تصف عفاف كنّتها زوجة إبنها البكر بأنها كانت "ما بتعرف تتعامل"، بينما تصف صهرها بأنه "محترم وابن ناس". وهي بذلك تقول ما تقوله ملايين الحماوات اللواتي يفضلن الصهر الغالي على الكنة "الغلباوية" .
بهدوء، وهي تبتسم كما لو أنها تتذكر سجل الحوادث والمعارك التي وقعت بينها وبين كنتها الأولى، تخبرنا عفاف (60 عاماً) وهي أم لشابين وشابتين عن علاقتها بزوجة ابنها البكر، تقول: "مرت البكر، أول كنة كانت صغيرة ما بتعرف تتعامل وبدها فت خبز كتير، كانت عايشة معنا هون بالبيت أول سنتين من زواجهم.. تعبت معها بس هلق الوضع أحسن".
تحدثنا مع مجموعة من الأشخاص الذين تختلف حالاتهم الاجتماعية ما بين حماة وكنة وصهر بمناسبة "يوم الحماة العالمي" الذي ابتدعه فريق رصيف22، والمقصد منه هو أن هذه العلاقة الإنسانية التي تتشكل بين هؤلاء هي على مستوى من الخصوصية والجدل يجعلانها ترقى لأن يُخصص لها يوم من أيام العام.
"صهري بيجيبلي جرة الغاز"
تشير عفاف التي تنحدر من محافظة درعا وتقيم في دمشق، إلى ما أسمته بـ "قلة المعرفة" لدى الكنات: "كانت المشاكل تصير بسبب تصرفات ومواقف ما تعرف تتصرف فيها وهاد شي غلط لمرا متجوزة"، وتضيف أن نفس الأمر ينطبق على زوجة ابنها الآخر إلا أن تجربة عيشهما المشترك كانت قصيرة جداً، فضلاً عن أن هذه الأخيرة كانت بحسب الحماة "أعقل".
عفاف: "أول كنة كانت صغيرة وبدها فت خبز كتير، تعبت معها، بس صهري محترم وأكابر وبيجيبلي جرة الغاز"
ولكن أفراد العائلة التي كانت تعيش في منزل واحد حتى أربعة أعوام مضت، تفرقوا، واليوم تعيش عفاف وزوجها في منزل العائلة برفقة إحدى بناتها، بينما تزوجت الأخرى قبل بعض الوقت. أولى كلماتها عن زوج ابنتها "محترم وابن ناس". وتضيف: "الشغلة مو إنو في فرق بين الكنة والصهر.. بس صهري شاب أكابر وبيعرف يتعامل وقد حالو.. يعني أنا بعتمد عليه بكتير قصص هون بالبيت بيجبلي جرة الغاز وكل كم يوم بيطل علينا وحتى عمه بيحبه".
الدخول إلى عائلة جديدة يشبه إلى حد كبير استعدادك للدخول إلى مقابلة عمل صعبة جداً في إحدى الشركات، دون معرفة إلا بالقليل من الإجابات عن الأسئلة المُحتملة، كما أن خبرتك ضئيلة وبالكاد تعرف أية طريقة هي أفضل للجلوس والإيماء والتصرف، وجل ما تفكر/ تفكرين فيه هو كيف يمكن نيل إعجاب المديرة التي تشرف على المقابلة .
حماتي ما بتطيقني
ولكن كما هنالك الحماة الحنونة المتفهمة العقلانية، هنالك النقيض. هذه الأخيرة تظهر بكثرة - بحسب ما ترجحه الصورة النمطية المذكورة - في العلاقة مع زوجة الابن. في حين يحظى غالباً أزواج البنات بالنوع الأول من الحماوات ويعيشون ترفاً حقيقياً يُحسدون عليه على الأقل في بلاد الشام، بينما تكرس المسلسلات والأفلام المصرية الحماة الشريرة للصهر.
الدخول إلى عائلة جديدة يشبه الدخول إلى مقابلة عمل صعبة جداً دون معرفة عن الأسئلة المُحتملة
يتحدث بهاء (30 عاماً) وهو اسم مستعار بلهجة حادة وانفعال واضح عن حماته: "ما بتطيقني، إذا بقلبلها الدنيا جنة رح يضل مو عاجبها". ويضيف الشاب الذي يعمل كتقني معلومات في إحدى المؤسسات غير الحكومية في العاصمة دمشق: "هي الشغلة هيك طبع عندهن.. يعني هني بيكونوا مناح مع الكل ها.. بتشوفن برا مع الناس كيف بيتعاملوا بتقول يا لطيف شو هاللطف والتسامح، بس لما يصير الموضوع عندك بيتحولوا.. عند حماتي كنة وحدة وصهر واحد - أنا - وتنيناتنا آكلين الكف عالجنبين، يعني فينا نقول برياحة: اجتمعوا الأكنة والأصهار والحكي عالحماوات".
حماتي تغرّد خارج السرب
أما جوزيف (39 عاماً) فيصف حماته بأنها أمه الثانية، يعتني بها وتعتني به، ويتبادلان النصح كما أنهما متشابهان جداً. يقول جوزيف الذي يعمل في إحدى مؤسسات الدولة في دمشق وأب لطفلين، وكان قد انتهى للتو من كتابة تعليق لحماته على فيسبوك: "علاقتي فيها ممتازة، أنا وحماتي بنشبه بعض كتير.. مرات هاد الشي بيضايق مرتي حتى"، يضحك ويتابع حديثه لرصيف22: "هي منيحة مع الكل.. ما بحس في فرق بيني وبين صهري التاني بالتعامل، بتحبنا تنيناتنا وحتى بتحب كناينها.. يعني أنا بعرف أنو كناينها مرات بيشكولا على ولادها وهي بتوقف بصفهن.. حماتي تغرد خارج السرب".
أما ريما (31 عاماً) وهو اسم مستعار فلم تتحدث عن شكل علاقتها بأم زوجها بشكل مباشر، بل فضلت أن تروي بعض القصص التي قد تساعد في تصور المشهد، تقول: "أول أسبوع من زواجي كان عنا ضيوف بالبيت وكل ما كنت آجي أحكي جملة أو أفتح حديث أو حتى جاوب على سؤال تتجه إلي تقاطعني وما تخليني كمل. خلصت السهرة وراحوا الضيوف قامت أخدت زوجي على غرفة تانية وقالتلو إني أنا كنت عم أعمل اللي عملتو هي فيني".
تقول ريما التي تعمل في الترجمة وهي أم لطفل: "بوقتا عرفت منيح طبيعة حماتي وقلت يا ساتر عالمعركة اللي فايتلا.. بس الحلو إني بعرف أحتويها وصار زوجي على علم بتصرفات أمه كمان". أما عن علاقة حماتها بأزواج بناتها الأربعة فتصفها بكلمة واحدة "رائعة".
جوزيف: "علاقتي بحماتي ممتازة، أنا وياها بنشبه بعض كتير.. مرات هاد الشي بيضايق مرتي"
على الرغم من أنها الكنة الوحيدة لهذه العائلة وزوجة ابنهم الوحيد لهم، لا تزال بعد زواج أربعة أعوام تتعرض لمضايقات من حماتها، تقول: "مرقت فترات صارت تنق على زوجي إنو يتجوز علي. لهون بتوصل معها مرات لما ما تنجح تزعجني. أنا بضحك عهالتصرفات ما بتضايق".
منشأ نفسي
تحدث رصيف22 مع المرشدة النفسية نور شربا حول أسباب تباين تعامل الحماة مع الصهر والكنة، وميلها للتعامل مع صهرها بطريقة أفضل، فأشارت إلى أن للحالتين مرجعاً نفسياً مشتركاً وهو سلوك والدة الحماة مع الصهر والكنة. فهي تقوم باللاوعي باستنساخ هذا التعامل حين تصبح بدورها حماة.
فالمرأة الحماة قد تسيء معاملة زوجة ابنها بسبب الغيرة، بحسب شربا، هذه الغيرة قد تعود إلى أن هنالك امرأة أخرى دخلت حياة ابنها ومصدرها الخوف أو الفقد، وأيضاً قد يكون منشأها غيرة المرأة من المرأة، لا سيما إذا كان الزوج يعامل زوجته بطريقة أفضل من والدته.
وتلفت شربا إلى ما أسمته بالتحيز الشعوري، أي أن الحماة تتقمص مشاعر ابنها باللاوعي في حال عدم الوفاق والغضب من زوجته في بعض المواقف.
مستشارة نفسية: "حين تعامل الحماة الصهر بطريقة أفضل من الكنة فإن المنشأ هو معتقدات سلبية في اللاوعي بأن الرجل أكثر قيمة من المرأة
أما بالنسبة للصهر، فليس هنالك أسباب تجعل الحماة في منافسة معه باعتباره رجلاً ومن ثم فإن الخلافات بينهما قد تكون قليلة جداً. تضيف شربا: "كما أن طريقة تعامل الحماة مع الصهر قد يكون منشأها معتقدات سائدة في مجتمعاتنا مثل أن "المرا مالها غير بيت زوجه". وأيضاً يمكن القول إن الحماة أم الزوجة قد تنظر لزوج ابنتها في أغلب الأحيان على أنه منقذ ابنتها وجدار الحماية لها، لذلك تحسن معاملته انطلاقاً من فكرة أنها إذا أحسنت معاملته فهو بدوره سيحسن معاملة ابنتها أيضاً".
وترى شربا أنه لا يمكن أن تكون هنالك حماة تعامل الصهر بطريقة أفضل من الكنة إلا إذا كان منشأ هذا التصرف معتقدات سلبية عن المرأة عموماً باللاوعي عندها، بما في ذلك اعتقادها بأن الرجل أكثر قيمة من المرأة، ولهذا يجب أن تعامل صهرها بطريقة أفضل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...