شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
يمنعون المغفرة ويبررون التحرش… مشايخ مصر في

يمنعون المغفرة ويبررون التحرش… مشايخ مصر في "السوشال ميديا"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والخطاب الديني

الخميس 27 يوليو 202302:50 م

ابتدأ الاسبوع الموشك على الانتهاء في مصر بفتوى واثقة من الداعية المثير للجدل  عن عمد، عبدالله رشدي، الذي وجه خطابه للفنانة المعتزلة حلا شيحة مؤكداً أن "توبتها غير مقبولة". الفيديو الذي قدمه الداعية، الذي أثار غضب زملائه من الأزهريين مراراً بسبب خطابه المنفِّر خاصة تجاه النساء، حاز عدداً كبيراً من المشاهدات كالعادة، كونه لا يعكس فقط - في هذا الفيديو كما في غيره - مزاجاً معادياً للنساء وإنما بات ركناً مهماً في تشكيل هذا المزاج العدائي.

عبد الله رشدي هو واحد من دعاة كثيرين ظهروا في مصر خلال السنين الأخيرة ليعكس وجودهم أزمات عدة تتعلق بادعاءات تردي الخطاب الديني الذي وصل في بعض مراحله للعدائية والشتائم وتبرير التحرش، وبخس حقوق المرأة والأقليات والآخر المختلف عن النموذج الذي يبشر به أصحاب هذا الخطاب.

الشيخ عبد الله رشدي

ظواهر هذا التردي باتت أوضح في موقفها الحاد من النساء، والدعوة الضمنية لزواج القاصرات، واستخدام التحرش الجنسي كعقوبة ضد النساء وتبرير العنف ضدهم بل وتبرير الاغتصاب أحياناً، وقتلهن إذا لم يرتدين الحجاب تحت عناوين الفتوى.

على خطا مبروك عطية سار عبد الله رشدي وتعددت فتاويه الخاصة بالنساء، منها دعوته لتزويج القاصرات بشرط أن تُطيق الوطء، كأن تكون سمينة الجسد. ودعا إلى ختان الإناث بدعوى أن هذا مكرمة، وحمّل النساء جزءاً من المسؤولية عن وقوع التحرش الجنسي بهن

أزمات يُشعلها دعاة

في يونيو/ حزيران من العام الماضي، ظهر الشيخ د مبروك عطية على قناته محذراً النساء من عدم الخروج إلا كالـ"قُفّة"، وإلا فسيكون مصيرهن القتل، وتعبير "قُفّة" هو لفظ مصري يدل على الحجاب بالملابس الواسعة، وواصل في الفيديو نفسه: "لو حياتك غالية عليكي اخرجي من بيتكم قفة، لا متفصلة ولا بنطلون ولا شعر على الخدود. ولو لبستي محزق، هيصطادك اللي ريقه بيجري ويقتلك".


على خطاه سار عبد الله رشدي الذي تفوق على زميله الأكبر سناً، وتعددت فتاويه الخاصة بالنساء، منها دعوته لتزويج القاصرات، ففي مناظرته مع الباحث إسلام بحيري في إبريل/ نيسان 2015 قال إنه يجوز زواج القاصرات، ويمكن تزويج الطفلة في سن تسع سنوات، بشرط أن تُطيق الوطء، [كأن تكون] سمينة الجسد. وفي فيديو آخر على قناته دعا إلى ختان الإناث بدعوى أن هذا مكرمة، بينما في تدوينة له على فيسبوك يوليو/ تموز 2019 حمّل النساء جزءاً من المسؤولية عن وقوع التحرش الجنسي بهن، إذ قال "‏ليس من الطبيعي أن تخرجَ فتاةٌ بملابس لا تصلحُ إلا للنومِ ثم تشكو من التحرش" ولكنه أضاف في نفس السياق "لا أجعل ذلك مبرراً قطعاً للتحرش، ولا أعفي المتحرشَ من العقوبة، ولا أبيح التحرش بمن تلبس كذلك". وهو نفي اعتبره معارضوه تنصلاً من المسؤولية القانونية عمّا ينطوي عليه منشوره ومنشورات سابقة شبيهة من تحريض.

لم تكن تلك الفتوى بداية عهده بالتحريض ضد النساء أو إثارة العداء ضدهن، ففي تدوينة له على فيسبوك أيضاً في يوليو/ تموز 2020 شبّه الشيخ عبدالله رشدي النساء بالسيارة المفتوحة وأن ملابسهن هي المفتاح، مضيفاً إن من يترك سيارته مفتوحة حتماً سيُسرق. وفي ردوده على بعض متابعيه الذين أبدوا استياءهم من هذا التشبيه، وبينوا له أنه بذلك يجيز التحرش بغير المحجبات؛ قال لواحدة منهن "شكلك سايبة عربيتك مفتوحة".

 وقد خرجت الكاتبة فاطمة ناعوت للرد عليه في مقال بعنوان "حينما تصيرُ المرأةُ: «سيارةً بـقِفل»"، اتهمته فيه بالإدلاء بفتاوى فاسدة، واعتبرت أنه في منشوراته المكتوبة والمصورة "يُعطى رخصةً شرعية للمتحرش بجرائمه". مضيفة: "ولما هاجمه المجتمعُ هرع كالعادة إلى السفسطة اللغوية زاعماً أن ملابس المرأة لا تبرر اغتصابَها، لكنها أحدُ الأسباب، وضرب مثلاً ركيكاً بأن المرأةَ كالسيارة، إن تركتها مفتوحة فسوف يركبُها غيرك!".

نخبة غاضبة ومؤسسات حاضرة

في اتصال لرصيف22 مع الدكتور حسن حماد، أستاذ الفلسفة وعلم الجمال والعميد الأسبق لكلية الآداب في جامعة الزقازيق الأسبق، للتعليق على أثر تلك التصريحات/ الفتاوى التي يروجها الدعاة عبر شبكات التواصل الاجتماعي على تعامل المجتمع مع النساء، قال "إن انتشار عمليات التحرش هو نتاج ثقافة منحطة تتعامل مع الأنثي كمستودع لنفايات الرغبة، وللمسألة جذور عميقة في التراث الديني الإسلامي، حيث مئات الأحاديث والتفاسير تنظر للمرأة بوصفها كائناً شيطانياً، ومصدر النجاسة والخطيئة في العالم. وللأمانة  ليس الإسلام وحده هو من يتبني هذه النظرة، إنما هي رؤية الديانات الإبراهيمية الثلاث".

الدكتور حسن حماد:  الدولة تحاصر المثقف كفأر مذعور، وتطلق الحرية للمشايخ يصولون ويجولون في كافة الفضاءات، يجب أن تتحمل المسؤولية من خلال تقاعسها عن علمنة القوانين والدستور والمؤسسات

ويرى حماد أن المرأة في نظر هؤلاء الدعاة "كائن ناقص وأدني منزلة من الرجل، ولكن هيمنة العقل الأبوي القبلي الذكوري أكثر حضوراً في  التراث الديني الإسلامي". كما يلفت إلى أن هيمنة رجال  الدين علي الخطاب في الفضاء العام أدى إلى شرعنة التحرش بوصفه نوعاً من "اللمم" وهو ما يعني في الأدبيات الدينية خطايا صغرى يتجاوز عنها الله لمجرد الاستغفار او أداء الصلاة، لذا فهي ليست اعتداءً أو ذنباً يستحق الوجل وليست من المحرمات. مؤكداً: "الذي يشكل العقل الجمعي في  مصر هم شيوخ المساجد الرسميون وكذلك الشيوخ المودرن في الفضائيات، ولذلك العقل الجمعي أصبح عقلاً لاهوتياً وذكورياً بامتياز".

والحل في رأي أستاذ علم الجمال يقع علي عاتق الدولة "التي تحاصر المثقف كفأر مذعور، وتطلق الحرية للمشايخ يصولون ويجولون في كافة الفضاءات"، مطالباً بالحد مما يراه "تدخل رجال الدين في الشؤون اليومية للبشر". ومعتبراً أن الدولة تتحمل المسؤولية من خلال تقاعسها عن علمنة القوانين والدستور والمؤسسات. 

ويختم حماد: "لا بد للدولة من أن تستعيد سلطتها من خلال تأكيد هويتها كدولة مدنية، أما ما نراه الآن فهو دولة رخوة ومائعة لها ملامح الدولة المدنية، لكن كل ممارستها وتسامحها المفرط مع حراس الفضيلة، يؤكد أنها دولة لاهوتية في ثياب مدنية".

من جانبها أدانت دار الإفتاء المصرية تصريحات عبدالله رشدي، ففي بيان نشرته عقب ساعات من تصريحه الذي سبقت الإشارة إليها، قالت دار الإفتاء في بيان عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك: "إلصاقُ جريمة التحرش النكراء بقَصْر التُّهْمَة على نوع الملابس وصفتها؛ تبريرٌ واهمٌ لا يَصْدُر إلَّا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة؛ فالمسلم مأمورٌ بغضِّ البصر عن المحرَّمات في كل الأحوال والظروف، والـمُتَحَرِّش الذي أَطْلَق سهام شهوته مُبَرِّراً لفعله؛ جامعٌ بين منكرين: استراق النظر وخَرْق الخصوصية به". 


وسبق أن أدان الأزهر الشريف التحرش بكلمات حاسمة في بيان له على صفحته بفيسبوك بتاريخ أغسطس/ آب 2018 ورفض تبريره بأي شكل أو سبب، ومما جاء في البيان: "يشدد الأزهر الشريف على أن التحرش - إشارة أو لفظاً أو فعلاً- هو تصرف محرم وسلوك منحرف، يأثم فاعله شرعاً. كما أنه فعلٌ تأنف منه النفوس السويّة وتترفع عنه. وهو تصرُّف محرَّم شرعاً وسلوك مدان بشكل مطلق ولا يجوز تبريره"...وأضاف البيان " أن تجريم التحرش والمتحرِش يجب أن يكون مطلقاً ومجرداً من أي شرط أو سياق، فتبرير التحرش بسلوك أو ملابس الفتاة يعبر عن فهم مغلوط؛ لما في التحرش من اعتداء على خصوصية المرأة وحريتها وكرامتها، فضلاً عما تؤدي إليه انتشار هذه الظاهرة المنكرة من فقدان الإحساس بالأمن، والاعتداء على الأعراض والحرمات".

الشيخ ياسر سلمي: "التعصب ظاهرة عامة، ليست موقوفة على من يتصدى للخطاب الديني، هناك عنف لفظي وتعصب عند بعض حركات النسوية المتطرفة التي تهاجم الرجل، وعنف آخر عند بعض جماعات الذكورية المتطرفة التي تهاجم النساء"

ضد تنطّع الدعاة

وفي اتصال لرصيف22 مع الشيخ ياسر سلمي، الإمام في وزارة الأوقاف والباحث الشرعي في الأزهر الشريف، أكد أنه لا يعد الداعين للتحرش من رجال الدين: "ليس كل من التحى أو صعد منبراً أو ألقى خطبة يعد فقيهاً له أهلية، بل يوجد دخلاء على العلم الشرعي، يمكن أن يوجد بينهم هذا السلوك بشكل فردي".

ويضيف أن تبرير التحرش الجنسي ليس وقفاً على بعض المشايخ فقط، "لأن كل فئات المجتمع تقريباً تفعله، حتى بعض النساء ممن يعيبن على غيرهن من النساء ملابسهن ويُحمّلنهن مسؤولية التحرش. وبالتالي تبرير هذا السلوك هو ثقافة عامة مرفوضة".

وعن تردي الخطاب الديني وميله للعدائية، قال الشيخ ياسر سلمي "التعصب ظاهرة عامة، ليست موقوفة على من يتصدى للخطاب الديني، هناك عنف لفظي وتعصب عند بعض حركات النسوية المتطرفة التي تهاجم الرجل، وعنف آخر عند بعض جماعات الذكورية المتطرفة التي تهاجم النساء"، وأضاف الشيخ أنه يوجد شحن بسبب السوشال ميديا أدى لتفريق المجتمع إلى فسطاطين متصارعين، أما رجال الدين المعتدلون والمستنيرون فيخافون من مواجهة الأكثرية التي لا تؤمن بحقوق النساء وثقافتها بينما تؤمن بقداسة الرجل وولايته على المرأة".

وطالب سلمي بدعم الفنانين والمثقفين والأدباء والإعلاميين الذين يدافعون عن حقوق المرأة "على الأقل ليصبح صوتهم موازياً بنفس قوة وانتشار الطرف الآخر المعتدي"، مؤكداً على رؤيته التي تتجه إلى أن مؤسسات الدولة المعتمدة كوزارات التعليم والثقافة والمؤسسات الدينية - كالأزهر والكنيسة - يجب ألا تقصر في دورها المتصل بترسيخ حقوق النساء في المجتمع المصري. 

في اتصال آخر لرصيف22 مع الشيخ أسامة إبراهيم، الخطيب والباحث الشرعي بالأزهر قال: "إن الخطاب الديني المعوج ينتج عنه متدين معوج. الخطاب الديني ما زال متحنطاً ومتقولباً في العصور الوسطى بسماته المعروفة من حيث السيطرة على العقل الجمعي للجماهير والابتزاز العاطفي عن طريق زرع مفهوم أنه كلما زاد التشدد زاد الفرد قربا لله، ولا شك أن المرأة كانت أهم أسلحة هذه الهيمنة والسيطرة عبر التاريخ فتعاملوا معها كسلعة تجارية وألبسوا ثقافتهم هذه لباس الدين باقتطاع النصوص من سياقها وظرفها التاريخي لخدمة أغراضهم".

أما عن انتشار الدعاة المبررين للتحرش والداعين إليه أحياناً، يعتقد إبراهيم أن تلك الظاهرة نتجت عن خطاب ديني يعتمد على كثرة التحريم على حساب احترام الحاجات الإنسانية للبشر. من مظاهره تحريم الموسيقى بينما ينفتح على إباحة التعدد "بلا ضابط ولا رابط وجعله سنة نبوية"، كما سنّ هذا الخطاب جريمة الختان للاناث وجعل المرأة فتنة في الحياة وإغواءً لخروج الرجال من الجنة. مضيفاً: "إننا نحتاج إلى خطاب ديني جديد وإعادة هيكلة لكل فروع الدين. يعتمد هذا الخطاب الجديد في تأسيسه على مقاصد الشريعة، التربية الأخلاقية، العلم القطعي، احترام المرأة والتسامح مع الآخر وقبوله. ولن يتم ذلك الا بإرادة سياسية وعمل مؤسسي متكامل بقيادة شابة ومنتقاه بعناية، عمل يشارك فيه الجميع، كل في تخصصه بجانب الدعم المادي الكبير لهذا التوجه".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image