شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
هذا المقال لا يعبر عن وجهة نظر الكاتب

هذا المقال لا يعبر عن وجهة نظر الكاتب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والخطاب الديني

الأربعاء 2 أغسطس 202312:50 م

يقال في معرض الإجابة عن جدوى الشعر، إنه كلما خُلق شاعر قلّ عدد القتلة واحداً، وهذه إجابة شعرية وغير مسؤولة بلا شك، إذ لو دققنا فيها جيداً لاكتشفنا دون أدنى جهد، أن الإنسان إما أن يكون شاعراً أو قاتلاً، وهذا يعطي أهمية كبيرة، بل ومبالغ فيها، للشعر كمانع للإجرام أو الإرهاب، وهو غير صحيح بالمطلق، لا نظرياً ولا على ارض الواقع.

لا داعي هنا لإيراد الكثير من الإحصائيات التي تدلّل على العكس، أو على الأقل تنفي صحّة هذه المقولة، فكثير من المجتمعات التي تنتج، يومياً، شعراء وشاعرات، تنتج بالتوازي إرهابيين وقتلة. بل إن الكثير من القتلة ينظّرون لأفكارهم بالشعر، أو باللغة الشاعرية على أقل تقدير، ناهيك عن شعراء لا يتورّعون عن الانتماء لتنظيمات إرهابية، كالقاعدة وداعش.

صحيح أن منتجهم الأدبي غير معترف به من منظور حداثي، ولا يرقى لأن يكون شعراً من وجهة نظر أصحاب الإجابة أعلاه، إلا أنه في مجتمعات تفتقد للمعايير، يكفي أن تسمّي نفسك شاعراً ليعترف بك الآخرون.

الجملة الأخيرة ظالمة نوعاً ما، إذ لا يمكننا التغاضي عن أن أحد أهمّ الشعراء المجدّدين وروّاد الحداثة، وهو الشاعر الفرنسي رامبو، كان تاجر سلاح في اليمن. هل يفيد لو استعرضنا الكثير من الأسماء الشعرية المعتبرة التي انتمت إلى الحركة النازية في ألمانيا أو الفاشية في إيطاليا؟
ما الذي يمنع القتل إذن؟ إن لم يكن الشعر فهل يلعب العلم دوراً في ذلك، وهل بإمكاننا القول إنه كلما خُلق متعلم قلّ عدد القتلة واحداً؟
يقال في معرض الإجابة عن جدوى الشعر، إنه كلما خُلق شاعر قلّ عدد القتلة واحداً، وهذه إجابة شعرية وغير مسؤولة بلا شك، فكثير من المجتمعات التي تنتج، يومياً، شعراء وشاعرات، تنتج بالتوازي إرهابيين وقتلة

دون التمعّن في الدراسات الجادة وغير الجادة، وبمطالعة سطحية لقادة التنظيمات المتطرّفة والكثير من أعضائها، فإننا نجد بينهم الطبيب والمهندس وأستاذ الجامعة. وفي دراسة مشتركة بين مركز البحوث والدراسات والتوثيق في جامعة تونس ومركز المساواة والأمن في جامعة موناش، تبيّن أن أصحاب التخصّصات العلمية من بين المنتمين للجماعات المتطرّفة، أكثر بشكل ملحوظ من أصحاب التخصّصات في العلوم الإنسانية. وغني عن القول إن أيمن الظواهري مثلاً كان طبيباً جراحاً، وأن نسبة كبيرة من منتسبي داعش هم مهندسون او طلبة هندسة، حسب دراسة موثوقة.

إن لم يكن للعلم دور حاسم في منع القتل، فهل يقوم بذلك الوضع الاقتصادي الجيد؟ وهل البيئة الفقيرة مهيأة لأن تنتج متطرّفين أو قتلة أكثر من البيئة التي تمتاز بمستوى اقتصادي مرتفع؟

تقول بعض الدراسات، إن التهميش النسبي يلعب دوراً ملحوظاً في توجه الناس نحو التطرّف وبالتالي القتل، فلو افترضنا أن اثنين من الزملاء في كلية الهندسة في جامعة ما، أحدهما من العاصمة والثاني من قرية بعيدة أو نائية على الحدود، وأن الأخير مبدع في دراسته وينال علامات ممتازة في جميع المواد، بينما ابن العاصمة لا يلتفت كفاية إلى دراسته ويكتفي بعلامة النجاح. بعد التخرج يجد ابن العاصمة، بحكم مكان سكنه، فرصة للعمل في شركة من الشركات الكثيرة الموجودة في العاصمة، بينما لا وجود لفرصة مماثلة لابن القرية النائية في قريته.

ابن العاصمة يعمل ويوفّر قوت يومه، بينما ابن القرية يعود كل يوم خالي الوفاض إلى بيت لا يكف عن لومه. مَن مِن هذين الشابين سيكون فريسة سهلة للتطرّف وللحقد على المجتمع، ومن منهما يمكن أن يذهب إلى عالم الإجرام؟
لكن الواقع لا يجعل من ابن العاصمة هذا شاعراً، والدليل أن ابن لادن لم يكن ينقصه شيء قبل ذهابه إلى أفغانستان، واكتسابه كل هذه الهالة الإعلامية كقاتل.
قبل عشر سنوات تقريباً، قرّرت منظمة من منظمات الأمم المتحدة، الشروع في برامج توعوية وترفيهية للشباب في إحدى الدول العربية، من أجل الحدّ من ذهاب هؤلاء الشباب للجهاد في سوريا. كان أحد هذه البرامج يعتمد، أساساً، على مباريات لكرة القدم، وافتتاح ملعب للتنس الأرضي، وبعض الفعاليات الرياضية الأخرى.
بنظرة سريعة على تاريخ القتل والقتال في أفغانستان وغير أفغانستان، نستطيع التذكر كم صنعت دول الخليج الغنية وكم صدّرت إلى العالم من إرهابيين وقتلة

من ضمن المشاركين، كان هناك شاب خفيف الظل وصاحب نكتة جاهزة دوماً. في إحدى المحاضرات التي تسبق مباراة التنس الأرضي، وبينما كانت مسؤولة البرنامج تشرح عن الأهداف والنتائج المرجوة، قاطعها المشارك وسألها بخبث: "يا أستاذة إنت بتعتقدي إنهم الشباب بروحوا على سوريا لأنه ما في عندنا تنس هون؟ يعني رايحين يلعبوا تنس هناك؟". لم تستطع المسؤولة تقديم إجابة مقنعة لهذا السؤال، كما لا يستطيع أحد أن يجزم أن قلة الترفيه، أو فراغ الوقت هو الدافع وراء الجريمة، فأبو مصعب الزرقاوي كان "طخيخ أعراس" ولم يكن يشكو لا من ملل الوقت البطيء ولا من قلة التسلية.

إن لم يكن الوضع الاقتصادي الجيد أو الحصول على وسائل الترفيه مانعاً للقتل، فهل يمكننا البحث في تخلي الدولة نفسها عن دورها في تأمين الرعاية الاجتماعية للأفراد، وانسحابها من وظيفتها هذه أو عجزها عن تقديمها بالشكل الذي يجعل الجميع راضين، أو على الأقل مطمئنين لمستقبلهم ومستقبل أبنائهم؟

بنظرة سريعة على تاريخ القتل والقتال في أفغانستان وغير أفغانستان، نستطيع التذكر كم صنعت دول الخليج الغنية وكم صدّرت إلى العالم من إرهابيين وقتلة. فرغم أن هذه الدول لم تكن تستوفي من مواطنيها، إن صحّت تسميتهم كذلك، لا رسوم تعليم، ولا رسوم صحة، ولا ضرائب، وكان معظم المواطنين يمتلكون ما يغنيهم عن أية حاجة قد يطلبها مواطن من دولة أخرى، إلا أن الكثير من شباب هذه الدول اختاروا طريقاً يتناقض مع هذا الافتراض.
هل القاتل أداة غير واعية لسياسات عليا تحاك في مكان آخر بعيد؟ هل هو أداة لتحقيق مصالح لجهات خارجية، هل القتل هواية مثل أية هواية أخرى، قد تنمو وتتطوّر مع الفرد منذ الطفولة؟ هل هو وراثة يكتسبها الأفراد عبر الجينات من أبويهم؟ هل هو منظومة تحكمها الأيديولوجيا وتتحكّم بها عبر سنوات من مناهج التعليم أو دروس التلقين ومسح الأدمغة؟ حتى لو كانت الإجابات سهلة على هذه الأسئلة إلا أن النقاش أفضل.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

لا يزال الماضي يحكمنا ويمنعنا من التقدّم، ولا يزال فقهاء عصرنا ينسخون من أفكارٍ بعضها فاق عمره الألف سنة، من دون التفكير في العلاقة بين النص الديني والواقع المعيش، وهو ما نسعى يومياً إلى تحدّيه، عبر احتضان الأفكار التجديدية الساعية إلى بناء عقد اجتماعي جديد يحدد دور الدين في الحياة ويحرره من السلطة السياسية. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image