أنا سعد الحزين، وحزين بالفعل، زوجتي طلقتني يوم الصباحية، بعد أن كسّرت عظامي وفكّكت أضلعي ضرباً، ثم جرّدتني من ملابسي وألقت بي في الشارع باللباس، بعد منتصف الليل، دون أن يكون في جيبي جنيه واحد لأعود إلى أهلي، والسبب أنني جلست أتناول معها الغداء.
صرخت في وجهي وقالت: "معندناش رجالة تقعد تاكل مع الحريم، أنت ناقص رباية ولا إيه؟". وجدت نفسي عارياً في قلب الرصيف، يتبادل الجيران نظرات الشفقة فيما بينهم، وانتهى الموقف بالطلاق، في زواج لم يستمر 48 ساعة. ليست هذه النهاية، بل بداية رحلة طويلة بالمعاناة لم تنته بعد، لكن ما يؤلمني حقاً أن يوصمني المجتمع بالعار لأنني رجل مطلق؟ ولا أدري لماذا تطمع النساء في جسدي؟
تزوجتني من أجل المتعة
القصّة بدأت قبل خمس سنوات، وتحديداً عام 2017، عادت شفيقة، ابنة الجيران، من الكويت، ومعها حقائب محمّلة بالدنانير، كانت تبحث عن شاب وسيم بجسد عريض، للزواج في أقصى سرعة قبل انقضاء مدة الإجازة. رشّحتني لها حارسة العقار. طلبت يدي على الفور من شقيقتي الكبرى، التي لم تدّخر جهداً لإجباري على الموافقة، سواء بالضرب أو التخويف أو التشريد، وأقنعت أمي، حيث لا مجال لإبداء الرأي، أو الاعتراض، بعد رأي أمي وأختي وخالتي وعمتي.
صرخت في وجهي وقالت: "معندناش رجالة تقعد تاكل مع الحريم، أنت ناقص رباية ولا إيه؟". وجدت نفسي عارياً في قلب الرصيف، يتبادل الجيران نظرات الشفقة فيما بينهم، وانتهى الموقف بالطلاق، في زواج لم يستمر 48 ساعة
قلت في نفسي: ربما شفيقة القبيحة، ذات العقلية المتحجّرة المتأخرة، والمتزوجة من ثلاثة رجال آخرين، تخلّصني من عنف شقيقتي التي لا تمل من إهانتي لأن كل شباب العائلة، ممن هم في نفس عمري، تزوجوا وأصبح لديهم أبناء، رغم أن عمري لم يتجاوز عشرين عاماً، بينما السائد في الأرياف أن الأولاد يتزوجون صغاراً، وربما أتخلّص من عبارات: "أنت هتقعدلنا زي البيت الواقف كدا، أنت اللي من سنّك معاهم عيال في مدارس".
شقيقتي باعتني وقبضت ثمني
حصلت شقيقتي من شفيقة، الثرية القادمة من الخليج، على مهري، واستحوذت عليه لتتزوج به ابن تاجر المخدرات.
تزوجت مضطراً ومنكسراً خوفاً من بطش نساء العائلة، ووجدت نفسي بين أربعة جدران، مع زوجة قاسية القلب، لكن لا أعرف من سوء حظي أو من محاسنه أنها طلقتني، وحينما عدت مطلقاً إلى بيت أبي، كانت دماء عذريتي لازالت عالقة بين فخذي، فوجئت شقيقتي بمجيئي. أغلقت الباب في وجهي وطردتني، لم تعطني حتى قماشة تنظيف المطبخ أخفي بها آثار الكدمات البنفسجية على أضلعي.
وقفت على ناصية الشارع تئنّ روحي بصمت، الآلام تعصرني عصراً، ولا أعرف إلى أين أذهب. نظرت لي من الأعلى امرأة عجوز، ظننت أنها ستمد لي يد العطف، لكنها رمتني بجمرات من السباب، وأخذت تصيح قائلة: "احتشم واستر نفسك، جاتكو داهية مليتو البلد".
رجل ضعيف مثلي، لا يملك من مصيره وحياته شيئاً، وجد نفسه يعيش في مجتمع تسيطر عليه النساء بلا رحمة ويأكلن حقوقه دون شفقة أو عدل.
رجل مطلّق موصوم بالعار
تذكرت وأنا خائف مذعور من النساء العابرات في الطريق حولي، والمتسكعات على النواصي، والجلسات على المقاهي، سيّد الطويل، صديق الطفولة، ذهبت إليه ووجدته لازال يتذكرني. دخلت منزله وأنا أرتعش رعباً، قدم لي الطعام والشراب، وأعطاني "جلباباً" لأستر عورتي. سمعتْ صوتنا أمه التي نصحتني بأن أغطي شعر ذقني، لأنني أصبحت رجلاً مطلّقاً، موصوماً بالعار، وهذا سوف يزيد مطامع النساء بي.
طلبت من سيد، أن يسمح لي بالبيات في منزله حتى الصباح فقط، فهو رجل مطلق أيضاً، وزوجته رمته بأربعة أبناء، وتركته يشحذ من أجل إطعامهم، رغم أنه كان يرغب في الزواج مرة أخرى، لكن شقيقته رفضت زواجه وقالت له: "طالما جرّبت حظك في الزواج وفشل لا تعيد التجربة".
تزوجت مضطراً ومنكسراً خوفاً من بطش نساء العائلة، ووجدت نفسي بين أربعة جدران، مع زوجة قاسية القلب، لكن لا أعرف من سوء حظي أو من محاسنه أنها طلقتني، وحينما عدت مطلقاً إلى بيت أبي، كانت دماء عذريتي لازالت عالقة بين فخذي
خرجت إلى الشارع وخلف ظهري لافتة بواجهة فندق، تطلب شباباً للعمل، تقدمت نحو البوابة، أخذتني إحدى نساء الأمن اللاتي كدن أن يبتلعنني بنظراتهن، لكنني قررت أن أجازف وأجري المقابلة الشخصية. أوصلتني بالمسؤولة، لا يوجد معي أي مؤهلات دراسية. قالت لي المديرة: "ليست مشكلة، سوف نعطيك فرصة للعمل، بعد أن تتحرّر من ملابسك هذه"، وأشارت إلى جلبابي، ثم جلبت لي ملابس العمل وهي عبارة عن "قميص مفتوح حتى منطقة السرّة، وشورت". رفضت بشدة. قالت بكل بساطة: "هذه ملابس العمل، وعندما تنهي عملك ارتد ما شئت، أنت لا تملك أي مؤهلات أخرى غير جسدك". خرجت وأنا مكسور الخاطر.
جمالات لم ترحمني
عدت إلى عملي القديم في مصنع الملابس، وأنا مطلق بائس. ظروفي الاجتماعية الجديدة فرضت وضعاً أصعب مما كنت عليه من قبل، بداية من جمالات، المشرفة التي لا تمل من محاولات التحرّش بي. لم ترحمني، أمسكت بقضيبي فجأة، وهي تقول: "ما تيجي ونجيب مليجي"، ما دعاني للهرب. توسّلت إلى الشيخة حسنية، صاحبة محل عطارة الاحترام، وهي امرأة معروفة بالورع والتقوى زارت الكعبة 9 مرات، وبيدها مسبحة 500 حباية، أن تحميني، وتساعدني في الحصول على أي عمل. سمحت لي أن أبيت في مخزن العطارة، شعرت بتيار من الطمأنينة يتخلل كل هذا الدمار الذي حل على روحي فجأة.
نعمات اغتصبتني 3 ساعات
بعد مرور 3 أشهر من العمل، دعتني الحاجة حسنية إلى حفل عيد ميلاد ابن صديقتها، الحاجة نعمات، وأنها فرصة للترفيه رغم أنها لم تدعُ أحداً غيري. لم أعترض. ليس هناك مجال للاعتراض، فهي صاحبة العمل ولابد أن أنفّذ كل طلباتها، ووجدتها جلبت لي ملابس جديدة، وطلبت مني أن أقصّ شاربي وأحلق ذقني، وأحسّن من نفسي ومظهري.
وصلنا منزل صديقتها شديد الفخامة، استقبلتنا الصديقة المهيبة، قدّمنا التحية ودخلنا، وجلسنا نتناول الغداء، طلبت مني الجلوس على الطاولة معهما، وبدأت ألاحظ الحاجة نعمات تتطلع إلى جسدي وتلقي لي ابتسامات وغمزات بالشفاه. شعرت بعدم الارتياح. وفجأة، استأذنت الحاجة حسنية لدخول دورة المياه، وبقينا وحدنا، فبدأت تقترب مني، وتمسك شعر صدري، ثم مزقت قميصي كأنها تريد اغتصابي، ثم أسرعت بغلق الباب.
أيها الرجل، هل يمكن أن تصدق معاناة النساء؟ حينما تضع نفسك موضع امرأة تعاني الأمرّين كي تعيش كامرأة فقط، تحاول أن تجد عملاً، وهي مطلّقة وُصمت بالعار بسبب طلاقها، دون أن يعرف المجتمع الأسباب التي أدّت إلى ذلك
في هذه اللحظة تملكني الرعب، فقالت لي: "مش هتخرج من هنا غير لما آخد منك اللي أنا عيزاه". اغتصبتني ولم تسمح لي بالخروج إلا بعد مرور 3 ساعات، بعد أن هتكت عرضي وكسرت نفسي، ولم أعد أعرف ماذا يمكن أن أفعل لاستردّ حقي من صاحبة العمل وصديقتها؟
لم أدر أين أذهب حقيقة. كل الأبواب أغلقت في وجهي، ولا أعرف كيف أحمي جسدي في مثل هذا المجتمع الأنثوي الذي ينهش جسد الرجال، ويتركهم عرايا مظلومين. يأكلن حقوق الرجال المطلقين والرجال الأرامل ويصفن الرجال الذين فاتهم قطار الزواج بالأوصاف الباطلة، كأن يُقال على الرجل المطلّق: "دا شهواني وهيموت على الستات"، وأن الرجل الأرمل المحروم من الجنس، عندما تكلّمه امرأة سوف يسلم لها نفسه. ما ذنب رجل رفض الاستمرار في حياة هزلية لم تعجبه أن يوصم بالعار من المجتمع، وما ذنبي أنا، أنا الذي تمّ بيعي مرتين، الأولى من شقيقتي التي أجبرتني على الزواج وقبضت ثمن جسدي، والمرة الثانية، عندما باعتني صاحبة العمل لصديقتها.
*****
هذه المقالة القصصية، ساخرة لكنها موجعة وصارخة وحزينة في حقيقة الأمر، ليس قصدنا السخرية في حد ذاتها بقصد ما نحاول أن نضع الضحية موضع الجلاد، حتى نتلمّس أوجاع النساء داخل مجتمعاتنا والظلم الواقع عليهن. سئمنا من الحديث المباشر في عرض قصص وإحصائيات وتقارير كلها ترصد المعاناة التي تعيشها المرأة داخل كل بلد عربي.
أيها الرجل، هل يمكن أن تصدّق معاناة النساء؟ حينما تضع نفسك موضع امرأة تعاني الأمرّين كي تعيش كامرأة فقط، تحاول أن تجد عملاً، وهي مطلقة وصمت بالعار بسبب طلاقها، دون أن يعرف المجتمع الأسباب التي أدّت إلى ذلك.
العار حكم مطلق، وصمة لكل مطلقة تعترض أو تتمرّد، أو حتى طلقها زوجها دون رغبة منها في الطلاق، وفي نفس الوقت، الرجل لا تشوبه شائبة ولا يمسه العار حتى لو كان ذلك الرجل هو العار نفسه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com