنوثة والذكورة، والتي يتجاوز فيهما حدود المعنى الطبيعي إلى أن الذكورة والأنوثة خاصيتان حاضرتان في كل الموجودات، ولا يمكن الاستغناء عن الواحدة مقابل الأخرى.

تورد نزهة براضة في كتاب "الأنوثة في فكر ابن عربي"، أن المعنى من آدم ليس كما يتصوره العامة، وإنما هو آدم الخنثى، فتقول: "الحديث عن آدم من دون تمييز، يقصد منه الإنسان البدائي والأصل الخنثى الذي يجهل الاختلاف، ويعجز عن المشاهدة، لأن العين لا تدرك نفسها بنفسها ولا يعي الإنسان ذاته وتميُّزَه إلا بحضور الغير".

ثم بالتمعن في فكر الشيخ الأكبر نجد أنه يرى في التأنيث طريقاً وسبيلاً للكشف والمشاهدة، وهو كلامه الموجه إلى المريد، فيقول بهذا الخصوص: "فلا ينبغي للمريد أن يأخذ رفقاً من النساء حتى يرجع هو نفسه امرأةً، فإذا تأنث والتحق بالعالم الأسفل ورأى وتعشق العالم الأعلى به... ولا يبصر لنفسه في كشفه الصوري وحاله ذكراً ولا أنه رجل أصلاً بل أنوثة محضة".

يظهر جلياً أن الشيخ الأكبر ابن عربي كان يدافع عن الحضور النسوي ويجعله مقترناً بحضور الذكور حتى أنه لا يفصلهما. ومما لا شك فيه أن حضور النساء في حياة ابن عربي كان جلياً في توجهه نحو التصوف.

وهنا وجب توضيح نقطة مهمة، وهي أن الأضرحة لم تقتصر فقط على الحضور النسوي، فالرجل بدوره يتردد على هذا الفضاء، لكن المختلف هذه المرة هو كسر الحاجز الذكوري الذي يحتكر بعض الفضاءات ويصبغها بطابعه ومنطقه. ثم لنتأمل قليلاً مسألة الحضور النسوي لهذا الفضاء التي تتبدى في صورة القطع مع كل ما هو ذكوري، وذلك من خلال حرية الوجود الرمزي والفيزيقي للأنثوي. فينتقل الضريح من فضاء مقدس إلى فضاء حميمي تتواصل فيه النسوة حول كل ما يخص الجنس والجسد والجنسانية الأنثوية، وقد تصل أحياناً لكسر طابو الحشمة والعيب، فيعود المسكوت عنه داخل هذا الفضاء عادياً.

قداسة الأنثوي بين المجال "الأوليائي" والمسجد

استطاعت النساء اختراق الفضاء المقدس حتى مع وجود الجسد الأنثوي الذي شكل صلب التمايز بين المرأة والرجل، متجاوزاً -أي الجسد الأنثوي- كل التمثلات الاجتماعية والدينية التي أسست لأصل اللا مساواة من خلال الجسد أو لنقل الأجساد الأنثوية والذكورية.

فأصبحنا لا نتحدث عن مجال الأولياء بصيغة المذكر "الولي الصالح" بل أصبحت كلمة "الولية الصالحة" تنافس الحضور الذكوري، متجاوزةً كل اعتبار ديني أرثوذوكسي وتأويل ذكوري. فأصبحنا نتحدث عن الولية الصالحة ومناقبها وبركاتها وقداستها، فلم تعد صورة المرأة والجسد الأنثوي مصدراً للفتنة والحرام والعيب، بل جعلت لنفسها مكانةً ضمن المقدس محاولةً إعادة تشكيل منظومة ثقافية دينية تأسست ورسخت لفكرة مفادها "فتنة النساء"، وأن النساء أغوين الرجال ومنهم الأنبياء. فالولية الصالحة تمردت على النظرة الدونية التي قوبلت بها المرأة والدور السلبي المرتبط بالغواية والشهوة والخطيئة والجنس.

فلم يعد الجسد للوليات عائقاً يمنعهن من الوصول إلى ما وصل إليه الرجل من الورع والتقوى والقداسة، بل أصبحت مثله تنافسه في القداسة وتحيط هي الأخرى نفسها بهذه الهالة، هالة المقدس.

الجانب الميداني من الدراسة

تخبرني إحدى المبحوثات: "في حضرة الضريح أتخلص من كل ثقل وأتبادل أنا وباقي النساء موضوعات متعلقةً بالجنس وبالممارسات الجنسية، وشكل هذه الممارسة، وكم من الوقت تدوم، خصوصاً إن كانت من المتواجدات معنا من تأخّر حملُها"، فتصبح الموضوعات الساخنة داخل هذا الفضاء باردةً، ويتم التعبير عنها والتحدث فيها بكل تلقائية، وتشمل التحرر من كل القيود الاجتماعية التي يضعها المجتمع.

استطاعت النساء اختراق الفضاء المقدس حتى مع وجود الجسد الأنثوي الذي شكل صلب التمايز بين المرأة والرجل، متجاوزاً كل التمثلات الاجتماعية والدينية التي أسست لأصل اللا مساواة، فهناك "الولية الصالحة" أيضاً 

أما المبحوثة الثانية فتقول: "من خلال لقاءاتنا المتكررة يصبح الضريح فضاءً اجتماعياً نشكي فيه همومنا ومشكلاتنا ليس فقط للولي وإنما لبعضنا بعضاً"، فينتقل الضريح من فضاء حميمي إلى فضاء اجتماعي تحسّ فيه النساء بقوة الجماعة وتوحيدها. أما المبحوثة الثالثة فتضيف: "في المنزل نكون مقيدات أكثر بما يقوله الأب أو الزوج، حتى أن الرقابة لا تكون فقط على الجسد وطريقة اللباس، بل حتى تيمة المواضيع التي يكون مسموحاً لنا التحدث فيها وأخرى تكون 'حشومة' فيتحول الضريح إلى مجال تنافسي للأنثوي مقابل الذكوري. فإن كان العالم الأنثوي ينسج داخل البيت وتتم إحاطته بمجموعة من القواعد والقيم التي لا تتخطاها النساء، فالعالم الذكوري طالما كان عالماً تُنسج معالمه خارج البيت ويكون أكثر تحرراً وأقل تقيّداً".

عُدّ المنزل تاريخياً فضاءً أنثوياً، لكن حركية المرأة داخله تكون وفقاً لما هو ذكوري، فثمة هيمنة ذكورية تعمل على إقصاء المرأة من الفضاء العام، ثم نجد أن كل الفضاءات الأخرى كالمقهى كانت ذات دلالة ذكورية، فالرجل هو من له الحق في الجلوس فيها، في حين أن المرأة كانت ممنوعةً من الولوج إلى هذه الفضاءات. ثم بالرجوع إلى البيت، سنجد أن التقسيمات بين الذكوري والأنثوي كانت تروج لفكرة أن المنزل فضاء أنثوي، وتجعل من البيت أو الدار فضاءً تنافس فيه المرأة الرجل الذي سلبها هذا الحق داخل فضاءات أخرى، لكن حتى داخل البيت تظل سلطة الزوجة رمزيةً لا أكثر، في حين أن الحرية التي قد تظن نفسها تتمتع بها تكون حريةً موهومةً، لأنها تكون وفق فكر ذكوري يرسم حدودها، حتى تبقى العلاقة بينهما غير متكافئة، علاقة بين المهيمن والمهين عليه، وهنا يتفوق الضريح على المنزل كفضاء أكثر حريةً وانطلاقاً من كل القيود الفيزيقية والرمزية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image