شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"هواتفنا أعزّ أصدقائنا"... عاملات منزليات في الخليج يكشفن الانتهاكات عبر "تيك توك"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 26 أبريل 202101:19 م

إهانات، ومشاجرات، وتحرشات جنسية، وانتهاك لحقوق العمل لا سيّما في ما يتعلق بالالتزام بعدد ساعات معينة وأوقات الإجازة ودفع الرواتب بانتظام، والكثير من التنمر والعنصرية. هذا ما تتعرض له العاملات المنزليات الأجنبيات في الخليج ويعبرن عنه بانتظام عبر حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبينما كانت الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي نافذة العديد من عاملات المنازل في الخليج للتواصل مع الأصدقاء والعائلة في بلدانهن، ساعدهن رواج تطبيق "تيك توك" في تحويله إلى نافذة للتعبير عن حياتهن وظروف عملهن حيث تشكو الكثيرات منهن الإجهاد الشديد والتحرش الجنسي والتمييز ضدهن.

في واحد من أكثر مقاطعها شعبية، استخدمت بريندا داما (26 عاماً)، مدبرة منزل كينية تعمل في السعودية منذ عام 2019، موسيقى أغنية أمريكية لتعبر عن حياتها البائسة في البلد الخليجي الثري.

المقطع الذي تجاوز 900 ألف مشاهدة، و6000 تعليق منذ نُشر في آب/ أغسطس الماضي، تقول فيه إن "يوم عطلة واحد؟ حياة سلمية بدون مشاجرات أو إهانات؟" أمور لا تفهمها أي لم تختبرها.

يعانين إهانات ومشاجرات وتحرشات جنسية وهضم حقوقهن… كورونا يدفع عاملات منزليات في الخليج للتنفيس عبر "تيك توك". لكن هذا يعرضهن أحياناً للمخاطر وأحياناً للترحيل

"البكاء كل يوم"

في اتصال مع صحيفة "نيويورك تايمز"، قالت داما، التي يتابعها أكثر من 32 ألف شخص على تيك توك، إن ظروف عملها في السعودية "صعبة حقاً، ينتهي بك الحال إلى البكاء كل يوم"، مشيرةً إلى أن التعليقات الداعمة والإيجابية على المقاطع التي تبثها تهوّن عليها الوضع وتُشعرها بالتفهّم.

تعتمد دول الخليج الغنية بالنفط على العمال المهاجرين من أفريقيا وآسيا للأعمال المتواضعة، بما في ذلك الملايين من عاملات المنازل وعمال البناء وعمال التوصيل وجامعو القمامة والحراس ومصففو الشعر وغيرهم. غالباً ما تفوق أعداد هذه العمالة السكان الأصليين.

ومنذ عام 2016، سُجل وجود نحو أربعة ملايين عاملة منزلية أجنبية في الخليج، وفق دراسة لمنتدى حوار أبوظبي، المعني بقضايا التنمية والهجرة، ويُرجح أن العدد زاد منذ ذاك الحين.

ويمنح نظام الكفالة المُطبّق على معظم عاملات المنازل الأجنبيات في الخليج، أصحاب العمل سيطرة شبه كاملة على العاملات، بما في ذلك مصادرة هواتفهن وجوازات سفرهن. وتؤكد جماعات حقوقية أن العاملات المنزليات خلف الجدران هن الأكثر عرضة لسوء المعاملة.

وكما زادت جائحة الفيروس التاجي عزلة هؤلاء العاملات، شجعتهن على استعمال مواقع التواصل الاجتماعي، وبخاصة تيك توك، بشكل أكبر.

تلجأ العاملات إلى تصوير وبث مقاطع للتنفيس عن مشاعرهن والحد من شعور الوحدة والتوتر والارتباك، وأحياناً للحصول على بعض الدعم للمضي قدماً. وتظهر فيها المعاناة مختلطة بالكوميديا- السوداء في كثير من الحالات- وحس الدعابة لدى العاملات.

بالنسبة لميريجين كاجوتو (35 عاماً)، وهي عاملة منزلية فلبينية في السعودية يتابعها أكثر من 18000 شخص، فإن "كثيرات هنا يعانين. الطريقة التي يعبرن بها عن اكتئابهن، وضغط العمل عليهن، هي عن طريق تيك توك. ترسل لي الصديقات مقاطع فيديو ونصائح. إنه نوع من خط مساعدة ممتد".

البعض منهن أهدافهن توعوية أكثر، ربما لتحذير أُخريات من القدوم. أطلقت نيزا توناكو (27 عاماً)، تعمل في الكويت منذ عام 2018 ويتابعها 1.2 مليون شخص، سلسلة "يوميات OFW"، الاختصار الذي يشير إلى العمالة الفلبينية في الخارج. شرحت خلالها المصاعب التي تواجه العاملات المنزليات في البلد الخليجي.

"ينتهي بك الحال إلى البكاء كل يوم"... فيما تُلزم قوانين عمالة خليجية العاملات المنزليات بصون أسرار الأسر التي يعملن لديها، تُصر بعضهن على فضح الانتهاكات لأن "تشعر أن لديك رفقة… هواتفنا هي أعز أصدقائنا"

عواقب

كما هو الحال دائماً، يكون للبوح عواقب وهي ليست دائماً كما تشتهي الأنفس. في بعض الحالات، لا تخاطر العاملات بوظائفهن فقط عبر فضح الانتهاكات على "تيك توك"، بل بسلامتهن أيضاً.

على سبيل المثال، من 70 عاملة منزلية تواصل معها منظمة "سانديجان" (Sandigan)، المدافعة عن حقوق عاملات المنازل ومقرها الكويت، للمساعدة بشأن ما روين من انتهاكات عبر فيسبوك وتيك توك منذ أواخر عام 2019، قالت الأغلبية منهن إنها تعرضت للتوبيخ من قبل أصحاب العمل. طُلب من بعضهن ترك العمل أو التوقف عن بث مثل هذه المقاطع، في حين رُحّلت أُخريات من البلاد نهائياً.

وفي العديد من دول الشرق الأوسط، قد يؤدي التقاط الصور أو مقاطع الفيديو داخل منزل صاحب العمل، خاصة إذا شملت أطفالاً، ونشرها عبر الإنترنت دون إذن، إلى توجيه اتهامات جنائية أو الترحيل.

في هذا الصدد، أوضحت آن أبوندا، رئيسة جمعية "سانديجان": "إنهن يعرضن لحظات خاصة للجمهور. يجب أن يكنّ حذرات".

في بعض الحالات، تسامح أصحاب العمل مع المقاطع. هذا ما جرى مع كاجوتو وتوناكاو اللتين قالتا إن معرفة أصحاب العمل المسبقة بنشاطهما على تيك توك وفرت لهما درجة من الأمن الوظيفي والسلامة من الأذى الجسدي. لم يكن هذا هو الحال نفسه للعديد من مدبرات المنازل الأخريات ذوات الأجور المنخفضة.

من قوانين عمل العمالة المنزلية الصادرة في السنوات الأخيرة في دول خليجية، قانون يُلزم العمال الأجانب في الكويت والسعودية بحماية أسرار الأسر التي يعملون لديها. غالباً ما يُطلب منهم توقيع عقود عمل تنطوي على صياغة مماثلة لدى وصولهم إلى بلد العمل.

بحسب روثنا بيغم، الباحثة في مجال حقوق المرأة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، فإنه نظراً لأن اللغة العربية غنية بمفرداتها ومعانيها، يمكن استخدام العقود وقوانين العمل ضد عاملات المنازل في وضعية هشة.

قالت داما إن ربة عملها شاهدتها بينما كانت تصور مقطع فيديو في تموز/ يوليو الماضي، في شرفة المنزل أثناء استراحة عمل. وتابعت: "صُدمت سيدتي" وسألتني "ماذا تفعلين؟"، مستطردةً "أنتِ هنا للعمل".

ولفتت داما إلى أن السيدة كانت "تتصرف بوقاحة في بعض الأحيان، ولكن بعد مشاهدتها مقاطع الفيديو الخاصة بي على تيك توك، أصبح الأمر أسوأ. كانت تهينني كحيوان - كما لو أنني لستُ حتى إنسانةً".

اضطرت داما إلى ترك العمل بعد شهرين. ومع تزايد شعبية مقطع الفيديو الخاص بها "لم أفهم"، تعرضت أيضاً إلى سيل من الإساءات عبر الإنترنت إذ اتهمها معلقون من المنطقة بالكذب وطلبوا منها العودة إلى بلدها.

وفيما أقرت بأن التنمر الإلكتروني قاسٍ، أكدت رفضها حذف مقاطع الفيديو الخاصة بها، متشجعةً بتعليقات عاملات منزليات أخريات يغمرن ملفها الشخصي برسائل الدعم.

قالت إن كلماتهن تُبقيها قوية وتؤنس وحدتها، مضيفةً "تشعر أن لديك رفقة… هواتفنا هي أعز أصدقائنا".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image