شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
هل يشهد العالم العربي ظهور

هل يشهد العالم العربي ظهور "نسخة" جديدة من الإسلام؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

Winds of change in the Arab world: Is Saudi Arabia unveiling the new face of Islam?


هذا المقال جزء من ملفّ "على رصيف المستقبل"، بمناسبة عيد ميلاد رصيف22 العاشر.


"الغالبية العظمى من الأحاديث النبوية لم يثبت أن الرسول قالها، ومع ذلك يستخدمها الكثيرون لإثبات وجهة نظرهم".

 - ولي العهد السعودي محمد بن سلمان - 

لعقود طويلة، ظلّت المملكة العربية السعودية قاطرة التشدد في العالم السنّي، بما تحمله من أفكار الشيخ محمد عبد الوهاب التي عُرفت بـ"الوهابية".

لكن ها هي الأيام تدور دورتها، ونجد أمامنا ولي عهد سعودي يرى أن الشيخ محمد عبد الوهاب لا يعدو كونه رجلاً سياسياً وعسكرياً بالأساس، وأن المشكلة الحقيقة تكمن في أن رجاله فقط كانوا القادرين على القراءة أو الكتابة حينها، فكتبوا التاريخ من منظورهم.

هكذا بكل بساطة تغيّر السعودية بوصلتها تماماً، ويصرّح حاكمها الفعلي بوضوح شديد، بأن أغلب الأحاديث النبوية التي سمعناها على المنابر، هي أحاديث غير مثبتة يجب تجاهلها، وأن محمد عبد الوهاب (العمود الفقري للفكر السعودي)، لم يكن سوى قائد عسكري، استغل رجاله فرصة جهل العوام بالقراءة والكتابة، وحكوا الحكاية من وجهة نظرهم.

هكذا بكل بساطة تغيّر السعودية بوصلتها تماماً، ويصرّح حاكمها الفعلي بوضوح شديد، بأن أغلب الأحاديث النبوية التي سمعناها على المنابر، هي أحاديث غير مثبتة يجب تجاهلها

هل نحن إزاء نسخة جديدة من الإسلام؟

الشائع بين عموم المسلمين أنه لا توجد "نُسخ" مختلفة من الإسلام، وأن الإسلام واحد أينما ذهبت أو حللت.

وهو ما يمكن عدّه كلاماً دقيقاً حين نتحدث عن القرآن والفروض.

لكن الدين -أي دين- أوسع بكثير من الفرائض ونصوص الكتاب المقدس.

فالمسلمون في الرياض يصلّون كما يصلي مسلمو القاهرة، ويصوم أهل باكستان في موعد صيام مسلمي الجزائر نفسه. هذه شعائر وفروض لا خلاف عليها أو اختلاف في سبل تطبيقها.

لكن الأوامر والنواهي الدينية المتصلة بالأمور الحياتية، هي نقطة التمايز، وكثيراً ما تختلف بين عصر وآخر، ودولة وأخرى، منتجةً نُسخاً مختلفةً بل متباينةً من الإسلام في مواضع شتى.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، حتى عامين مضيا كانت السعودية تحرّم قيادة النساء للسيارات استناداً إلى عشرات الأسباب الشرعية. في حين أن في مصر مثلاً، أو حتى في دول الخليج المحيطة، لم تكن قيادة النساء "حراماً"، إذ رأى شيوخها أنها "حلال".

فهل ما حرّمه الله في السعودية، أحلّه في سائر الأمصار، أم أن هذا دين وذاك دين آخر!

الشائع بين عموم المسلمين أنه لا توجد "نُسخ" مختلفة من الإسلام، وأن الإسلام واحد أينما ذهبت أو حللت.

واقع الأمر أن الله لم يحرّم قيادة السيارات ولا أحلّها. الذين حرّموا وحلّلوا هم رجال الدين وفقاً لتفسيراتهم، التي لعبت خلفياتهم الثقافية دوراً بارزاً فيها، فضلاً عن الدور المحوري الذي لعبته رغبات الحكام وسياساتهم على مر العصور. وبهذا صارت لدينا "نُسخ" مختلفة من الإسلام، تتفق في جوهرها، وتتباين في مظهرها.

ثقافة البترودولار

في العاشر من آب/ أغسطس 1932، قام عبد العزيز آل سعود، بتغيير اسم "المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها"، إلى "المملكة العربية السعودية"، وذلك بعد نجاحه في السيطرة على معظم الجزيرة العربية، وهزيمة عجلان، أمير آل رشيد، وقتله.

وبعد عام واحد من تحوّل لقبه إلى جلالة الملك، وقّع "عبد العزيز" اتفاقية امتياز التنقيب عن النفط مع شركة "ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا"، لتبدأ بعدها قصة السعودية مع الثراء الفاحش.

الثروة المهولة التي ظهرت في السعودية من باطن الأرض، صاحبتها رغبة في قيادة المنطقة وانتزاع دور الزعامة من القاهرة، التي أخذ دورها في التراجع إلى الخلف بفعل الأزمات الاقتصادية المتعاقبة.

وبحلول السبعينيات، وما تبعها من قفزة مهولة لأسعار النفط تزامنت مع توجه الملايين نحو العمل في المملكة، بدأت الثقافة "السعودية" تظهر بقوة في الإقليم.

وأخذت "النسخة السعودية" من الإسلام السنّي تغزو البلدان العربية خطوةً خطوة.

ولعل الهزيمة الأكبر التي مُنيت بها القاهرة، زعيمة الإقليم القديمة، كانت نجاح الثقافة السعودية في اجتياح الشارع المصري، ليصبح الإسلام الوهابي/ السلفي هو المهيمن على المشهد، ويصير كل ما عداه مخالفاً لسنّة الرسول.

وهكذا تحولت "الدقن" إلى "لحية"، وحلّت "السلام عليكم" محل "صباح الخير"، وانتقلت الساعات إلى المعاصم اليمنى أسوةً برسول الله، ولا تحدّثني عن الحجاب الذي اكتسح الشارع.

وبمرور الوقت، قطعت النسخة السعودية من الإسلام السنّي أشواطاً أكبر في مضمار الثقافة، أو ما يحلو للبعض أن يطلق عليها "القوة الناعمة"، فتوقفت القاهرة عن إفراز المقرئين لتغزو شوارعها شرائط "الحذيفي، والسديس والعجمي"، وتظل أصوات عبد الباسط عبد الصمد والمنشاوي وصديق، حبيسة إذاعة القرآن الكريم، في الوقت الذي ملأ المقرئون السعوديون فيه هواء المحال والسيارات.

أما آخر المحطات، فكانت تحريم الفن، والسعي إلى تحجيب الفنانات، ودعم ما عُرف باسم السينما النظيفة.

وهكذا نجحت النسخة السعودية في فرض حضورها وهيمنتها على الشارع العربي لأكثر من ثلاثة عقود، مدعومةً بمليارات الدولارات التي أُنفقت ببذخ لتحقيق ذلك.

لا يمكن التعامل مع ما يحدث في السعودية الآن بصفته شأناً داخلياً. فنحن إزاء تحولات دراماتيكية مذهلة، تتعارض تماماً مع المشروع الثقافي الإسلامي القديم الذي هيمن على عقول الملايين في الشارع العربي

إسلام العشرية القادمة

لا يمكن التعامل مع ما يحدث في السعودية الآن بصفته شأناً داخلياً. فنحن إزاء تحولات دراماتيكية مذهلة، تتعارض تماماً مع المشروع الثقافي الإسلامي القديم الذي هيمن على عقول الملايين في الشارع العربي.

إمام الحرم المكي "عادل الكلباني"، شخصياً يمثّل في إعلان ترويجي لفعالية ترفيهية تشهدها الرياض، وهذا مؤشر تتجاوز تداعياته حدوده. أضِف إلى ذلك انفتاح المملكة الجديد ممثلةً في "تركي الشيخ" على الفن والحفلات الموسيقية وخلافه.

وهكذا تحوّل الفن من حرام إلى حلال، وأصبح المحظور متاحاً، وباتت الحفلات مرحباً بها، والاختلاط بين الجنسين لا غبار عليه.

حرفياً، "نسخة الإسلام" التي روّجت لها المملكة طوال العقود الأربعة الماضية، تتلاشى اليوم على يد محمد بن سلمان. مفسحةً المجال لنسخة جديدة من الإسلام، قائمة بالأساس على الإباحة، عكس النسخة القديمة التي هيمن التحريم عليها.

تلك النسخة ربما لن يرحب بها الكثيرون من الأجيال الكبيرة نسبياً، التي نشأت وتربت على الأفكار السلفية، فمن الصعوبة بمكان أن تقنع من تم تلقينه ومحاصرته بأفكار محددة طوال حياته، بأن ما هو فيه ليس الوجه الوحيد للإسلام، وأن هناك وجوهاً أخرى للدين.

لكن المؤكد أن توقّف السعودية عن ضخ الأموال في روافد تغذية تلك الأفكار، سيجعلها تتوارى بهدوء لصالح النسخة الجديدة الأقل عبوساً. وسنرى آثارها على الأجيال القادمة، الأجيال التي لم تعرف الحويني ويعقوب، ولم تشهد تدمير الأضرحة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

لا يزال الماضي يحكمنا ويمنعنا من التقدّم، ولا يزال فقهاء عصرنا ينسخون من أفكارٍ بعضها فاق عمره الألف سنة، من دون التفكير في العلاقة بين النص الديني والواقع المعيش، وهو ما نسعى يومياً إلى تحدّيه، عبر احتضان الأفكار التجديدية الساعية إلى بناء عقد اجتماعي جديد يحدد دور الدين في الحياة ويحرره من السلطة السياسية. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard