شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
لماذا أبو ظبي؟... الخارجية المصرية تعلن 5000 دولار أو يورو مقابل

لماذا أبو ظبي؟... الخارجية المصرية تعلن 5000 دولار أو يورو مقابل "تسوية موقف التجنيد"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الجمعة 28 يوليو 202302:40 م

أعلنت وزارة الخارجية المصرية، أمس الخميس 27 يوليو/ تموز، عن السماح للمصريين بالخارج – ممن سافروا بدون أداء الخدمة العسكرية الإلزامية – بتسوية أوضاعهم بشكل نهائي، ليتمكنوا من تجديد جواز  السفر الخاص بهم، والعودة للبلاد من دون ملاحقة، مقابل سداد مبلغ 5 آلاف دولار أو يورو على أن تحوّل تلك الرسوم إلى حساب خاص في بنك مصر فرع أبو ظبي. وأثارت تفاصيل القرار عقب إعلانه تساؤلات كثيرة من بينها "لماذا أبو ظبي؟". 

المبادرة تستهدف جميع المصريين المطلوبين أو الذين قد يطلبون للتجنيد ممن تجاوزت أعمارهم 18 عاماً، وليست فقط لمن جاوزوا الثلاثين كما جرت العادة. وتحظر القوانين إتمام المعاملات الرسمية لأي ذكر مصري مطلوب للخدمة العسكرية الإلزامية ولم يحصل على إعفاء من الخدمة أو إذن بالتأجيل أو يؤدي الغرامة التي تفرضها عليه المحكمة العسكرية، ما يجعل الكثير من المصريين في الخارج غير قادرين على إتمام معاملاتهم الرسمية وعلى رأسها استخراج وتجديد الوثائق الرسمية بسبب الموقف من التجنيد.

ووفقاً للمبادرة التي طرحتها الخارجية، يتم سداد مبلغ قدره 5000 دولار أو يورو،  على حساب بنك مصر فرع أبوظبي، وإلاّ فلن يُسمح بتجديد جوازات السفر للمصريين المقيمين بالخارج ممن حل عليهم الدور في سن التجنيد اعتباراً من سن 19 عاماً حتى سن 30 عاماً، وكذا ممن تجاوزوا سن 30 عام لتسوية موقفهم التجنيدي.

فور الإعلان ربط البعض بين إلزام المبادرة للمصريين الراغبين في تسوية أوضاعهم بسداد الرسوم الكبيرة نسبياً بالعملة الأجنبية، وبين أزمة  صعوبة توفير الدولار وفي ظل تأخر وصول الشريحة الثانية من قرض بقيمة 3 مليار دولار مقدم من صندوق النقد الدولي

  فور الإعلان ربط البعض بين إلزام المبادرة للمصريين الراغبين في تسوية أوضاعهم بسداد الرسوم الكبيرة نسبياً بالعملة الأجنبية، والتي توازي قيمتها نحو 15490 جنيهاً مصرياً وفقاً لسعر الصرف الرسمي بالبنوك المصرية ونحو 194 ألفاً، بحسب سعر السوق السوداء، وبين أزمة  صعوبة توفير الدولار وفي ظل تأخر وصول الشريحة الثانية من قرض بقيمة 3 مليار دولار مقدم من صندوق النقد الدولي.

إلا أن بيان وزارة الخارجية أكد أن إطلاق المبادرة جاء بعد تلقيها طلبات عديدة من المواطنين بالخارج حول إمكانية تسوية أوضاعهم التجنيدية "نظراً لتردد بعض المواطنين في العودة إلى أرض الوطن وعدم إمكانية المغادرة مرة أخرى، بسبب عدم التصريح لهم بالسفر كونهم مطلوبين للخدمة العسكرية أو عدم إنهاء موقفهم التجنيدي". وعليه أعلنت الوزارة فتح باب التسجيل على موقعها  للاستفادة من المبادرة اعتبارا من 14 أغسطس/ آب المقبل ولمدة 30 يوماً فقط.

رصيف22 تواصل هاتفياً مع المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، للوقوف أكثر على أبعاد القرارات التي شملتها المبادرة، غير أنه تحفظ على الإجابة على بعض التساؤلات لحين توفر المعلومات لديه بشأنها، لكنه أكد أن القنصليات التابعة للسفارات المصرية سوف توفر خطوطاً ساخنة للإجابة على تساؤلات المواطنين ومساعدتهم في إجراءات تقنين موقفهم من التجنيد.

الإعفاء من التجنيد مقابل السداد

من الأسئلة المطروحة من قبل المصريين في الخارج هو اقتصار مدة التسجيل وسداد الرسوم على 30 يوماً فقط، وهو ما يفسره السفير جمال بيومي المساعد السابق لوزير الخارجية والذي لا يزال على غطلاع بمجريات العمل في الوزارة، بأن المدة حددتها اللجنة التي ستزور السفارات لعقد المقابلات مع الراغبين في الاستفادة من المبادرة، ولم يحدد السفير هوية أعضاء تلك اللجنة مكتفياص بالقول إنهم "من كبار رجال الدولة". 

وترجع كافة القرارات الخاصة بالتجنيد طلباً وتعبئة وإعفاءً إلى وزارة الدفاع المصرية المسؤولة عن إدارة الجيش المصري وأفرعه وتمركزاته. وكانت مصر قد ألغت نظام "البدلية" أي الدفع مقابل الإعفاء من الخدمة العسكرية في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

ويعتبر بيومي أن 30 يوماً هي مهلة كافية بالنسبة للمصريين في الخارج الذين لم يوفقوا موقفهم التجنيدي بعد، لكنه يرجح أن توافق وزارة الدفاع على تكرار المبادرة مرة أخرى في مرحلة لاحقة كون أن هناك مصريين في الخارج لن تكفي دخولهم لتدبير هذا المبلغ خلال المدة الممنوحة.

مسؤولون بالخارجية: القرار بكافة تفاصيله يرجع إلى وزارة الدفاع المصرية فهي جهة الاختصاص في كل ما يتعلق بالتجنيد، ويتضمن ذلك تحديد المبلغ وآليات وجهة السداد

ويوضح بيومي أن الرسوم المطلوبة البالغة 5 آلاف دولار/ يورو،  قد حددتها جهة الاختصاص، ودور وزارة الخارجية هو التمثيل كونها هي من تمثل كافة جهات الدولة في الخارج، وبالتالي وزارة الدفاع بالتعاون مع وزارة المالية هما من حددا الرسوم وسبل تسديدها بما فيها اختيار بنك مصر فرع أبو ظبي.  يضيف أن جهة الاختصاص هي من قررت أن الرسوم يجب أن تسدد فوراً ودفعة واحدة من دون أقساط أو تسهيلات دفع، رافضاً اعتبار المبلغ "كبيراً" لأنه في رأيه بمثابة  "غرامة تهرب من التجنيد أو أشبه بما يكون بنظام البدل النقدي للإعفاء من التجنيد الإجباري والذي كان معمولاً به من قبل"، لافتاً لكون مبادرة وزارة الخارجية لا تتضمن الطلاب، ومشيراً لكون كثير من المصريين في الخارج يستغلون ثغرة الدراسة للتهرب من التجنيد.

يتزامن القرار مع أزمة كبيرة في توفير العملة الأجنبية دفعت البنكين الحكوميين الأكبر إلى إعلان عدة مبادرات متلاحقة خلال الايام الماضية، سعياً لجمع أكبر حصيلة ممكنة من الدولار، في وقت أعلن فيه البنك الدولي مستنداً لبيانات رسمية أن المبالغ المطلوبة من مصر حتى مارس/ شباط المقبل تبلغ 55.2 مليار دولار

ودأبت السلطات على تغريم من تخطوا سن 29 عاماً من دون أداء الخدمة العسكرية الإلزامية ممن لم يجر إعفاؤهم بأداء مبلغ يصل 10 آلاف جنيه مصري (230 دولاراً). بحسب نص القانون 127 لسنة 1980.

وحول الانتقادات بشأن تخصيص فرع بنك مصر في أبوظبي فقط لتسديد الرسوم وعدم السماح بتسديدها لدى البنوك المصرية الحكومية داخل البلاد، يقول الدبلوماسي المصري: "هذا أيضاً ليس قرار الخارجية المصرية، وزارة الدفاع هي من حددت ذلك لأسباب إجرائية فتحويل لتجميع الأموال قبل تحويلها بالعملات الأجنبية إلى حسابات الوزارة داخل مصر.

الدفاع المستفيدة والمبادرة قرارها

فيما يكشف السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة ومساعد وزير الخارجية الأسبق، أن وزارة الدفاع المصرية هي جهة الاختصاص التي تمتلك الصلاحيات الخاصة بالتجنيد والإعفاءات، وقامت بالتنسيق مع وزارة المالية لتحديد قيمة الرسوم والإجراءات، بينما تعد وزارة الخارجية ممثلة عن الدولة المصرية، مشيراً لكون الرسوم المفروضة سيتم تحويلها إلى فرع بنك مصر في أبوظبي، وهي مسائل إجرائية لا تحددها وزارة الخارجية وإنما فروع بنوك معينة، كي لا يتم تحويل المبالغ للعملة المحلية عبر البنوك في مصر ببالعملة المحلية بما يعادل الدولار، مؤكداً أن الجهة المستفيدة من الرسوم هي وزارة الدفاع وليست الخارجية، وبالتالي هي من تقوم بتحديد الاجراءات، وفروع البنوك التي لديها تعامل مع البنوك القومية المصرية، لتقوم بتحويل المبالغ بالعملة الأجنبية إلى حساب الجهة المختصة في القاهرة.

ويرى رخا أنه سيتم الأخذ في الاعتبار حالات المواطنين الذين يعجزون عن توفير الأوراق المطلوبة أو سداد الرسوم خلال شهر ومراعاة ظروفهم وتوفير تسهيلات لهم، وأن التجربة العملية ستكشف عما ستسفر عنه الأمور.

ياتي تخصيص حساب خاص في بنك مصر فرع دبي متزامناً مع تفاوض مصر على قرض من صندوق أبو ظبي للتنمية يبلغ مجموعه 400 مليون دولار لتدبير احتياجات الدول العربية اأكثر سكاناً من القمح

يأتي قرار وزارة الدفاع للسماح بالإعفاء من التجنيد لمن يؤدي المبلغ المحدد (5000 دولار أو يورو) في ظل أزمة طاحنة في العملة الاجنبية تعانيها الدولة المصرية، دعتها لإطاق عدة مبادرات متلاحقة خلال الأيام الماضية لجمع أكبر قدر ممكن من الدولار في وقت قصير، منها إعلان البنكين الحكوميين الاكبر (الاهلي ومصر) عن مبادرة لفتح شهادات للعملاء بأسعار فائدة تراوح بين 7 و9 بالمائة، شريطة الإيداع بالدولار لمدة 3 سنوات، كما اعلن البنكان نفساهما عن قروض ميسرة للمصريين بالخارج بضمان رواتبهم (ما يعني تحويل تلك الرواتب إلى البنوك المصرية) على أن تؤدى أقساط القرض بالدولار.

في الوقت نفسه، كشف تقرير للبنك الدولي عن أن مصر مطلوب منها سداد مبلغ 55.2 مليار دولار حصيلة أقساط الديون وفوائدها حتى مارس/ أذار المقبل. في وقت لجأت الدولة إلى تلقي قرض يبلغ 400 مليون دولار من صندوق أبو ظبي للتنمية، مقسماً على 4 شرائح أولاها بمبلغ 100 مليون دولار، لشراء قمح تنتجه شركة إماراتية لديها مزارع في مصر. وهو ما ربط البعض بينه وبين تلقي مبالغ الإعفاء من التجنيد على حساب تابع للدولة المصرية في أبو ظبي التي تقرض بنوكها مصر لسداد حاجاتها الغذائية العاجلة.  

"نحميهم من عصابات التهريب"

وعلق السفير أحمد القويسني، مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون القنصلية والمصريين في الخارج، لـرصيف22 على بيان وزارة الخارجية، بأن السلطات المصرية تدرك أن هناك تزايداً في أعداد الشباب المصريين الذين غادروا مصر بحثاً عن فرص عمل أو لاكتساب الخبرة والدراسة في دول أخرى، وتطول إقامتهم بالدول التي سافروا إليها مما يؤدي لاستنفاذ صلاحية أوراقهم الثبوتية وعلى رأسها جواز السفر، ويكون معظمهم قد غادروا قبل سن التجنيد أو تخلفوا عن أداء الخدمة العسكرية، وبالتالي يعجزون عن تجديد وثائقهم الثبوتية أو حتى العودة إلى مصر لأداء خدمتهم لصعوبة العودة إلى تلك البلدان أو فقدان وظائفهم أو تكوينهم لأسر هناك أو اكتساب جنسية الدولة الأجنبية التي يعيشون بها.

واعتبر القويسني أن المبادرة "التي طرحتها وزارة الخارجية" تأتي ضمن حرصها على رعاية المصريين في الخارج وحل مشكلاتهم.

ويضيف الدبلوماسي أن وزارة الخارجية تنوب عن كافة الوزارات فيما يخص أبناءها المقيمين  بالخارج، ومن بينها وزارة الدفاع المعنية بهذه المبادرة، لافتاً لسوء الأوضاع التي يعاني منها الكثير من المصريين في الخارج ولا سيما إيطاليا، جراء عدم تسوية موقفهم التجنيدي، "مما يجعلهم فريسة لاستغلال وابتزاز عصابات تهريب الشر والمجرمين".

ويرى القويسني أن المعترضين على قيمة الرسوم المقدرة بـ5 آلاف دولار/ يورو أو يرغبون في إطالة مدة مهلة السداد المحددة بـ30 يوماً يستطيعون اللجوء إلى السفارات المصرية في البلدان التي يقيمون بها لعرض شكاويهم ومقترحاتهم والتفاوض على تسهيلات للسداد. 

موضحاً أنه يوجد بكل سفارة ملحق عسكري، وهناك بعثات تخرج من وزارة الدفاع المصرية من وقت لآخر لتقنين أوضاع المصريين في الخارج من ناحية تأدية الخدمة العسكرية.

وينفي مساعد وزير الخارجية السابق وجود أي علاقة بين أزمة توفير العملة الأجنبية وبين المبادرة التي أصدرتها الخارجية - حسب معلوماته- بالتنسيق مع وزارة الدفاع المصرية، مؤكداً أن مصر تسدد أقساط ديونها عبر أرصدتها في البنوك المختلفة، ومستغرباً "التشكك في إتاحة الخارجية لسداد الرسوم عبر فرع بنك مصر في أبوظبي فقط"، لافتاً إلى أن المبادرة لمصلحة المصريين في الخارج "لا سيما أن الحالات تراكمت وازدادت أعدادها".


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard