شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
غضب يميني في ألمانيا... يؤججه مقال سوري ضد

غضب يميني في ألمانيا... يؤججه مقال سوري ضد "لعق النساء للبوظة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

Licking ice cream in public: A debate in Germany with a Syrian flavour

أن يكون الآيس كريم حديث الناس أمر لا يمكن للمرء استغرابه في هذا الصيف الحار، لكن نقاشاً مختلقاً بات على كل تغريدة ومنشور منذ أيام في ألمانيا، يستند على عنوان وضعته صحيفة، زود دويتشه، لمقالة كتبها صحفي سوري مفترض يدعى محمد الخلف بعنوان: "هل أكل البوظة في الأماكن العامة فاحش؟".

ضمن سلسلة مقالات بعنوان: "نمطي ألماني"، يتحدث محمد الواصل لألمانيا في 2015، عن تجربة اندماجه في المجتمع الألماني ومنها كيف لم يعد يحمر وجهه عندما يشاهد شابتين تأكلان أمامه الآيس كريم، وكيف كان يواجه صعوبات شديدة عندما كان يمر بمثل هذه المواقف سابقاً، حتى قبل فترة ليست بالطويلة. ويدّعي أنه: "في الكثير من المجتمعات المحافظة، بينها إلى حد ما بالتأكيد سوريا، يُتوقع من النساء خصوصاً أن يظهروا موقفاً متحفظاً ومحترماً في الأماكن العامة. أكل البوظة والأكلات الأخرى، التي يمكن مشاهدتها كقضيب، تعتبر استفزازية أو مستنكرة". فيما اعتاد هو ذلك كما يصف، بات لون رأس رفيقه القادم الجديد لألمانيا، إبراهيم، عند مشاهدته الامرأتين كبوظة الفراولة.

كتب محمد الخلف في صحيفة، زود دويتشه، إن تناول النساء للبوظة في الأماكن العامة، والأكلات الأخرى التي يمكن مشاهدتها كقضيب، يعتبر أمراً مستنكراً.

وكما كان متوقعاً تلقفت شخصيات من اليمين المتطرف، والصحافة المحسوبة عليها المقالة التي يبدو أن الصحيفة تقصدت جعل عنوانه إشكالياً. فكتب فرع حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف في هانوفر عن محمد الذي يشتكي من أكل النساء في الأماكن العامة في ألمانيا للبوظة والموز داعين إياه "للذهاب لوطنه".

وكتب مغرد مقرب من أوساط المحافظين من أصول تركية: "لأن، إبراهيم، يتوتر عندما تلعق النساء البوظة، ينبغي على المرء أن يخجل من لعق البوظة؟ إنه أمر من اثنين، إما طالبان تكتب في زود دويتشه، أو أحمق من حركة الووك".

تساؤل كرره "الصحفي" المقرب من أوساط نظريات المؤامرة بوريس رايتشوستر. وتقول إيفا ماريا شتروبل، التي تقدم نفسها كطبيبة من ميونيخ: "يجد محمد وإبراهيم، من زود دويتشه، إن النساء الألمانيات اللاعقات للبوظة، فاحشات. هذا للأسف ليس هزلاً رغم أنني بحثت دون جدوى عن إشارة لذلك".

وكتبت، آنا شنايدر، مقالاً لصحيفة دي فيلت المحافظة رأت فيه: "إن كان هناك من شيء فاضح فهو التفكير الذي يعود للعصر الحجري، الذي يصور النساء اللاتي تلعقن البوظة خليعات. ليس هناك شعور ديني قابل للجرح يبرر تقييد الحرية الأنثوية ولم أكن أظن أن على المرء نقاش ذلك في العام 2023".

أصداء لعقات البوظة وصلت إلى سويسرا أيضاً، فكتبت المجلة اليمينية، دي فيلت فوخه: " كيف يتجنب النساء الاعتداءات الجنسية؟ صحيفة زود دويتشه تنصح بأن لا تلعقن البوظة عندما يكون المسلمون في الجوار".

كتب الصحفي المتخصص بالنقد الإعلامي، شتيفان نيغماير، عن استراتيجية يتبعها اليمين (المتطرف)، تعتمد على اختلاق مطلب سخيف ثم التعبير عن الغضب بشدة حياله، معتبراً أن "الخلف" تطرق إلى تجربته ولم يطالب أحداً بعدم أكل البوظة كما أوحى اليمينيون

وحاول صحفيون آخرون تقديم رؤية أكثر توازناً لما ذهب إليه "الخلف" فيما كتب. فكتب الصحفي المتخصص بالنقد الإعلامي، شتيفان نيغماير، عن استراتيجية يتبعها اليمين (المتطرف)، تعتمد على اختلاق مطلب سخيف ثم التعبير عن الغضب بشدة حياله، معتبراً أن "الخلف" تطرق إلى تجربته ولم يطالب أحداً بعدم أكل البوظة كما أوحى المعلقون اليمينيون، واتخذوه دليلاً على أنه لا ينبغي السماح لأناس من "دوائر ثقافية" كهذه بالدخول إلى ألمانيا من الأساس.

وحده صوت السوريين كان خافتاً في ظل هذا الجدال اليميني اليساري المعتاد في ألمانيا.

نيغماير أشار إلى أن هناك تصرفات متحيزة جنسياً من قبل الألمان أيضاً لا يتطرق اليمين إليها، مفضلين اعتبار التحيز الجنسي مستورداً من الخارج، مستنكراً التعامل مع كاتب المقال "الخلف" الذي يكتب بصراحة عن اندماجه وما ترك من قناعات وعادات خلفه.

صحفي لدى جريدة برلينر تسايتونغ دافع عن "الخلف" أيضاً، معتبراً بسخرية ما كتبه دلالة عن "نجاح اندماجه".

وحده صوت سوريين آخرين كان خافتاً في ظل هذا الجدال اليميني اليساري المعتاد في ألمانيا.

بإلقاء نظرة على ما كتب "الخلف" المقيم في بلدة كيرشزيون، قرب ميونيخ بعد أن هرب من الرقة تحت تهديدات تنظيم داعش بحسب الصحيفة، نصادف مقالات إشكالية أخرى. هكذا يتحدث في أبريل/نيسان 2020، عن كون قيادة الدراجة مثيرة جنسياً.

صحيفة زود دويتشه تقدم للمقالة بالقول: "في سوريا موطن كاتب المقال، تعتبر قيادة الدراجة أمراً بذيئاً/مبتذلاً، في ميونيخ اكتشف خيارات أخرى"، قبل أن يتحدث، الخلف،  عن اعتبار قيادة الشخص الدراجة في سوريا وهو بالغ دلالة على رداءة في الذوق والرفاهية.

في مقالة أخرى في صيف 2022، بعنوان: "الذهاب للمطعم في سوريا إهانة... في ميونيخ معياري"، تقدم الصحيفة له ب: “عندما دُعي كاتبنا في ألمانيا للمرة الأولى للمطعم شعر بالخجل. في هذه الأثناء كان يقدر فوائد أن يُطبخ له". في مقالة نُشرت في ديسمبر 2022، تقدم الصحيفة لها ب: “من المعيب في سوريا بالنسبة للرجل أن يلبس صندل البيت، الحذاء المفتوح،  أو حتى جوارب منزلية دافئة. كذلك رفض كاتبنا لسنوات وفي النهاية رضخ..."

من الإشكالي والمزعج، لعدد غير قليل من السوريين/ات، اتخاذ بعض وسائل الإعلام الألمانية، صحفياً سورياً واحداً كسفير للجالية السورية في ألمانيا، ليُعرف الألمان بما هو معيب أو لا يجوز في سوريا

بصرف النظر عن مدى اعتبار مواقف "الخلف" ذكورية أو مقززة، وما إذا كان المرء بحاجة لسنوات لاعتبار أكل النساء للبوظة طبيعياً، يحق له طرحها في هذا العالم.

لكن من الإشكالي للغاية والمزعج، لعدد غير قليل من السوريين/ات، كما تشي ردات الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، اتخاذ بعض وسائل الإعلام الألمانية صحفياً/ة سورياً كسفير للجالية السورية في ألمانيا، أو رسولاً قادماً من تلك الأرض يعرف الألمان بما هو معيب أو لا يجوز في سوريا، خاصة عندما يكون اختيارها لمن تستكتب بهذا المستوى، وكأن سوريا مكونة من مجتمع واحد بعادات وتقاليد متطابقة.

بوسع "الخلف" التحدث عن تجربته الشخصية، نسخته من الحياة في سوريا، دون أن يعمم ويصبح ناقلاً لما يحب السوريون/ات ويكرهون، ثم تتبناها الصحيفة دون تمحيص، ثم يجعلها الألمان من مختلف المشارب السياسية يمينية كانت أو يسارية، حقائق يستندون عليها فيما إذا كان يصح تسميته نقاشاً.

هكذا لم يكن حال الصحفيين الألمانيين المذكورين الذين قررا التصدي للدفاع عن الخلف حيال الموجة اليمنية التي يتعرض لها. فعوض الاستفسار من سوريين/ات آخرين عما إذا كانت المزاعم الواردة في مقالات، الخلف، واقعية في المقام الأول، اعتمدا ما أورده كحقائق وافترضا أن توصيفه مطابق للواقع في سوريا ككل. من هناك انطلقا في مرافعتهما ودفعا بالقول إن، الخلف، تجاوز هذه العادات واندمج أخيراً في المجتمع الألماني، ما يوحي بأن كل سوري سيسلك طريقاً كهذا ليشفى أخيراً ويصبح مندمجاً مثالياً!

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

"نؤمن في رصيف22، بأن متابعة قضايا العرب خارج العالم العربي، في المهجر/ الشتات/ المنفى، هي أيضاً نظرة إلى أنفسنا، وإلى الأسباب التي اضطر -أو اختار- من أجلها الكثيرون إلى الهجرة بحثاً عن أمانٍ في مكانٍ آخر، كما أنها محاولة للفهم وللبناء وللبحث عن طرائق نبني بها مجتمعات شاملةً وعادلةً. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard