شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
نساء يقتلن نساء

نساء يقتلن نساء "بدعوى الشرف"... عن تيك توك في الصومال وجيبوتي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 28 يوليو 202310:36 ص

جرائم عديدة وقعت على خلفية النشر على تطبيق مشاركة المقاطع المصوّرة الأشهر، تيك توك، كانت النساء ضحاياها في الغالب. في العراق، قتل والد ابنته البالغة من العمر تسعة أعوام فقط، بسبب نشرها مقاطع فيديو على التطبيق، وفي الصومال وجيبوتي وقعت جريمتان ضد امرأتين لنشرهما مقاطع على التطبيق نفسه.

وهناك أيضاً قضية سونيا خان الأمريكية من أصول باكستانية، التي قُتلت على يد طليقها بعد نشرها مقاطع مصورةً على تيك توك، تتحدث فيها عن رحلة طلاقها. لكن اللافت هو تبرير تلك الجرائم والتشجيع عليها في مجتمعاتنا باسم الشرف والأخلاق.

تلك التبريرات لا تظهر إلا في المحتوى المتعلق بالدفاع عن رجال ارتكبوا جرائم ضد النساء، بينما تغيب حين تطالب الفتيات بالإنصاف استناداً إليها، واللافت للنظر أن ليس الرجال وحدهم من يستندون إلى تلك المبررات لارتكاب الجرائم، بل حتى النساء أيضاً وضد بنات جنسهنّ. 

نسوة يقتلن فتاةً بدعوى الشرف

صُدم المجتمع الصومالي بعد مقتل امرأة تدعى نيمكو جمال "Nimco Jamal"، على يد خمس نساء من قريباتها، بزعم نشرها مقاطع فيديو مخالفةً للآداب والأخلاق على تيك توك. وقعت الحادثة في 17 تموز/ يوليو الجاري، في مدينة "عبدو واق" في ولاية جلمدوغ وسط الصومال. 

صُدم المجتمع الصومالي بعد مقتل نيمكو جمال، على يد خمس نساء من قريباتها، بزعم نشرها مقاطع فيديو مخالفةً للآداب والأخلاق على تيك توك.

قال خال الضحية لموقع "بي بي سي صوماليا"، إنّ مرتكبات الجريمة هنّ شقيقة القتيلة وعمّتها وثلاث فتيات من قريباتها، قُمْن بضربها بالعصي حتى الموت. واللافت أنّ خال الضحية قال في حديثه إنّه لم يطّلع على الفيديوهات المزعومة، وإنّه كان يكنّ للضحية كل الحب، إذ وُلدت وتربت في بيته، وهي مطلقة وأم لخمسة أطفال. بخلاف تصرّف قريباتها، لم يتخذ الرجل موقفاً عدائياً من ابنة شقيقته، وقام بتسليم مرتكبي الجريمة إلى الشرطة.

تشير تلك الحادثة إلى المعاناة الكبيرة للمرأة في المجتمع الصومالي العشائري، حيث الضغوط لا تأتي فقط من الذكور، بل حتى من الإناث اللواتي يمارسن الضبط الاجتماعي ضد اللواتي يخرجن عن الأعراف والتقاليد التي تصبّ في صالح الرجال. وتذكّر تلك الحادثة بممارسات عدد غير قليل من النساء في مجتمعات عربية عديدة، كدفاع نساء عن ممارسي العنف اللفظي والبدني من الرجال بحق النساء، ودفاع العديد من الفتيات عن ذكور قتلوا نساءً، كما في حالة قاتل الطالبة المصرية نيرة أشرف.

لم يُنشر شيء عن تحقيقات الشرطة بعد. على تيك توك، شارك شاب أحد المقاطع المصورة، وتظهر فيه الضحية بكامل زيّها الصومالي المتمثل في حجاب كبير "خمار"، وهي تشارك محتوى لا يمثل تجاوزاً بأي شكل من الأشكال من وجهة النظر المحافظة.

في قضية أخرى، مرتبطة بنشر مقطع فيديو آخر عبر تيك توك، لقيت فتاة مصرعها في أيار/ مايو 2021، حين كانت تصوّر أحد المقاطع، وسط تضارب المعلومات حول الحادثة: هل وقعت عن عمد أم لا؟ إذ كانت الشرطة قد ألقت القبض على رجل يملك البندقية التي خرجت منها الرصاصة وقتلت الفتاة، ذات الأربعة عشر عاماً، التي دُفنت على الفور، بينما قالت أسرة الضحية إنّها قُتلت برصاصة من الخلف، في مؤخرة رأسها.

فتاة جيبوتي

قبل حادث مقتل نيمكو جمال، تعرضت فتاة من جيبوتي لاعتداء بدني شديد من أخيها بعد ظهورها في مقطع فيديو على تيك توك، وهي ترقص على أنغام إحدى الأغاني، دون ارتداء حجابها. وظهرت الفتاة في مقطع فيديو عبر المنصة ذاتها، تستغيث وعلى وجهها علامات تعرّضها لضربٍ مبرح، تسبب في تشويه كبير لوجهها.

وقالت الفتاة التي تنتمي إلى المكون الصومالي في جيبوتي، إنّها لجأت إلى الشرطة دون أي استجابة من طرفهم. ولم يكن ذنب الفتاة التي تُعرف على تيك توك باسم "Queen of Djibouti"، سوى الظهور بلا حجاب، والتفاعل بالتمايل على أنغام إحدى الأغاني.

وبخلاف ردود الأفعال التي طلبت المغفرة لقتيلة مدينة عبدو واق، انهالت التعليقات مادحةً الأخ الذي قام بمعاقبة شقيقته لمخالفتها، وفق عشرات المعلّقين، القيم والأخلاق والدين الإسلامي، وربما كان سبب التعاطف مع نيمكو جمال أنّ المقاطع التي قُتلت بسببها لم يشاهدها هؤلاء المعلّقون، أو لأن مرتكب الجريمة ليس رجلاً.

كتب أحد المعلّقين الصوماليين: "الحمد لله، ليست لدي أخت عارية تعرض مقاطع على تيك توك. لكن أشجع الشاب الذي ضرب شقيقته. كل فتاة اعتادت أن تخاف من شقيقها، لكن هذه الأيام لا أعلم ماذا يحدث. ليكن ما حدث درساً لكل فتاة تسيء التصرف على السوشال ميديا". ولدعم موقف الأخ، انتشر مقطع فيديو على فيسبوك، يتضمن عرض مقطع مدته ثوانٍ لظهور الفتاة بلا حجاب، ثم مقطع استغاثتها بعد تعرضها للعنف على يد أخيها، وحظي الفيديو بمشاركة واسعة مع تعليقات مؤيدة لما فعله الشاب.

تلك التعليقات التي تؤيد العنف ضد النساء بدعوى ولاية الذكر على المرأة، باسم الدين والعادات، دفعت موقع "بي بي سي صوماليا" إلى طرح سؤال عبر صفحته على فيسبوك، على المتابعين من الرجال، وهو: "هل مسموح لك بالاعتداء بالضرب على شقيقتك أو امرأة في عائلتك؟"، بالإضافة إلى مناقشة القضية من زاوية دينية مع رجل دين في تقرير نُشر في الموقع. وأكد رجل الدين على مسؤولية الرجل عن المرأة في العائلة، سواء أكان والداً أو زوجاً أو ابناً، ولم يستطع رجل الدين الهروب من سؤال حول ضرب المرأة دينياً، سوى عبر الإشارة إلى حديث منسوب إلى النبي محمد بتجنّب الضرب على الوجه.

تقول ناشطة من الصومال، إنّ هناك حوادث عديدةً يتعرض لها الشبان والفتيات جراء نشر مقاطع على تيك توك، بزعم مخالفتهم/ نّ للأخلاق والآداب العامة. وذكرت لرصيف22، أنّ العنف الذي تتعرض له النساء يُسلَّط عليه الضوء، بينما هناك شباب ذكور تعرضوا للاحتجاز من قبل عائلاتهم أو نكرانهم وطردهم، بسبب مقاطع لم تقبل بها على المنصة. أما الفتيات، بحسب الناشطة، فيتعرضن للعنف البدني، بينما لا يحدث ذلك مع الذكور.

العنف الذي تتعرض له النساء في جيبوتي يُسلَّط عليه الضوء، بينما هناك شباب ذكور تعرضوا للاحتجاز من قبل عائلاتهم أو نكرانهم وطردهم، بسبب مقاطع نُشرت على تيك توك لم تقبل بها

السجن بسبب فيديو

ولأسباب سياسية، أدى مقطع فيديو إلى الحكم على شاب صومالي بالسجن لمدة شهرين في مدينة هرجيسا عاصمة إقليم صوماليلاند، المستقل من طرف واحد عن الصومال، وغير المعترف به.

في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، نشر الشاب بلال، المعروف باسم "The president of Tik Tok"، على تيك توك، مقطع فيديو يتناول فيه كوب شاي زُيّن بعلم دولة الصومال، في أثناء زيارته إلى هرجيسا. وقد أُلقي القبض على الشباب وحُكم عليه بالسجن لمدة شهرين، ثم أُطلق سراحه استجابةً لمناشدات أسرته وتدخّل شخصيات بارزة، وقامت السلطات بترحيله إلى مقديشو.

وعلى مدار أعوام عاقبت هرجيسا، ناشطين وساسة وفنانين بسبب مشاركتهم في فعاليات في الصومال تشير من قريب أو بعيد إلى وحدة البلاد. منذ إعلانها الاستقلال من طرف واحد عام 1991، عن الصومال، رفضت صوماليلاند أي انخراط شعبي في علاقات معها، يظهر منها دعماً للوحدة التي انتهت بسقوط الدولة المركزية عام 1991.

وبالعودة إلى تعرّض الفتيات للانتقام من الأهل على خلفية النشر على تيك توك، تزداد المخاطر المحدقة بالمرأة مع الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي في الصومال، بسبب التأييد الواسع من المجتمع لممارسة العنف ضد المرأة، وغياب سلطة قادرة على إنفاذ القانون، فضلاً عن الخوف من محاباة السلطة والقضاء للرجال على حساب النساء.

تقدّم قضية الفتاة الصومالية فهمتو أحمدي، التي تعرّضت للاغتصاب في مقديشو، مثالاً على تلك المخاوف، بسبب إفلات المجرمين من العقاب، وتعرّض الفتاة للتشكيك في روايتها لكونها صانعة محتوى على تيك توك. لم تنجُ الفتاة من الملاحقة من المعتدين، حتى بعد فرارها إلى كينيا، ما دفعها إلى نشر مقطع فيديو تستغيث فيه بالسلطات الكينية وتطلب منحها حق اللجوء. وعزت مواقع مهتمة بحقوق المرأة تعرّض الفتاة للاغتصاب كعقاب على نشاطها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت صفحة "نحو وعي نسوي" على فيسبوك، إنّ الهدف "هو نشر استخدام الاغتصاب كوسيلة ترهيب وتقويم ضد النساء الصوماليات الناشطات/ المؤثرات، على مواقع التواصل الاجتماعي، وإجبارهن على مغادرة هذه التطبيقات، خصوصاً بعد أن أصبحت متنفساً ترفيهياً للكثيرات منهن". لكن صحافياً من مقديشو، طلب عدم الكشف عن اسمه، أخبر رصيف22 بأنّ هناك روايةً أخرى للحادثة، ترتبط بتعاطي المخدرات، دون نفي وقوع جريمة الاغتصاب، وتشير إلى سياق مختلف للحادثة ودوافعها.

تقول كاتبة من الصومال، طلبت عدم نشر اسمها، إنّ هناك تغيّرات اجتماعيةً يشهدها الصومال مع الأجيال الأحدث، لا تلقى قبولاً من المجتمع. وأضافت لرصيف22: "جيلنا فيه شباب وبنات 'حابين عقولهم تتفتح ويعيشوا بنمط حياة يختاروه بدون عنجهية وتشدد ديني'، وهو تحدٍّ في ظل هيمنة التشدد الديني والذكورية في مجتمع يرى المرأة غير مسؤولة وغير قادرة على تولّي أمورها، ويراها محصورةً في دور الابنة المسؤول عنها الأب، ثم الزوجة المسؤولة من زوجها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image