شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
بطل من ذهب هزم الإعاقة.. وليد كتيلة رياضيٌّ يرفع العلم التونسي عالياً

بطل من ذهب هزم الإعاقة.. وليد كتيلة رياضيٌّ يرفع العلم التونسي عالياً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الخميس 3 أغسطس 202303:11 م

محمّلاً بالذهب، عاد وفد المنتخب التونسي لألعاب القوى لرياضة المعوقين يوم الثلاثاء 18 تموز/ يوليو الماضي من العاصمة الفرنسية باريس، عقب مشاركته المشرفة في بطولة العالم باريس 2023، والتي أقيمت من 8 إلى 17 تموز/ يوليو 2023، بمشاركة 1،237 رياضياً ورياضيةً يمثلون 107 دول.

من بين هؤلاء الأبطال "الأسطورة" كما يُلقّب في تونس، وليد كتيلة، الذي تُوّج في البطولة بذهبية سباق 400 متر في رياضة العدو على الكراسي فئة T34 ليعزز بذلك رصيده الرياضي من الألقاب إلى 15 ميداليةً ذهبيةً.

وليد كتيلة: "صبرت وانتظرت طويلاً حتى صعدت إلى القمة التي أنا عليها اليوم"

جماعياً حقق المنتخب التونسي لرياضة المعوقين نتائج متميزةً حيث احتل المرتبة السابعة بمجموع 12 ميداليةً، سبع ميداليات ذهبية وفضية واحدة وأربع برونزيات.

ومن بين الأبطال الذين رفعوا راية تونس عالياً في رياضة المعوقين، وطنياً ودولياً، روعة التليلي ورؤى الجبابلي وياسين القنيشي وأحمد بن مصلح ومروى البراهمي.

تحدث رصيف22، إلى البطل وليد كتيلة، الذي حكى لنا عن مسيرته والصعاب التي تواجه الأشخاص المصابين بإعاقة، خلال مسيرتهم الرياضية الاحترافية.

وليد "الأسطورة"

انطلقت رحلة وليد مع الذهب من بطولة ليون الفرنسية 2013، مروراً بالدوحة 2015، ولندن 2017، ودبي 2019، وصولاً إلى باريس 2023، فارضاً سيطرته المطلقة على نتائج كل هذه المسابقات العالمية في انتظار بارالمبياد باريس 2024، وبطولة العالم في اليابان في أيار/ مايو 2024.

لم يكن الوصول إلى القمة سهلاً ولا كانت الطريق مفروشةً بالورود أمام وليد، لكنه استمتع بكل تفاصيل رحلته من مدّ وجزر، وما زال الحلم بتحقيق المزيد مستمراً بالنسبة إليه.

من بين الأبطال الذين رفعوا راية تونس عالياً في رياضة المعوقين، وطنياً ودولياً، روعة التليلي ورؤى الجبابلي وياسين القنيشي وأحمد بن مصلح ومروى البراهمي

وُلد وليد طفلاً "سليماً"، ولكنه أصيب في الثانية من عمره بمرض "التهاب السحايا"، ما تسبب له في إعاقة دائمة ولم يعد قادراً على المشي، غير أن وقوف عائلته الدائم بجانبه ودعمها ومساندتها المطلقة له جعلته يتقبل وضعه ويتعايش معه.

"أحببتُ إعاقتي"

يقول في هذا الشأن لرصيف22: "وصلتُ إلى درجة أحببت فيها إعاقتي، فهي التي جعلتني أمارس رياضة العدو على الكراسي، وأحترفها، وأكتب اسمي بأحرف من ذهب وأصبح مرجعاً ومثالاً كبيراً في هذا الاختصاص، لقد تصالحت مع نفسي وأعيش حياةً جميلةً جداً ولدي أصدقاء وحياتي الخاصة بي وأعيش حياة إنسان طبيعي".

جمعت وليد ذكرى جميلة برياضة العدو على الكراسي، وتحديداً في سن الـ17، عندما كان يدرس بالتزامن مع بداية "ثورة المراهقة"، ونشاطه وحركته الملحوظَين وما رافق تلك الفترة من عدم استقرار وثبات "وإحساس بالفرق بين إنسان طبيعي وآخر معاق"، "إذ حدثت لي حينها أحلى صدفة في حياتي عندما لاحظني أحد المدربين ونصحني بتوظيف إمكاناتي في هذه الرياضة وتجربتها".

ليس لطموحات البطل التونسي وليد كتيلة سقف، فبعد تألقه وطنياً ودولياً، يسعى إلى توظيف خبرته لتحقيق هدفه في مساعدة الرياضيين ذوي الإعاقة وتكييفهم مع ظروفهم الخاصة

عمل كتيلة بالنصيحة، وخاض التجربة، وكان الإعجاب من أول نظرة في هذه الرياضة التي انطلق في ممارستها منذ سنة 2002، يوضح لرصيف22.


يصف البطل التونسي السنوات العشر الأولى من بداية رحلته بالصعبة جداً من حيث بذل مجهود كبير والتعرض للظلم والتضحية، "ولكني صبرت وانتظرت طويلاً حتى صعدت إلى القمة التي أنا عليها اليوم"، يؤكد.

ويتحدث عن صعوبات كثيرة واجهته خاصةً في بداياته، "فبلادنا لا تعطي إلّا إذا أنجزتَ وحققتَ شيئاً، مما يعني ضرورة أن يقدّم الرياضي وعائلته ومحيطه الكثير قبل الحصول على الدعم، كما أن معدات التدريب غير متوافرة بالقدر الكافي ولا تواكب تطور العالم وتقدّمه في هذا المجال".

معنوياً، يشير إلى تعرّضه في بداياته "للظلم، ومن ذلك أنه بعد تدريباتي يتم فسخ اسمي من مسابقات وطنية ووضع أسماء أخرى مكانه، ولكن زاد ذلك من إصراري على الاستمرار واستكمال الحلم والطريق وآمنتُ بنفسي وبقدراتي وبأني أستطيع الوصول وتحقيق أهدافي وتغيير مصير حياتي".

وبشأن حظوظ رياضة المعوقين من الدعم الرسمي (الدولة)، بالمقارنة مع رياضة غيرهم، يرى وليد كتيلة أن اختصاصه وزملائه لا يحصل على حقه مقارنةً برياضة "المعافين جسدياً"، "ولكننا نحاول نيل مكانتنا التي نستحق وبرغم تحقيق تقدّم، لم نصل بعد إلى الهدف المنشود"، وفق تصريحه.

"رياضة مظلومة"... برغم الذهب

خلال دورة باريس حقّق الرياضيون التونسيون العديد من الألقاب، ومن ضمنهم روعة التليلي "أيقونة تونس"، والبطلة العالمية والبارالمبية التي أينما حلت تترك بصمتها الخالدة.

حصدت روعة في هذه البطولة الفرنسية يوم الجمعة 14 تموز/ يوليو 2023، ميداليتها الذهبية الثانية في رمي القرص وسجلت رميةً بلغت 37 متراً محققةً المركز الأول في هذا الاختصاص.

وكانت التليلي قد حصلت في هذه البطولة يوم 9 تموز/ يوليو 2023، على ميداليتها الذهبية الأولى في اختصاص رمي "الجُلّة" بعد نجاحها في السيطرة المطلقة على المنافسات لفئة F41، إثر تسجيلها رميةً بلغت 10.33 متراً لتحافظ على لقبها العالمي وتسجل رقماً قياسياً بتسعة تتويجات.

وسبق لروعة أن تألقت بذهبية 2011، في كرايستشيرش نيوزلندا، وذهبية ليون في فرنسا 2013، وذهبيتَي الدوحة 2015، وذهبيتَي لندن 2017، وذهبيتي دبي 2019.

لكن برغم إنجازات البطلة التليلي وأبطال آخرين من ضمنهم كتيلة، إلّا أن رياضاتهم ومجال تنافسهم لا يلقيان اهتماماً إلّا في ما ندر، ويعملون بكدّ في مجال رياضي "مظلوم".

يشرح كتيلة بعض الحيف الذي يطال الأبطال من طينته : "رياضتنا مظلومة ولا تركز بلادنا سوى على رياضة كرة القدم، هي مسألة عقلية ونحاول بصبر ومثابرة تغييرها لتحقيق مرادنا".

ليس لطموحات البطل التونسي سقف، فبعد تألقه وطنياً ودولياً، يسعى إلى توظيف خبرته لتحقيق هدفه في مساعدة الرياضيين ذوي الإعاقة وتكييفهم مع ظروفهم الخاصة "وإخراجهم من المتاهة التي يقعون فيها لأن أصعب أمر أن تكون إنساناً 'سليماً' ويتسبب لك حادثٌ في إعاقة دائمة، وهنا يكمن دوري، أي في فتح الطريق أمامهم وتسهيلها لهم، لأننا في تونس لا نملك من يحتوي هؤلاء معنوياً ونفسياً ويخرجهم من مشكلاتهم"، يؤكد.

"اهتمام ظرفي"

معاناة البطل كتيلة، وأبطال آخرين من اختصاصه الرياضي، تمتد إلى عدم تسلم مستحقاتهم المالية من المنح أو تأخّرها. لكنّ وزير الشباب والرياضة التونسي كمال دقيش، تحدث خلال لقائه يوم الأربعاء 26 تموز/ يوليو 2023، البطل البارالمبي العالمي وليد كتيلة، عن "حل بعض الإشكاليات العالقة وعن مشاغل الرياضيين المتعلقة أساساً بالمستحقات المالية ومنح الأرقام القياسية للبطلَين وليد كتيلة وياسين الغربي".

ووفق بلاغ لوزارة الشباب والرياضة التونسية، أكد دقيش "الحرص على تمكين البطليْن من مستحقاتهما وإيجاد حلول عاجلة" معلناً عن "مراجعة إسناد المنح وفق ضوابط علمية محددة"، عادّاً أن "تأمين هذه المستحقات حق للرياضيين واعتراف بما قدّموه لتونس ولتشريفهم الراية الوطنية".

على مستوى الدعم الرسمي الذي تتكفل به وزارة الشباب والرياضة التونسية، يرى الصحافي الرياضي التونسي طارق سايحي أن "سياسة الدولة التونسية تفرض الاهتمام بالمبدعين ذوي الإعاقة في المجالات كافة".

هل يحظى الرياضيون ذوو الإعاقة بالاهتمام والدعم نفسيهما اللذين يحصل عليهما الرياضيون الآخرون رسميّاً وشعبيّاً؟

أما بالنسبة إلى الاهتمام الشعبي الذي يلقاه الرياضيون المعوقون الذين يفوزون في منافسات رياضية دولية، فيعدّه "ظرفياً فحسب"، ويقول لرصيف22 إن "الحظوة الشعبية هي مجرد نزوات ظرفية لا تحجب الاهتمام الجماهيري الكبير بالرياضات الجماعية، ورياضات الأسوياء، وبالخصوص رياضة كرة القدم، برغم كافة إشكالياتها الكبيرة ونتائجها الرديئة وظروفها التنافسية التعيسة".

ويضيف سايحي أن الاهتمام الشعبي برياضات المعاقين تترجمه الهبّة الجماهيرية الافتراضية عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي التي تهلل لإنجاز أحد هؤلاء الأبطال حتى دون الإلمام بحيثيات الإنجاز على غرار البطولة وقوانينها وصنف التتويج.

ويؤكد الصحافي الرياضي التونسي أن وليد كتيلة وروعة التليلي هما أفضل رياضيَين في تاريخ العرب والأفارقة وليس في تونس فقط، وأنهما يلقيان حظوةً جماهيريةً وإعلاميةً كبيرةً وقد تم التطرق مراراً وتكراراً إلى إنجازاتهما في وسائل الإعلام المحلية والدولية.

يُذكر أن وزير الشباب والرياضة التونسي بحث يوم الخميس 20 تموز/ يوليو 2023، ملف وضعية الجامعة التونسية لرياضة المعوقين ومختلف الإشكاليات التي تعترضها وتوفير الظروف المادية واللوجستية الضرورية للرياضيين/ ات خلال لقائه أعضاء المكتب الجامعي.

وأفاد بلاغ للوزارة بأنه تم النظر في "نقاط عدة تهمّ الأجهزة والأدوات الرياضية والمنح المسندة للرياضيين ومن بينها منح التحضيرات ومنح الأرقام القياسية والنظر في مختلف الاختصاصات الرياضية التي تنضوي تحت لواء الجامعة التونسية لرياضة المعوقين على غرار رياضة كرة سلة الكراسي والبوتشيا، بالإضافة إلى إمكانية تخصيص ميزانية لإعداد العناصر الجديدة".

وتشهد تونس هذه الفترة تألقاً واضحاً لأبطالها الرياضيين في المحافل الدولية في مختلف الاختصاصات، سواء في رياضة الأسوياء كتألق بطلة كرة التنس أنس جابر، وتميّز السباح التونسي العالمي "القرش" أيوب الحفناوي، وتألق البطل العالمي خليل الجندوبي في رياضة التايكواندو، أو في رياضة المعوقين.

ومع كل فرحة يهديها هؤلاء الأبطال إلى وطنهم وشعبهم، تسود حالة من البهجة والاحتفالات غير المحدودة الشارع التونسي ويحتفي رواد وسائل التواصل الاجتماعي بإنجازات أبنائهم وبناتهم. فهل يحظى الرياضيون ذوو الإعاقة بالاهتمام والدعم نفسيهما اللذين يحصل عليهما الرياضيون الآخرون رسميّاً وشعبيّاً؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard