بعد انتهاء عرض فيلمه الملحمي الأخاذ بصرياً "الأخيرة" في سينما "كولتور براوراي" في برلين، الذي أعاد عبره جزءاً من تاريخ بلده الجزائر إلى الشاشة الكبيرة، خرج المخرج داميان أونوري ليتحاور مع الجمهور ويشرح رحلة صناعة الفيلم التي دامت سبعة أعوام، وكم أمضى مع شريكته في العمل عديلة بنديمراد، وطاقمه، في الغوص في التاريخ ليكون أميناً مع تلك الحقبة سينمائياً، من ناحية الأزياء والأسلحة وسائر التفاصيل.
أتاح مهرجان الفيلم العربي في نسخته الرابعة عشرة للجمهور فرصة مشاهدة الفيلم بعد أسبوعين من طرحه في دور العرض الفرنسية وقبل أن يكون متاحاً في الجزائر نفسها.
يضم المهرجان إلى جانب الفيلم الجزائري عدداً من الأفلام العربية الحديثة المشاركة في النسخ الأخيرة من مهرجانات دولية معروفة مثل "تورنتو" و"كان" و"فينيسيا" ك"أزرق القفطان" لمريم توزاني، و"علم" لفراس خوري، و"جنائن معلقة" لأحمد الدراجي. كما حضرت السينما التونسية بأفلام مثل "حرقة" و"اشكال". وتشهد دورة هذا العام إقبالاً ملحوظاً مع امتلاء الصالات في العديد من العروض.
في ذكرى مرور 75 عاماً على النكبة، تحضر السينما الفلسطينية في "الفيلم" عبر أفلام وثائقية وروائية حديثة ك"اليد الخضراء" لجمانة مناع، وكوميديا المخرجة مها الحاج السوداء، "حمى البحر المتوسط"
وفي ذكرى مرور 75 عاماً على النكبة، تحضر السينما الفلسطينية في "الفيلم" عبر أفلام وثائقية وروائية حديثة ك"اليد الخضراء" لجمانة مناع، وكوميديا المخرجة مها الحاج السوداء، "حمى البحر المتوسط"، فيما يكرم المهرجان الممثل الفلسطيني صالح بكري عن مجمل أعماله، التي يعرض ثلاثة منها.
نقاش مفتوح حول السينما الفلسطينية في ذكرى مرور 75 عاماً على النكبة. تصوير سليمان عبدالله
مهرجان للجمهور
ويبدو أن مهرجان "الفيلم" العربي قد استقى من ثقافة العاصمة الألمانية السينمائية، التي يعتبر مهرجانها المعروف برليناله مهرجان جمهور يستقطب مئات الآلاف من المشاهدين/ات كل عام. إذ تستهدف إدارته مد الجمهور العربي بأفلام تمسه قلما تصل لدور السينما الألمانية، وتعريف الجمهور الألماني في الوقت نفسه بها.تقول باسكال فخري، مديرة المهرجان لرصيف22، إنهم يديرون مهرجان جمهور دون منافسات أو منح جوائز، يهدفون منه إلى تعريف الجمهور الألماني على السينما العربية، لأنه لا يشاهد أفلاماً عربية في السينما إلا في حالات نادرة عندما يشارك عدد قليل منها في مهرجان برليناله، موضحة أن هذا العام استثنائي لكونه شهد صدور فيلمين عربيين في ألمانيا قبل المهرجان، وهما "ولد من الجنة" لطارق صالح و"قفطان الأزرق" لمريم توزاني. فيما سيكون العرض الافتتاحي لـ"حمى البحر المتوسط" لمها الحاج في المهرجان، قبل أن ينتقل إلى دور العرض الألمانية.
تستهدف إدارة المهرجان مد الجمهور العربي بأفلام تمسه قلما تصل لدور السينما الألمانية، وتعريف الجمهور الألماني في الوقت نفسه بها.
ويستقطب المهرجان جمهوراً مقيماً في برلين، مواظباً على زيارة فعاليات وعروض المهرجان كل عام، إلى جانب جمهور زائر للعاصمة الألمانية شغوف بالسينما، لأجل هذه الفعالية فحسب، كحال الجزائرية نبيلة القادمة من فرايبورغ، أقصى جنوب غربي ألمانيا، لتشارك في الماستركلاس وتشاهد أفلاماً كـ“الأخيرة".
المهرجان يعد مهماً أيضاً بالنسبة للصحافية وصانعة الأفلام اللبنانية جيزيل، التي انتقلت للعيش في برلين قبل أقل من عام فحسب، لأسباب مختلفة، كما تقول لرصيف22، متحدثة عن جانب شخصي، كالاختلاط بمجموعة تحكي نفس اللغة والتواصل مع أناس يعرفون ما مرت به، وعن جانب مهني، لكون المواضيع التي تعمل عليها مماثلة، كالمهجر، لتلك التي يقدم المشاركون في المهرجان أعمالهم عنها.
إقبال الجمهور على عروض المهرجان. تصوير سليمان عبدالله
وتشير إلى أن المهرجان فرصة مهمة لها لمتابعة أفلام غير متوفرة، مستشهدة بفيلم "آخر أيام المدينة" لتامر السعيد، الذي بحثت عنه لسنوات، واكتشفت أنه سيعرض في النسخة الحالية، بحضور صانعه، وسيكون بوسعها متابعة نقاش مفتوح معه حول صناعته.
فيما ترى الناشطة السورية وفا مصطفى المواظبة على زيارة المهرجان منذ انتقالها للإقامة في برلين قبل عدة أعوام، لإعادة إحياء العلاقة مع الجغرافيا واللغة ومع الآخرين، الذين يعد وجودهم في برلين واحداً من أسباب النجاة بالنسبة لها.
وتجد وفا في المهرجان أمراً وجودياً بصرف النظر عن نيل الأفلام اعجابها أم لا، ومساحة تسمع وتُسمع فيها بلغتها، ومكاناً ليست من الغرباء فيه، مشيدة بجعل المهرجان المشاهد يخرج من "منطقة الراحة" ليتعرف على أفلام قادمة من مناطق ليس لديها اطلاع واسع عليه كالمغرب، وهذا ما تعتبره تجربة مثرية.
اهتمام من صناع الأفلام بالمشاركة رغم غياب المنافسة
وأشار مشاركون في المهرجان في أحاديث مع رصيف22 إلى علاقة قوية تربطهم بالمهرجان رغم أنه غير تنافسي. وتحدث المخرج الجزائري أونوري عن حضوره شخصياً للمرة الأولى ليتحدث عن فيلمه "الأخيرة"، فيما تعود علاقته مع المهرجان إلى افتتاح فيلمه الوثائقي الأول "الفدائي" قبل 11 عاماً.ورأى أن المهرجان مهم لأنه يبني جسراً بين العالم العربي وألمانيا، لذا يولي هو اهتماماً لعرض فيلمه للجمهور في ألمانيا، بداية في مهرجان هامبورغ السينمائي ثم "الفيلم" (بعد عرضه في فينيسيا)، رغم عدم وجود عدد كبير من الجزائريين فيها كما في فرنسا، مشيراً إلى وجود جمهور من ثقافات ذات صلة بالثقافة الجزائرية.
يصف المخرج الجزائري "أونوري" المنافسة على الصعيد الفني بأنها "غبية"، مجادلاً بأنه يمكنك التنافس على الجري مثلاً لكن ليس في مجال الفن. وأكد أن الجوائز تساعد صانع الفيلم في مشواره، لكنها تعتمد على آراء شخصين أو ثلاثة فحسب
ووصف أونوري المنافسة على الصعيد الفني بأنها "غبية"، مجادلاً بأنه يمكنك التنافس على الجري مثلاً لكن ليس في مجال الفن. وأكد أن الجوائز تساعد صانع الفيلم في مشواره الفني، لكنها تعتمد على آراء شخصين أو ثلاثة فحسب، لذا قد تفوز في عام ولا تفوز في العام التالي، على حد وصفه.
مديرة المهرجان باسكال فخري مع مدراء الحوارات في افتتاح المهرجان. تصوير سليمان عبدالله
المخرج المصري تامر السعيد المقيم في برلين يعتبر نفسه واحداً من أسرة المهرجان. وقال لرصيف22 إنه يرى أن المهرجان يفعل ما يحاول هو أن يقوم به مع ابنه المصري الألماني، أي الشعور بأن ثقافته المزدوجة هي هدية ينبغي أن يحتفي بها، لا خطيئة ينبغي أن يدفع ثمنها.
واعتبر أنه في لحظة تاريخية صعبة كهذه، تشهد صعود تيارات سياسية اقصائية للغاية، وفي عالم يجد الأشخاص المزدوجو الثقافة صعوبة في العيش فيه، يحاول المهرجان أن يحتفي بتعدد الهويات، وهو جزء من هوية برلين في مواجهة توتر شديد على مختلف الأصعدة داخل المدينة.
"العالم بحاجة إلى تنافس أقل على جميع الأصعدة ليس الأفلام فحسب". المخرج المصري تامر السعيد.
وعن غياب التنافسية، أوضح أن دور المهرجانات لا يكمن في توزيع الجوائز على الأفلام، بل المساعدة في جعل الناس تشاهدها وتخلق حواراً حولها، مشيراً إلى عرض فيلمه "آخر أيام المدينة"، الذي صدر قبل سبعة أعوام، وحديثه مع الجمهور حوله وإعادة اكتشاف علاقته به. ورأى أن "العالم بحاجة إلى تنافس أقل على جميع الأصعدة ليس الأفلام فحسب".
وقال إن مهرجاناً كبيراً كبرليناله لا يوفر، رغم كونه مهرجان جمهور، مساحة للتأمل مع عدد قليل من المشاهدين/ات كما يحصل في مهرجان الفيلم، مضيفاً أن المهرجانات الكبيرة تتمتع بأهمية، لكنها تعمل بطريقة مختلفة، إذ يكون الجزء المخصص للعاملين/ات في الصناعة مؤثراً، وهو ما يقود العملية إلى حد كبير.
فيما رأى اللبناني عمر جبريل، الذي يشارك في المهرجان، بفيلمه القصير "سهى" في قسم "مراجعات جندرية"، أن المهرجانات التنافسية مهمة من ناحية الصناعة، إلا أن المهرجانات التي لا تتضمن منافسات تجعل المشاركين يأتون بنفس الطاقة لعرض أفلامهم، دون تصنيف بين متنافس ومشارك في فئة على هامش المهرجان غير تنافسية.
تنظيم "سوق" طموح مستقبلي
وكان "الفيلم" قد بدأ قبل 14 عاماً على نطاق محدود، وعبر مجموعة من محبي السينما العربية في العاصمة الألمانية، ويبدو لمتتبع الدورات السابقة، في مكان آخر الآن من ناحية التنظيم والتسويق والتواصل.وتذكر مديرة المهرجان باسكال فخري بأنهم كانوا في البداية مجموعة من الشباب الراغبين بعرض الأفلام، ومع توافر الاهتمام والقبول لدى الجمهور، استمروا لسنوات دون تمويل، حتى بدأ مجلس مدينة برلين بتقديمه، ما ساعدهم على التحول ألى الاحتراف وتوسيع مجال عملهم، وعرض الأفلام في دور سينما معروفة في برلين.
ورغم تنظيم المهرجان ندوات نقاش مفتوح وحوارات مع ممثلين ومخرجين عرب، وتأسيس قسم "مشغل" في الدورة الماضية يوفر ورشة عمل للمخرجين الشباب في المهجر لتطوير مشاريعهم، إلا أن المهرجان لا يضم سوقاً سينمائية.
تذكر مديرة المهرجان "باسكال فخري" بأنهم كانوا في البداية مجموعة من الشباب الراغبين بعرض الأفلام، استمروا لسنوات دون تمويل، حتى بدأ مجلس مدينة برلين بتقديمه، ما ساعدهم على عرض الأفلام في دور سينما معروفة
وعن ذلك توضح فخري أن التمويل الذي يحصلون عليه ضئيل، وهو أمر معتاد في مدينة كبرلين، حيث لا تحظى المشاريع الثقافية بتمويل كبير، لذا ليس لديهم بعد تمويل لسوق، يوفر فرص التشبيك وتطوير المشاريع، بل يعد ذلك هدفاً مستقبلياً، قائلة إنهم يريدون أن يكونوا مرجعاً للمخرجين العرب في المهجر وخاصة ألمانيا ليستطيعوا أن يتواصلوا عبرهم مع السوق الألمانية.
وقالت إنهم يعرفون ميزانية المهرجان في نهاية ديسمبر/ كانون الثاني كل عام، ليتبقى لديهم أربعة أشهر فقط لتنظيم الدورة التالية، مضيفة أنهم يقومون سنوياً بتقديم طلب تمويل جديد، وقد حصلوا هذا العام بشكل استثنائي على تأكيد من مجلس مدينة برلين بأنهم سيتلقون تمويلاً للسنوات الأربع القادمة.
معايير الاختيار
وتؤكد مديرة المهرجان أنهم لا يبحثون عند برمجتهم للأفلام عن أفلام معروضة في مهرجانات معروفة، أو تلك التي تسببت بـ“ضجة"، بل يبحثون عن تلك التي لم تحصل على ظهور مهرجاني كبير مسبقاً، كفيلم "أحلام دمشق" لايميلي سيري، الذي تصفه بالجميل جداً.وعن معايير الاختيار، تبيّن أنهم يحاولون قدر الإمكان أن يكون هناك توازن جندري وتمثيل جغرافي متناسب، لكن المعيار الأساسي هو ما إذا كان الفيلم ذا سوية فنية جيدة ويطرح مواضيع سياسية واجتماعية واقعية، ويولون اهتماماً بالغاً لكيفية معالجتها، وفيما إذا كان الجمهور العربي سيشعر بأن ذلك يمثله، ويهمهم أن يتحدث صناع الأفلام العرب عن أنفسهم، لا أن يكون الفيلم مصنوعاً لجمهور أوروبي.
مديرة المهرجان باسكال فخري أثناء عرض الافتتاح. تصوير سليمان عبدالله
نقاشان عن تصوير المدينة من المهجر والسينما الفلسطينية
ووفر المهرجان منصة لصناع الأفلام الفلسطينيين (المخرجون جمانة مناع وبسمة الشريف وفراس خوري) للنقاش مع الجمهور حول الصعوبات التي ما زالت تواجههم لدى صناعة أفلام تمثل وجهات نظرهم، وتأثير الجانب السياسي على اختياراتهم الإبداعية.تحدث خوري مخرج فيلم "علم" عن عدم وجود اهتمام في الدول العربية بصناعة أفلام تعكس السردية الفلسطينية، بتنوعاتها، وفقاً للمكان الذي يعيش فيه صانع الفيلم الفلسطيني، مشيراً إلى أن صناعة فيلم "علم" استغرق 12 عاماً.
تؤكد "باسكال فخري" أنهم لا يبحثون عن أفلام معروضة في مهرجانات معروفة، أو تلك التي تسببت بـ“ضجة"، بل يبحثون عن تلك التي لم تحصل على ظهور كبير مسبقاً، كفيلم "أحلام دمشق" لإيميلي سيري
وأكد أنهم ما زالوا يواجهون عراقيل تمنعهم من صناعة أفلام تمثلهم، ومشكلة في قول ما يريدون في المهرجانات حتى، مع إمكانية تفسير كلامهم بأنه معاد للسامية.
فيما أشارت جمانة مناع إلى أنه رغم فظاعة الوضع، ورفض تمويل بعض المشاريع أو رفض بعض المؤسسات الألمانية التعاون معهم، هناك إمكانية "لعرض أعمالك"، فالتعامل الثقافي متباين عن سياسة الرقابة التي تنتهجها الدولة، على حد توصيفها، مستشهدة بعرض فيلمها "اليد الخضراء" على نحو مفاجئ في الكثير من الأماكن في ألمانيا وتلقيها دعوات لعرضه.
"لا ينبغي أن يكون هناك خوف من أن يتحدث المرء في أي موضوع، خاصة موضوع فلسطين، مع كل المآسي التي يعيشها الفلسطينيون". باسكال فخري
نقاش مفتوح عن رؤية صناع الأفلام لمدنهم من المهجر.
محمد الحديدي صانع أفلام مصري مقيم في برلين/ غيفارا نمر صانعة أفلام وثائقية وفنانة بصرية/ إيميلي سيري. مخرجة كندية من أصول سورية. تصوير سليمان عبدالله
وعن جعل النكبة موضوعاً رئيسياً لنسخة هذا العام، رغم أن التسمية بحد نفسها إشكالية في ألمانيا، قالت مديرة المهرجان إن الأمم المتحدة ثبتت التسمية بأنها نكبة هذا العام ولذا لم يكن هناك أي سبب لعدم استخدام هذا التعريف حتى في ألمانيا.
وبينت أنه كان لديهم الكثير من التساؤلات حول كيفية تعاملهم مع الموضوع في ألمانيا، وفي نفس الوقت لم يريدوا السكوت، فقط لأن هناك خوفاً في ألمانيا، معتبرة أنه لا ينبغي أن يكون هناك خوف من أن يتحدث المرء في أي موضوع، خاصة في موضوع فلسطين، مع كل المآسي التي يعيشها الفلسطينيون.
ورأت أنه من غير المعقول ألا يستطيع المرء حتى الحديث في الموضوع، وأن على من يقيم في ألمانيا سماع قصص الآخرين حتى يكوّن رأيه، لا سماع قصة جانب واحد فقط.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 23 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع