شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الصراع في مخيم عين الحلوة وعليه

الصراع في مخيم عين الحلوة وعليه

ينقسم مخيم عين الحلوة للّاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، إلى مربعات سكانية أمنية تسيطر عليها قوى متعددة التوجهات السياسية والفكرية. لكن عند إنشاء المخيم بعد النكبة، سكن أهالي القرى والبلدات المهجرة في فلسطين المحتلة مع بعضهم البعض، فظهرت أحياء الصفصاف والزيب وصفورية والمنشية والرأس الأحمر وغيرها. وفي ظل حضور الفصائل الفلسطينية إلى لبنان من الأردن عام 1970، وفقاً لـ"اتفاق القاهرة"، استقطبت أبناء المخيم، فأضحى اللاجئون فدائيين ويملكون السلاح. وبعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، تهدّم المخيم وأعادت النساء بناء البيوت فيه لأن الرجال كانوا معتقلين في معسكر أنصار.

التحول الكبير في خريطة المخيم السياسية والأمنية، حصل بداية التسعينيات حين انشق الشيخ هشام شريدة عن حركة "فتح"، وأسس ما عُرف لاحقاً بـ"عصبة الأنصار" ذات التوجه الإسلامي. وخلال العقود السابقة، اشتبك الطرفان في أكثر من مناسبة حتى أجرت العصبة مراجعةً فكريةً وسياسيةً، وانضمت إلى "هيئة العمل الفلسطيني المشترك"، وأصبحت تنسق مع الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية الأخرى.

لكنها تعرضت لانشقاقات كثيرة بشكل فردي، وشكّل المنشقون تنظيمات أخرى مثل "جند الشام"، وآخرون بايعوا تنظيم "جبهة النصرة" و"الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش). وتوصل الإسلاميون المشرذمون إلى ائتلاف في ما بينهم أسموه "الشباب المسلم"، بقيادة المطلوبَين؛ هيثم الشعبي وبلال بدر.

التحول الكبير في خريطة المخيم السياسية والأمنية، حصل بداية التسعينيات حين انشق الشيخ هشام شريدة عن حركة "فتح"

في عام 2017، تمكنت قوات الأمن الوطني الفلسطيني بقيادة محمد العرموشي (أبو أشرف)، من السيطرة على معقل بلال بدر في حي الطيري وسط المخيم بعد اشتباكات عنيفة، فهرب الأخير إلى خارج المخيم ليعود في وقت لاحق. بعدها، عاش المخيم فترة هدوء ملموس، تخللته بعض الإشكالات الفردية الحزبية، إلى أن حدث اغتيال العنصر في حركة فتح، محمود زبيدات، في آذار/ مارس الماضي.

حينها، استطاعت القوى الفلسطينية نزع فتيل التوتر عبر تسليم المتهم خالد علاء الدين (الخميني)، إلى مخابرات الجيش اللبناني. إلا أن شقيق القتيل محمد زبيدات (الصومالي)، عاد لينتقم قبل أيام، فأطلق النار في اتجاه مجموعة من "الشباب المسلم"، ونتج عن الأمر مقتل الشاب عبد فرهود، وإصابة محمود خليل (أبو قتادة) وعيسى حمد. عندها، قررت حركة "فتح" تسليم القاتل إلى القوى الأمنية اللبنانية، وكُلّف العرموشي بإلقاء القبض عليه. عند ذهابه إلى منطقة البركسات حيث يوجد "الصومالي"، أبلغ القيادي في "جند الشام/ الشباب المسلم" هيثم الشعبي، أنه ذاهب لتنفيذ المهمة لمنع أي تصعيد، لكنه وقع في كمين وحزام ناري في منطقة المدارس، فقُتل ومعه أربعة من مرافقيه. وعُرف أن منفذي عملية الاغتيال هم بلال بدر، عمر الناطور، محمد عزب (الفولز). عندها اشتعل المخيم عند محورَين أساسيَين: البركسات (فتح) والطوارئ (جند الشام)، وجبل الحليب (فتح) وحي حطين (الشباب المسلم).


الدخان المتصاعد في أرجاء المخيم

لماذا الاغتيال؟

اغتيال أعلى رتبة عسكرية في الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا، على يد بلال بدر ومجموعته، يمكن إدراجه في خانة الانتقام. لكن يبدو أنها عملية استدراج لـ"فتح" ليحصل الاشتباك كما يقول قيادي فلسطيني، فما حصل مجزرة لا يمكن تحملها معنوياً وسياسياً وميدانياً. وقبل عملية الاغتيال بأسابيع قليلة، عادت مجموعة من المطلوبين للسلطات اللبنانية من تركيا عبر سوريا، عُرف منهم المطلوب عيسى حمد، وكان مع "أبو قتادة"، وأصيب في إطلاق النار عليه، ونضال المقدح وخالد جمال شريدي. تقول مصادر محلية، إن مؤسس "مجموعة المقدسي" فادي الصالح، دبّر عملية عودتهم، وهو مقرب من "حماس"، ويعمل مع منظمات غير حكومية تركية، ويدعم مجموعة "الشباب المسلم" ومن ضمنها المطلوب بلال بدر.

أما في السياسة، فربط البعض زيارة مدير الاستخبارات الفلسطينية ماجد فرج إلى بيروت، بدعوة من مخابرات الجيش اللبناني، بالاشتباكات الأخيرة. لكن مصادر في حركة "فتح" نفت ذلك جملةً وتفصيلاً.

لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني

التقى سفير دولة فلسطين في بيروت أشرف دبور، برئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني باسل الحسن، في مستشفى الشهيد محمود الهمشري في صيدا، في أثناء الاشتباكات في المخيم، وذلك بعد قطيعة وصدام إعلامي وسياسي بينهما.

بدأ الخلاف بين الطرفين بعد تصريحات للحسن أطلقها من القاهرة وبيروت، حصر فيها أسباب الأزمة المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بتزايد احتياجات اللاجئين واتهم الوكالة بالفساد، مما يعطي مبرراً للدول المانحة لعدم قيامها بواجباتها بالتمويل، بالإضافة إلى اتهامه بالتدخل في الشؤون الفلسطينية الداخلية واللعب على التناقضات الداخلية. فأصدرت منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان بياناً شديد اللهجة تجاه اللجنة قالت فيه إنها "تستغرب ما صدر من تصريحات عن لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني تعقيباً على المؤتمر الذي عُقد في القاهرة للدول المشرفة على شؤون اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة، والتي حمّلت فيها الفلسطينيين المسؤولية عن الإساءة إلى وكالة الأونروا، وحصر أسباب الأزمة المالية التي تعاني منها الوكالة بتزايد احتياجات اللاجئين الفلسطينيين واتهام الأونروا بالفساد مما يعطي المبرر للدول المانحة لعدم قيامها بواجباتها في التمويل والتي تأتي ضمن سياق الضغوط التي تتعرض لها الأونروا".

ما الذي يحصل فعلياً في مخيم عين الحلوة؟ هل هو اقتتال فقط اقتتال بين "فتح" وتنظيمات إسلامية متطرفة أم هو أبعد من ذلك، وتعبير عن واقع جديد يبدأ في حماس ولا ينتهي عند جهات لبنانية حليفة لها؟

وأضاف البيان أن "منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني أينما وُجد، ولا يستطيع كائناً من كان تجاوزها، وترفض قيادة فصائل المنظمة إطلاق المواقف التي تحمل في مضمونها تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي الفلسطيني"، معلنةً "إعادة تقييم العلاقة مع لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني لتصويب العمل بما يخدم الهدف الأساسي الذي أنشئت لأجله اللجنة، وهو الحوار وحل مشكلات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والتخفيف من معاناتهم".

وبعد بيان المنظمة، سارعت اللجنة إلى الرد في بيان مضاد أشارت فيه إلى أن "الاتهامات الواردة في متن البيان تعالَج في إطار المؤسسات المعنية على الصعيدين اللبناني والفلسطيني، ومن يحدّد مهام لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني هو مرسوم إنشائها ومرجعيتها الرسمية في إطار الدولة اللبنانية وليس أي جهة أخرى".


آثار المعارك

دخول في "الانقسام"؟

وكانت لافتةً تصريحات الحسن بحضور ممثلين عن حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، خلال تكريم قنصل مصر العام بمناسبة انتهاء مهامه في لبنان، إذ قال: "إن لجنة الحوار مصممة على الانفتاح على كافة مكونات الشعب الفلسطيني بمن فيهم الشباب الفلسطيني بشكل خاص، الذي يتطلع إلى بناء مستقبل وحياة كريمة بعيداً عن تجارب الماضي في الاستثمار في معاناة الشعب الفلسطيني أو في بناء حسابات شخصية تسيء إلى الشعبين اللبناني والفلسطيني والدولتين، وهذا ما لن نسمح به على الإطلاق".

وهذا ما عدّته المنظمة تنسيقاً بين اللجنة ومعارضيها واستثناءً لفصائل المنظمة في المسار الجديد للّجنة. فحين استلم الحسن مهامه، نسف ورقة "رؤية لبنانية موحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان" الصادرة في 20 تموز/ يوليو 2017، ومن دون استشارة القيادة الفلسطينية أعلن عن مشروع قانون سيقدَّم إلى مجلس النواب اللبناني يتلخص في إعطاء بعض الحقوق الإنسانية للفلسطينيين في لبنان مثل تملّك شقة فقط، وحرية العمل بلا إجازة عمل بعد موافقة النقابات اللبنانية على ذلك، مقابل تسليم السلاح خارج المخيمات وتنظيمه داخلها.

ويبدو أن الجبهة الشعبية-القيادة العامة، وافقت على تسليم جزء من سلاحها الثقيل في نفق الناعمة (جبل لبنان)، وقوسايا (البقاع)، وهو موقف الجبهة منذ زمن؛ أي مقابل سحب السلاح يجب تقديم الحقوق الإنسانية للّاجئين.

أما اللافت في خطة الحسن فهو عدم اعتراض حركتي "حماس" و"الجهاد" عليها، وهو ما عدّته منظمة التحرير الفلسطينية محاولةً لفرضها من دون موافقة الفصائل كافة. ويكمن الاعتراض في أن مشروع القانون غير واضح قانونياً وسياسياً ويمس بالمكانة القانونية لـ"المخيم"، وحق العودة المثبت بالقرار الدولي 194. يضاف إلى ذلك أن الفكرة الأمريكية، هي إلغاء وكالة "الأونروا" وتحويل خدماتها الى منظمات الـ"NGOS" ودمجها في المفوضية العليا السامية لشؤون اللاجئين(UNHCR) ، وهذا ما عبّر عنه مفوض "الأونروا" فيليب لازاريني، قبل أن يتراجع عن تصريحاته.

ووضع مصدر أمني لبناني الخلاف الكبير بين اللجنة والمنظمة، في خانة الرد داخل مخيم عين الحلوة. إلا أن لقاء دبور والحسن يمكن التمهيد من خلاله لمرحلة أخرى وطي صفحة الخلافات.

هل يتدخل الجيش اللبناني؟

من المعروف أن للمخيم أربعة مداخل رئيسية، تسيطر حركة "فتح" على ثلاثة منها باستثناء مدخل الشارع الواقع لجهة حي الطوارئ حيث معقل "جند الشام". ولأن الجيش يريد تأمين ظهره باعتباره يطوق المخيم من الجهات كافة، فلا بد أن تستلم المدخل جهات يعترف بها، ولا تغدره يوماً ما، كما حصل في مخيم نهر البارد عام 2007. لذلك يمكن للجيش أن يتدخل بالدعم أو وقفه لجهة ما، أو التدخل المباشر في غطاء سياسي لحماية مقاره في محيط المخيم.

ويفيد المصدر الأمني اللبناني، بأن "غالبية المساعدات الغربية للجيش تأتي لمكافحة الإرهاب، وما يحصل في عين الحلوة هو الإرهاب بعينه، باعتبار أن هذه الجماعات المسلحة تبايع تنظيمَي القاعدة وداعش". ولذلك سيكون دور الجيش حاسماً في أي مواجهة أو تسوية.

لم يستطع أي طرف حسم المعركة أو التقدم إلى مربع الآخر، وقُتل 11 شخصاً وجُرح العشرات، ونزح 60% من أهالي المخيم إلى خارجه

اللاجئون يدفعون الثمن

على الرغم من كثافة النيران واستخدام الأسلحة المتوسطة مثل "الهاون" والـ"بي تن"، إلا أنه لم يستطع أي طرف حسم المعركة أو التقدم إلى مربع الآخر، وقُتل 11 شخصاً وجُرح العشرات، ونزح 60% من أهالي المخيم إلى خارجه حسب أرقام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا).

يقول أبو محمد، وهو أحد سكان حي الطوارئ، إنه استطاع الهروب مع عائلته بعد ساعات من الاشتباك، ولم يستطع أن يُخرج أمه التي تعاني من وضع صحي يمنعها من المشي السريع. فتركها مع جيرانه ليخرج الأطفال ويبيت في ساحة مسجد الموصلي القريب من المخيم. أما أم جمال، وتقطن في حي حطين، فتفيد بأنها تمكنت من مغادرة المخيم في سيارة إسعاف مع أبنائها، ولجأت إلى عائلة أختها في مدينة صيدا. وفتحت وكالة "الأونروا" مدارسها خارج المخيم لاستقبال النازحين، بالإضافة إلى حملة تبرعات بالفرش والطعام من المخيمات الأخرى والجمعيات الصيداوية.

واللافت في هذا الاشتباك، هو حجم الدمار في البيوت، لا سيما في حي الطوارئ وحي التعمير القريبين من المخيم، وحي حطين وحي الصفصاف داخله. وهنا لا يُعرف حتى الآن كيف سيكون التعويض وإعادة الإعمار، علماً بأن السلطات اللبنانية تمنع إدخال مواد البناء إلى المخيم.


تكدس المقاتلين

ماذا بعد؟

يتضح أن ملف عين الحلوة هو محل صراع على ورقة اللاجئين والمخيمات بين حركتي "فتح" و"حماس"، وجزء من نقل الصراع في غزة والضفة إلى لبنان وقد يكون بقرار إقليمي أوسع. يشرح المصدر الأمني اللبناني، أن "عملية اغتيال العرموشي ربما تكون رداً على مقتل عناصر حماس الثلاثة في مخيم برج الشمالي في كانون الأول/ ديسمبر 2021، حيث تتهم الأخيرة الأمن الوطني الفلسطيني بإطلاق النار عمداً على جنازة تشييع القيادي فيها إبراهيم شاهين، الذي قُتل في انفجار غامض".

في المقابل، تشير مصادر فلسطينية، إلى أن "توقيت الاغتيال وسط الفراغ الرئاسي اللبناني والتجاذب الداخلي، يؤكد أن استخدام المخيم كورقة ضغط بين الأفرقاء وارد". وإذا توقف إطلاق النار هذه المرة، عبر فرضه من قبل حركة "أمل" و"هيئة العمل الفلسطيني المشترك"، فإن استئناف الاغتيالات المضادة والاشتباكات يمكن أن يعود في أي لحظة إذا لم يُسلَّم المتهمون بقتل العرموشي. وكذلك يمكن للأوضاع الفلسطينية واللبنانية أن تنعكس دماً في مخيم يُعدّ صندوق رسائل محلياً وإقليمياً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image