شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"هل أسجل بناتي في الروضة؟"... جدل حول مقترح لغرفة تعرٍّ في روضة ألمانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

منذ فترة وأنا أعرّف عن نفسي بهذه الطريقة: "أنا تغريد، أم لثلاثة بنات، اثنتان منهما طفلتان". ليس فخراً بأمومتي كما يقال إنما لأبني خلفية بسيطة لمن أتكلّم معه عن شكل حياتي الحالية، حياتي التي بشكل أو بآخر لا أملك منها سوى ست ساعات صباحاً عندما تكون بناتي في الروضة، وساعتين بعد نومهن، وما تبقى أنا مربوطة بحبل غليظ، يكون ليناً أحياناً فيدغدغني حد الضحك أو القهقهة، وقاسياً أحياناً فأتخيله مشنقة، ليس هذا ضرباً من الجنون، هذا ما أحسّه حرفياً.

عندما أشتكي لأمي تزمزم شفتيها وتتهمني بأنني أتجبّر على نعمة الله ثم ترشدني لأستغفر: "استغفري أحسن ما الله يحرمك ياهن". وعندما أرمي كلامي لأذن صديقتي تردد: "ييي لسة ما شفتِ شي، محلاهن وهنن صغار".

أتا تغريد أم لثلاثة بنات بأعمار مختلفة، سعيدة معهن وبهن ومتعبة معهن وبهن، لا أملك رفاهية حضور اجتماع أونلاين، ولا مكالمة هاتفية بوقت الظهيرة، لا أستطيع حضور حفل زفاف صديقة قبل ترتيب مسبق مع أوقات عمل زوجي، ولا أملك أي قرار يمكن أخذه بجزء من الثانية قبل أن أتنهد، أفكّر، أوازن الأهميات ومن ثمّ ابتسم وأرفض.

 أعرّف عن نفسي بهذه الطريقة: "أنا تغريد، أم لثلاثة بنات، اثنتان منهما طفلتان". ليس فخراً بأمومتي، ولكن لأبني خلفية بسيطة لمن أتكلّم معه عن شكل حياتي التي لا أملك منها سوى ست ساعات صباحاً عندما تكون بناتي في الروضة، وساعتين بعد نومهن

شعري يكون في أغلب النهار منكوشاً، كحلتي كباندا، أظافري قصيرة، وقمصان نومي الساتان مهجورة على رف الخزانة، أشارك مع صديقاتي صور الطفح الجلدي الذي عانت منه ابنتي بعد رحلة المسبح، وأحياناً أبدي رأيي الخاص بأفضل نوع حفوضات، والعمر الأفضل لتعليم الأطفال استخدام الحمام.

لست عاملة، بل متفرغة تماماً لعائلتي الصغيرة، أتحول أحياناً "فاشِنيستا" فأجدني أرتدي فستاناً وكندرة بكعب عالٍ، وأحياناً عاشقة مسائية ترتدي قميص نوم مثيراً وهي تفكر بموعد طبيب أسنان الأطفال في الصباح الباكر وتحمل هم الاستحمام المسائي وتنشيف الشعر قبل العاشرة مساءً.

أخذت قراراً بأن يلتحق بناتي بدور الرعاية النهارية ليس لأنني أم عاملة، بل لأنني أبحث عن وقت أقضيه على شاشة هاتفي لأتابع "الريلز" دون أن يقاطعني صوت مينا ابنتي سبع مرات خلال دقيقة، سمعت الكثير من النصائح مثل: "شو بدك بهالشغلة، استني ليكبروا أحسن ما يعلموهن عالمثلية وعلحم الخنزير، ازرعي قيمك قبل القيم الغربية".

شعري يكون في أغلب النهار منكوشاً، أظافري قصيرة، وقمصان نومي الساتان مهجورة على رف الخزانة.

لكنني ضربت كل النصائح الفريدة بعرض الحائط وسجلتهن في الروضة، ست ساعات أملك بها الوقت لأنام، أو أكتب، أو اتمشى، أشرب قهوة مع جارتي أم حسين، أثرثر بمكالمة جماعية، أشحن طاقتي لأكمل كإنسان طبيعي قادر على الابتسام بوجه صغيرتين لا كوحش يصرخ بقية النهار.

وفي كل مرة كنت أشارك مخاوفي في مجتمعي، اسمع كلمات من قبيل: "مين قلك تتركي بناتك للروضة؟ إذا ما بدكن تقضوا معهن وقت ليش تخلفوا؟ بهالبلد الولد لازم يربى بحضن أمه!".

أمه؟ ماذا عن أبيه مثلاً؟ لا يفوت هذا المجتمع فرصة للتنكيل بمشاعر الأمهات.

في كل مرة كنت أشارك مخاوفي في مجتمعي، أسمع كلمات من قبيل: "مين قلك تتركي بناتك للروضة؟"

الأم هي الوعاء الذي يشعر المجتمع أنه عليه سكب كل اللوم والتنظير فيه، دون النظر لما تعانيه أي أم عاملة كانت أم ربة منزل، شيء ما يجعل الحكم تجاه أي تصرف من تصرفاتها سهلاً، ولو قررت بعد أشهر أن تترك ابنها لجارتها مثلاً لأنها بحاجة لشرب فنجان قهوة لوحدها... هذا بنظر المجتمع ذنب لا يغتفر.

تجيبني على ذلك الاستشارية التربوية وصاحبة مشروع "علمتني كنز"، غزل بغدادي. تقول: "يبدو رد فعل المجتمع صادماً ومخجلاً! كيف يمكن أن نكون في القرن الواحد والعشرين وما زلنا نطالب بإيقاف الأحكام ضد الأمهات وإعطائهن كامل حريتهن في اختيار ما هو الأنسب. كتربوية وأم، أنا لست مع ذهاب الطفل إلى الروضة في عمر مبكر وأرى أن العمر المناسب للروضة هو 3 سنوات، لكن رأيي هذا لا يعمم ولا يناسب الجميع! ببساطة هناك ملايين الأمهات في العالم، ولهن الحق في اختيار ما يناسبهن ويناسب أطفالهن، ومن واجبنا تقديم كامل الدعم لهن. أعتقد أن تغيير هذا المفهوم يبدأ من الأم نفسها، من زيادة ثقتها بنفسها بأمومتها والعمل بكل جد على تقديس شعورها بالحرية".

اقتراح غرفة تعرٍ للأطفال في إحدى الروضات الألمانية

في أحد الصباحات الصيفية الألمانية التي ينسل بها العرق من رقبتي حتى عمودي الفقري، استيقظت لأجد أكثر من خمس عشرة رسالة على تطبيق الواتس أب تحمل الرابط عينه.

روضة في هانوفر في مقاطعة نيدرزاكسن الألمانية، تقرر فتح غرفة تعرٍ للأطفال، واليوغند آمت، أي مكتب رعاية الأطفال والشباب في ألمانيا، يوقف المشروع ويضع الروضة تحت المراقبة، حسب وسائل إعلام ألمانية فإن مديرة الروضة نفت أن يكون هناك في روضتها التابعة لمنظمة آفو، أي غرفة لهذا الاستخدام ووعدت السلطات بالتحقيق مع المشرفات صاحبات الفكرة. انتهى الخبر هنا.

لكن لم ينته بالنسبة للقادمين الجدد إن صحت التسمية، ولم يتوقف الخبر هنا بل أعاد فتح ملفات قديمة تخص الروضات ودور الحضانة والموتر تاغ أو الأم النهارية التي تعني المربية الخاصة، وبدأت الأخبار والمنشورات وصناع محتوى تيك توك بنشر الخبر والحرص على دسه ضمن قالب تعميمي وكأن ما حصل في هانوفر، يحصل في كل روضة في ألمانيا.

لا أنكر أبداً الخوف الذي احتلني، وبالطبع الخوف الذي سيطر على الكثير من الأمهات والآباء، باتت روضة هانوفر هي حديث الأسبوع، خصوصاً عند لقاء الآباء والأمهات على باب الروضة حيث يطرح نفس السؤال "سمعتوا شو صار بهانوفر؟"

تعلّق غزل بغدادي لرصيف 22 عن حادثة هانوفر قائلة:

"لا أوافق مع هذه الطريقة في اكتشاف الجسد، موضوع الجنس هو موضوع حساس ولا أقصد هنا بكلمة حساس معنى الخجل، أقصد أنه موضوع حساس لعمق أثره على حياتنا، فهو يؤثر على علاقتنا بأجسادنا وعلاقاتنا العاطفية والجنسية في المستقبل. الطفل قادر على اكتشاف جسده بنفسه، يضع إصبعه في عينه فيكتشف عينه، ثم أنفه، ثم الفم وهكذا، ما يجب على المربي تقديمه في مرحلة الاكتشاف هذه هي المراقبة والتوجيه وإعطاء كامل الحرية للطفل.

لا يوجد عمر معين لتقديم المعلومات الجنسية، يجب أن يكون جهد المربي كاملاً مبنياً على خلق علاقة صحية وقوية بينه وبين الطفل، بالتالي يشعر الطفل بالراحة والأمان لطرح أي سؤال يخطر بباله على المربي، وهنا يتم تقديم المعلومات الجنسية بالإجابة على أسئلة الطفل بطريقة صحيحة ومناسبة لعمره".

هانوفر هي المدينة الملاصقة وعاصمة المقاطعة التي أعيش بها مع ابنتي، يا إلهي ألهذا الحد أصبح الحدث قريباً مني؟ أفكار تأخذني وتعيدني، لكن هناك دائماً ما يطمئنني، فالروضة التي ترتادها بناتي، روضة كنسية، بنظام كنسي متحفظ.

في الأسبوع ذاته تمت دعوتي لحضور اجتماع أولياء الأمور وكان النقاش يدور حول مشروع اسمه، مشاعري كيف أعبر عنها وبين قوسين كيف أقول لا بصوت عال، منذ انطلاق المشروع كنت من أشد المعجبات به، شيء أتمنى لو أن أحدهم علمني إياه عندما كنت طفلة، ولكن هذه المرة كانت تقف المشرفة بجانب لوح مليء بالكلمات والجمل الألمانية بلغة عالية واختصاصية، بدأ تركيزي يقل، وبينما أرى كلمة "سكس" ببداية كل مصطلح، ينقبض قلبي. لم أفهم ما تحاول المشرفة شرحه، أمسك هاتفي المحمول لأحاول الترجمة، لكني أفشل، كل الشهور التي قضيتها أتعلم اللغة تبخرت فجأة، ثم سمعت كلمة شبيل دكتور، لعبة الطبيب، هذا المصطلح الذي سمعته بنشرة أخبار روضة هانوفر، بعد الاجتماع فجأة شكل الأهالي كتلة من الآباء والأمهات يحاولون فهم شيء، بدأنا بكتابة اعتراض، التحضير لاجتماع رسمي وقانوني، المطالبة بمترجم.

بينما أرى كلمة "سكس" ببداية كل مصطلح، ينقبض قلبي. لم أفهم ما تحاول المشرفة شرحه، أمسك هاتفي المحمول لأحاول الترجمة، لكني أفشل، كل الشهور التي قضيتها أتعلم اللغة تبخرت فجأة

ثم توقفت قليلاً وبهدوء ذهبت للمشرفة لأستوضح ما الذي تكلمنا عنه؟ لأتفاجأ أن الموضوع بعيد تماماً عما جرى في هانوفر، بل هو خطة عن طريق قراءة القصص والتجارب لتعليم الطفل حدود جسده، وكيف يقول لا بصوت عال.

"قرار إرسال الطفل إلى الروضة هو قرار حر، قد تكون الأم في البيت وغير عاملة لكنها متعبة، مريضة، أو لديها رغبة بالراحة! هي حرة باختياراتها". غزل بغدادي، استشارية تربوية.

عن فضول الأطفال تجاه أجسادهم وأعضائهم، عن فهم آلية التحرش بطرق ابتكرها مختصون، ثم اكتشفت أنها ذكرت لعبة الطبيب كمثال عن طرق الأطفال لاكتشاف أجسادهم. وأكدت المشرفة أنه لا يمكن أن تسمح الروضة بلعبة الطبيب وهذا يعود لاحترام خصوصية الجسد، وكل ما حاولت المربية شرحه هو كيف نتصرف إذا ما اكتشفنا أن طفلنا يلعب اللعبة.

تبين لي فيما بعد أن المشرفة لم تكن تعلم أي شيء عما حدث بروضة هانوفر وعندما أخبرتها قالت إنها اختارت وقت خاطئاً جداً للشرح عن الموضوع.

في كل ما حدث ما زلت أسمع انتقادات عن الأم التي تترك أطفالها للروضات، وكأني إذا ما سجلت ابنتي بروضة فإني أرميهما في الشارع.

تختم غزل بغدادي حوارها معي: "قرار إرسال الطفل إلى الروضة هو قرار حر، قد تكون الأم في البيت وغير عاملة لكنها متعبة، مريضة، أو لديها رغبة بالراحة! هي حرة باختياراتها... ولا يحق لأي شخص أن يُقيم أمومتنا أو تربيتنا لأطفالنا!".

أنا تغريد أم لثلاث بنات أرسل طفلتيّ للحضانة لأنام ساعة أخرى وأشرب قهوتي مع أم حسين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بين دروب المنفى وذكريات الوطن

خلف كلّ مُهاجرٍ ولاجئ، حياة دُمِّرت وطموحاتٌ أصبحت ذكرياتٍ غابرةً، نُشرت في شتات الأرض قسراً. لكن لكلّ مهاجرٍ ولاجئ التمس السلامة في أرضٍ غريبة، الحقّ أيضاً في العيش بكرامةٍ بعد كلّ ما قاساه.

لذلك هنا، في رصيف22، نسعى إلى تسليط الضوء على نضالات المهاجرين/ ات واللاجئين/ ات والتنويه بحقوقهم/ نّ الإنسانية، فالتغاضي عن هذا الحق قد يؤدّي طرديّاً إلى مفاقمة أزمتهم والإمعان في نكبتهم. 

Website by WhiteBeard
Popup Image