هذا المقال جزء من ملفّ "على رصيف المستقبل"، بمناسبة عيد ميلاد رصيف22 العاشر.
في تموز/ يوليو 2023، أبرمت وكالة أسوشيتد برس اتفاقاً مع شركة OpenAI، مصنّعة ChatGPT، يسمح للأخيرة بالاستفادة من جزء من أرشيف الوكالة الدولية التي تأسست عام 1846 لتدريب خوارزمياتها للذكاء الاصطناعي على كتابة المقالات الإخبارية تمهيداً لدور أكبر للـAL داخل غرف الأخبار.
وقبل أيام، ورد أن عملاقة التكنولوجيا غوغل تختبر أداة جديدة مطوّرة بالذكاء الاصطناعي قادرة على إنتاج المقالات الإخبارية، الاسم المبدئي لها Genesis، عرضتها على صحف عالمية من بينها نيويورك تايمز وول ستريت جورنال وواشنطن بوست على أساس أنها ستكون "مساعد للصحافي" في صالات التحرير وغرف الأخبار.
مع كل إعلان عن أداة أو برنامج جديدة شبيه، يتم التشديد مراراً وتكراراً على أن هذه الأدوات ليس الهدف منها استبدال الصحافيين/ ات أو القيام بأدوارهم/ ن، وإنما توفير بعض الوقت والتكلفة والجهد، وسرعة النشر، وزيادة الإنتاج، وتخفيف الضغط على الصحافيين/ات، وفرض معايير صارمة للتوازن الجندري وتجنب الخطاب الكراهية والتعابير المسيئة، عبر قيام التقنيات الجديدة بمهام محدودة. وهذه هي الميزات التي عادةً ما يشار إليها عند الحديث عن توظيف الذكاء الاصطناعي في الصحافة.
مع الإيمان الكامل بأهمية التغيير والتطوّر بل وإشراك التكنولوجيا في جميع الأدوار والمهام التي يقوم بها البشر، تزداد المخاوف من أن يحل الذكاء الاصطناعي محل البشر في مختلف الوظائف يوماً بعد يوم. الصحافة ليست استثناءً من هذا. مع ذلك، لا أشعر، كصحافية ومدققة حقائق، بهذا التهديد. لماذا؟ هو ما أجيب عنه في هذا المقال.
مع الإيمان الكامل بأهمية التغيير والتطوّر بل وإشراك التكنولوجيا في جميع الأدوار والمهام التي يقوم بها البشر، تزداد المخاوف من أن يحل الذكاء الاصطناعي محل البشر في مختلف الوظائف. الصحافة ليست استثناءً. لكن لماذا لا أشعر بهذا التهديد؟
تحديّات وتساؤلات
مع صعود وسائل الإعلام الحديثة، المواقع الإلكترونية والمنصات الاجتماعية الرقمية، شعر الجميع بمخاوف حقيقية على بقاء الصحافة التقليدية المطبوعة. كان ذلك منطقياً بالنظر إلى سهولة استبدال طريقة عرض العمل الصحافي بأساليب عرض جديدة يسهل الوصول إليها وبسرعة كبيرة (هاتف ذكي أو لاب توب عوضاً عن جريدة ورقية).
لكن، بالنظر إلى أن تقنيات وبرامج وأدوات الذكاء الاصطناعي الموجودة حالياً لا تنتج معرفة حقيقية وإنما فقط تتنبأ باللغة وتولّد المعاني المتناسقة منها، ما يعني أن أفضل ما يمكنها فعله هو إنتاج أخبار جافة تفتقر إلى اللمسة الإبداعية والمسحة الإنسانية، من الصعب توقع انتفاء الحاجة إلى من يقوم بدور "الإخبار" داخل الصحف المستقبلية - على أقل تقدير تزويد هذا الذكاء الاصطناعي بالمعلومات الأولية التي يبني عليها القصة الخبرية.
وبرغم غموض التحديات التي تواجه مستقبل الذكاء الاصطناعي في الصحافة، إلا أنه من المخاوف التي أُثيرت أن إساءة استخدام هذه الأدوات في الصحافة من شأنه أن يضر بمصداقيتها وبمصداقية الذكاء الاصطناعي ككل وكذلك مصداقية المؤسسات الصحافية وسمعتها المهنية. يتحدث الخبراء عن ثلاثة سيناريوهات لتوظيف الذكاء الاصطناعي في الصحافة. (يمكن الإطلاع عليها من هنا)
وهناك تساؤلات غير مجاب عنها حول الدقة ومراعاة المهنية والمعايير الصحافية بما فيها الإرشادات القانونية والأخلاقية واحترام الخصوصية في كتابة القصص الخبرية عبر آليات AL. حتّى مع اقتراح وجود "محرر مشرف" أو "بروتوكول" أو "ميثاق أخلاقي" صارم لضمان الالتزام بهذه الإرشادات، ألا يستهلك ذلك موارد ووقتاً إضافيين؟
ولا يمكن تجاهل التساؤل حول مدى التشابه المحتمل في القصص المنتجة عبر مثل هذه الأدوات التي تعتمد المصادر المفتوحة نفسها تقريباً، والتقنية التوليدية ذاتها. هل سيتم تطوير هذه المصادر مستقبلاً؟ من أين يأتي "الجديد" لو كانت التقارير الأحدث جميعها مولّدة بنفس الطريقة غير الإبداعية؟
يدفع هذا إلى تساؤل آخر عن المنتج الخبري النهائي، كيف يمكن أن يتميز من صحيفة لأخرى تتناول نفس الخبر، كما يحدث الآن؟ وكيف سيكون شكل "التنافسية" بين الصحف؟
وإذا فكّرنا في التوقّف عن إنتاج البشر تقارير حديثة، هل يعني هذا أننا سندور في فلك حول نفس المعلومات والخلفيات القديمة؟ مع إعادة إنتاجها بصيغ قد لا تكون مختلفة كثيراً، ربما.
يقترح البعض، للتغلب على هذه السلبيات المحتملة وتحقيق أقصى استفادة من توظيف الذكاء الاصطناعي في العمل الصحافي، أن يكون هناك إشراف بشري. أمر مقبول، لكنه يُثير مخاوف إضافية عن الشفافية مع الجمهور. أي اسم يُكتب على المادة؟ هل يتم توضيح دور الذكاء الاصطناعي للجمهور؟ هل يؤثر ذلك على رواج المادة وصدقيتها لدى القراء؟
تقنيات وبرامج وأدوات الذكاء الاصطناعي الموجودة حالياً لا تنتج معرفة حقيقية وإنما فقط تتنبأ باللغة وتولّد المعاني المتناسقة منها، ما يعني أن أفضل ما يمكنها فعله هو إنتاج أخبار جافة تفتقر إلى اللمسة الإبداعية والمسحة الإنسانية
المخاوف حيال السرية بما في ذلك حماية المصدر والحفاظ على خصوصية المعلومات الشخصية الحساسة قائمة أيضاً.
كل هذه التساؤلات مطروحة عالمياً، وتؤثر على مواقف وسائل الإعلام والوكالات العالمية من تبني هذه التقنيات على الأقل في مراحل مبكرة. (يمكن الإطلاع على المزيد من هنا)
عبء التحقق والقدرة على تقصّي الحقائق
بالعودة إلى ما سبق، قد يكون عبء التحقق مما ينتجه الذكاء الاصطناعي، من قصص خبرية وموضوعات صحافية، أكثر استهلاكاً للوقت والجهد والتكلفة من إنتاج المادة بشرياً بالكامل. إذاً، فبعض الميزات التي يروّج لها قد لا تكون مضمونة تماماً.
وما قد يكون أكثر صعوبة على الذكاء الاصطناعي هو إتقان تقنيات تدقيق الحقائق التي باتت عنصراً مهماً في أي عمل صحافي يهتم بالجودة والمصداقية. ربما يتم تزويد أدوات وبرامج الذكاء الاصطناعي المستخدمة في غرف الأخبار ببعض معايير الدقة وأساليب المراجعة للصور والنصوص والبيانات، لكن لا أعتقد أنها يمكنها أداء هذا الدور على النحو المثالي. علماً أن هذا الجهد يتطلب من البشر أنفسهم عدة مراحل ومراجعات من قبل أكثر من مدقق حقائق.
قد يكون عبء التحقق مما ينتجه الذكاء الاصطناعي، من قصص خبرية وموضوعات صحافية، أكثر استهلاكاً للوقت والجهد والتكلفة من إنتاج المادة بشرياً بالكامل.
على سبيل المثال، قد يتعذّر على تقنيات الذكاء الاصطناعي فهم السياق الأوسع لبعض المعلومات المضللة أو توظيف معلومات صحيحة في غير سياقها الشخصي أو الزماني أو المكاني.
في الختام، لدي قناعة بأن بين عدم قدرة الذكاء الاصطناعي على تمييز الحقيقة أولاً، وثانياً الإبداع - تلك اللمسات التي تمنح المادة الصحافية تفرّدها و"إنسانيتها" - سيحافظ على الوجود البشري في هذه المهنة.
لا أقصد بذلك أن الصحافي لا ينبغي أن يطوّر أدواته ليواكب هذا التطور التقني. على العكس، علينا التطور دائماً والتعلم من كل هذه التقنيات المستحدثة بل والاستفادة منها في بعض المهام التحضيرية والمساعدة، بما فيها: التخطيط للقصة الخبرية، وصياغة عناوين أكثر توافقاً مع محركات البحث، وصياغة أسئلة للمقابلات، والاختصار، والاستفادة من المواضيع المنشورة سلفاً، وأيضاً التدقيق الإملائي وإعادة الصياغة والنسخ والحصول على ترجمات أحياناً. ومن الجيد الاستعانة بتقنيات تعديل الصور والتسجيلات الصوتية.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ 5 أيامSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ 4 اسابيعحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.