شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"تحمل لي الهدايا صباحاً وتطلب لي الشرطة مساءً" ... قصتي مع جارتي الألمانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الثلاثاء 19 أبريل 202203:36 م
Read in English:

She showers me with morning gifts, but reports me to the Police at night”... My story with Heidi, my German neighbor

تسكن قبالة بيتي جارة ألمانية في أواخر الثمانين من عمرها، وحيدة إلا من زيارات ابنها الخاطفة. 

إيركا، أو هايدي كما تحب أن نناديها، ضغطت، منذ اليوم الأول الذي انتقلت فيه إلى بيتي، كبسة جرس الباب وهي تحمل سلة وطناجر وحاجات منزلية. قالت: "هذه الأشياء ستحتاجينها حتماً". ابتسمت ورددتُ: "هذا لطف كبير منك". قالت: "أعطني سبعة يورو في المقابل". 

خجلتُ ولم أعد أعرف كيف أقول إني لا أحتاج هذه الأغراض. لكنني قبلتها كي لا تعود جارتي حاملة أغراضها إلى بيتها. ثم قاطعت ذهولي: "هاتي خمسة يورو". فأعطيتها ما طلبت وأغلقت الباب.

إيركا لم تترك فرصة واحدة لزيارتي، طالبةً أن أغلق الباب الرئيسي، أو أن أنزل وأفتحه لأن شعرها غير مسرح كما تحب، أو أن تتصل بالبوليس لتشتكي عليّ. كنت أنزعج منها ومن كثرة كلامها. ولم أفهم كيف توبخني في الصباح ثم تذهب للسوق وتشتري لابنتي الشوكولا والألعاب. ثم ترن الجرس مجدداً لتوبخني بسبب شيء ما، ولاحقاً تجلب لي صناديق التفاح والبرتقال.

تسهر ليالي كي تصنع لبناتي قبعات شتوية وشالات دافئة، وتشتري لهن شجرات عيد الميلاد، وعندما تراني، وقد علقت دموعي بحلقي، تفتح يديها لتحضنني وتقول بالألمانية: "معلش، كل الرجال خنازير" Alle Männer sind Schweine فأبكي على كتفها ونغلق بابينا وننام.

جارتي الألمانية، توبخني في الصباح ثم تشتري لابنتي الشوكولا والألعاب. ثم تطلب لي الشرطة بسبب شيء ما، ولاحقاً تجلب لي صناديق التفاح والبرتقال.

إريكا التي أحفظ بيتها ككف يدي، أحفط أيضاً مواعيد طعامها ومتى تسقي ورودها ومتى يجب أن أسمع صوت خطواتها. أنا وهي كالقط والفأر توم وجيري، نتشاجر ثم تأتي لأرسم لها حاجبيها ونضحك، وفي كل مرة أبحث عن منزل آخر، أسمع صوتها في رأسي وهي تقول لابنتي:"فارتي الصغيرة، أنا جدتك التي تعيش لأجلك هنا".

في كل مرة تغضب لأن أحدنا نسي باب القبو مفتوحاً أو لأن ضيوفي ضحكوا بصوت عال، ألعن أبو الجيرة ومن ثم أحتضنها وتحضنني ونعتذر.

احتجت وقتاً طويلاً لكي أفهم كيف تفكر إيركا، وكيف تكنّ لي هذا الحب والحنان ثم تتصل بالبوليس لتشتكي علي وفي نفس الوقت تخرج من شقتها لتترجم لي شيئاً لم أفهمه.

تبتسم وتدخل كأنها لم تفعل أي شيء.

أحببتُ فكرة أن يكون لي حق ما، وأن يكون هذا الحق فوق كل الاعتبارات والتسميات والعلاقات.

فهمت مع الوقت أنها تفصل الأمور بعضها عن بعض ولا تعتبر لشكواها أي صلة بالعلاقة الشخصية. كذلك تتصرف معي بهذه الطريقة، لأنها تربت على أن وقت الراحة مثلاً حق مقدس لا يحق لأي شخص أن يعبث به ولو كان هذا الشخص جاراً أو صديقاً.
إنها تفصل المواقف عن علاقاتها الشخصية وهذا ما لا أستطيع أنا فعله على الأقل، لكنني أتدرب عليه. أحببت فكرة أن يكون لي حق ما وأن يكون هذا الحق فوق كل الاعتبارات والتسميات والعلاقات.

البارحة، عند الثامنة والنصف صباحاً، سمعت رجالاً ينادونها بصوت عالٍ، فتحتُ الباب فوجدت رجال الدفاع المدني والمسعفين ورجال الشرطة يقفون بالباب، ركضت كالمجنونة بلا كمامة، صرتُ أرتجف كأن أحدهم وضعني بصندوق ثلج، وسألتهم عن الأمر فلم يجيبوا. طلبوا أن أتصل بابنها وابنها لا يرد علي. 

دفعوا بي حتى أدخل منزلي وأغلقوا الباب وطلبوا مني عدم الخروج مجدداً. جلست على ركبتي أنتظر منشارهم اللعين ليفتح بابها. فُتح الباب لكن الإطفائي أمسك باب بيتي من الخارج وشده كي لا أستطيع فتحه. دخلوا إلى بيت إيركا وحين سمعت صوتها تصرخ رُدت لي الروح. خرجتُ من منزلي ورحت أركض إليها وأحضنها وأبكي. قبلت يديها ورأسها فضحكَت وقالت: "هالقد بتحبيني؟".

في أحد الأيام تأخرت جارتي الألمانية في الاستيقاظ نصف ساعة. فوجدت نصف بلادها على بابها بغية إنقاذها. يا إلهي هنا لا نحتاج أن ننتظر الجيران كي يكتشفوا جثتنا، يكفي أن لا نضغط على الزر.

إيركا تمتلك جهازاً في منزلها، عليها أن تضغطه كل يوم عند الثامنة صباحاً والثانية عشرة ظهراً والثالثة ما بعد الظهر والسابعة مساء. عليها أن تضغطه وتقول: "ما زلت بخير. أنا على قيد الحياة. مرحباً أنا إيركا". طردنا معاً رجال الدفاع المدني بعد أن جعلَتهم يصلحون الباب، وهي تركض وراءهم وتقول: "ثمنه 80 يورو".

في هذا اليوم تأخرت إيركا في الاستيقاظ نصف ساعة. فوجدت نصف بلادها على بابها بغية إنقاذها. يا إلهي هنا لا نحتاج أن ننتظر الجيران كي يكتشفوا جثتنا، يكفي أن لا نضغط على الزر. 

ضحكتُ وفرحتُ، التقطنا صوراً كثيرة. أثناء خروجي نادتني وقالت: "مفكرتيني بدي موت بهالسهولة. قاعدتلك مين حيشتكي عليك ويجبلك الشرطة؟".

خرجتُ وكل عشر دقائق أزورها وأضع أذني على الباب لأطمئن عليها.

اليوم، طرقت إيركا بابي وأعطتني مفتاح بيتها. أخبرتني أنها تخلصت من الجهاز. لم تعد تريده في منزلها. قالت لهم أن لديها جارة وابنة ولن تحتاجه.

كبر قلبي وأخذت منها حقيبة صوف جديدة. وبعد ساعتين اشتكت علي لشركة الإيجار بدعوى أنني عرقلت عمل الدفاع المدني لأني أضع على بابي خزانة أحذية.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image