أثار قرار مفاجئ اتخذته حكومة الوحدة الليبية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، يقضي بتسليم ميناء مدينة الخمس البحري إلى القوات التركية العاملة في غرب البلاد، غضب السكان المحليين هناك، وسط صمت من القائد العام للجيش الوطني، المشير خليفة حفتر، وترقّب من جانب السلطات المصرية.
رفض أهالي مدينة الخمس، قرار الدبيبة بتسليم ميناء المدينة، وضمّ حوضه إلى القاعدة البحرية التي تستخدمها القوات البحرية التركية، كقاعدة عسكرية لها على مياه البحر المتوسط، وطالبوا الدبيبة بالتراجع عما وصفوه بـ"القرار التعسفي"، كونه سيؤدي إلى قطع أرزاق خمسة آلاف عائلة، وجادل السكان في أن ميناء الخمس هو ميناء تجاري وليس عسكرياً.
احتجاجات محلية
رصدت وسائل إعلام محلية اندلاع مظاهرات في ميناء الخمس البحري، رفضاً لتسليمه للقاعدة التركية بأمر من الدبيبة، حيث اندلعت احتجاجات أغلق فيها المتظاهرون الطريق الساحلي المؤدي إلى العاصمة طرابلس، وأضرموا النار في إطارات السيارات احتجاجاً على قرار إخلاء الميناء، وضمه إلى القاعدة البحرية التي تتمركز فيها القوات التركية.
من جانبها، طلبت حكومة الدبيبة من الجهات المتواجدة في ميناء الخمس البحري، إخلاءه تمهيداً لضمه إلى القاعدة البحرية التي يُسيطر عليها الأتراك، بينما أصدر آمر حرس السواحل في المنطقة الغربية، تعميماً إلى مدير ميناء الخمس، يطلب فيه رسمياً، إخراج جميع السفن والجرافات والقطع البحرية من الميناء في أسرع وقت، بناءً على قرار الدبيبة.
تزامنت هذه الاحتجاجات مع تولّي محمد تكالة، خلفاً لخالد المشري، منصب رئيس مجلس الدولة الذي يتخذ من العاصمة طرابلس مقراً له، ويتحدر تكالة البالغ من العمر 57 عاماً من مدينة الخمس، الواقعة نحو 100 كيلومتر شرق العاصمة طرابلس.
لماذا وافق الدبيبة على ضم ميناء الخمس البحري إلى القاعدة البحرية التي تسيطر عليها تركيا؟
صمت قوات حفتر
ولم يصدر أي تعليق رسمي من الجيش الوطني المتمركز في شرق البلاد، بقيادة المشير خليفة حفتر، بينما قال مصدر عسكري طلب عدم تعريفه لرصيف22، إن الانفتاح غير المعلن بين حفتر وأنقرة، قيّد حريته في التنديد باستيلاء تركيا على ميناء الخمس وقاعدته البحرية.
وتجدر الإشارة إلى أن أنقرة استخدمت هذه القاعدة لضرب قوات حفتر، ومنعها من التقدم صوب العاصمة طرابلس، عام 2019، إبان الحرب الفاشلة، التي شنّها الأخير لتحرير المدينة من قبضة الميليشيات المسلحة المسيطرة عليها.
ترقّب مصري
هذه الخطوة التركية، بحسب مسؤول مصري في حديث خاص إلى رصيف22، لا تساعد على تسريع عملية تطبيع العلاقات التركية المصرية، لافتاً إلى أن الموقف المصري يشدد على ضرورة انسحاب تركيا عسكرياً من ليبيا.
وقال المسؤول الذي طلب حجب هويته: "مثل هذه التصرفات، تدفع إلى الشك في النوايا التركية وتعطيل القمة المرتقبة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي".
تحذيرات من كارثة
التزمت حكومة الدبيبة، الصمت حيال تحذيرات أطلقها آمر قوة الإسناد في عملية "بركان الغضب"، ناصر عمار، بشأن وجود 8 حاويات معبأة بغاز اللانثانيوم، منذ شهور في ميناء الخمس.
وحذّر عمار، مؤخراً، من وقوع كارثة على غرار انفجار ميناء بيروت البحري قبل ثلاث سنوات، إذا تسربت أو انفجرت هذه الشحنة، على مدينة الخمس والمدن المجاورة، قبل أن يطالب السلطات المختصة بالتوجه نحو الميناء ومعالجة الموضوع.
وتستغل القوات البحرية التركية، الميناء كقاعدة لها تحت ستار تدريب القوات الموالية لحكومة الدبيبة، علماً بأن الجيش التركي يقدّم التدريبات والاستشارات العسكرية لهذه القوات، في إطار مذكرة التعاون الأمني والعسكري التي وقعتها أنقرة عام 2019، مع حكومة الوفاق السابقة برئاسة فائز السراج.
اعتادت وزارة الدفاع التركية نشر صور تظهر قيام مركز التدريب البحري المشترك في مدينة "الخمس" الليبية، بتدريب العناصر الليبية للدفاع عن القواعد، والدفاع تحت الماء، وإزالة الألغام، وصيانة وتدريبات الضفادع البشرية، واستخدام السفن الحربية، في محاولة لتغطية احتلال قاعدة الخمس.
وسبق أن نقلت وكالة الأناضول التركية للأنباء عن العقيد تانر فورال، قائد مركز التدريب البحري المشترك في قاعدة الخمس، أن مهمتهم تقديم خدمات التدريب والاستشارات العسكرية لمساعدة ليبيا على تأسيس جيش محترف بالمعايير الدولية الحديثة، مشيراً إلى تلقّي نحو 900 فرد من البحرية الليبية تدريباً في المركز منذ تأسيسه، في 75 مجالاً.
هل تقود التحركات التركية الأخيرة في ليبيا إلى تعطيل القمة المرتقبة بين أردوغان والسيسي؟
موطئ قدم
حاولت تركيا في السابق استخدام ميناء الخمس البحري، الذي يقع على البحر المتوسط، ويُصنَّف على أنه واحد من أفضل الموانئ الليبية، لتعزيز حضورها في منطقة شرق المتوسط، والحصول على موطئ قدم فيها.
كما تسعى إلى توظيف سيطرتها على موانئ الغرب الليبي، سياسياً، بما يمكنها من امتلاك أوراق ضغط في الصراع الإقليمي والدولي في شرق المتوسط.
وكانت مدينة الخمس ساحةً لتحركات عسكرية تركية، لكن أهميتها الإستراتيجية للجانب التركي تزايدت في ضوء طموحه بتوسيع صادراته إلى ليبيا.
ويقع ميناء الخمس البحري شمال غرب ليبيا، على بعد 2.5 كيلومترات فقط غرباً من مدينة الخمس، كما يبعد عن شرق طرابلس العاصمة 120 كيلومتراً، ويُعدّ أحد المرافق والموانئ الكبيرة.
ويتميز الميناء، وفقاً لمصلحة الموانئ الليبية، بأعماق طبيعية مناسبة وسهولة الربط بالطريق الساحلي العام بين الخمس وطرابلس، بالإضافة إلى قربه من مجمع الحديد والصلب في مدينة مصراتة، ومصانع الأسمنت في مدينة الخمس؛ مما يوفر من تكلفة نقل البضائع، وقربه أيضاً من مدينة لبدة الأثرية وفيلا سلين، وهذا يدعم الميناء في الجانب السياحي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...