تتصدر مدينتا صنعاء القديمة شمال اليمن، وحضرموت شرقه، فن المعمار للبيت القديم، حيث ما تزال هاتان المدينتان العريقتان محافظتين على نمط وشكل البناء القديم بزخارفه ونقوشه التي تجذب اهتمام الزوار والمعماريين من كل العالم، وتعكس التاريخ القديم للمنزل اليمني في العصور القديمة.
تتنوع تقنيات البناء في اليمن، كما تتنوع مواضيعه ومواده بين الأحجار والطين والأبراج والنوافذ والأبواب الخشبية التي ما تزال متألقة ومثيرة للدهشة رغم انقضاء العديد من القرون على هذا الفن المعماري، فلم يتعرض للاندثار ولم يتحول إلى مشهد ماضوي بل ظلّ حاضراً حياً وقابلاً للاستمرار.
باعتراف العالم، فالمعمار اليمني لا يشبه سواه، وهذا الاعتراف دائماً ما تعكسه قرارات اليونسكو في سعيها للحفاظ على هذه المنازل كجزء أصيل وحي من التراث العالمي، مثلاً في العام 2020 وضعت المنظمة 129 منزلاً في مدينة صنعاء القديمة ضمن خطة طارئة للتدخل لحماية المدينة التاريخية المصنفة على قائمة التراث العالمي.
وبالإضافة للقائمة الإرشادية المؤقتة لمواقع التراث العالمي التي تشارك اليمن بـ9 مواقع فيها، تم تصنيف 5 في قائمة مواقع التراث العالمي، هي:
مدينة شبام القديمة وسورها وتم ضمها في العام 1982.
مدينة صنعاء القديمة وتم ضمها في العام 1986.
حاضرة زبيد التاريخية وتم ضمها في العام 1993.
أرخبيل سقطرى وتم ضمه في العام 2008.
ومملكة سبأ القديمة بمحافظة مأرب التي تم ضمها هذا العام 2023.
الجغرافيا اليمنية
يرى المهندسون والمؤرخون أن احتفاظ البيت اليمني بحضوره، وعدم استبداله بالمعمار الحديث في كثير من الأماكن، إنما يشكل دلالة قوية على متانة البناء القديم، ونجاح تقنياته المتوارثة في الصمود في وجه الزمن وعوامل الطقس في تلك المناطق تحديداً، لأن هذه التقنيات التي تم توارثها شكلت نتيجة تراكمية لأنجح طريقة ممكنة لبناء المنزل في الجغرافيا اليمنية المميزة عن سواها.تقول المهندسة نادية الكوكباني لرصيف22: "اعتمد البيت اليمني على المباني البرجية سواء في صنعاء، أو مدينة شبام حضرموت، هذا الخيار الذكي كان لغايات ترك أكبر مساحة ممكنة من الأراضي للاستفادة الزراعية واستثمارها في الإنتاج الغذائي وليس البناء".
وتضيف: "بالتالي فالمنازل في مدينة صنعاء مبنية بناء برجياً رأسياً، ويتراوح هذا البناء في العادة بين دورين إلى سبعة أدوار بالإضافة إلى المنظّر في الدور السابع".
يرى المهندسون أن احتفاظ البيت اليمني بحضوره، وعدم استبداله بالمعمار الحديث إنما يشكل دلالة قوية على متانة البناء القديم، ونجاح تقنياته المتوارثة في الصمود في وجه الزمن وعوامل الطقس
تقسيم المنزل القديم
وتشرح الكوكباني عن استخدامات الغرف والأدوار المختلفة التي أدت إلى هذا التقسيم، فعادة ما يكون في الأدوار الأرضية أمكنة للحيوانات، وللمطحنة التي يتم فيها طحن الحبوب، ومدخل رئيسي، وبئر يأتون منها بالماء، وتشير إلى أن البئر كثيراً ما وُجدت في البيوت الكبيرة في صنعاء القديمة.وهناك جزء مسروق من الدور الأرضي كما تصف اسمه "طبقة" باللهجة اليمنية الدارجة، أما الاسم العلمي أو المعماري له فهو "ميازنين" وهذه الطبقة أقرب إلى المخزن للحبوب يتم فيها حفظ مؤونة المنزل من قمح وشعير وذرة، ويتم بناؤها كصناديق تطلى بالـ"قباب" والتي هي مادة عازلة تُبقي المكان بارداً وبالتالي لا تتعرض الحبوب خلال تخزينها للتلف الذي تسببه الحرارة الشديدة في فصل الصيف.
عادة ما يكون في الأدوار الأرضية في البناء القديم أمكنة مخصصة للحيوانات، بئر للماء، ومطحنة حبوب
أما الدور الأول فهو للمعيشة، وعادة ما توجد فيه غرفة رئيسية، وحمام، ومطبخ، أو قد يُلحق المطبخ مع غرفة المعيشة أو بعض الغرف التي يمكن استخدامها للنوم في البيوت الكبيرة. كذلك يضم الدور الأول أماكن استقبال الضيوف، وهي من نوعين في النمط البرجي للمنازل الصنعانية القديمة، فالجزء الشرقي يختلف فيها عن الغربي وهو الذي جاء به الأتراك.
وفي الدور الثاني هناك الديوان وهو أيضاً لاستقبال الضيوف، ويأتي تقسيمه مع ملحقات من غرف إضافية وحمام ومكان للخدمات، وأثناء الصعود إلى الدور الثاني يكون هناك جزء مسروق يسمى "الكمة" وهو مكان غير مرتفع ويتم استخدامه كمخزن أو بالأحرى كخزانة لحاجيات النوم وبعض الملابس، لا سيما في البيوت ذات العدد الكبير.
أما الدور الثالث وما فوقه فعبارة عن غرف نوم لجميع أفراد الأسرة، مع حمامات وصالة توزيع.
التجواب والمنظرة
في الغالب فالتقسيم السابق هو المعدل الطبيعي للبيوت التي تنتهي في الدور الخامس، إلا أن بعض المنازل الكبيرة قد تضيف طابقاً سادساً و"منظرة"، وهي الغرفة المرتفعة ذات النوافذ المفتوحة من ثلاث جهات، وقد جاء سبب تسميتها من متعة النظر كونها تطل على المدينة من ارتفاع عالٍ، وتطل على السطح من فتحات تسمى "التجواب".يمنح التجواب الناظر من المفرج إلى المدينة متعة خالصة بحيث لا يحدث أي قطع بصري، وهو عبارة عن أقواس ارتفاعها أكثر من متر وتكون مفرغة من الداخل في الجزء الشرقي، أما بالنسبة للجزء الغربي فيسمى بستان السلطان وفيه تأثير تركي.
وأضافت الكوكباني في حديثها عن البيت القديم في صنعاء القديمة أن الفتحات تتسلسل من الصغيرة الى الكبيرة في الأدوار العليا بسبب الخصوصية وتوفير الأمان بشكل كبير، ويتم تحديد الأدوار بالحزام بين كل دور ودور، وهو ما يسمى بالحزام الصنعاني .
وقد استخدم اليمنيون الزخارف في مادة الياجور في الأدوار العليا وزخرفوها بمادة "الجس" حول العقود نصف الدائرية والدائرية وفي منطقة الحزام والتجواب.
قد تضيف المنازل الكبيرة طابقاً سادساً و"منظرة"، وهي الغرفة المرتفعة ذات النوافذ المفتوحة من ثلاث جهات، وقد جاء سبب تسميتها من متعة النظر كونها تطل على المدينة
شبام حضرموت
أما في شبام بحضرموت فيقول المهندس برك باسويطين لرصيف22 إن البناء الطيني في مدينة شبام حضرموت يتكون بالأساس من الطين البكر، ويأتي من الأراضي الزراعية بعد خلطه بمادة التبن عقب حصاد القمح، حيث يتم خلطها بالماء لصنع "المدر" ليبدأ بناء البيت منه، وتستغرق عملية التبجيس من 10 أيام إلى 15 يوماً.وعن تقسيمات البيوت في شبام حضرموت يقول باسويطين إن الدور الأول يكون خاصاً بتخزين الحبوب والتمر والمواد الغذائية، فيما يخصص الدور الثاني للحيوانات، أما الدور الثالث فخاص بالرجال واستقبال الضيوف من خارج البيت، والدور الرابع خاص بالنساء، والدوران الخامس والسادس يخصصان للأطفال.
الأماكن الأثرية
المعمار اليمني كما يصفه المهندسون هو نتاج مئات السنوات من البحث والتجريب عن أفضل الآليات والمواد التي يمكن أن تكون فعالة ومقاومة لعوامل الطقس والبيئة الصعبة في اليمن، وكأنه تخصص هندسي قائم بذاته ينبع من حالة من التصالح مع المحيط، والاعتماد بالأساس على ما تقدمه الطبيعة من مواد، وهذه الخصوصية هي الدافع الأول في النداءات التي ظهرت في السنوات الأخيرة لحماية هذه التحف المعمارية من آثار الحرب والإهمال، وتالياً بعض أبرز القطع المعمارية اليمنية التي لا بد من زيارتها لعشاق البناء المختلف والهندسة الخضراء:
قرية ثلاء: وهي من أهم القرى التاريخية القريبة من صنعاء، ويحيط بها سور حجري أثري، كما تضم أكثر من 25 برجاً رأسياً.
قصر دار الحجر: القريب من صنعاء والذي يقوم على برج صخري، ويتكون من ثلاثة أدوار فوق الصخر بالإضافة إلى دورين من الحجر.
مسجد الشعب: وكان اسمه مسجد الصالح، وهو أحد أكبر مساجد اليمن وبني من مزيج بين الطابع اليمني والطابع الإسلامي واليمني، وهو بناء حديث تم افتتاحه في العام 2008 وكان من القبلات السياحية للزوار قبل الحرب.
مدينة كوكبان: وهي مدينة تاريخية تمتاز بموقعها الخاص فوق أحد التلال المرتفعة وطبيعتها الخلابة ومعمارها المميز الذي لا يشبه سواه.
مدينة زبيد: وهي العاصمة القديمة لليمن، والتي تضم النماذج الهندسية للعمارة العسكرية والمدنية القديمة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع