شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"طفح الكيل من حماتي"... عندما تغار الأم من زوجة ابنها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 22 أغسطس 202310:57 ص

في رحاب الحب الأمومي، تتعانق المشاعر بين الأم وابنها برابطٍ لا يُضاهى. إنها علاقة تتخطّى حدود الزمان والمكان، فهي مزيج من الرعاية اللا متناهية والحنان الذي يشبه الحب الملهم. ومع ذلك، عندما يأتي الزواج ويشكّل منعطفاً جديداً في حياة الابن، وقد يتبدّل سياق هذه العلاقة، بحيث تظهر مشاعر غيرة على بعض الأمهات، كتعبير عن التحديات والتغييرات التي تجلبها هذه الخطوة الكبيرة.

بحسب موقع Daily Mail، كشفت دراسة أجريت على مئات العائلات، أن ما يقارب من ثلثَي النساء يشتكين من أنهن يعانين من تعاسة وتوتر طويل الأمد بسبب الاحتكاك بوالدة أزواجهنّ.

خلال البحث الذي أُجري على مدى عقدين من الزمن، اتهمت النساء حمواتهنّ بإظهار حب غير معقول تجاه أبنائهنّ، وبدورهن أمّهات الأزواج اشتكين من استبعادهن من قبل زوجات أبنائهن عن حياتهم.

غيرة الأم على ابنها من زوجته... هل هي مبرّرة؟

"أحياناً يجب أن نفرّق بين مشاعر الانفصال الطبيعية التي سرعان ما تختفي مع الوقت، أو تخفّ جرّاء التغيير الذي يحصل بعد أن يتزوج الرجل وتصبح لديه شريكة حياة، وبين الغيرة المرضية التي غالباً ما تكون لها آثار سلبية على الأم، الابن والزوجة"، تقول الأخصائية النفسية والاجتماعية، غنوة يونس، في حديثها إلى رصيف22.

وأوضحت يونس أن غيرة الأم المفرطة على ابنها من زوجته قد تنشأ من عوامل نفسية وعاطفية عدّة، مثل:

• الخوف من فقدان اهتمام ابنها.

• الشعور بالتهديد بفقدانه لصالح الزوجة بعدما كان يهتمّ بها كثيراً.

• انتقاله للعيش بعيداً عنها.

• عدم إمكانية تأمين الأم لمتطلّبات ابنها بوجود الزوجة التي باتت تقوم بهذه المهمّة.

وعليه، سيكون هناك تغيير في الديناميكية التي تجمع الأم مع ابنها، فقد تكون لديها مشاعر متضاربة حيال الانتقال من دورها السابق كمركز اهتمام لابنها، إلى تقاسم الاهتمام هذا مع شريكته.

كشفت دراسة أجريت على مئات العائلات، أن ما يقارب من ثلثَي النساء يشتكين من أنهن يعانين من تعاسة وتوتر طويل الأمد بسبب الاحتكاك بوالدة أزواجهنّ

وفي هذا الصدد، شددت غنوة يونس على أنّه من المهمّ العودة إلى مراحل الطفولة المبكرة لمعرفة كيف تم الانفصال عن الأم. فهل كانت العلاقة انصهاريةًrelation fusionnel وما زالت؟ وهل كان هذا التعلق والانصهار من طرف واحد أو من طرفين؟ كل هذه الاسئلة مهمة لفهم العلاقة التي تربط الأم بابنها.

تابعت يونس حديثها موضحةً أنّه "غالباً ما نتكلّم عن احتياج الابن إلى أمّه على المستوى العاطفي، ولكن هناك أيضاً احتياجات عاطفيةً لدى الأم يؤمّنها لها ابنها. في العديد من الحالات يأتي وجود الابن والمشاعر المرافقة له كتعويض عن خسارات ونواقص عدة لدى الأم، فعلى صعيد القيمة الذاتية مثلاً، نراها أصبحت تشعر بأنّها مهمّة بالنسبة إلى ابنها، فهو يحتاجها دائماً ويتعلّق بها".

كلّ هذه العوامل من شأنها أن تؤسّس لعلاقة ارتباطية معقّدة بين الأم وابنها وتصبح المنافسة قويةً من جهة الزوجة والأم معاً في العديد من الحالات. فعندما تكون الأم غير قادرة على الفصل بين رغبتها اللا واعية في تملّك ابنها وبين تركه يعيش حياته مع زوجته من دون أن يسبّب لها مشكلات، تحتاج إلى وعي ونضج عاطفي لكيلا تعلّق رغباتها اللا واعية وآمالها على ابنها وتتصرّف على هذا الأساس.

شرحت يونس أيضاً أن هذه الغيرة في حال كانت مفرطةً وغير طبيعية، من المؤكّد أنّها ستؤثّر على العلاقة بين الأم، وابنها وزوجته ممّا يسبّب العديد من التوتر والصراعات العاطفية، فالتحدي والمنافسة سيدا الموقف في هذه الحالات.

علامات غيرة الأم على ابنها

أوضحت غنوة يونس أن العلامات الشائعة لغيرة الأم على ابنها، قد تأتي على شكل:

• تدخّل مفرط في حياة ابنها الزوجية.

• التعبير عن انزعاجها من قضاء ابنها وقتاً مع زوجته.

• التشكيك في قراراته الزوجية.

• لفت النظر والاهتمام.

• محاولة عدم فسح مجال للخصوصية بينهما وعدم ترك الوقت الكافي الخاص للزوجين.

• عوارض نفسية جسدية نابعة من الرغبات اللا واعية للأم للفت النظر وجلب الاهتمام.

• مشاركتهم غالبية أوقاتهم العائلية.

عانت سابين (اسم مستعار)، مع غيرة حماتها منذ السنة الأولى لزواجها، والغريب أنّ هذه الغيرة لم تظهر في فترة الخطوبة، وفق ما أشارت لموقع رصيف22: "ما رح خبرك عن القصص يلي صارت أوّل ما تزوّجنا، بس رح قلّك عن آخر شي صار من شي أسبوعين تقريباً استفزني كتير. زوجي كان بالمستشفى عندو عملية، فكنت بطبيعة الحال وقت طلع من الجراحة أعطيه معنويّات، وإمسكلو إيدو وهيك قصص، فإمّو بتصير تقلّي خلص وقفي تتدللي، تركيه يرتاح، طلعي شوي لبرّا، وبعدها صارت هيي يلي تهتمّ فيه".

"من أصعب الأمور إنو زوجك ما يوقف حدّك ويحط حدود للناس، كانت إمّو تتدخّل بأدّق التفاصيل بحياتنا مثل لوين رايحين، ليه رايحين لهونيك، ليه جبتوا هالإشيا السخيفة؟"

تابعت سابين قصّتها قائلةً: "ضلّت مصرّة إنو يجي عالبيت لعندن مش عبيتنا... هيدي خبرية واحدة من كتير قصص صارت قبل وكنت كلّ مرة إتأكّد إنها بتغار على ابنها منّي".

أوضحت غنوة يونس أنّه للتعامل مع هذه العلامات بشكل إيجابي ومفيد، من الجيّد أن يتمّ توفير التواصل الصريح والتفهم المتبادل بين أفراد الأسرة وإعطاء كل شخص المساحة الطبيعية والصحية وليس على حساب الآخر، هذا إلى جانب تفهّم الدوافع النفسية لدى الأمّ مثلاً، ممّا يساعد الابن وزوجته على تفهم الحماة، والاهتمام بها قليلاً، ومشاركتها بعض الأمور التي تُشعرها بأنها مهمّة بالنسبة إليهم، ولكن مع وضع حدود بطريقة واضحة ومباشرة: "إن الحدود هي حجر الأساس لتأسيس أيّ علاقة ناجحة".

الرجل بين غيرة أمّه وانزعاج زوجته

من الضروريّ جداً أن يحافظ الرجل والزوجة على الحدود الشخصية وأن يمنعا أيّ تدخّل خارجي من الممكن أن يزعزع أو يهدّد هذه العلاقة، وفق ما تؤكد غنوة يونس، مشيرةً إلى أنّ بعض التصرفات والاهتمام بالأم من دون أن يؤثّر ذلك على علاقته الزوجية، يمكن أن تساعد الرجل في المحافظة على علاقة ناجحة مع الأم والزوجة معاً، مع المحافظة على حياته الخاصة مع زوجته.

للأسف، هذا ما لم يحصل مع زينة (اسم مستعار)، البالغة من العمر 40 عاماً، فزوجها لم يضع أيّ حدود شخصية لوالدته: "من أصعب الأمور إنو زوجك ما يوقف حدّك ويحط حدود للناس، كانت إمّو تتدخّل بأدّق التفاصيل بحياتنا مثل لوين رايحين، ليه رايحين لهونيك، ليه جبتوا هالإشيا السخيفة، ليه وليه وليه... حتى إنّها كانت معظم أيّام الأحد تيجي لعنا من دون ما حتى تسأل إذا عاملين شي، وإذا كنا ضاهرين وهي جايي بتزعل".

بغصة، أكملت زينة قصّتها: "باليوم يلي جيت قلتلو إنو خلص لازم تحط لأمك حدود، ما وقف معي إجا مع إمّو، بحجة إنها كبيرة بالعمر وما عندها غيرو".

وفقاً لغنوة يونس، فإن الحواجز التي قد تمنع الرجل من التصدّي لغيرة والدته قد تكون الخوف من الصراعات والتوتر العائلي وخلق جو غير مريح، هذا إلى جانب قلقه حيال شدة المنافسة بين الأم والزوجة ووضعه تحت الأمر الواقع للاختيار: "يا أنا يا زوجتك" أو العكس. هذه العقبات كلها تحول دون التواصل السليم وتؤدي إلى علاقات غير مريحة.

للتغلّب على هذه العقبات، أوضحت يونس أنّه يجب التحدّث بصراحة مع الجميع والعمل على بناء علاقة تفاهم واحترام بين الأطراف المعنية.

نضوج الزوجة قد يمنع الخلاف

وأشارت غنوة يونس إلى ضرورة "أن يكون لدى الزوجة وعي جيد تستطيع من خلاله أن تخفّف من حدة هذه الغيرة وتبدّد الخلافات والمنافسات والمشاجرات، مثل أن تطمئن الأم وتشعرها بأنّها لا تنافسها ولا تسعى إلى إبعادها عن ابنها من خلال التواصل الدائم معها والاقتراب منها، وتُظهر لها أن ابنها لا يزال يحبّها ويحترمها عبر الاحتفاظ بقنوات التواصل مفتوحةً، وتوضيح أنها لا ترغب في فصله عن والدته، بل تسعى إلى بناء علاقة متوازنة وصحية".

في الكثير من الأحيان، نرى العديد من الخلافات الزوجية بسبب تدخل الحماة وغيرتها ومحاولة فرض سلطتها والتقليل من شأن الزوجة واستبعادها عن الجلسات الخاصة العائلية، وإشعارها بأنّها غير مهمّة وطرف دخيل

ولكن من ناحية أخرى، من الممكن أن تلعب غيرة الأم على ابنها، من زوجته، دوراً في زيادة احتمال الانفصال أو التأثير على استقرار العلاقة الزوجية.

ففي الكثير من الأحيان، نرى العديد من الخلافات الزوجية بسبب تدخل الحماة وغيرتها ومحاولة فرض سلطتها والتقليل من شأن الزوجة واستبعادها عن الجلسات الخاصة العائلية، وإشعارها بأنّها غير مهمّة وطرف دخيل.

لذلك فإن العلاقات تحتاج إلى وعي، والأزواج بحاجة إلى وضع حدود واضحة مع الآخرين من شأنها أن تحدّ أو تخفّف من التدخلات الخارجية، بمعنى آخر، فإن الوعي من جميع الأطراف وحده يساعد على التخفيف من السيطرة والغيرة والمشكلات التي قد تحدث في حال لم تكن الحدود واضحةً للجميع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image