تحضر القضية الفلسطينية في السينما العربية لدى صناع سينما فلسطينيين أو عرب. ورغم اختلاف الحكايات كثيراً ما تصاحب تلك الأفلام موجات استقطابية ما بين مؤيد ومعارض، ما دفع بعض الصناع للتغير في الشريط السينمائي أو الاعتذار عن أي تأويل لم يكن مقصوداً في الفيلم، ولنا في “صالون هدى” للمخرج هاني أبو أسعد وفيلم “أميرة” للمخرج المصري محمد دياب خير دليل على ذلك
شهد مهرجان تورنتو السينمائي الدولي في دورته الـ 47 مشاركات عربية، من بينها فيلم “علم” للمخرج الفلسطيني فراس خوري، كما استقبل في دورته 46 فيلم “فرحة” للمخرجة دارين سلام، عُرض الفيلم مؤخرا على المنصات ما أثار ردود أفعال متباينة حوله لاسيما مع رصده حكاية النكبة بعيون شاهديها.
الفيلم الثاني، "فرحة" للمخرجة دارين سلام، شارك في دورة المهرجان الـ46، وعرض على منصات، ما أثار ردود أفعال متباينة حوله.
يشترك الفيلمان في سرد حكايات فلسطينية في الحاضر، كما هو الحال مع فيلم “علم”، والعودة إلى الماضي ورصد النكبة الفلسطينية كما في فيلم "فرحة"، يشترك الفيلمان أيضا في كونهما التجربة الروائية الطويلة الأولى لصناعه.
أستعرض في هذا المقال ما يمكن أن نتعلمه، ونعرفه عن الواقع الفلسطيني، الذي بدأ يبرز كحدث سينمائي في الآونة الأخيرة، كقصص مؤثرة، مكتوبة بلغة سينمائية جذابة.
1 - 1948 هو التاريخ
يرصد كل من الفيلمين حقباً زمنية مختلفة للحكايات الفلسطينية خلال النكبة الفلسطينية، وبناءً على أحداث واقعية. تقدم المخرجة دارين سلام حكاية فرحة\كرم طاهر، فتاة ذات 14 عاماً، تهوى التعليم، وتتمنى الذهاب إلى المدينة للالتحاق بالمدرسة، يعارض الوالد\أشرف برهوم، الذي يسعى لتزويج ابنته للاطمئنان عليها، وسرعان ما يقتنع بحديث صديقه أبو وليد\على سليمان، بتركها تتعلم في المدينة، ولكن تقع النكبة.
1948 هو التاريخ الذي غيّر الكثير من الحكايات والروايات داخل القطر الفلسطيني، تبدلت معه الأماني والحيوات، فات فرحة تحقيق حلم التعليم في المدينة، وظلت حبيسة قبو البيت، غرفة صغيرة مظلمة لا يدخلها الضوء إلا قليلاً عبر شقوق صغيرة بين الأخشاب والصخور.
أجلس الأب فرح لحمايتها حتى عودته، لتكون فرحة شاهدة على أبشع جرائم التطهير العرقي، التي أقدم عليها الجنود الإسرائيليون في حق الفلسطينيين أصحاب الأرض.
“فرحة" و"علم” يمثلان العمل الروائي الطويل الأول لصناعهما على صعيد الإخراج والكتابة، في دلالة لعدم ابتعاد صناع الأفلام الشباب عن القضية، التي يحملها الصناع الفلسطينيون خاصة والعرب عامة، هماً حاضراً رغم اختلاف الروايات وسبل الحكي والأبطال
حوالي 74 عاماً تفصل بين التاريخ الدرامي بين "فرحة" و"علم"، إذ يقف فيلم “علم” على مسافة بعيدة تاريخياً من نكبة فلسطين 48، لكنه يحاول تقديم مقاربة وقراءة لهذا التاريخ في ضوء تجربة وحياة شباب فلسطيني يحيى داخل وتحت سلطة الاحتلال.
تامر\محمود بكري وأصدقاؤه الأربعة، كل منهم في واد ويجمعهم هدف مشترك، وهو تنزيل علم إسرائيل المرفوع على المدرسة، ووضع العلم الفلسطيني، حتى يعلو سقف مدرسة تعتمد في تعليمها على سردية إسرائيلية تمحو معها كل انتماء، وبطولة للمقاومين الفلسطينيين.
2 - ما تبقى من إرث المقاومة والاحتلال
تتنوع نماذج الشباب داخل هذه المدرسة، منهم من يتمنى الانخراط في المقاومة وآخر غارق في المخدرات وفتاة تحلم بالتغيير وتامر الذي لا يعرف إلى أين يتجه وأي طريق يسلك.
حالة من التيه تسيطر على تامر، الذي يعد نموذجاً للكثير من الشباب الفلسطيني الذي لا يعرف ما تبقى من القضية وما يجب فعله، فلم يبق إلا الرموز والأعلام.
تلعب الفتيات\النساء في الفيلمين أدواراً محورية، لا تحمل فرحة البطولة فقط داخل دراما فيلم دارين سلام، لكنها أيضاً تمثل العين الوحيدة الشاهدة على فضائح وجرائم الإسرائيليين، في حين تمثل ميساء\سيرين نموذج الفتاة الفلسطينية الجديدة مقاومة بطريقتها، تحمل الأمل والرغبة في التغيير تعرف ماذا تريد على عكس تامر، تمثل ميساء الفتاة الجديدة القادمة إلى المدرسة دافعاً لتامر للمشاركة في عملية تنزيل العمل الإسرائيلي واستبداله بعلم فلسطيني، حتى يتقرب منها بصورة أكبر.
يتسلل سؤال لعقل المشاهد أثناء مشاهدة فيلم “علم”، ولا سيما نهايته، وهو: هل بات التعايش هو سبيل الفلسطينيين للنجاة والحياة؟ وما هي الحياة في نظر الجيل الجديد؟
يرصد الفيلمان فلسطين بعيون شبابها سواءً في الماضي\فرحة أو الحاضر\علم، فرحة الشاهدة على جرائم إسرائيل، وتامر ورفاقه المتعايشون مع الاحتلال، يشترك الفيلمان أيضاً في رصد حالة العجز، إذ تعجز فرحة في إنقاذ وليد صغير قتلت عائلته على يد جنود إسرائيليين نظراً لسجنها داخل القبو.
ويتبلور عجز الشباب في فيلم "علم" من خلال تقبل التعايش مع الوضع كما هو عليه، يصور فيلم “علم” أن المقاومة لم تعد مطروحة لدى العديد من الجيل الجديد في فلسطين، بل إنها لم تعد مطروحة أيضاً في عقول آبائهم كما هو حال والد تامر\عامر حليحل، الذي عانى وعائلته من انهيار أخيه العبقري ناجي\صالح بكري، الذي بات لا حول له ولا قوة بعد أن تم اعتقاله.
3 - التعايش الصعب
يسيطر التعايش بل الاستسلام على غالبية شخوص فيلم “علم”، الأب، المعلم، تامر نفسه، ويتسلل سؤال لعقل المشاهد أثناء مشاهدة فيلم “علم”، ولا سيما نهايته، وهو: هل بات التعايش هو سبيل الفلسطينيين للنجاة والحياة؟ وما هي الحياة في نظر الجيل الجديد؟ ربما لم تعد البطولة حاضرة بمفهومها الملحمي الدرامي في العقول الفلسطينية أو ربما تكون النجاة في ذاتها شكلاً من أشكال البطولة، ففي مقابل أبو فرحة الذي حمل سلاحه واتجه للمقاومة هناك أبو وليد الذي لم يسلم من الإسرائيليين رغم تعاونه معهم، وربما تتلخص المقاومة في رمزية رفع علم فلسطين على مدرسة داخل الأراضي الإسرائيلية.
كما يرصد فيلم "فرحة" عمليات التطهير العرقي والإبادة التي فعلها الإسرائيليون في حق الفلسطينيين، فإن فيلم “علم” يرصد ملامح التطهير الفكري والعقلي في كل ما يخص السردية الفلسطينية بداية من الكتب المدرسية، عبر ترديد رواية إسرائيلية عن انتصارات، وإن حدثت، تحمل في طياتها جرائم إنسانية ضد أناس أبرياء، أناس يشبهون رضية، الاسم الحقيقي لبطلة فيلم فرحة، التي بحسب رواية الفيلم استطاعت النجاة والهرب إلى سوريا حتى تروي حكايتها، ليصبح الحكي الشفهي هو السبيل الوحيد لاستمرار السردية الفلسطينية وسط محاولات طمسها في عقول الجيل الجديد كتامر وأصحابه.
يهيمن على الفيلمين حال من الترقب والتلصص أيضاً، إذ تنتظر فرحة والدها حتى يعود، ويخرجها من هذا القبو، وتراقب ما يحدث في صمت وصدمة، وهو ما عبرت عنه المخرجة دارين سلام بصرياً ومن خلال شريط الصوت، لا سيما في مقطع التطهير العرقي الذي امتد قرابة ربع الساعة، في حين ينتظر شباب “علم” اللحظة المناسبة لتنفيذ خطتهم وسط حالة من الترقب، لكنه ترقب من نوع آخر، ترقباً غير مبالٍ أحياناً، وربما يعود ذلك لطبيعة الشخوص التي يرصدها الفيلم، حيث الشباب المراهق لا يزالون يبحثون عن سبيل في الحياة.
ما بين فيلمي “فرحة” و“علم” يقف المشاهد على أعتاب القضية الفلسطينية، وسبل السرد التي اعتمدها كل من المخرجين، حيث رصدت دارين سلام معاناة الفلسطينيين ومأساة التشرد كمرثية تستمر معها الحياة رغم مرارتها، بينما رصد فراس خوري القضية في فيلم “علم” دون الاشتباك معها، راصداً واقع التعامل مع القضية وحضورها داخل عالم الشباب الفلسطيني، الذي يحيى تحت سلطة احتلال يسيطر على عالمه.
“فرحة" و"علم” يمثلان العمل الروائي الطويل الأول لصناعهما على صعيد الإخراج والكتابة، في دلالة لعدم ابتعاد صناع الأفلام الشباب عن القضية، التي يحملها الصناع الفلسطينيون خاصة والعرب عامة، هماً حاضراً رغم اختلاف الروايات وسبل الحكي والأبطال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.