شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أجهزة احترقت وخامات فسدت… من يعوضنا عن خسائر

أجهزة احترقت وخامات فسدت… من يعوضنا عن خسائر "تخفيف الأحمال"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 31 يوليو 202304:00 م

يوم الأربعاء الماضي 26 يوليو/ تموز، في مركز "مول دبي" أحد المراكز التجارية الشهيرة بمحافظة مرسى مطروح، كان التُجّار يعملون بنشاط، كون موسم الصيف هو عماد ربحهم طوال العام، فالمحافظة الساحلية الشمالية المترامية الأطراق القليلة السكان، لا يعمرها السائحون والمصطافون إلا خلال أشهر الإجازة الصيفية (يونيو/ حزيران إلى نهاية أغسطس/ آب). 

كل شيء كان يسير على ما يرام، رغم مخاوفهم من تعرضهم لحريق جديد بعد اثنين وقعا خلال الأيام السابقة، بسبب "ماس كهربائي" ناتج عن تذبذب التيار الكهربائي خلال تكرار انقطاعاته.

خسائر انقطاعات الكهرباء طالت كثيرين في مختلف أنحاء مصر، أدى تذبذب التيار وكثرة انقطاعاته إلى احتراق أجهزتهم الكهربائية المرتفعة الثمن أو خسارة أطعمة وأدوية وبضائع فسدت بسبب انقطاع التيار الكهربائي

تحققت المخاوف فعلاً مع اندلاع حريق ثالث ذلك اليوم لكنه كان من القوة بحيث دمرت ألسنة نيرانه المركز التجاري بالكامل ليُنهي التجار والعاملون معهم الموسم التجاري مبكراً، مكبدين بخسائر جمة، بسبب "الماس الكهربائي".

بعد ما واجهوه من خسائر في تجارتهم، بات التجار حبيسي منازلهم يعانون كغيرهم من المصريين تبعات خطة "تخفيف الأحمال" التي أعلنتها الدولة المصرية في ظل نقص - اعترف به وزير الكهرباء- في الطاقة اللازمة لتشغيل محطات توليد الكهرباء من غاز طبيعي ومازوت. 

خسائر انقطاعات الكهرباء بالنسبة للمواطنين لم تتوقف عند بضائع وموسم تجار مطروح، وإنما امتدت لتطال كثيرين في مختلف أنحاء مصر، أدى تذبذب التيار وكثرة انقطاعاته إلى احتراق أجهزتهم الكهربائية المرتفعة الثمن أو خسارة أطعمة وأدوية وبضائع فسدت بسبب انقطاع التيار الكهربائي. 

خسائر في مصادر الرزق

"والله الصور المنشورة دي ماتجيش حاجة جنب الحقيقة".. هكذا بدأت هدير عبد الناصر، حديثها عن حريق المركز التجاري في مطروح الذي وقع قبل أيام، بينما كانت تجلس في مكتب الرحلات السياحية الذي تديره، ومن نوافذه الداخلية شهدت الحرائق الثلاثة المتتالية التي أتى آخرها على المركز بما فيه مكتبها السياحي. 

بعد ساعات قليلة من الحريق الأخير قالت عبد الناصر لرصيف22: "أول حريق كان من حوالي 10 أو 11 يوم بسبب ماس كهربائي شوفناه، ومن حوالي 3 أيام (منتصف الأسبوع الماضي) حصل حريق تاني لنفس السبب، لكن كان بسيط وخسايره في محل واحد تقريباً ولحقناه. إنّما الحريق الكبير اللي أدى للدمار كله كان امبارح" في إشارة لحريق الأربعاء 26 يوليو/ تموز.

عن يوم "الكارثة الكبيرة" على حد وصفها، تقول السيدة "لما وصلنا المول كانت الكهرباء مفصولة، ومش قادرين نقاوم الحر. فسألنا إدارة المول قالت لنا شغلوا الكهربا. وبمجرد أول سكينة كهربا اترفعت في محل الدنيا ولّعت. احنا مانعرفش هل هي كانت قاطعة قبلها ولا لأ، لكن الأكيد إن الحريق اللي كان قبله فصلوا الكهرباء بعده في يومه، وبعدها كنا أجازة".

اندلع الحريق في المول الذي تُقدر هدير محلاته بما لا يقل عن 70 محل، وانتشر سريعاً؛ ليأتي عليه تماماً خلال نحو رُبع ساعة - حسب شهادتها- رغم وجود الإسعاف والمطافئ على بُعد دقائق من مقرّه في شارع الإسكندرية - أكبر الشوراع الرئيسية في مطروح-. 

تسأل هدير- كزملائها من متضرري المول التجاري في مطروح عبر مجموعة أسسوها على فيسبوك لمتابعة أزمتهم- عن التعويضات، والجهات التي ستقدمها لهم "اللي ليه بضاعة رماها في بيته، سواء محلّه خلاص اتحرق أو اتسرق. طيب احنا دلوقتي هنعمل إيه؟"

لم تطل النيران مكتب هدير الواقع في الدور الثالث، فقط لافتته، لكن الخسارة طالتها في صورة أخرى حسبما تقول "اللي ماتحرقش، اتسرق. الأمن طلب إخلاء المول، وجوزي كان بيحاول يلحق متعلقاتي، لكن النار ولّعت تاني في الدور الأرضي وجوزي نزل يساعد، وكنا فوق بنات وسيدات لوحدنا، فلقينا ناس طالعة بشكاير وكراتين، افتكرناهم جايين يساعدوا، لكن اخدوا حاجتنا وجريوا. واكتشفنا بعدين ناس تانية بتقول إن محلاتهم اتفتحت واتسرقت".

أمام هذه الخسائر التي عاشتها، وكان السبب فيها الكهرباء حسبما أكدت مصادر حكومية وشهود عيان، تسأل هدير- كزملائها من متضرري المول عبر مجموعة أسسوها على فيسبوك لمتابعة أزمتهم- عن التعويضات، والجهات التي ستقدمها لهم "اللي ليه بضاعة رماها في بيته، سواء محلّه خلاص اتحرق أو اتسرق. طيب احنا دلوقتي هنعمل إيه؟".

عقب الحريق، أصدر محافظ مطروح قرار بمراجعة أحمال الكهرباء في المول، وصرف 10 آلاف جنيه لكل متضرر لحين حصر الخسائر والتنسيق مع الجهات المعنية لصرف تعويضات بشأنها، وهو القرار الذي تم الإعلان عن بدء تنفيذه الأحد 30 يوليو/ تموز، مع إعادة التشديد على "ضرورة الاستفادة من الأخطاء وتلافيها، خاصة اشتراطات الحماية المدنية والكهرباء".

"شوفت ناس بتنصح على السوشيال ميديا بشراء جهاز مثبت جهد وتركيبه في لوحة الكهرباء في البيت. لكن فيه ناس قالت إن النوع اللي سعره معقول نسبياً (550 جنيه) اتحرق بعد ما ركبوه بسبب قطع الكهربا المتكرر، البديل سعره 2000 جنيه وهذا سعر لا يقدر عليه كثيرون"

أدوية وأطعمة واجهزة كهربائية

تعرّضت هدير هذا العام لخسارة في مقرّ عملها، لكن لبيتها نصيب من الخسائر أيضاً نتيجة انقطاعات الكهرباء في أعوام ماضية من دون إنذار مسبق: "ياما أجهزة لينا اتحرقت، لأن الكهربا بتقطع وفجأة تروح جاية عالية (شديدة). أنا عندي شاشة اتحرقت السنة اللي فاتت، وماما وجدتي اتحرق عندهم ديب فريزر وغلاية كهرباء".

ما وقع لأجهزة السيدة وأسرتها العام الماضي، تكرر هذا العام مع آخرين بحرائق في باكيات كهرباء ومنازل، منها ما نجم عنه خسائر في الأرواح، وهو ما حدث قبل أو بعد البرنامج الذي أعلنت الشركة القابضة لكهرباء مصر يوم 22 يوليو/ تموز الجاري، أنها ستنفذّه "لتخفيف الأحمال، على ألّا تزيد مدّته عن ساعة واحدة"، لكن حدثت الخسائر في أجهزة المنازل أيضاً.

ممَن تعرضوا للخسارة هذا الصيف، فاطمة ناصر*، التي تقول "الكهرباء عندنا في حي المنيل كانت في البداية تقطع وترجع بسرعة، وساعات كانت ترجع يا دوب الأجهزة تنوَّر وتفصل تاني، وبعدين بقى يقطع كذا مرة يومياً بمعدل ساعة كل مرة. وفي يوم لقيت التلاجة مش بتسقَّع خالص ولجأت لفني قال محتاجين نغير قطعة عطلت بسبب قطع الكهربا المتكرر، واتكلفت 1700 جنيه".

بحسب ما ذكرته لرصيف22، لم تتوقف خسائر فاطمة عند هذا الحد: "بعدها لقيت مبرد المياه حصل فيه نفس المشكلة والمياه فاترة، والفني قال الموتور اتحرق ولازم يتغير، وبرضو بسبب قطع الكهربا. وده ثمنه بعد زيادة الأسعار بقى الضِعف، واتكلف ألفين جنيه"، مُضيفة "كمان صديق والدي عنده تلاجة كبيرة جديدة سعرها تقريباً 120 ألف جنيه رجع البيت لقاها خربت بسبب قطع الكهربا، والتوكيل قالوا له تصليحها يتكلف 20 ألف جنيه".

لهذا تشكو من الأمر وتقول "أنا إيدي على قلبي وخايفة أي جهاز يتحرق، لأن مفيش رفاهية تغيير الأجهزة بسهولة بعد ما سعر كل حاجة زاد الضعفين و3 أضعاف بسبب الدولار والاستيراد. وفعلاً قطع الكهرباء بقى مشكلة مزعجة جداً، لأنك مش دايماً موجودة في البيت بحيث تقدري تفصلي الأجهزة وتشغليها تاني. وصديقتي مسافرة الفترة الجاية، ومش عارفة تتصرف إزاي عشان خايفة الفريزر أو الثلاجة تخرب باللي فيهم".

أعلنت وزارة الكهرباء والطاقة اليوم 31 يوليو/ تموز ما عدته النوافذ الإعلامية المحلية خطة مفصلة لجدول قطع الكهرباء

وتحكي عن محاولات للحل: "شوفت ناس بتنصح على السوشيال ميديا بشراء جهاز مثبت جهد وتركيبه في لوحة الكهرباء في البيت. لكن فيه ناس قالت إن النوع اللي سعره معقول نسبياً (550 جنيه) اتحرق بعد ما ركبوه بسبب قطع الكهربا المتكرر، والبديل الأفضل له بألفين جنيه، وده رقم مش كل الناس تقدر تدفعه"، مُختتمة "الناس بتحاول تتكيف مع مشكلة قطع الكهرباء وبتتعامل معاها باعتبارها الـnew normal".

أمام ما تعرّضت له فاطمة ومواطنون غيرها، واجه الإعلان الأول للشركة القابضة للكهرباء على فيسبوك اعتزامها المضي في "خطة لتخفيف الأحمال" تعليقات استنكارية ومهاجمة، لا سيما أنها لم توضح أي جداول زمنية تتعلق بمختلف المناطق كي يأخذ سُكانها احتياطاتهم، أو موعداً لانتهاء هذه الخطة. وأعلنت وزارة الكهرباء والطاقة اليوم 31 يوليو/ تموز ما عدته النوافذ الإعلامية المحلية خطة مفصلة لجدول قطع الكهرباء.

 وقبل هذا الإعلان بيوم واحد، خرجت رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل تنتقد الوضع الحالي، وتصريحات الحكومة بشأنه. مثل مواطنين آخرين تعرضوا لأضرار.

ورغم ما أشارت إليه إسماعيل من أن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي أعلن أن "انتهاء أزمة الكهرباء ستكون يوم 24 يوليو"، إلّا أن الواقع شهد أحداثاً مغايرة، فمدبولي الذي أرجع سبب الأزمة إلى "ارتفاع درجات الحرارة"، خرج يوم 27 يوليو/ تموز، مُعلناً عن إجراءات ستتخذها الحكومة، وأبرزها "استيراد شحنات إضافية من المازوت، والمزيد من الترشيد في الإنارة العامة، وعمل موظفي الحكومة أونلاين خلال أيام الأحد من شهر أغسطس بضوابط".

في تلك التصريحات التي أدلى بها من مقر الحكومة في مدينة العلمين الجديدة، نفى أن يكون سبب الأزمة نقص في احتياطي الغاز"، وذلك بالمخالفة لما أعلنه وزير الكهرباء يوم 24 يوليو/ تموز، من أن "تخفيف الأحمال نتيجة زيادة الاستهلاك، وفي ظل نقص كميات الغاز الطبيعي والمواد البترولية اللازمة لتشغيل بعض الوحدات". ومثله قبل أيام، كرر الإعلامي مصطفى بكري الأمر بقوله إن "المشكلة في الغاز".

العلاقة بين المواطن المصري والشركات التي تحتكر تقديم الخدمات من دون دعم كما في حالة الكهرباء، تُسمّى عقود إذعان، فيها طرف ضعيف هو المواطن الذي يقبل أي شروط في العقد يفرضها الطرف الأقوى وهو هذه الجهات، دون أي رفاهية للقبول أو الرفض، وإلّا لن يحصل على الخدمات

احتكار الخدمة والحق الضائع في التعويض

أمام الخسائر، خرجت مطالب بالتعويض، مثلما ورد في طلب إحاطة تقدّم في 22 يوليو/ تموز الجاري من النائب محمود قاسم، جاء فيه أن "انقطاع الكهرباء أدى إلى إتلاف عدة أجهزة كهربائية داخل المنازل"، مطالباً وزارة الكهرباء بـ"إلغاء تحصيل أي فواتير للكهرباء من المضارين من ظاهرة انقطاع الكهرباء تعويضاً لهم عما لحق بهم من خسائر مالية كبيرة".

في دول كثيرة منها دول في العالم العربي، يُتيح القانون للمواطن تعويضات في هذا الصدد، تصل حد مقاضاة الدولة في حال تعرّضه لخسائر، أو حتى تأخر الخدمة عنه.

عن إمكانية تحقق هذا الأمر في مصر، يقول المستشار القانوني محمد فوزي، عضو جمعية تنمية المشروعات وحماية البيئة والمستهلك، "مفترض أن القانون يتيح هذا وبجنحة إتلاف في حال إثبات خسائر المواطن، خاصة لو كان منتظم في سداد ثمن الخدمة، وهو ما تحقق فعلاً مع ما لا يقل عن 50% من المواطنين بعد تطبيق نظام الدفع المسبق (الكارت)".

 لكن من أرض الواقع، ينفي فوزي لرصيف22 احتمالية نجاح الأمر، قائلاً "بالنسبة للإعفاء من الرسوم كتعويض، غير ممكن، لأن التعامل بالكارت يعني أنه في حال عدم السداد لن تصل الخدمة. وبالنسبة للدعوى القضائية، ستُرفض، ولو حدث وحصلت على حُكم فسيكون بعد فترة طويلة في المحاكم، وغالباً لن أتمكّن من تنفيذه لأني سأجد مئات العراقيل، وقد شهدت أكثر من حالة هكذا، لأنه وبصراحة أي من هذه الشركات- مياه وغاز وكهرباء- لن تدفع لك تعويضاً. والسّر في العقود الموقّعة معهم".

عقود إذعان

عن هذه العلاقة بين المواطن المصري والشركات التي تملكها وتديرها الدولة وتحتكر من خلالها تقديم الخدمات من دون دعم كما في حالة الكهرباء، يوضح: "هي تُسمّى- للأسف- عقود إذعان، فيها طرف ضعيف هو المواطن الذي يقبل أي شروط في العقد يفرضها الطرف الأقوى وهو هذه الجهات، دون أي رفاهية للقبول أو الرفض، وإلّا لن يحصل على الخدمات، وقد يتعرض لمحاضر، كما يحدث مثلاً في حال حفر طلمبة لمنزل. فنحن أمام إذعان رسمي ومُقنن".

يحلّل المحامي المشكلات والوضع القانوني، وهو نفسه يعاني منها "أنا لست بعيداً عمّا يحدث، فمنذ بدأ انقطاع الكهرباء توقّفت عن التواجد في مكتبي، بعد أن عطّلني انقطاعها وأنا مع موكلين. وحتى المحاكم نصادف تكرار انقطاع الكهرباء فيها ربما من التاسعة صباحاً إلى الثانية ظُهراً دون وجود مولّدات؛ فنعجز عن أداء عملنا لأن كل شيء صار بالسيستم (أي من خلال أجهزة الكمبيوتر حصراً)، فنحن في كفر الشيخ كمواطنين ومحامين ومتقاضين، جميعنا متضررين".

الدعم صفر

بجانب عقود الإذعان، فإن الدولة تتعامل مع تقديم الكهرباء ومثيلاتها من الخدمات من خلال سياسة احتكارية كاملة، يشرحه الباحث الاقتصادي ومدير وحدة العدالة الاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية وائل جمال بقوله: "أحد مبرراته ومنطقه أن هذه الخدمات الأساسية تُعد لصيقة بوظيفة الدولة، ويُفترض أنها حريصة على وصولها لجميع مواطنيها، حتى لو لم يكن ربحها كافياً، فهي في عملها عكس القطاع الخاص الذي تُحرّكه الربحية".

يؤكد جمال لرصيف22 أن هذا جزء أساسي في فلسفة الخدمة العامة، شارحاص التشوه في الوضع الحالي، قائلا، غنه من خلال ما يسميه "نوع من الخصخصة العميقة" صارت الدولة المصرية خلال السنوات الماضية لا تتعامل مع تلك الخدمات الاساسية باعتبارها مسؤوليتها تجاه مواطنيها، وبات خطاب الدولة وأدائها يقطع بانها ولو ظلت المقدم الوحيد للخدمة فهي تسعى إلى الربح "بمعنى تقديمها لطرف لا تعتبره مواطن بل زبون (مستهلك)؛ في تحوّل أحدث قطع مع الخدمة العامة وفكرتها".

وفقاً للموازنة العامة للدولة، فمنذ السنة المالية 2019/ 2020، لم يتم تخصيص أي مبلغ لدعم الكهرباء، وسجّل مبلغ الدعم "صفر" على مدار هذه السنوات.

وجّه الباحث الاقتصادي وائل جمال أسئلة للحكومة بشأن قراراتها "كيف ستوفر المناخ الملائم لموظفيها ليعملوا من المنازل إذا كانت الكهرباء تنقطع ومعها الإنترنت؟

يعلّق الباحث الاقتصادي على هذا التحوّل بقوله "في رأيي، هو غير دستوري ويجافي فكرة المصلحة والخدمات العامة، بل ويُجافي حتى جزء من التبرير المبني عليه احتكارها. كما أننا نواجه إشكالاً سياسياً وفلسفياً، وهو سداد تكاليف الكهرباء بشكل كامل من المستخدمين، بل هناك جزء من أشكال الدعم يغطيها مواطنون من القطاع العائلي وتذهب للقطاع الصناعي، الذي بالمناسبة ما زالت الكهرباء التي يستخدمها مدعومة" أي أن المواطنين مستخدمي الكهرباء في المنازل هم من يدعمون الكهرباء المقدمة لأصحاب المصانع الذين يبيعون منتجاتهم في السوق المحلية بالأسعار العالمية من دون أن يعود هذا الدعم للمواطن الذي موله.

يتابع مدير وحدة العدالة الاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "أمام كل هذه الأوضاع تثار أسئلة اجتماعية وقانونية حول أحقية هذا المواطن/ الزبون، فيما يخص إخلال الطرف الآخر بتعاقده معه على الخدمة التي يُفترض أن تكون مُقدمة له بشكل غير منقطع مع تعويضه إذا انقطعت. وهنا الدولة هي التي غيّرت شروط الخدمة من كونها التزاماً عاماً، تموّله من الموازنة العامة لاعتبارات اجتماعية، حتى لو على حساب الربحية إلى علاقة مقدم خدمة ربحي لعميل".

يقف جمال ضد هذا التحوّل إذ يرى فيه "إخلالاً بالحقوق الدستورية للمواطن- خاصة المهمشين والفقراء وغير القادرين- في الوصول لخدمات لا غنى عنها في حياتهم اليومية، عدا أنها أمر محوري للأشغال البسيطة الموجودة في الاقتصاد غير الرسمي أو حتى الرسمي بالاعتماد، سواء مقاهي ومطاعم وحتى المنازل وخدمات الطهي".

لهذا، وجّه أسئلة للحكومة بشأن قراراتها "كيف ستوفر المناخ الملائم لموظفيها ليعملوا من المنازل إذا كانت الكهرباء تنقطع ومعها الإنترنت؟ وإذا قلل القرار الزحام ووفّر طاقة معينة، هل سيوازي ما سيزيد استهلاكه من الكهرباء مثلاً؟ لأنه بوقت العمل من المقار الرسمية تكون كهرباء المنازل متوفرة. هل هذه الأمور بُنيت على دراسات وتقدير للنتائج؟"، ويضرب مثالاً بعودة التوقيت الصيفي والشتوي بدعوى توفير الكهرباء، والذي انتهى إلى التصريح بأنه بلا جدوى.

إمكانية التعويض

بخصوص التعويضات عن هذه الخسائر، يقول جمال: "عادة حين يكون هناك أي إجراء حكومي أو وضعية تتسبب في خسائر للقطاع الخاص يتم التعويض. وكما رأينا مع حزم [تعويضات] كورونا ذهب دعم للقطاع الخاص، ولكن [للإنتاج الصناعي] الكبير [فقط]. فعلى الأقل لا بد من المساواة في الوزن، لأن أغلب القطاع الخاص في مصر قطاع صغير وغير رسمي؛ ويجب أن تكون هناك آليات لمساندته لأنه الأولى بالدعم عن القطاع الكبير والاحتكاري".

على المستوى القانوني، يقول المستشار القانوني محمد فوزي: "لو المطلوب دعوى لإلغاء قرار تخفيف الأحمال، ستقام أمام القضاء الإداري. أما لو للحصول على تعويض عن تلفيات، فستقام أمام قضاء مدني/ حكومة، ويتم إثبات ما وقع من أعطال عن العمال أو خسائر وتقدير قيمتها عبر لجنة مختصّة، مع صرف تعويض في حال تم ذكر أن السبب هو انقطاع الكهرباء أو عودتها بشكل مفاجئ بأحمال قوية".

وفيما يخصّ "الإذعان"، يقول "الحل الأسهل هو اللجوء إلى لجنة فض المنازعات التابعة لوزارة العدل وتفعيل سلطتها، لتتعامل مع المواطن الذي تعرّض لخسائر، بعيداً عن الإجراءات الروتينية، ولتخفيف العبء عن المحاكم".

-------------------

(*) اسم مستعار بناءً على طلب المصدر

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard