اصطفينا من الثقافات الأخرى بالأخص التي تصلنا برّاقة لمّاعة أوروبيةً كانت أم أميركية الكثير من العادات والتقاليد ومراسم احتفال لا تشبه ثقافتنا، على سبيل الذكر ولا الحصر طلبات الزواج المفاجئة في مكان مميز على قمة جبل مثلجة أو على شاطئ رومانسي تحيطنا الورود الحمراء، علامة للحب الذي نوّد لعمره أن يكون أطول من عمر الوردة، وعلى حفلات توديع عزوبية قويّة برمزيّتها وبالوناتها المتحايلة على الشهوة حتى لم يعد الجنس سرّاً مخفياً.
رسينا بالطبع أيضاً على شواطئ الوحدة لأننا لم نعد نأكل البذر ونوّطد علاقاتنا وننفّس عن كمدنا في الأمسيات الصيفية على سطوح الجيران، نراقب القمر وهو يراقب النجوم. صرنا نفرح بكسر العلاقات ولا نظفر بعلاقات أبديّة معظم الوقت فأصبحنا نحتفي بالطلاق الوصمة القديمة كمحطّة تغييرية ودلالة قوة في عالمنا الحالي وليس كل هذا بالسيء، ولكن كيف تبدّلت الأيام يا ترى ولماذا ننتقي كشعوب ما يلائم رجالنا لا نساءنا فنرى المرأة العصرية تقع تحت أعباء إضافية من هموم وواجبات فكأننا زدنا على لائحة مواصفاتها، مؤهلاتها الجديدة فيما سلم رجالنا من المعيار عينه من المسؤولية؟
لماذا ننتقي كشعوب ما يلائم رجالنا لا نساءنا فنرى المرأة العصرية تقع تحت أعباء إضافية من واجبات فكأننا زدنا على لائحة مواصفاتها مؤهلاتها الجديدة، فيما سَلِم رجالنا من المعيار عينه.
في أهميّة الاختيار
في أولى استراتيجيات جعل الطفل ينصاع تلقائياً ومن دون ضغط إلى فعل المطلوب منه هو إعطاءه خيارين كلاهما مناسب للأهل. هذه الاستراتيجية ناجحة لأن الطفل يشعر بأهميته واستقلاليته حين يتخذ قراراته بنفسه فما بال الراشد حين يختار مجال دراسته وأصدقاءه وشريكته. للأسف أخذ القرار اليوم أصبح متاحاً أكثر للشباب ولا ينطبق المعيار نفسه على الفتيات. فأخبارنا اليومية لا تزال مشتعلة بجرائم عنف من القريب والبعيد بسبب خيارات الضحيّة الرافضة لرجل ما ولا داعي لتذكيركم بما حصل في السنوات الأخيرة وما يزال يحصل في عالمنا العربي من جرائم ضد المرأة لأنها رفضت الزواج من هذا أو تجرأت على طلب الطلاق من ذاك أو لأنها حلمت بأنّ حياتها ليست بمقابل خيار واحد.
هذا في اتخاذ الخيارات أما في احتماليات الخيارات فهذا موضوع أصعب لأن المرأة العربيّة لا تزال محدودة الخيارات تعيش تحت نيّر العبودية من أغوال كثيرة تحيط بها وتنفث النار في وجهها فهناك الدين والتقاليد والمجتمع والأب والعم والأخ والابن وعليها استجلاب قبولهم جميعاً لا نفسها قبل اتخاذ القرار بانصياع لا حدّ له كي لا توصف بالفاجرة بسبب استقلاليتها.
لا تزال المرأة العربيّة محدودة الخيارات تعيش تحت نيّر العبودية من أغوال كثيرة تحيط بها، فهناك الدين والتقاليد والمجتمع والأب والعم والأخ والابن وعليها استجلاب قبولهم جميعاً
حين تصل المرأة إلى سن الرشد والذي يصادف تزامنه مع سن الزواج إذا لم يسبقه، يقول المجتمع للمرأة تزوجي ولا ضرورة للعمل والتعب فستنجبين قريباً وسيتسنّى لك العمل في البيت والنفخ والنحت والتنظيف والتربية.
بعد الحريّات الجديدة التي تغدّق المجتمع على المرأة بها والشكر والحمد هنا لفيسبوك وإنستغرام على تبيان الدلائل بأنّ المرأة ليست بنصف عقل وقادرة على العمل والأمومة وأيضاً لغلاء المعيشة، أصبحت المرأة مطالبة بالعمل أكثر من أيّ وقت فها قد قضت سنوات في الدراسة، وبما أن النساء يشكلن نصف المجتمع ينبغي علينا الاستفادة من قدراتهن وهذا أمر حسن. لكن حين تُنجب المرأة يجب عليها الإسراع في العودة إلى العمل حتى لا يتحوّل عقلها إلى رأس بطاطا غير صالح حتّى للشوي وحتى لا تذخر مفرداتها العلمية تحت أنقاض ال"إنغا" وال"أبا" والأهم أنّ عليها العودة إلى لياقتها السابقة واهتمامها النفيس بأظافرها عنوان نظافتها وببصلة شعرها عنوان صحتها وببياض أسنانها... ولا ينتهي الامتحان هنا فهي أيضاً يجب أن تكون طموحة وسبّاقة إلى الاستدلال الى أيّة مشاكل قد تعتري تقدّمها في العمل فالبيت الآن يعتمد على المرأة وعلى الرجل على حدّ سواء. دعونا نفنّد هذه النقطة بالذات.
ماما ثم ماما ثم ماما ثم بابا
حين يمرض الطفل فالاستجابة الأولى المتوقعة هي للأم وهي من يجب أن تضع عملها جانباً لتضع كل تركيزها وقوتها على الطفل ريثما يشفى.
حين يحتاج الطفل إلى من يقلّه من المدرسة لسبب طارئ، تتصلّ المدرسة أولاً بالأم عملياً لأن الكثير من الأمهات لا تعملن، ليس بالضرورة أن يكون هذا خيارهنّ، وفعلياً لأن الوالد لم يستطع الإجابة وهو في اجتماع عمل مهم. المتوقع هنا أن الأم ستترك ما بيدها لتقّل الطفل من المدرسة ببساطة لأن مسؤولية الرجل مهما كانت هي أهم من مسؤولياتها ووقته أثمن بغض النظر عن حقيقة هذا الاحتمال من عدمه.
وحين يحتاج الابن أو الابنة إلى مساعدة أو عاطفة أو تذكير أنّ العالم سيكون بخير يركض إلى أمه وأمه تركض إليه. قد يكون هذا من الطبيعة البشريّة إلاّ أن الوالد قادر على طمأنة الطفل ورعايته والاهتمام به بنفس الطريقة والعاطفة بعد مرور أشهر الرضاعة والطفولة. السبب في ركض الطفل إلى أمه دائماً قد يكون بسبب العادة فماما أولاً وثانياً وثالثاً وهذا أمر ممتاز، ولكن الأجدى أن يكون بمقدار الوالد أيضاً أن يؤمن كلّ ما تستطيع الأم من تأمينه ومثلها تماماً، 24 ساعة على 24، سبعة أيام في الأسبوع وللعمر كلّه من دون حجج. وفي هذا فوائد جمّة على الطفل والأم وبالأخص على الوالد.
في أعباء البيت الماديّة لا يزال الرجل يحظى بمسؤولية تأمين المصاريف. حتى حين تعمل شريكته وتكسب المال بعرق جبينها أو خفّة أصابعها لا فرق، الكثير من الرجال لا يرضون أو لا يحبذون أن يتم استخدام أموال الزوجة في البيت وحين "يرضى" الرجل بدفعها مستحقات ما فغالباً ما يتم التقليل من شأن تلك المدفوعات كالطلب من المرأة دفع فواتير غير أساسية كصفوف الباليه أو ثياب الأولاد أو وضع تلك المدفوعات في خانة مستلزمات خاصة بالمرأة وكأن تلك المدفوعات خارج مدفوعات البيت برمته فيصبح مالها ليس مالاً بكل معنى الكلمة.
في الحريّة الجنسيّة حيث هناك جنس بلا حريّة
يواجه الرجل والمرأة الكثير من الصور المغالطة عن الجنس والجنسانية والهوية الجنسية من خلال أفلام البورنو والدعايات وأفلام هوليوود، وتتشكّل قيمة الجنس وارتباطه بالمفاهيم الأخرى المهمة لديهم في عمر صغير والآن مع قنوات التواصل الاجتماعي التي لا تزال برمتها تقدّم صورة جنسيّة بحتة عن المرأة تظهر العقد الاجتماعية والمغالطات والأفكار المسبقة والسلبيّة التي تقع المرأة ضحيتها بالمجمل. في النظر ملياً الى هذه النقطة، نرى أنه ومع الانفتاح الجنسي الذي بدأنا نعيشه في مجتمعاتنا العربيّة لا تزال النظرة أحادية إلى موضوع الحريّة الجنسيّة. فالرجل حرّ إن كان يريد الجنس وأين يريده، والمرأة حتى في كنف الزواج عندما تطلب الجنس
مع الانفتاح الجنسي الذي بدأنا نعيشه في مجتمعاتنا العربيّة لا تزال النظرة أحادية إلى موضوع الحريّة الجنسيّة. فالرجل حرّ إن كان يريد الجنس وأين يريده والمرأة ليست كذلك.
فهناك نظرة معينة تجاهها. ومن المطلوب منها القبول في كل الأوقات والظروف بغض النظر وقول "لا" هو بمثابة كسر لاحترام الرجل وعدم امتثالها لواجباتها الدينية والمجتمعية كزوجة وعدم تكريس حياتها لعائلتها ولحبها. أما الرجل فلا يعاب عليه في أي حال وحين يبدأ في إيجاد حلول خارج الزواج لنواقصه لا يدينه المجتمع، بل يسطّر له ألف حجة وحجة تبدأ وتنتهي بلوم الزوجة. أما إذا قالت نعم فلَوْك الكلام لا ينتهي.
في معاني الأبوة المستحدثة والأمومة المتفاقمة
وأخيراً استفاق العالم العربيّ على أهمية الوالد في حياة الأولاد فهو كان لا يزال حبيس الفكرة التقليدية أن الوالد هو من يعمل ليلاً نهاراً ليؤمن لقمة العيش ويشارك في فرحة أولاده في الأعياد الدينية وأعياد ميلادهم وحفلات تخرّجهم، وهو من تطلبه في حالة مشكلة ما أكبر من خبرة الأم أو خارج نطاقها. والكثير من الصديقات يخبرنني كيف بقي آباؤهم خارج المحادثات عن حياتهّن العاطفيّة حتى تبلورت وأصبحت رسميّة أو زوجيّة وحتى حينها فهي مختزلة بالعموميات ومن النادر الدخول في تفاصيلها إلاّ في حالة الحاجة إلى حكمة الأب أو علاقاته أو ضرورة علمه لاتخاذ قرار ما. والأب أيضاً حتى اليوم ومع تطوّر دوره واتساع نطاق المحادثة والوصل مع بناته يبقى خارج نطاق الحديث عن الدورة الشهرية والحمل والإنجاب والرضاعة والأمراض المتعلقة بالأعضاء التناسلية للمرأة وأية مشاكل قد تعتريها وحتى عمليات التجميل والصبغة وقص الشعر إلاّ إذا كانت البنت مطالبة بأخذ موافقة والدها. فكأن الأب بالضرورة تنحّى عن معرفة كل هذه التفاصيل والتي أحياناً كثيرة قد تكون بالغة الأهمية للابنة لأنها تمس حياتها اليومية وتؤثر عليها نفسياً، فلماذا إبقاء الوالد خلف سياج هذا الجانب من حياة ابنته وإلقاء المسؤولية بأكملها على الوالدة في حين أنّ الأم هي من تدّرب طفلها الذكر على كيفية استخدام الحمام!
لا يزال الأب حتى اليوم، ومع تطوّر دوره واتساع نطاق المحادثة والوصل مع بناته، خارج نطاق الحديث عن الدورة الشهرية والحمل والإنجاب والرضاعة وأية مشاكل قد تعتريها وحتى عمليات التجميل والصبغة وقص الشعر
مع تغيّر دور الأب وتوسع نطاقه أصبحت علاقة الأولاد مع الأب فرديّة وشخصية ومهمّة ومنفصلة عن العلاقة مع الأم، وأصبح مطلوباً من الأب أن يجاهد في حبّ أولاده وأن يعتني بهم وبأخبارهم وقصصهم ومشاحناتهم، حتى لو بدت سخيفة وآنية. هذا الوعي الجديد لدور الأب منعش وايجاب للتوازن النفسي عند الأولاد ذكوراً وإناثاً. في نفس الوقت لم يُزل هذا الوعي لدور الأب أياً من الضغوطات والاستحقاقات المتوجبة على الأم أو يهونها، بل زادها. فترى الأم الآن في الكثير من الأحيان تلعب دور الأب والأم معاً حين يتقاعس الأب أو ينشغل أو يتعب أو يتكاسل أو يغفل وتصبح مسؤولية التوازن النفسي المذكور أعلاه مسؤوليتها هي واللوم عليها.
الحريّة بلا آلية ومحاسبة هي حريّة منقوصة
هناك الكثير من الحريات الجديدة التي لا تزال ناقصة بفعل الآليات التي تقع ضمنها وبفعل عدم وجود محاسبة، فالطلاق مثلاً وإن أصبح اليوم خياراً للمرأة كالرجل فهو ليس على قدر المساواة، لأنّ على المرأة أولاً اثبات أحقيتها في الطلاق وحتى لو فعلت فخياره مرّ على أكثر من صعيد بالأخص مع ندرة الزواج المدني الضامن لحقوق المرأة. وثانياً لأنها في حالات كثيرة غير مستقلّة مادياً فالطلاق يصبح عورة ومأزقاً مع أنه قد يكون الحل الوحيد.
لحل هذه المعضلة المتفاقمة في موضوع الحريات يجدر بنا كمجتمع أن ندرس ما هي الحريات المستوردة والتي نريد أن نتبنّى وكيف وماذا لو. فإن تبنيّنا الحريّة الجنسيّة فيجب أن نعمل على تثقيف مجتمعنا كلّه جنسياً بدءاً من المدرسة للذكور والإناث على حدّ سواء وأن نوّفر وسائل منع الحمل وتنظيم الأسرة بأقلّ الأسعار ومن دون وصمة وأن نتحدّث في مواضيع الاغتصاب والجنس العابر والبورنو والعذريّة والتحرّش والأمراض المتناقلة جنسياً والقبول والرفض واحترامهما بلا مساءلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين