شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"السينما مكنة أحلام لا تموت"... "باب الشمس" يُرمَّم ويعود إلى الشاشة الكبيرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الخميس 10 أغسطس 202302:39 م

بعد غفوة تجاوزت الـ15 عاماً في شريط النيغاتيف، يعود فيلم "باب الشمس" إلى شباك التذاكر ضمن مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي في سويسرا، في دورته الـ76، لكن هذه المرة بنسخة رقمية مُرمَّمة وقابلة للعرض في دور السينما.

مخرج الفيلم يسري نصر الله، متفائل بترميم الفيلم وإعادة عرضه، في 7 آب/ أغسطس، ويرى أن أي فيلم يستحق الترميم، لأنه يقدّم لنا صورةً كاملةً عن العالم في وقته، وينير لنا فكرةً عن العالم اليوم.

"باب الشمس" مأخوذٌ عن رواية للكاتب الياس خوري تحمل الاسم نفسه، كتب السيناريو يسري نصر الله بمشاركة الياس خوري والناقد السينمائي محمد سويد. أبطال الفيلم ريم تركي، عروة نيربية، حلا عمران، باسل خياط، وغيرهم. أنتجه هامبرت بالزان، وهو فرنسيٌ أنتج أفلاماً أخرى ليسري نصر الله، وقبله ليوسف شاهين.

الترميم

ترميم الفيلم السينمائي هو عملية إعادة إحياء للفيلم عبر نقل طريقة عرضه من وسيط الـ35 ملم، إلى وسيط رقمي 4k، قابل للعرض في صالات السينما. "باب الشمس" موجود بهيئة نيغاتيف وطريقة العرض بالنيغاتيف انقرضت تقريباً في السينما، وأفلام النيغاتيف تتعرض للتجريح مع مرور الوقت وعند طباعة نسخ منها، كما تفقد بعض ألوانها، ليتم عبر عملية الترميم مسح الخدوش وتعزيز الألوان مجدداً، ونقل الفيلم إلى وسيط ديجيتال. وتتعقد عملية الترميم كلما قدم الفيلم واختفت بعض أجزائه.

بعد غفوة تجاوزت الـ15 عاماً في شريط النيغاتيف، يعود فيلم "باب الشمس" إلى شباك التذاكر لكن هذه المرة بنسخة رقمية مُرمَّمة وقابلة للعرض في دور السينما

هذه الآلية يحدثنا عنها المخرج يسري نصر الله، مؤكداً أن فيلم "باب الشمس" لا يزال يحافظ على ألوانه، لكن الاستهلاك أحدث فيه بعض التجريح الذي تم تصحيحه خلال عملية الترميم.

اللجنة المختصة بالترميم ضمن مهرجان لوكارنو، تختار كل عام عدداً من الأفلام الكلاسيكية التي سوف ترمَّم وتعرَض، ليكون النصيب هذا العام لـ"باب الشمس"، ويتم الأمر بالتعاون مع معمل cinigrell الخاص بالترميم.

يتابع نصر الله أن قناة ART العربية تُجري الآن ترميماً لفيلمه "جنينة الأسماك" ليُعرض في مهرجان القاهرة السينمائي. وثمة مباحثات بين المهرجان القومي للسينما في مصر ومهرجان لوكارنو والشركة المالكة لنيغاتيف "باب الشمس"، بهدف عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي تزامناً مع تكريم المخرج يسري نصر الله خلال المهرجان.

يسري نصر الله سعيدٌ بترميم الفيلمين وعرضهما في دور السينما مجدداً، ويعلل سعادته بأن جيلاً كاملاً لم يشاهدهما وسوف تتاح له الفرصة لرؤيتهما: "الأفلام أشياء حيّة، وأي شخص شغوف بالسينما سيرغب في رؤية هذه الأفلام القديمة، أنا مع ترميم أي فيلم، لأن كل فيلم، بغض النظر عن مستواه، يقدّم لنا صورةً عن العالم في ذلك الوقت ويضيء لنا شيئاً ما عن العالم اليوم".

يحدثنا عن ضرورة إنشاء "سينما تك"، أو أرشيف كامل للسينما المصرية، ليتمكن المتفرج من الاطّلاع عليها بشكل جيد.

بداية قصة إعداد الفيلم كانت نهاية تسعينيات القرن الماضي، عندما قرأ يسري نصر الله رواية "باب الشمس"، وودّ أن تتحول إلى فيلم سينمائي، مسحوراً بقصتَي الحب اللتين قامت عليهما الرواية، قصة عشق يونس ونهيلة، وقصة الدكتور خليل والفدائية شمس، والحكايتان بالنسبة له كانتا مدخلاً مناسباً يمكن من خلاله سرد حكاية شعب كامل.

وعندما أخبره هامبير بالزان، أن قناة "آر تي" الفرنسية، تودّ منه صناعة فيلم عن القضية الفلسطينية، كانت الرواية في انتظاره، وكانت قصتا الحب هما الخطان الرئيسيان لسيناريو الفيلم الذي كتبه يسري نصر الله بمشاركة كاتب الرواية الياس خوري، والناقد والسينمائي محمد سويد.

"أخذنا الخطوط الرئيسية وبنينا عليها سيناريو الفيلم المكون من جزأين؛ قصة حب يونس ونهيلة في الجزء الأول، وقصة حب خليل وشمس في الجزء الثاني، بينما كانت الخطوط الفرعية تصبّ داخل هذين الخطّين الرئيسيين، وهناك خطوط فرعية أخرى كان ضرورياً أن يتضمنها الفيلم حتى لو لم ترفد الحكاية الرئيسية"، يقول نصر الله.

عند قراءة الرواية يعمل الخيال من خلال الكلمات، لذا كان التحدي الكبير لصنّاع الفيلم: كيف يتم الاحتفاظ بهذا الخيال في السينما من خلال الصورة؟ أو "كيف أسمح للمتفرج أن يتخيل. الفيلم ليس مجرد تجميع لأحداث ومعلومات، الفيلم مكنة أحلام، وهنا مهمتي هي جعل المتفرج يحلم ويتخيل. كان تحدّياً كبيراً استطعنا مواجهته"، يضيف المخرج.

الحكاية

أُنجِزَ باب الشمس في جزأين، أولهما يحكي النكبة الفلسطينية، من خلال قصة الزوجين يونس ونهيلة، اللذين يتزوجان في سنّ صغيرة، وبعد مرور سنوات يتم تهجير أهل قريتهما عين الزيتون من قبل الاحتلال الإسرائيلي؛ يونس يرحل لاجئاً إلى لبنان وينتهي الحال بنهيلة في مخيمات الجليل بعد رفضها ترك فلسطين، ثم ينضم يونس إلى المقاومة الفلسطينية في لبنان، ويتسلل إليها كل حين، ويلتقيان في مغارة في دير الأسد في الجليل، تسمّيها نهيلة في ما بعد "باب الشمس".

في الجزء الثاني، ومع تتالي الأحداث ومرارتها، سوف تقوى نهيلة، وستربّي أولادها بمفردها وتعيل بيتها، بينما يغرق يونس في أحلام العروبة والأمل بعودة صلاح الدين وتحرير العرب لفلسطين، وسوف تتكشف مآلات الأمور وماذا حلّ بالقضية الفلسطينية وبالعرب من انكسارات وخيانات وخذلان.

تتابُع الأحداث ونهايات أفرادها وضياعهم مع نهاية الفيلم، تشي ببشاعة الحاضر وواقع القضية الفلسطينية المؤلم، الذي ربما تختصره عبارة على لسان أحد الأبطال في الجزء الثاني من الفيلم: "نحن العرب نموت في القضية الفلسطينية بس بنكره الفلسطينيين".

وعبر حكاية خليل وشمس، سيتبدى المزيد من القهر واليأس اللذين حلّا بالجميع؛ قصة حب كبيرة وعنيفة بين اثنين من أولاد المخيم، خليل طبيب فدائي وشمس مناضلة كانت تتعرض للتعنيف والاغتصاب من قبل زوجٍ يسلبها ابنتها ويسافر بها إلى الأردن.

كذلك تربط شمس علاقة مع سالم الذي وعدها بإعادة ابنتها ولم يفِ بوعده، فتقتله في مشهد يُستهل به الفيلم. سوف يُطارد خليل وبينما يرافق يونس المصاب بغيبوبة في المستشفى، يُعتقل خليل ويتعرض للتنكيل والتعذيب.

تتابُع الأحداث ونهايات أفرادها وضياعهم مع نهاية الفيلم، تشي ببشاعة الحاضر وواقع القضية الفلسطينية المؤلم، الذي ربما تختصره عبارة على لسان أحد الأبطال في الجزء الثاني من الفيلم: "نحن العرب نموت في القضية الفلسطينية بس بنكره الفلسطينيين".

العديد من شخوص الفيلم كانت حقيقيةً، منها "شمس" التي جسدتها الممثلة حلا عمران، وتتقاطع معها في كونها حرةً قويةً ومباشرةً. عن بناء تلك الشخصية المحورية تحكي لنا حلا عمران: "كان حضور شمس أقل امتداداً في السيناريو عما هو في الرواية، لكن مشاهدها كانت مكثفةً ضمن وحدات طويلة، وهذا الحضور المكثف حوّلها إلى شخصية صادمة. شمس الحقيقية عاشت فعلاً في مخيمات لبنان، وكانت قائدة كتيبة، وقُتلت في مخيم المية ومية بالقرب من صيدا بعد صدور قرارٍ بتصفيتها. لكن لا توجد أي صورة لشمس، وتالياً أنا شمس".

كان على الممثلة السورية أن تفهم هذه الشخصية ومحرّكها، فهي ليست متأملةً أو مفكرةً، إنما قيادية مندفعة "كان ينبغي أن أسيطر على وجهي شديد التعبير وفي هذا أدارني المخرج يسري نصر الله بشكل ساحر. شخصية شمس سمحت لي بأن أكتشف وأجرّب جوانب جديدةً في شخصيتي، وهو ما يحدث عموماً مع كل شخصية جديدة ألعبها. شمس كشفت جوانب من نفسي ومن الحياة لم تكن واضحةً لي قبل التصوير، فكنت أستمتع وأنا أرى نفسي قويةً، حازمةً، وباردة".

عن الكواليس

باب الشمس فرجة مشغولة بلغة سينمائية عالية، تكاملت فيها مفردات الصوت والصورة في نسيج يجذب المشاهد إلى تفاصيل الأحداث وواقعيتها، تعززها الكوادر المُشكّلة بدقة والجغرافيا المختلفة والمتنوعة التي تخللت الفيلم.

عن هندسة الزمان والمكان في الفيلم، يحدّثنا المخرج: "جغرافيا الفيلم تتباين بين جزأيه. كانت سوريا مُستقراً لتصوير مشاهد فلسطين وأحداث النكبة، وتنقّلنا كثيراً بين الجبل والسهل والغابات، وصوّرنا مشاهد في معلولا، وفي قلعة الحصن بنينا قريةً كاملةً كان فيها معظم تصوير الجزء الأول".

يعود "باب الشمس" ويقدَّم على الشاشة الكبيرة في صالات عربية وأوروبية أيضاً، ليثبت مقولة مخرجه بأن الأفلام السينمائية تبقى حيّةً لا تموت مهما تقادم بها الزمن

بينما تم تصوير الجزء الثاني في مخيمات عين الحلوة وصبرا وشاتيلا في لبنان. أمر آخر ميّز الفيلم، بحسب مخرجه، أن زمنه شمل الفصول الأربعة، لذلك تم التصوير مدة ستة أشهر على مدار سنة كاملة.

هذه الدقة في اختيار الأماكن والأزمنة كانت تحدياً بالنسبة للمخرج ولفريق العمل، تجاوزوه بروح العمل الواحدة التي تشكلت خلال التصوير كما يقول.

الممثلة حلا عمران تعزز كلامه بقولها إن الجو العام للتصوير كان مدهشاً وممتعاً: "أغلب مشاهدي كانت مع باسل خياط الذي كان صديقاً أصلاً هو وعروة نيربية (يونس)، لم أعرف فعلياً غيرهما من فريق التصوير، لكن يسري نصر الله باسترخائه وحرفيته استطاع خلق أسرة عمل واحدة وجوّ مسلٍّ وممتع".

تحدٍّ آخر واجه عرض الفيلم، تمثّل في المشكلات مع منظمات صهيونية في أوروبا: "حاولت تلك المنظمات إيقافه بحجة أنه يزوّر التاريخ، في حين وفي كل المؤتمرات التي عُقدت حول الفيلم في كان، أو باريس، تم تأكيد أن الفيلم دقيق وأحداثه موثقة وكانت معي الكتب والأبحاث العربية والإسرائيلية التي وثّقت ذلك"؛ يؤكد يسري نصر الله.

عند إطلاقه عام 2004، لاقى "باب الشمس" استحسان النقاد والجمهور، وعُرض في صالات عربية وأوروبية، ويعود اليوم ويقدَّم على الشاشة الكبيرة في صالات عربية وأوروبية أيضاً، ليثبت مقولة مخرجه بأن الأفلام السينمائية تبقى حيّةً لا تموت مهما تقادم بها الزمن.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image