يوم عالمي للحب، يوم عالمي للصداقة، للأب، للأم... ويوم عالمي للصوص أيضاً. 13 شباط/فبراير هو اليوم العالمي لسرقة البنوك، وتم اختيار هذا اليوم بالتحديد نسبة إلى اللص الأمريكي الشهير جيسي جيمس، حيث نجح الأخير في سرقة أول بنك في تاريخ العالم، وذلك عام 1866.
تحوّل جيسي جيمس إلى بطل في نظر الكثيرين، ولُقّب بـ"اللص الأسطوري" و"اللص الشريف"، رغم أنه قتل ونهب وسطا وسرق، فهو وعصابته لا يسرقون صديقاً أو فقيراً أو أرملةً أو رجل دين، بل ويوزعون ما يسرقونه على الفقراء والمحتاجين. بتلك المبادئ قلب جيمس، وغيره الكثير من لصوص العالم، الموازيين، وجعلوا من أفعال المفترض أنها مرفوضة في كل زمان ومكان فكرةً والأفكار لا تموت.
إذن هم اللصوص الرافضون للظلم، الذين يحاولون موازنة كفتي الميزان، يسرقون بيد ويعطون بيد أخرى، لكن حربهم مع من؟ بالطبع، حربهم مع لصوص آخرين، يجلسون في الطرف الآخر من الحكاية، على الكرسي تحديداً، وكأن كل صراع باختصار هو صراع لصوص مع لصوص.
للحكاية بداية...
البداية، ربما، كانت مع قابيل الذي لم يقنع بنصيبه، ورأى أن من حقه أن يظفر بالأجمل، وأن هابيل يسرق حقّه فقتله، وتتمة الحكاية فيها الكثير من السرقة لكننا لسنا بصدد الحديث عنها هنا.
يقول خالد الحسيني في روايته عداء الطيارة الورقية: "هناك ذنب واحد، ذنب واحد في الوجود... إنه السرقة. كل الذنوب الأخرى هي مجرّد أشكال أخرى لهذا الذنب. حين تقتل شخصاً فأنت تسرق حياته، وحين تكذب تسرق الحق في معرفة الحقيقة، وحين تخدع تسرق الحق في العدالة".
كل شيء إذن يتعلّق بالسرقة، لكن من يستطيع تمييز السارق عن المسروق، الفعل عن رد الفعل، الخطيئة عن الفضيلة؟ ومن يستطيع أن ينظر دائماً باتجاه واحد؟
امتهان الغزو والسرقة والسلب والنهب مثلاً لم يُسقط صفات الشجاعة والنبل والشرف عن صخر، أخي الخنساء الذي مات متأثراً بجراحه بعد عودته من غزو لإحدى القبائل.
حاول قراءة العبارة التالية بصوت عال، ثم راقب ملامح وجهك في المرآة: "مع أن الفلافل منتشرة في كل مكان وفي معظم البلدان المجاورة، لكن تبقى الفلافل الإسرائيلية هي الأصل". هل توجد أفدح من سرقة كهذه؟! وهل لك أن تتخيل ما تحمله هذه السرقة من أبعاد؟
الخنساء التي رثت أخاها بقصيدة مازلنا حتى الآن نردّدها، لأننا لم نر صخراً كما هو، رأيناه كما رأته الخنساء:
ألا تبكيان الجريء الجميل
ألا تبكيان الفتى السيد؟
إذا القوم مدوا بأيديهم
إلى المجد مدّ إليه يدا
عند العرب ألف كلمة سارق ولا كلمة جبان واحدة، فكما سرقنا سنُسرق، وكما سلبنا سنُسلب، والبادئ أظلم.
متلازمة ستوكهولم
في أغسطس عام 1973، جرت محاولة سطو فاشلة على بنك في ستوكهولم في السويد، وتم أثناء العملية اختطاف 4 موظفين كرهائن. وفي مكالمة هاتفية أجرتها إحدى الرهائن مع رئيس الوزراء السويدي، عبّرت عن ثقتها التامة بالخاطفين في حين أنها تخشى من الشرطة.
هذه الحالة وغيرها تُظهر تعاطف الضحايا والرهائن مع الخاطفين والمجرمين واللصوص بسبب العلاقات الإيجابية التي تنشأ بين الطرفين، فغالباً ما يغيّر الدافع وراء السرقة والهدف منها نظرتنا للص، فالكثيرون منا يظهرون تعاطفاً مع اللصوص وقطاع الطرق عندما يظهرون هدفاً نبيلاً لأفعالهم أو حتى أسباباً منطقية. روبن هود، علي الزيبق وغيرهم، ممن يصحّ إطلاق لقب "الصعاليك" عليهم، هم الذين امتهنوا السرقة ورغم ذلك كانوا أبطالاً، لأن صعلكتهم لم تكن بطراً، كانت احتجاجاً على السرقة أساساً. السرقة التي يشرّعها أصحاب السلطة لأنفسهم، فيأخذون الحقوق ويسرقون علناً دون رادع، رفضاً لغياب العدالة وسيادة الظلم وسطوة الباطل، فأصبح هؤلاء اللصوص رموزاً للعدالة، واحتلوا مكانة كبيرة في قلوب الناس، فقد رأوا فيهم اليد التي تصفع السلطة وتحاسبها على طغيانها وجشعها.
ابحث عن اللص
عُرض عام 1991 فيلم "Point Break"، وهو فيلم أمريكي يحكي قصة مجموعة من اللصوص الذين قاموا بسرقة بنك، مرتدين أقنعة تمثل وجوه رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية. الحقيقة التي تبدو أمامنا واضحة جداً قد تكون مزوّرة وغير كاملة، فالجزء الأهم من الحكاية يبقى مفقوداً دائماً.
فمن منا يستطيع أن ينسى مشهد سرقة رغيف الخبز في فيلم "البؤساء"، ويبقى السؤال الأهم من كان اللص الحقيقي؟ هل هو جان فالجان؟
ففي وقت تعتبر السلطة ومن يمثلها من مسؤولين البشر عبيداً لهم، وعلى هؤلاء العبيد العمل سخرة ودون أجر، ستكون مشاهد السرقة اليومية مشاهد اعتيادية، وستصبح استباحة حبال الغسيل لسرقة حتى الجوارب والملابس الداخلية حدثاً روتينياً عادياً.
القضية بالطبع ستسجل ضد مجهول، فلا عاقل على وجه الأرض سيصدّق أن حاكماً سيمدّ يده ليسرق جوارب أو ملابس داخلية عن حبل الغسيل، لكن الواقع يقول إن مثل هذه الأمور تحدث، وأن الأمر لا يتطلّب منك، كقارئ، أكثر من ذهن صاف ونظرة ثاقبة، فالكثير من الأمور تحدث بحكم العادة.
إن لم تكن لصاً أكلك اللصوص
قد تعتقد أنه من الممكن ألّا تكون لصاً، فربما لم يسعفك الوقت لتطالع أدب اللصوص وتقرأ أشعارهم وتكتشف مدى ظرافتهم، وربما لا تستخدم الحيل النفسية الدفاعية لتثبت حقك في أن تكون لصاً، ولربما فعلت كل ذلك ولكن لا تريد أن تكون لصاً، فهل تستطيع؟
جميعنا في الحقيقة لصوص حتى تثبت براءتنا، وتعديل هذه العادة يتطلّب منا الكثير من التدريب والصبر والإرادة.
يذكر الدكتور علي القاسمي في مقاله "السرقة في العقل العربي" مفهوم اللاوعي الجمعي الذي تحدث عنه يونغ، وأيّدته العديد من الدراسات والبحوث العلمية خلال السنوات القليلة الماضية، فيقول: "جميعاً نمتلك خبرات جماعية لم يتم تطويرها بصورة فردية، بل موروثة جماعياً من أسلافنا. العقل اللاواعي يعمل وفقاً لنموذج مؤلف من مجموعة كبيرة من العادات والتقاليد والأفكار الموجودة خارج إدراكنا، ولكنها رغم ذلك موجودة وتظهر في سلوكياتنا". السرقة عادة من تلك العادات التي ورثناها عن أجدادنا، وربما، وبمجرّد أن تتوافر لشخص ما منا الظروف المشجعة والعوامل المساندة حتى يخرج السارق الصغير الذي يعيش داخله.
من يستطيع تمييز السارق عن المسروق، الفعل عن رد الفعل، الخطيئة عن الفضيلة؟ امتهان الغزو والسرقة والسلب والنهب مثلاً لم يُسقط صفات الشجاعة والنبل والشرف عن صخر، أخي الخنساء الذي مات متأثراً بجراحه بعد عودته من غزو لإحدى القبائل
في المسلسل السوري الشهير "قانون ولكن"، المدير العام ناظم لا يسرق ولا يريد أن يكون لصاً، فتبعاً للقيم والمبادئ والمثل والأخلاق، وما إلى ذلك من معايير وقيم اجتماعية، الناس لا تحترم السارق، ولكننا في المسلسل نجد العكس تماماً، المدير العام منبوذ، محتقر حتى من قبل زوجته والمحيطين به لأنه ليس لصاً. هو غشيم وبسيط بنظرهم. الأداة الأهم للسرقة لديه موجودة، ورغم ذلك لا يسرق.
"معك قرش بتسوى قرش"، والقرش لا يأتي هكذا، القرش يحتاج "هز كتاف". بالفعل تغلب ناظم أخيراً على خوفه، وأخرج اللص الصغير الذي يعيش داخله، وبدأ بالسرقة. ومن يبدأ ويتوقف؟
لا شك أن السرقة بمعنى استباحة أشياء الآخرين والرغبة في الاستيلاء عليها وأخذها عنوة، أمر مرفوض، وبالطبع لسنا هنا لإصدار الأحكام أو للتشجيع على ارتكاب فعل، أي فعل وتبريره، فالسرقة في نهاية المطاف لا تتوقف على الأمور المادية، فسرقة الأفكار وسرقة الإبداعات والإنجازات، وحتى التراث والوثائق التاريخية والآثار، باب آخر، باب أوسع من قدرتنا على فتحه أو التنظير بشأنه.
وحتى تكون على بيّنة، عزيزي القارئ، بما نقصده، حاول قراءة العبارة التالية بصوت عال، ثم راقب ملامح وجهك في المرآة: "مع أن الفلافل منتشرة في كل مكان وفي معظم البلدان المجاورة، لكن تبقى الفلافل الإسرائيلية هي الأصل". هل توجد أفدح من سرقة كهذه؟! وهل لك أن تتخيل ما تحمله هذه السرقة من أبعاد؟
الأمر لا يتعلق بسرقة الفلافل في الحقيقة أبداً، الأمر يتعلّق بهوية يحاولون سرقتها بشتى الطرق ليبنوا عليها هويتهم. ألم أقل لك إن اللصوص في كل مكان؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.