"خلاصه في الدنيا والآخرة أن يقام عليه الحد الإسلامي ويُقتل"؛ بهذه الجملة أطلق زعيم حزب الله في لبنان حسن نصر الله، حربه ضد المثلييين جنسياً في لبنان يوم السبت الماضي، بعيداً عن الأزمات التي تمر بها البلاد، مطالباً بتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية بحق كل من يمارس "اللواط" حسب تعبيره، وذلك خلال كلمة ألقاها خلال مجلس عاشورائي، عادّاً أنها حرب مسيحية إسلامية لجميع اللبنانيين، وطالب برفض كلمة مثليين ووصفهم "بالشذوذ والشاذين واللواط"، ضمن أدبيات اختارها لمحاربة مجتمع الميم-عين، قائلاً: "يجب مواجهتها دون سقف وبكل الطرق والاستعانة بمتخصصين للعلاج"، إذ يكمن الحل من وجهة نظر نصر الله بالزواج المبكر لما فيه "من بركة عظيمة"، على حد تعبيره.
البيئة القاتلة
"يقتلوني برتاح أحسن من عيشة الذل، أنا كل يوم بتمنّى موت بسبب الضغط النفسي يلّي بتعرض له"؛ بهذه الكلمات يلخص سمير (25 عاماً، اسم مستعار)، قصة حياته كمثلي الجنس، كان يسكن في الضاحية الجنوبية في بيروت، من دون أن يشهر ميوله تخوفاً من أي ردة فعل تجاهه من أهل المنطقة.
برغم ذلك، لم ينجُ سمير من التهديدات بملاحقته ورفع دعوى قضائية ضده، يروي لرصيف22: "تعرضت للكثير من التحرش في الضاحية، وعانيت من خطاب عنصري بغيض. عندما كنت أمرّ من بيتي وإليه في منطقة الحرش، كنت أسمع كلمات أقلّها لوطي! وين رايح الحلو؟ بوصلك؟ عدا عن طلباتهم بالصعود إلى منزلهم لكي أقوم بتدليكهم (مساج)"، ويضيف: "أشعر بأنني سجين في المنزل لا أستطيع التحرك، الله خلقني بهذه الميول ما ذنبي أنا؟ هل يريدون محاسبة الله؟".
قصة سمير، مثلي الجنس، من الضاحية الجنوبية، تترجم حجم الانتهاكات التي يتعرض لها هؤلاء الأشخاص ضمن بيئة ترفضهم، وتشرّع نبذهم ومحاربتهم، كما حصل قبل أيام عدة خلال خطاب نصر الله الذي شنّ حرباً ضدهم بتكليف شرعي، الأمر الذي انعكس على مواقع التواصل الاجتماعي، لتُطلَق حملة "كل مكلّف عليه مسؤولية مواجهة الشذوذ الجنسي"، تليها كلمة لمحمد رعد النائب في البرلمان اللبناني عن "كتلة الوفاء للمقاومة" التابعة لحزب الله، في الجنوب، عدّ فيها أن "مفاهيم الشذوذ والإباحية ليست نتاج حضارة الغرب فحسب، بل هي نفايات حضارته يريد أن يلقيها في مزابلنا وفي مجتمعاتنا حتى تتأثر أجيالنا وتتناغم مع هذا الأمر"، قائلاً: "مع الأسف لبنان سوق مفتوح، وبدأ من يفكّر في تشريع الشذوذ وتخفيف العقوبات عمَّن يمارسه، وهذا خطر على البشرية".
بعد وفاة والده، توقف عمل سمير في مجال التصميم والرسم، ليعود إلى الجنوب، كي يبقى مع والدته. بقي في منطقته محاصراً وكأنه معتقل في سجن كبير، ولم تتوقف قصص نبذه عند التحرش فقط والشتائم بسبب ميوله، بل تعرّض للضرب أيضاً من قبل أحد أفراد عائلته. يقول: "كنت أمارس الجنس مع أحد أقاربي ولكنه تزوّج وبتّ وحيداً، حينها بدأت بمشاهدة الأفلام الإباحية، وعندها علم أخي وهو عنصر في حزب الله، وضعني في حقل قرب المنزل وبدأ بجلدي وأنا عارٍ، فقط لأني أشاهد الأفلام".
بعد تلك الفترة تعرّف سمير على شاب مطلّق ينتمي إلى الحزب، مثلي الجنس أيضاً، ولكنه لا يستطيع الإفصاح عن الأمر. يكمل حديثه إلى رصيف22: "يوجد الكثير هنا في الجنوب من مجتمع الميم-عين، ولكن لا يستطيعون الإفصاح عن ميولهم، لكيلا يتعرضوا للتهديد أو العنف، ومنهم كُثر يناصرون حزب الله".
ضومط قزي لرصيف22: "الخطاب الذي أطلقه نصر الله زعيم ميليشيا حزب الله، من مكانه كرجل دين وكقائد سياسي تنظيمي مؤثر في بيئته، أعطى غطاءً دينياً سياسياً اجتماعياً لأي فرد في مجتمعه كي يمارس أي فعل ضد أفراد مجمع الميم-عين، وأي نوع من أنواع العنف الجسدي أو اللفظي، والإقصاء في مكان العمل والعائلة والمدرسة"
تشريع العنف بتكليف شرعي
يقول الناشط من مجتمع الميم-عين، ضومط قزي، لرصيف22: "الخطاب الذي أطلقه نصر الله زعيم ميليشيا حزب الله، من مكانه كرجل دين وكقائد سياسي تنظيمي مؤثر في بيئته، أعطى غطاءً دينياً سياسياً اجتماعياً لأي فرد في مجتمعه كي يمارس أي فعل ضد أفراد مجمع الميم-عين، وأي نوع من أنواع العنف الجسدي أو اللفظي، والإقصاء في مكان العمل والعائلة والمدرسة"، عادّاً أن كلامه يأتي كمباركة أو غطاء للأشخاص الرافضين لمجتمع الميم-عين ليقوموا بأعمال إجرامية ضد أفراد المجتمع، وتالياً في الأيام المقبلة هذا الأمر سينعكس على أفراد مجتمع الميم-عين الموجودين في البيئة الحاضنة لحزب الله".
ويشير إلى أن أي "تأييد للعنف على مواقع التواصل الاجتماعي، سيترجَم على أرض الواقع، على حساب الضعفاء والمظلومين بالضرب والإقصاء والعنف، وأيضاً الاحتجاز داخل المنزل، وصولاً إلى منعهم من الوصول إلى أبسط حقوقهم الأساسية، وهذا شهدناه في حالات كثيرة، في لبنان وخارج لبنان، لكن سنشهد المزيد في الأيام القادمة".
منذ سنوات، تضغط جمعيات المجتمع المدني في لبنان، من أجل تحديد سنّ أدنى للزواج وحماية القاصرات، وتتحفظ بعض الكتل النيابية على إقرار القانون الجديد لحجج مختلفة، البعض منها يأخذ طابع "عدم معارضة النصوص الدينية"، أو "مسايرة التقاليد والقيم الاجتماعية"، حيث يرى الناشط قزي أن حزب الله المعرقل الأكبر لإقرار قانون منع الزواج المبكر أو القاصرات والقاصرين، في مجلس النواب.
ويضيف: "اليوم حزب الله في عقيدته ونظرته إلى المجتمع حول كيفية بنائه وتصوّره، هو فعلاً يريد مجتمع تكون فيه النساء خاضعات تحت سلطة الذكور وسلطة العباءة الدينية تبعاً للأيديولوجيا التي يمثّلها. وللأسف نساء الحزب مؤدلجات على كره الآخر، وحياتهم هي فداء لأيديولوجيا معيّنة، وهذه نظرة حزب الله إلى المجتمع وتالياً اليوم أي تقدّم في مجال حقوق المرأة وأفراد مجتمع الميم-عين يهدد فعلياً بنية المجتمع الذي يريد فرضه الحزب".
ويتابع قزي: "هناك انتهاكات كبيرة يتعرض لها أفراد مجتمع الميم-عين في الضاحية الجنوبية، وأنا استمعت إلى عدد من الأشخاص عن تعرّضهم للخطف والضرب، وحتى لاستدراج عبر تطبيقات المواعدة وتعرّضهم للابتزاز. وداخل تنظيم حزب الله، في حال كان هناك أي شك في أي فرد بأنه مثلي الجنس، عدا العنف الذي قد يمارَس بحقه من الممكن أن يُفتح تحقيق في الأمر، ويعتدوا عليه عبر الأحكام التي تصدر بحقه"، مضيفاً أن "الأماكن الواقعة تحت سيطرة حزب الله هي أماكن معادية، وغير مسالمة لأفراد مجتمع الميم-عين وللنساء إن صح التعبير".
هجوم لحرف النظر عن الكارثة
يرى مدير مؤسسة "حلم" المختصة بالدفاع عن حقوق مجتمع الميم-عين في لبنان، طارق زيدان، خلال حديثه إلى رصيف22، أن "جميع أقطاب المنظومة اللبنانية، تحاول إلهاء الناس بعيداً عن الكارثة الاقتصادية والسياسية، ونهب البنوك والأزمة المعيشية المتردية، وإعادة إنتاج نفسها بوصفها حاميةً للمجتمع اللبناني، بخلق بعبع من لا شيء، لذا اخترعت شيئاً اسمه 'نشر الشذوذ' دون معرفة هذا المصطلح، وحتى نحن لا نعلم ما القصد منه، حيث بدأت بالترويج لهذا الأمر، وتخويف الناس من أن هذا الخطر قادم على الأولاد والمجتمعات، وكأن الفقر وانعدام التعليم والصحة لم تصل إلى أولادهم".
"جميع أقطاب المنظومة اللبنانية، تحاول إلهاء الناس بعيداً عن الكارثة الاقتصادية والسياسية، ونهب البنوك والأزمة المعيشية المتردية، وإعادة إنتاج نفسها بوصفها حاميةً للمجتمع اللبناني، بخلق بعبع من لا شيء، لذا اخترعت شيئاً اسمه 'نشر الشذوذ' دون معرفة هذا المصطلح"
وتُظهر دراسة، أجراها فريق منظمة "حلم" التي تعمل على تحسين الوضع القانوني والاجتماعي للمثليين جنسياً والمتحولين جنسياً ومزدوجي الميول الجنسية (إل. جي. بي. تي)، في لبنان، بعد استطلاع رأي 100 مشارك من مجتمع الميم-عين بناءً على اجتماعات شخصية معهم خلال الفترة الواقعة بين كانون الأول/ ديسمبر 2021 وكانون الثاني/ يناير 2022، أن 13% من المشاركين/ ات لم يتخرجوا/ ن من المدرسة الثانوية، 9% منهم/ ن حاصلون/ ات على شهادة ثانوية، و5% حاصلون/ ات على شهادة مهنية/ فنية، و19% بدأوا بالدراسة الجامعية لكنهم لم ينتهوا، و17% حاصلون/ ات على شهادة البكالوريوس، و14% حاصلون/ ات على شهادة الماجستير، و23% أفادوا عن مستوى تعليمي آخر.
أما على صعيد العمل، فكشفت الدراسة أن 41% من المشاركين/ ات يعملون/ ن بدوام كامل، و7%يعملون/ ن لحسابهم/ ن الخاص، و15% يعملون/ ن بدوام جزئي، و33% عاطلون/ ات عن العمل إلا أنهم/ ن كانوا/ كنّ يعملون/ ن، و3% لم تكن لديهم/ نّ وظيفة مستقرة، و1% من المشاركين/ ات لم يجيبوا/ ن عن هذا السؤال.
زيدان يرى أن "مجتمع الميم-عين وجمعية حلم غير قادرَين على المواجهة اليوم، لأن رجال الدين والسلطة لديهم الكثير من الموارد والمنابر والسلاح وتالياً هي معركة خاسرة بالنسبة لهم"، ويتابع: "في حال كان هناك عقاب، أو محاربة للأشخاص الذين يهددون أطفالهم فيجب البدء بمحاسبة ومعاقبة المتحرشين من رجال الدين الذين ثبت أنهم تحرشوا بالأطفال، وليس المثليين والمثليات والعابرين والعابرات، ومن يتحرش بطفل اسمه متحرش أياً كانت ميوله وهويته الجنسية، ولا نستطيع الترويج لهوية معيّنة".
مجتمع مستهدف من كل اتجاه
تستمرّ الممارسات والانتهاكات المجحفة بحق أفراد مجتمع الميم-عين في لبنان، برغم أن الجمعية اللبنانية للطب النفسي أوضحت في حزيران/ يونيو 2022، في بيان لها، أن المثلية لا يمكن عدّها مرضاً يتطلب العلاج، وهذا يتماشى مع الإجماع الدولي داخل مجتمع الطب والرعاية الصحية لعقود عدة، كما أنه يتفق مع بيان موقف الجمعية اللبنانية للطب النفسي المنشور عام 2013، حول الموضوع نفسه، لكن بالرغم من ذلك تُجرّم المادة 534 من قانون العقوبات اللبنانية "كل مجامعة على خلاف الطبيعة" و"يعاقَب عليها بالحبس حتى سنة واحدة"، وذلك من دون تحديد مفهوم المجامعة.
"لا توجد مقارنة أو دراسة حول انتهاكات للمثليين أو الخطورة عليهم من سكان الضاحية مقارنةً بمناطق أخرى أكثر انفتاحاً. هناك الكثير من المشكلات والانتهاكات بحق المثليين في لبنان"؛ يقول زيدان الذي يرى أن "الانتهاكات بحق المثليين من قبل الدولة اللبنانية نسبتها أقل، مقارنةً بغيرها لسبب عدم فعالية الدولة وانهيارها، فالانتهاكات تبدأ من الأهالي، وأرباب العمل وأصحاب المنازل الذي يطردون الأشخاص المثليين، عبر تمييزهم وإقصائهم من كل الخدمات الإنسانية والاقتصادية، من مأوى وأكل وشرب، إلى الوصول لخدمات الصحة الأولية والذهنية، ليس فقط من مؤسسات الدولة بل من الجمعيات أيضاً، ويتم رفضهم".
وتشير نتائج آخر دراسة لجمعية "حلم" عام 2022، إلى انتشار العنف الجسدي ضد أفراد الميم-عين، حيث تم الإبلاغ عن 193 حالة عنف جسدي، بما في ذلك العنف المنزلي. وكان اللاجئون السوريون هم الأكثر تضرراً، ويمثّلون 72.5% من إجمالي الحالات هذه.
"هناك مشكلةً بين رفض الناس لميولهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم وتركهم للموت، ومن الواضح أن كل الحديث الصادر من رجال الدين والسياسيين أو أي إنسان قرر أن هذا الأمر لصالحه، للفت الأنظار والتهرب من الفشل السياسي، وتحميل الفشل للأشخاص المستضعفين، وهذا الأمر سبق أن حصل مع اللاجئين السوريين"
سجلت "حلم" ما مجموعه 46 حالة تحرش جنسي في عام 2022، النسبة الأكبر منهم من النساء، لا سيما اللاجئات والمشتغلات بالجنس والعاملات المهاجرات، اللواتي/ الذين تعرضن/ وا للعنف الجنسي الذي يرتكبه المتّجرون والشرطة وغيرهم من المجرمين، كما أبلغت الجمعية في العام السابق عمّا مجموعه 29 حالة اغتصاب، مع غالبية الحوادث التي تورط فيها مواطنون سوريون (25 من أصل 29)، حيث تشير البيانات إلى أن 60% من الحالات المبلّغ عنها كانت من قبل النساء المتحولات، و35% من قبل رجال رابطة الدول المستقلة، والباقي من قبل نساء رابطة الدول المستقلة، بالإضافة إلى 14 حالة حبس قسري، وغالبية الضحايا المسجلين من قبل "حلم" كانوا من الأطفال أو الشباب الذين أكدوا احتجازهم من قبل والديهم بعد الكشف عن ميولهم الجنسية و/ أو هويتهم الجنسية و/ أو تعبيرهم عنها، سواء عن قصد أو عن غير قصد، من خلال الخروج أو من خلال وسائل أخرى دون موافقتهم أو معرفتهم.
يرى زيدان في معرض تعليقه على نتائج الدراسة أن "هناك مشكلةً بين رفض الناس لميولهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم وتركهم للموت، ومن الواضح أن كل الحديث الصادر من رجال الدين والسياسيين أو أي إنسان قرر أن هذا الأمر لصالحه، للفت الأنظار والتهرب من الفشل السياسي، وتحميل الفشل للأشخاص المستضعفين، وهذا الأمر سبق أن حصل مع اللاجئين السوريين حيث حمّلتهم السلطة فشلها، وأطلق أهلها خطابات حذروا فيها المجتمعات اللبنانية منهم وحوّلوهم إلى وحوش، وهم أشخاص لا يملكون حق طعامهم اليومي، وهذا الأمر سيبدأ بجماعات أخرى، غير المثليين".
ويختم زيدان: "اليوم بدأنا بالترهيب من المثليين، وفي حال أقدم أحدهم على طعن شخص آخر بالسكين بسبب ميوله أو هويته الجنسية، من يتحمل المسؤولية؟ من الذي سيحميه؟ الأمن الذي يعتقله أم القضاء المنهار؟".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع