تجربة الجنس لم تمر مرور العابرين في رأسي طوال فترة المراهقة، كنت بحاجة ملحّة لحضن صغير، لذراعين أختبئ فيهما من برد الشتاء، لأحضان دافئة بالحب وبريئة تشبه روح الطفولة التي تسكن نفسي. بالفعل كنت أحتاج لابتسامة حب صادقة، وخطاب يضع فيه المحبّ صورته ويكتب لي أشعاره، لكن عالم الجنس لم يكن في مخيلتي أبداً. لم يخطر ببالي بالأساس يوماً، لا أعرف لماذا؟ هل لأن الحديث في البيوت المحافظة محظور فيه الحديث عن الجنس، وتحظر فيه لقطات القبلات في أفلام سعاد حسني ورشدي أباظة، ويحظر نهائياً استخدام الجمل الجنسية؟
الرغبة الأولية
خلال السنوات الأخيرة من الجامعة، بدأت أشعر برغبتي في تجربة الجنس، لا أعرف ما الذي دفعني بالتحديد إلى هذا الشعور؟ هل بسبب ذلك الرأي الذي كتبه أحدهم، أن الجنة لا يوجد بها جنس، وأن فكرة الحور العين فكرة زائفة ولا صحّة لها من الأساس، فخفت وقلت سرّاً: "عاوزين نجرب. يعني هيبقى لا دنيا ولا آخرة"؟.
لم أبحث عن شخص مناسب لممارسة الجنس معه، حيث لا أمان للرجال في بلادنا العربية، إذا سلمت المرأة جسدها للرجل شبع منها ورمى بها في أقرب صندوق قمامة، ولو أتيحت له الفرصة، لوضع يديه بين فخذي كل نساء الأرض، وعندما يقرّر الزواج يبحث عن امرأة لم يمسسها أحد قبله.
كان عليّ أن أضع حداً للخيالات التي تدور في عقلي، وأنا أشاهد نفسي أُقبّل رجلاً من شفتيه كما أشاهد في أفلام هند رستم. أسأل نفسي كل يوم: متى تسمح لي الفرصة وأمارس الجنس الحقيقي وليس في الأحلام الكاذبة الخادعة التي لا يوجد فيها رجال؟
كلّما دعاني زوجي لممارسة الجنس أتحسّس مسدسي. كرهت الأحضان والقبلات والنوم جواره عارية، كل هذا الذي أفسد جسدي وجعل مني امرأة قبيحة، مقيّدة جوار طفلين لا ذنب لهما إلا أنهما جاءا إلى الدنيا بدون ترتيب من أبويهما
سمعت عن الأفلام الإباحية من زميلتين بالجامعة، إحداهما وصل إليها مقطع فيديو من شخص يدعوها للقاء جنسي. تشجّعتُ وبحثتُ وزادت رغبتي واندفاعي لخوض التجربة، ولأننا نعيش في مجتمعات لا ترحم النساء، لا يمكن لي أن أمارس الجنس خارج إطار الزواج، وتزوّجت مثل كل بنات العائلة وبنات الجيران والزميلات في الجامعة والعاملات في مجمع المصالح الحكومية، رغم أن الرجال يمكن أن يمارسون الجنس تحت شرفات المنازل وخلف أسوار المدارس دونما خوف، إذا أمسك به حراس الفضيلة نصحوه بالتوبة وقتلوا الأنثى التي عاشرها لأنها "عاهرة".
ها قد جاءت الفرصة لممارسة الجنس. حقاً إنها فرصة عظيمة، أجرّب أشياء لطالما تمنيت طوال السنوات الفائتة أن أجرّبها، شعرت أنني بطلة مثل بطلة تلك الفيلم الجنسي الذي شاهدته عندما سمعت حديث الفتيات، وقصص ليلة الدخلة من المتزوجات حديثاً، وشهر الجنس المسمى اجتماعياً "شهر العسل".
الحل الوحيد
كان الزواج وسيلة أمان لي لممارسة الجنس بحرية، الحرية الجنسية الوحيدة المتاحة لكل الشابات والشبان في بلادنا العربية، والتي لا تسمح للنساء بتعليق قمصان النوم والملابس الداخلية في الصفوف الأولى من حبال الغسيل، فصنعوا لها خصيصاً مناشر بلاستيك تعلّق في المراحيض.
سريعاً جاء الأطفال بعد ثلاث سنوات فقط من الزواج. أصبح لديّ طفلان، بينهما فارق عام واحد، مع إنجاب أول طفل أخذت رغبتي في ممارسة الجنس تتراجع، خاصة عندما أسمع طفلي يصرخ، وزوجي يريدني في السرير، أتركه في الحال وأذهب لصغيري، كيف نمارس الجنس وهناك قطعة من لحمي تبكي؟
تأثرت الرغبة مع الطفل الأول؟! نعم تأثرت، لكنها مع الطفل الثاني تبخّرت تماماً، لدي طفلان يحتاجان المتابعة طوال اليوم، يأكلان، يشربان، يريدان الاهتمام، العناية الشديدة. سحب الطفلان بساط كل شيء من زوجي، كل شيء، حتى أخذاني منه إلى غرفتهما وزوجي في سريرنا وحده بدوني، وكأنني كتبت على نفسي، بإنجاب الأطفال، الموت البطيء.
كان الزواج وسيلة أمان لي لممارسة الجنس بحرية، الحرية الجنسية الوحيدة المتاحة لكل الشابات والشبان في بلادنا العربية، والتي لا تسمح للنساء بتعليق قمصان النوم والملابس الداخلية في الصفوف الأولى من حبال الغسيل، فصنعوا لها مناشر بلاستيك تعلّق في المراحيض
حينما رفضت الطفل الثاني بعد اكتشاف الحمل، رفض إجهاض الطفل، وقال لي: "أنا مطلبتش منك تأكليهم ولا تشربيهم. أنا هاصرف عليهم". أشفقت على فرحته بانتظار مولود جديد، وحاولت إفهامه مرّات عدّة أنني لست جديرة بتحمّل مسؤولية زوج وطفلين في عمر متقارب، أريد أن أرعى طفلاً واحداً فقط، هذه قدراتي التي أعرفها ومحدودية جسدي الذي لن يتحمّل. أريد فقط أن أتنفّس قليلاً، لكن غير مسموح بالتعبير عن رغبات لا يقبلها الرجال في بيتنا.
إنجاب الأطفال في وقت متقارب تسبّب في تساقط شعر رأسي، في شعوري الزائد بالإرهاق بعد يوم محشوّ بالعناء من مسؤوليات المنزل والأبناء. الرضاعة الطبيعية جعلت ثديي مثل قربة المياه التي يدور بها الساقي في الشوارع والأسواق. زادت الترهلات على جسدي، اختفت رشاقتي بعد أن زادت الدهون على بطني بسبب وسائل منع الحمل. أصبحت امرأة شديدة الغضب، وصوتي يصدح من صياح الطفلين، يسمعه العابرون في المجرّات البعيدة عن درب التبانة، حينما أنظر إلى صوري القديمة بفارق خمس سنوات فقط، أبكي بحرقة شديدة، وأقول: ماذا حدث لي؟ أين أنا الحقيقية التي أهلكها الزواج والأطفال؟
كرهت الجنس، نعم كرهته ولو كان رجلاً لقتلته، هذا الجنس الذي أجبرت نفسي من أجله على الزواج، ولو أن الزمان يعود بي للوراء لأغلقت رحمي بتعويذة شيطان كتب له أن يعيش في الحياة يوم واحد فقط.
عقوبة متكرّرة
كلّما دعاني زوجي لممارسة الجنس أتحسّس مسدسي. لا أريد. كرهت الأحضان والقبلات والنوم جواره عارية، كل هذا الذي أفسد جسدي وجعل مني امرأة قبيحة، مقيّدة جوار طفلين لا ذنب لهما إلا أنهما جاءا إلى الدنيا بدون ترتيب من أبويهما، أكره الوسائل المانعة للحمل التي أوقفت دورتي الشهيرة ودمّرت نضارة بشرتي، وتسبّبت في تفاقم حجم مناطق أنوثتي، فأصبحت أنثى بلا أنثى، والرجل لا يرغب في استعمال أي وسيلة مانعة للحمل، لأنه رجل والكوندوم يضايقه ويمنع عنه الشعور بالمتعة، ثم أن الرجولة تجعله يرفض القيام بأفعال تشبه أفعال النساء.
كرهت الجنس، نعم كرهته ولو كان رجلاً لقتلته، هذا الجنس الذي أجبرت نفسي من أجله على الزواج، ولو أن الزمان يعود بي للوراء لأغلقت رحمي بتعويذة شيطان كتب له أن يعيش في الحياة يوم واحد فقط
لم يكن بوسعي إلا أن أتهرّب دائماً من ممارسة الجنس، وأفرح بشدة في الأيام التي لا يطلب فيها ليلة حمراء أو أي لون. الصغار أتعبوني، وغسيل الأطباق والسجاد والملابس، وتجهيز الطعام، والتسوق، الخادمة نفسها لا تفعل كل هذا، لا تقوم بواجبات البيت والأبناء وإرضاء رجل البيت أيضاً.
أسبّ نفسي يومياً، وأسبّ اليوم الذي وافقت فيه على الزواج، أرى شبابي وزهرته ملقيين على الأرض، يدوس عليهما العمر والزوج والأبناء والجيران والأقارب والأصدقاء، وحتى بائعو الخضار وعمال النظافة، أنظر لنفسي في المرآة وأشعر بالعجز. أراجع بطاقة هويتي وأجد نفسي أتقدّم في العمر وأنا داخل المنزل، حيث لا جديد في حياتي غير انتهاء الأيام وولادة أيام جديدة كلها بلا معنى، أين أنا؟ إما مع الصغار في دورة المياه، وإما في المطبخ أطهو الطعام، وإما في الشرفة أجمع الملابس في صندوقها قبل الكيّ والترتيب في الدولاب، وإما أتسوّق داخل المتاجر، أين أنا؟ أنا في متاهة كبيرة ضاعت فيها نفسي قبل أن أصل إلى مرادي، إلى ذاتي الحقيقية وليس ذاتي القابعة في المطبخ.
في أحد المرّات اتهمني زوجي بالتقصير في حقوقه الشرعية، وأنني أصبحت لا أطلب منه ممارسة الجنس كما كان يعتاد على ذلك. تكلم بنبرة صوت جافة، قال إنه يطحن نفسه في العمل من أجل الأسرة والصغار ولا يطلب سوى ليلة جنسية ولقمة هنية، لكنه لا يكلّف نفسه أي مجهود في متابعة الأطفال أو المشاركة في الأعباء المنزلية، أو حتى في التخفيف عني أو تقديم كلمة شكر لي تطيّب قلبي، بل كل ما يهمّه أنني أبعدت نفسي عنه بحجّة الأطفال. ماذا لو يجرب أن أترك له المنزل والأطفال وكل ما أقوم به وأنزل للعمل بدلاً منه على أن ينتظرني كل مساء جاهزاً لممارسة الجنس، ولو رفض أشكوه إلى الله وأطلب من الملائكة أن تلعنه ليلاً ونهاراً حتى أرضى عنه، ولن أرضى بالأساس.
أين يمكن أن نمارس الجنس من دون زواج ومن دون كشوف عذرية، ومن دون وصمة عار مجتمعية، ومن دون قتل بحجّة الشرف، أن نمارس الجنس كما نمارس شرب المياه ونمارس الرياضة ونتنفّس الهواء! هل نحتاج أن نسافر إلى بلاد أخرى بعيدة لا نعرف عن قوانينها شيئاً غير أنها تعطينا شارة موافقة بممارسة الجنس دونما شروط؟ هل تقتلوني إذا قرأتم مقالتي وعرفتم اسمي واكتشفتم من أكون؟ لا أعرف لكنني أعرف أنني ظلمت نفسي بالزواج وأصبحت أمّاً قبل أن أصبح نفسي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...