بعد نحو أسبوع من انطلاق حملة شعبية على شبكات التواصل الاجتماعي تدعو إلى إيقاف الظهور الإعلامي للداعية مبروك عطية، على خلفية زجره زوجة معنفة استطلعت رأيه في الانفصال عن زوجها، تلقى الداعية الشهير مكالمة مفاجئة مساء الأربعاء 27 أكتوبر/ تشرين الثاني، من الرئيس عبدالفتاح السيسي، أثناء تقديم فقرته في برنامج "يحدث في مصر" الذي يقدمه المذيع شريف عامر على فضائية إم بي سي مصر.
في مكالمته لم يستخدم الرئيس عبد الفتاح السيسي صيغ العتاب التي يلجأ إليها أحياناً في مداخلاته الهاتفية، التي يجريها مع برامج "التوك شو" للتعليق على الأحداث الجارية، بل صدَّر الرئيس حديثه بالتعبير عن احترامه للداعيةمبروك عطية، الأكاديمي في جامعة الأزهر. وقال السيسي في مداخلته بعد أن وجه تحيته إلى عطية، وطفل من حفظة القرآن مشارك في البرنامج: "سعيد قوي قوي بالدكتور مبروك عطية وتناوله للقضايا... وأنا مش هقول ملحوظة ولا حاجة لأن العلماء الأجلاء ميتقالهمش ملاحيظ (ملحوظات). ولكن أتصور إنه كل اللي بيسمعنا، بتبقى يعني ثقافات مختلفة وأفكار مختلفة ويمكن تكون متنوعة كتير، فمش كل الناس هيستقبل كل الكلام بنفس الفهم اللي بيبقى مقصود عند طرحه يعني [...] يعني مش كل اللي أنا عاوز أقوله حتى لو كان له أسانيده، وله يعني وجاهته العلمية والفكرية... مش كلنا هنقدر نفهم بشكل متساوي يعني. ومن هنا ممكن تكون دي مشكـ.. مش مشكلة، لكن عاوزة المتحدث يراعي يعني إن من يسمعون مش زي بعضهم يعني".
تعليقات الرئيس التي أظهر خلالها تقديره للداعية الشهير، نالت احتفاء بعض الصفحات النسوية التي أطلقت الحملة ضد مبروك عطية في البداية
تأتي المكالمة الرئاسية عقب حملة تبنتها ناشطات وصفحات نسوية متخصصة، أطلقت هاشتاغ "أوقفوا مبروك عطية"، طالبن خلاله ومعهن مشاركون كثر بوضع حد لتحريض الدعاة في الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي على العنف ضد النساء على أيدي أزواجهن وآبائهن، وذلك على خلفية قيام مبروك عطية بزجر سيدة تدعى آية السيد، تحدثت إليه أثناء فقرته الأسبوعية التي يقدمها في برنامج "يحدث في مصر" مع شريف عامر يوم الأربعاء 21 أكتوبر/ تشرين الاول الجاري، لتشكو من مداومة زوجها على الاعتداء عليها بالضرب المبرح وربطها بالجنازير الحديدية وإذلالها ومنع الطعام عنها.
طوال المداخلة كان عطية يشكك في شكواها، ويسألها عن سبب ضرب زوجها لها. وبدا مقدم البرنامج شريف عامر منزعجاً، إذ التفت إلى عطية يسأله عن الفارق الذي سيشكله معرفة سبب التعدي عليها في التعليق على وقائع التعدي، فرد عطية بأن الطرف الثاني (الزوج) غائب وأن "عندنا قاعدة من يوم ما ربنا خلق العلم لغاية يوم القيامة: النساء مبالغات في الشكوى. دي قاعدة لازم نحطها قدام عينينا يعني"، فرد شريف عامر: "لكن دي متعورة (مصابة بجرح ناجم عن التعدي عليها)" فقاطعه عطية: "معلشيّ بيتبالغ في الشكوى... الإنسان الطبيعي (يقصد زوجها) ميوصلش إلى هذه الدرجة إلا بدرجة استفزاز قوية جداً".
استمرت تصريحات عطية على هذا المنوال رغم الاعتراض المتحفظ من مذيع البرنامج. واتهمه المشاركون والمشاركات على هاشتاغ #اوقفوا_مبروك_عطية، بتبرير العنف ضد النساء، مطالبين بسن قوانين واضحة تجرم العنف والاغتصاب الزوجيين وتعاقب المبررين والمحرضين على ذلك العنف.
إلا أن تعليقات الرئيس عبدالفتاح السيسي التي أظهر خلالها تقديره للداعية، ولم يظهر أية تحفظات على مضمون ما قاله عطية وتسبب في إطلاق الحملة ضده، نالت احتفاء بعض الصفحات النسوية التي أطلقت الحملة في البداية، وعلى رأسها صفحة "اتكلمي" التي تدعو النساء للإفصاح عما يتعرضن له من عنف جسدي أو نفسي أو جنسي قائم على النوع، فيما أبدت ناشطات وسيدات مستقلات غضبهن مما بدا دعماً من الرئيس للداعية الذي اعتبروه محرضاً على العنف.
استمرت تصريحات عطية على هذا المنوال رغم الاعتراض المتحفظ من مذيع البرنامج. واتهمه المشاركون والمشاركات على هاشتاغ #اوقفوا_مبروك_عطية، بتبرير العنف ضد النساء
دعاة ضد النساء
بحسب دراسة قديمة للمجلس القومي للمرأة، أصدرها في 2012 بعنوان "العنف ضد النساء فى مصر"، بلغت نسبة النساء اللائي يتعرضن إلى العنف الجسدي على أيدي أزواجهن إلى 28%، وارتفعت إلى 34% في 2017 بحسب أحدث دراسة في هذا الشأن أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.
وأقر أربعة من كل خمسة رجال من عيّنة الدراسة أنهم وجهوا شكلاً من أشكال العنف النفسى إلى زوجاتهم. بينما أفادت نحو نصف الشابات أنهن تعرضن للعنف الجسدي على أيدي أشقائهن الذكور. كما أفادت نسبة مماثلة بالتعرض للعنف الجسدى من قبل الأب.
وتتعدد الاتصالات الهاتفية والأسئلة التي يتلقاها الدعاة ورجال الدين المصريون عبر فقراتهم التلفزيونية وصفحاتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر الصفحات المخصصة لتلقي الفتاوى لدى دار الإفتاء المصرية، وتتصل تلك الاسئلة بأحوال تتعلق بالنساء وحقوق الرجال عليهن وشكاوى من نساء يتعرضن للضرب أو الاغتصاب الزوجي، أو العنف على أيدي الأشقاء لأسباب مختلفة. وتطلق ردود الدعاة غضباً نسائياً في كثير من الأحوال مع انتشار التبرير للتعدي عليهن من خلال الاستناد إلى نصوص دينية حول قوامة الرجال وأن الله منحهم "درجة" على النساء: "للرجال عليهن درجة".
وفقاً لدراسة تحليلية أجريت بقسم الفلسفة والاجتماع في كلية التربية بجامعة عين شمس وصدرت في 2014 بعنوان "قضايا المرأة في الخطاب الديني المعاصر"، فإن تناول الخطاب الديني لقضايا المرأة "ضعيف جداً وغير مباشر"، بنسبة بلغت 4% فقط من جملة القضايا المطروحة، مما يدل على "عجز الخطاب الديني عن تناول القضايا الواقعية للمرأة"، وأظهرت الدراسة أن خطاب الدعاة لم يتطرق إلى قضايا حيوية مثل تعليم النساء، "مما يؤشر على هروبه من القضايا البنائية الكبرى، وتناوله للقضايا الجانبية والثانوية".
ووجدت الدراسة أن 78% من موضوعات الخطاب تتجه نحو تناول الآخرة والحساب والثواب والعقاب، وعلقت: "ثمة قطيعة واضحة بين الخطاب الديني والواقع، وإنما يميل إلى الحديث عن الماضي".
دراسة أكاديمية حول الخطاب الديني وقضايا النساء: "ثمة قطيعة واضحة بين الخطاب الديني والواقع، وإنما يميل إلى الحديث عن الماضي"
تبرير التحرش
لا يعد ذلك أول تصريح للداعية مبروك عطية تعده النساء مسيئاً إليهن، ففي حلقة سابقة من برنامج يقدمه عطية منفرداً، ويتلقى فيه الاتصالات الهاتفية للرد على الشكاوى والأسئلة. تلقى اتصالا من سيدة تشكو خيانة زوجها وتسأل إن كانت خيانته لها في بيت الزوجية تعطيها سنداً شرعياً لطلب الطلاق. فجاء رد الداعية "يعني هتطلقي وتتجوزي واحد تاني يجيب معاه "واحد وواحدة" في الشقة؟ خليكي مع جوزك، السوق كله كده مش هتتجوزي عمر ابن الخطاب يعني".
وفي تصريح ثالث، قال عطية إن أي امرأة متبرجة تظهر شعرها "تحتاج مصحة نفسية"، وفي مناسبة أخرى رد على متصلة وقال لها "زوجك من حقه يتجوز 4 نساء، دون أن يخبرك أنه تزوج عليكِ".
وتميل فتاوى عطية وإجاباته إلى دفع النساء نحو البقاء في علاقاتهن الزوجية، وإن كن يتعرضن فيها إلى إساءات. وقد أبدى الرئيس السيسي في مناسبات رسمية مختلفة انزعاجه من ارتفاع نسب الطلاق في مصر إذ بلغت 218 ألف حالة خلال عام 2020، وتفيد دراسة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أن طلاقاً يقع في مصر كل دقيقتين.
أما الداعية المثير للجدل عبدالله رشدي، فسبق له إصدار الكثير من الفتاوى التي تجدها حركات نسوية مصرية "معادية" للنساء. وأشهرها فتواه في إباحة الاغتصاب الزوجي واعتباره من حقوق الرجل على زوجته بموجب نصوص القرآن.
وعارض رشدي تغليظ عقوبة الختان، قائلاً "الختان يطلق في حق الرجل كما يُطلَقُ في حقِّ المرأة. يسمى في حقِّ الأنثى خِفاضاً، لكنه يسمى ختاناً كذلك، وجرت العادة بإشهار ختان الذكور وإخفاء خفاض الإناث". وبرر التحرش الجنسي، قائلاً إنه "ليس من الطبيعي أن تخرج فتاةٌ بملابس لا تصلح إلا للنوم ثم تشكو من التحرش".
يذكر أن أكثر رجال الدين اعتدالاً وهو الدكتورأحمد الطيب، الإمام الأكبر وشيخ الأزهر الشريف، قال في برنامجه الرمضاني في 30 مايو/ أيار 2019، إن "الدواء الأخير الذي وصفه القرآن الكريم لعلاج نشوز الزوجة هو ضرب الزوج لزوجته المشروط بعدم كسر العظام والإيذاء".
في حديثه لرصيف22 يؤكد الشيخ محمد عبداللطيف الخولاني، عضو هيئة التدريس بالأزهر أن سبب الأزمات التي يثيرها الدعاة فيما يختص بالنساء، يرجع إلى "تأثر بعضهم بأمور الهوى والرغبة في الشهرة، ومغازلة فئات بعينها للحصول على الإعجابات والمشاهدات عبر منصات التواصل الاجتماعي. أو تأثرهم بمعتقداتهم الشخصية ونشأتهم التربوية، والترويج للفكر الشخصي دون تحكيم لرأي الشرع". مضيفاً إنهم "يوهمون الناس بأن الفكر النسوي يحارب الرجال ويلعبون على وتر الحرب على الإسلام لاستثارة عواطف الناس، مما يولد عنفاً ضد المرأة".
ومن خلال عمله بالرقابة والتفتيش في وزارة الأوقاف المصرية يرى الخولاني أن هناك التزاماً من خطباء وأئمة المساجد التابعين للأوقاف باحترام المرأة وإعلاء شأنها، ومراعاة أحكام دينية تتغير باختلاف الزمان والمكان والمقام "من دون مصادمة لنصوص الشرع"، وهو ما لا يلتزم به بعض دعاة الفضائيات ومشاهير المحسوبين على الدعاة.
أجندة إعلامية موسمية
وحول تأثير الإعلام على معدلات العنف الأسري، ترى دكتورة سارة فوزي، مدرسة الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، أن قضايا المرأة في الإعلام المصري تعد "أجندة موسمية، لا يتذكرونها إلاّ حين تقع حوادث قتل وعنف، أو في عيد المرأة، واليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة".
وتدعو فوزي مؤسسات المرأة الأهلية والرسمية لتنظيم حملات توعية مكثفة في الريف والحضر تلتقي خلالها الأسر والقبائل، وعدم الاكتفاء بالحملات الإعلامية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وتؤكد الدكتورة نسرين البغدادي، استاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والعضوة في المجلس القومي للمرأة، أن العنف ضد المرأة من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا، "بسبب الإفلات من العقاب والصمت والوصم بالعار".
وتعتقد أن جائحة كورونا "سببت تأثيرات سلبية على المرأة مع تدابير الإغلاق، فاتسع نطاق انتشار العنف المنزلي ودرجته"، إذ تعرضت النساء إلى "العنف التكنولوجي" كالتحرش والتنمر الإلكتروني"، مشيرة إلى أن العنف ضد المرأة من قبل الزوج يأتي في مقدمة قائمة العنف المنزلي، ولافتة إلى أن ما تقدمه وسائل الإعلام والأفلام والمسلسلات يكون أحياناً من الوسائل المشجعة على العنف ضد المرأة في المجتمع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت