شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
عين إبل والكحالة وعين الحلوة... الأمن

عين إبل والكحالة وعين الحلوة... الأمن "غير ممسوك" والسلاح حاكم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الخميس 10 أغسطس 202305:11 م

في مدة زمنية قصيرة، شهد لبنان حالةً من التوتر الأمني الكبير على مستوى البلاد، في ظل فراغ رئاسي وانهيار اقتصادي كبير. شرارة هذا التوتر بدأت باندلاع الاشتباكات في مخيم عين الحلوة في صيدا جنوب لبنان، لا تزال مستمرةً ولو بوتيرة متقطعة، صاحبها طلب دول عربية من رعاياها مغادرة لبنان، ما جعل الكثير من اللبنانيين يتساءلون عمّا يجري بالفعل، وهل هناك ما هو أسوأ من الذي يمرّون فيه حالياً؟

لم تتوقف الأمور عند هذا الحد. حصلت محاولة خطف مواطن في جرود جبيل من قبل مسلحين في وضح النهار، من متجره، ثم خطف واغتيال في بلدة عين إبل في بنت جبيل جنوب لبنان، لقيادي في حزب القوات اللبنانية، ليتطور الأمر أمس الأربعاء في 7 آب/ أغسطس في منطقة الكحالة، الواقعة على المدخل الشرقي لبيروت، بعد انقلاب شاحنة لحزب الله محملة بالأسلحة، وتندلع اشتباكات قُتل على إثرها عنصر من حزب الله وشاب من أبناء المنطقة.

تخوف أمني

في خضم هذا كله، لم تعكس رسائل التطمينات الأمنية من قبل وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، خلال الأيام السابقة، حول الوضع الأمني في لبنان، ما يجري في المشهد اللبناني، وذلك عقب تحذيرات كل من السعودية وقطر والبحرين ودول أخرى لرعاياها حول خطورة الوضع الأمني وعدم السفر إلى لبنان حالياً، والتي أتت عقب اندلاع الاشتباكات في مخيم عين الحلوة في 29 تموز/ يوليو الماضي، على خلفية اغتيال فصائل متشددة للقيادي في حركة فتح أبو أشرف العرموشي، مع 4 من مرافقيه وجرح آخرين، وسط تخوف من امتداد الاشتباكات إلى خارج المخيم. 

يرى الصحافي والمحلل السياسي قاسم قصير، في حديثه إلى رصيف22، أنه "لا يمكن ربط كل حدث بما يحصل في المنطقة. هناك أحداث تكون لأسباب موضعية، ولكن لأن الأجواء متوترة يتم استخدامها في الصراع السياسي والأمني الكبير"، عادّاً أن لبنان في مرحلة قلقة وضاغطة جداً، لذا يزداد التخوف من زيادة الأحداث الأمنية في كل المناطق.

في ظل كل التطورات، هل الأحداث الأمنية مرتبطة بأسباب مباشرة؟ وهل يعني ذلك أنه لا توجد معطيات عن وجود مخطط لتوجيه البلاد إلى التوترات الأمنية؟

ويقول: "هناك أحداث أمنية موضوعية مرتبطة بأسباب مباشرة، ولا توجد حتى الآن معطيات عن وجود مخطط لتوجيه البلاد إلى التوترات الأمنية، في ظل الانهيار الاقتصادي في لبنان، لكن عدم حصول تفاهم سياسي سيؤدي إلى تطورات أمنية سلبية"، مشيراً إلى أنه "ليس بالضرورة أن يكون هناك مشروع لحرف النظر عن الأزمات في البلد والتوجه نحو توتر أمني، ولكن طالما أنه ليس هناك اتفاق سياسي فنحن أمام تطورات أمنية خطيرة".

وضع هشّ

حالة التوتر هذه، لم تقتصر على الاقتتال الفلسطيني-الفلسطيني المستمر في عين الحلوة، بل امتدت إلى كسروان، حيث حاول مسلحون مجهولون قبل أيام عدة اختطاف المواطن شاكر عساكر من متجره في جرود منطقة جبيل في كسروان، إلا أن تدخل الأهالي أوقف الأمر، لتسود حالة من التوتر في المنطقة.

أمس الأول، الثلاثاء، كُشف النقاب عن اغتيال الياس الحصروني (71 عاماً) الملقب بـ"الحنتوش"، وهو المسؤول السابق عن إقليم بنت جبيل في حزب القوات اللبنانية، حيث يغلب نفوذ حزب الله على المنطقة التي تضم أيضاً مكوّناً مسيحياً. وكان الحصروني قد خُطف قبل أسبوع، في 2 آب/ أغسطس الماضي، ولكن تمّ الكشف عن مقتله وتعرّضه للضرب حتى الموت قبل يومين، بحسب تقرير الطبيب الشرعي، والحصروني رجل أعمال معروف في منطقته، ويُعدّ واحداً من وجهاء بلدة عين إبل المسيحية، كما يُعد واحداً من أصحاب القرار، خصوصاً في الوضع الأمني، ومن المؤثرين في البلدة.

يقول عضو مجلس النواب اللبناني والمحاضر السابق في جامعات عدة من بينها الجامعة الأمريكية في بيروت، إبراهيم منيمنة، لرصيف22: "من الطبيعي أن تحصل هكذا توترات أمنية في البلاد، في ظل وضع هش مع غياب الدولة وعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وفي ظل وضع داخلي سياسي متشنج يترافق مع توترات إقليمية تنعكس على لبنان، ومن غير الطبيعي أن نخرج ونقول إن الأمور طبيعية ونحن بخير، بل لبنان داخلياً عرضة لأي هزّة، وأي حادث أمني قد يتحول إلى تصادم، ونحن غير محصنين تجاه أي هزة أمنية، وما يُحصننا هي مرجعية الدولة والقوانين والقضاء والاحتكام إلى المؤسسات الأمنية".

خارج شرعية الدولة

أما الجدث الأبرز، فوقع في الكحالة أمس، حيث انقلبت شاحنة لحزب الله محمّلة بالأسلحة والذخائر في المنطقة التي تتواجد فيها "القوات" و"الكتائب" و"التيار الوطني الحر"، وجميعها أحزاب مسيحية، ليتطور الأمر إلى رمي بالحجارة ثم اشتباك مسلح سقط على إثره قتيل من عناصر حزب الله، وآخر من أبناء منطقة الكحالة. وعقب وصول الجيش اللبناني، وضربه طوقاً أمنياً، انسحب عناصر الحزب من المكان، لكن أهالي الكّحالة أصرّوا على الاستمرار في قطع الطريق بالاتجاهين، في حين جرى إفراغ الشاحنة من حمولتها من قبل الجيش اللبناني، وهي عبارة عن ذخائر أسلحة بحسب بيان الجيش اللبناني، في حين اعترف الحزب بأن الشاحنة له في بيان رسمي من دون الكشف عما في داخلها من حمولة، مشيراً إلى حصول "تبادل لإطلاق النار مع المسلحين المعتدين، في ‏هذه الأثناء تدخلت قوة من الجيش اللبناني ومنعت هؤلاء المسلحين من الاقتراب ‏من الشاحنة أو السيطرة عليها".

من الواضح أن المسار السعودي الإيراني يواجه تعثراً ينعكس على لبنان، بالإضافة إلى المتغيرات في سوريا ومن جانب العدو الإسرائيلي على الحدود اللبنانية. فهل هذا يترجم في لبنان؟

برأي منيمنة، "الأحداث التي تحصل خارج شرعية الدولة، وهناك مشكلة كبيرة في تجول شحنات سلاح بين السكان الآمنين، لهذا يجب أن يُحصَر السلاح في يد الدولة، فما حصل في الكحالة كما كل الحوادث يترجم وجود السلاح خارج شرعية الدولة، وينتهي بالتعبير عن حجم التوتر داخلياً في البلاد، ومن غير الممكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه".

ويشير إلى أنه "من الواضح أن المسار السعودي الإيراني يواجه تعثراً ينعكس على لبنان، بالإضافة إلى المتغيرات في سوريا ومن جانب العدو الإسرائيلي على الحدود اللبنانية. وبكل أسف هذا يترجَم في لبنان الذي يبقى دائماً عرضةً لأي أحداث خارجية سياسية".

وكان لافتاً أن بيان جيش اللبناني اختصر الحادثة بالقول إنه "لدى انقلاب شاحنة تحمل ذخائر على طريق عام الكحالة، حصل إشكال بين مرافقي الشاحنة والأهالي ما أدى إلى سقوط قتيلين. وقد حضرت قوة من الجيش إلى المكان وعملت على تطويق الإشكال، وتم نقل حمولة الشاحنة إلى أحد المراكز العسكرية، وبوشر التحقيق بإشراف القضاء المختص".

ولم يحضر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، إلى مكان حصول الاشتباك أمس، إلا أن تحقيقاً قد فُتح في الحادثة.

بعيد عن الاهتمام

تبدو كل متطلبات الانفجار متوافرة على الساحة اللبنانية، وما حصل خلال الأيام السابقة من أحداث على مستوى المناطق، ما هو إلا دليل على ذلك. هذا الأمر فسّره النائب في البرلمان اللبناني مارك ضو، خلال حديثه إلى رصيف22 بأنه "نتيجة الانهيار الحاصل وبذلك ستعتمد الناس على حماية أمنها الذاتي وحماية نفسها على أساس غياب الدولة، وما حصل أمس في الكحالة أكبر إثبات على أن الدولة لا تحقق في ما يحصل بل تغطي على جريمة بسبب أجندات سياسية".

ويضيف: "طالما الدولة اللبنانية ضعيفة، سيتحول لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، لكن ما يجري اليوم في لبنان داخلياً ليس صراعاً إقليمياً، بل هناك إهمال للبنان من قبل دول المنطقة، لأنه لا يوجد حوار حول لبنان سوى المبادرة الفرنسية، حتى أن بيان جامعة الدول العربية مرّ بجملة واحدة فقط على لبنان".

ويتابع: "الإشكالية الموجودة في البلاد مختلفة، فضعف الدولة وعدم قدرتها على القيام بمهامها وضعف سلطة المؤسسات على فرض شرعيتها، تبيح للناس الاعتماد على قدرتهم الذاتية في حماية أنفسهم أو الاعتداء على الآخرين، خاصةً القوى المنظّمة، ما سينتج تفككاً إضافياً للدولة ويسهّل عملية التدخل في حال كان هناك قرار إقليمي بشأن لبنان، وازدياد عدم الاستقرار وهذا الخطر الأكبر".

يستبعد ضو أن تنتهي الأمور في لبنان بحرب أهلية نتيجة هذا التوتر: "لم يعد لبنان يؤثر في المنطقة بهذا المستوى أو يستطيع أن يأخذ المنطقة إلى حربٍ ما. الدول المحيطة مشغولة بنفسها. حتى الإسرائيلي لديه حالة داخلية خاصة، أما الشيء الوحيد الذي يستطيع جرّ لبنان إلى حرب فهو قرار من حزب الله، لكن ما يهم الشعب بعيداً عن الحرب هو تحسّن الوضع الاقتصادي".

إلى حين نشر هذا التقرير، كانت الأحداث لا تزال تتوالى. إذ نقلت وسائل إعلام محلية، تعرض وزير الدفاع اللبناني موريس سليم لمحاولة اغتيال في منطقة جسر الباشا في بيروت. حيث أظهرت الصور آثار إصابات بالرصاص على الزجاج الخلفي، لسيارة الوزير المصفحة، ليتم نقله إلى مكان آمن دون معرفة أي تفاصيل حول مصدر إطلاق النار.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image