شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الترويج الفاضح... أطباء تجميل يتجاوزون أخلاق المهنة ويعرضون أجساد مريضاتهم على وسائل التواصل

الترويج الفاضح... أطباء تجميل يتجاوزون أخلاق المهنة ويعرضون أجساد مريضاتهم على وسائل التواصل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء نحن والتنوّع

الخميس 27 يوليو 202302:07 م

أثار فيديو انتشر منذ أيام لطبيب تجميل مصري وهو يعاين مريضته ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن استهزأ برغبتها بالحصول على جسد مشابه لصورة أحضرتها له.

ليس هذا الفيديو هو الوحيد الذي أثار ضجة في العالم العربي من قبل أطباء التجميل، فقد راج منذ سنوات فيديو ترويجي لطبيب لبناني معروف وهو يعاين صدر مريضة ويقيسه وقد غطت عضوها بيدها قبل أن يلفها ويعرض مؤخرتها أمام الكاميرا والمشاهدين ويبدأ بالشرح والقياس.

ومن الأردن تثير فيديوهات الترويج التي ينشرها أحد أطباء التجميل الكثير من الاستهجان، نتيجة الانتهاك الصارخ في الكشف عن أجساد مريضاته وهن تحت التخدير.    

قبل وبعد  

يحدث هذا تحت مسميات "قبل وبعد"، يكفي أن نكتب على محركات البحث كلمات مثل "شد المعدة" "رفع المؤخرة" "سيليكون" "نحت الجسم" لنفاجأ بكمية مهولة الانتهاكات غير المسبوقة للأعراف الطبية، ولقوانين نقابات الأطباء، وللخصوصية بمعناها الواسع، ناهيك عن كونه تعدّي على المرضى من خلال انتهاك خصوصيتاهم. 

أثار فيديو لطبيب لبناني مشهور ضجة بعد عرضه لمؤخرة مريضة وهو يشرح باللمس عن عملية الرفع، ليس أفضل منه الأردني الذي ينشر فيديوهات مريضاته وهن عاريات تحت التخدير، أو المصري الذي يستهزئ بهن أمام المشاهدين 

كثير من هذه الصفحات تكشف من أجساد المريضات أكثر بكثير مما تسمح به أية امرأة على الملأ، خصوصاً في وضعيات غير لائقة كأن تكون المريضة ممدة على ظهرها أو بطنها عارية تماماً إلا من قطعة شاش تغطي منطقتها الحساسة، بينما الطبيب يرسم بقلمه على جسمها ليوضح للمتابعين والمتابعات أين سيقص وماذا سيشد وكيف سيعيد نحت هذا الجسد المخدّر.

الكشف عن أجساد المرضى يفترض أن يتم بخصوصية تامة في كل الأعراف الطبية، ولمس الجسم يفترض أن يكون مقتصراً على الحاجة الطبية، وكذلك المشاهدة للأجزاء التي يعاينها أو يتفحصها أو يعالجها الطبيب، وذلك بموجب أخلاقيات مهنة الطب والقسم الذي يؤديه الأطباء قبيل تخرجهم، أما المشاهدين والمشاهدات الذين يتابعون معه المعاينة والكشف والتعرية غير الضرورية للغايات الطبية فلم يؤدوا القسم، وعلاقتهم بالأجساد المكشوفة هي علاقة غير مشترطة بمهنة أو محددات أخلاقية.

رصيف22 تجوّل في عيادات أطباء تجميل وقانونيين بين الأردن والعراق ومصر والمغرب ودمشق، وكان السؤال الوحيد: هل يعقل أن يكون كشف أجسام المريضات غير متعارض مع الأعراف والأخلاقيات الطبية؟

لم تكن ممرضة، ولم تستأذني حين صورتني

تقول سهى (44 عاماً) وهو اسم مستعار، أنها عانت من تساقط شديد للشعر بعد ولادة طفلها الثاني، فقررت الخضوع لعملية زراعة شعر، تفاجأت قبيل خضوعها للعملية بدخول فتاة "ليست ممرضة ولم أرها من قبل" عليها وهي ممدة على السرير الطبي، وبدأت الفتاة بتصوير رأسها الذي يكاد يخلو من الشعر على حد تعبيرها ووجهها. 

رصيف22 تجوّل في عيادات أطباء تجميل في الأردن والعراق ومصر والمغرب وسوريا للوقوف على انتهاكات الأعراف الطبية والتعدي على المريضات وخصوصيتهن

انتفضت سهى وبدأت بالصراخ والنداء على الطبيب، تقول :"أصبت بصدمة، من قال إني أقبل بأن يتم تصويري بهذا الشكل؟ وحين دخل الطبيب كان مستغرباً من معارضتي وأخبرني أن هذه الصور له فقط ولن يتم استخدامها خارج العيادة، وليتأكد من نتيجة عمله لأن بعض المريضات نكدات على حد تعبيرة وينكرن أي تحسن بعد العملية، وهو يلجأ لهذه الطريقة ليثبت لهن أنهن حصلن على نتيجة مقبولة".

وتضيف لرصيف22: "كنت صارمة جداً ومصرة على إلغاء الصور بنفسي، ولو لم أكن قد دفعت المبلغ كاملاً لكنت ألغيت كل شيء. خضعت للعملية بعد أن أعطوني حبة (فاليوم) قيل لي إنها لترخية الأعصاب خلال الإجراء، وقاومت النوم طوال الوقت خوفاً من أن يتم تصويري دون علمي، استمرت العملية 4 ساعات، لم تنجح ولم يعد شعري للنمو من جديد".

"أقسم على ستر عورات المرضى"

سواء في الصيغة الأصلية لقسم أبقراط الطبي، أو في الصيغة الإسلامية التي تم اعتمادها بعد المؤتمر الطبي الإسلامي الأول، فإن هذا التعهد الذي يؤديه الأطباء أمام أساتذتهم قبيل ممارستهم للمهنة يرتكز على الحفاظ على أخلاقيات الطب وسلوكيات الطبيب أثناء تقديم الرعاية للمرضى، وفي صيغتيه فهو يحث على ستر عورات المرضى والحفاظ على خصوصياتهم. لذلك، يعتبر تجاوز بعض الأطباء لهذه المبادئ وكشفهم للجمهور عن حالات مرضاهم بشكل غير لائق عبر وسائل التواصل الاجتماعي أمراً جديداً في عالم الطب، ويثير تساؤلات طبية وقانونية عمّا إذا كان يندرج تحت بند التعدي على المرضى. 

غياب التشريعات التي ترسم الحدود

وفقاً لرأي أستاذ جراحة التجميل ووكيل كلية الدراسات العليا للقطاع الطبي والعملي ومدير مكتب التميز الدولي لجامعة الأزهر الدكتور ياسر حلمي، فإن كشف أجساد المريضات على موقع التواصل الاجتماعي يتعارض مع قسم الطبيب. يقول في تصريحه لرصيف22: "أحد عبارات قسم الطبيب هي بذل الرعاية لمرضاه  وأن استر عوراتهم، وما يحدث اليوم من تجاوز لكشف عورات بعض المرضى هو أمر غير مقبول". 

سهى: "دخلتْ عليّ فتاة ليست ممرضة وأنا ممدة على السرير الطبي قبل العملية، وبدأت بتصويري دون أخذ إذني، صرت أصرخ وأنا أطلب الطبيب الذي استغرب غضبي" 

ويضيف: "الكارثة الأكبر هي عدم وجود تشريع يمنع المدعيين من الأطباء وقنوات الإعلان المدفوعة من الترويج للخدمات الطبية في جراحة التجميل، وهم أصلاً غير مؤهلين لتخصص جراحة التجميل وغير آمنين لممارسة هذا التخصص، فنجد كوارث طبية بسبب ممارسة غير المتخصصين وادعائهم أنهم جراحي تجميل".

خصم مقابل الظهور

هذه التجاوزات أصبحت مثيرة للقلق لا سيما لجراحي التجميل الذين يصرون على قدسية المهنة وضرورة حفاظها على احترامها، فلطب التجميل جانب إنساني بحت يجدر عدم تجاهله كترميم آثار الحروق، وإصلاح الشفة الأرنبية للأطفال والكبار، ومساعدة مريضات سرطان الثدي، والإسهام في استعادة جرحى الحرب لحياتهم من خلال تجميل ما تعرضوا له من تشويه.

من الممارسات المثيرة للجدل أيضاً، تقديم بعض الأطباء خصماً مالياً للمريضات مقابل السماح لهم باستخدام الصور (قبل وبعد) في الدعاية على وسائل التواصل الاجتماعي.

تقول سمية (41 عاماً) وهو اسم مستعار: "من خلال صديقتي التي تعمل في إحدى العيادات في عمان حصلت على خصم 50% على فيلر الشفاه، للأمانة جلسة التصوير لم تكن لفمي، بل لبطني في وضعيتين مختلفتين، الصورة الأولى في الصباح الباكر وقبل الإفطار حيث رفعت ذراعيّ إلى فوق رأسي وشفطت بطني، والثانية بعد أن ذهبنا إلى الغداء أنا وهي، حيث شبكت ذراعي إلى الخلف أسفل ظهري وأحنيت ظهري قليلاً، وتم ترويج صور البطن فقط دون وجهي ودون إظهار هويتي على أنها قبل وبعد إجراء عملية نحت الجسم". 

سمية: "حصلت على خصم 50% من الطبيب على فيلر الشفاه مقابل تصويري قبل وبعد، التصوير كان لبطني وليس لفمي" 

وتختم في حديثها لرصيف22: "بصراحة لا أعرف أين المشكلة في هذا الترويج، الكل كان سعيداً، ولم يخدعني الطبيب أو يصورني دون علمي، هناك مبالغات في التحفظ على تصوير المريضات، أي فتاة تجلس على البحر سيظهر من جسمها أكثر من ذلك".   

لم تتعرض سمية للخداع، كما وترفض أن تكون ساهمت به من خلال صور غير واقعية، فهذا هو "عالم الانستغرام ومبروك عالشاطر" كما تقول. 

ليس التصوير دائماً ضد القانون 

من جهته يرى الدكتور عبد العالي اليوبي وهو طبيب مختص في أمراض الجلد وطب التجميل من مدينة أكادير في المغرب بأن "معظم أطباء التجميل يعمدون إلى التقاط صور للمرضى للضرورة المهنية، وذلك من باب المتابعة الطبية وتحقيق أهداف المراقبة القبلية والبعدية للحالات، وأيضا لأغراض علمية وبحثية، مشيرا إلى أن هذا الأمر يتم دون كشف هوياتهم".

وأضاف الدكتور اليوبي بأن تصوير المرضى على وجه العموم متاح من الناحية الأخلاقية، كما أنه لا يدخل في نطاق التشهير بالمريض ما دامت هويته محفوظة وغير مكشوفة للعموم.

وبالنسبة لبعض الحالات التي يتم فيها عرض الصور الكاملة للمرضى على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصفحات الخاصة بالأطباء، أو التي تُعرض فيها مناطق من أجسادهم أثناء إخضاعهم لإجراء تجميلي معين، أكد الطبيب أن ذلك لا يتعارض أيضاً مع أعراف مهنة الطب في المغرب، في حال تم أخذ موافقة المرضى المعنيين. لكن في المقابل، شدد اليوبي على أن هذه الممارسات تخالف أخلاقيات مهنة الطب، باعتبار أنها تدخل في نطاق الممارسات الدعائية لبعض الأطباء.

أطباء فوق القانون

سألنا طبيبة التجميل إسراء صالح العبيدي من العراق عما إذا كان كشف أجساد المريضات على انستغرام ومواقع التواصل الاجتماعي لغايات الدعاية يتعارض مع القسم الطبي والأعراف الطبية، فأكدت أن مبادئ الطب، تمنع مثل هذه السلوكيات.

وعما إذا كانت موافقة المرضى تسقط المشكلة الأخلاقية الطبية تقول لرصيف22: "الجهات الرقابية عاجزة عن محاسبة مرتكبي هذه المخالفة بحجة موافقة الزبون أو المريض على النشر وهو بكامل وعيه".

وتنوه إلى النفوذ الذي يتمتع به بعض أطباء التجميل في العراق، فتقول :"حقيقة هذا العجز عن المحاسبة هو بسبب تشعب علاقات بعض مرتكبي هذه الأفعال من الأطباء مع الطبقة السياسية أو الحزبية، وقدرتهم على تجاوز القانون استناداً الى هذه العلاقة".

المسؤولية المدنية لطبيب التجميل

قانونياً، هناك بند واضح في معظم القوانين حول المسؤولية المدنية للأطباء، والتي يشار إليها بأنها المسؤولية القانونية التي يتحملها الطبيب عند ممارسة مهنته في مجال جراحة التجميل، وتشمل تعويض المرضى عن الأضرار التي قد تنتج عن أخطاء طبية أو تقصير طبي في أداء الإجراءات التجميلية. فيتعين على الطبيب أن يلتزم بمعايير الرعاية الطبية اللازمة والإجراءات الاحترافية أثناء تقديم الخدمات الطبية للمرضى، وفي حالة عدم الامتثال لهذه المعايير قصداً أو إهمالاً وحدوث ضرر للمريض، يكون الطبيب مسؤولاً مدنياً عن تلك الأضرار ويمكن أن يتعرض للملاحقة القانونية. 

تختلف القوانين واللوائح المتعلقة بالمسؤولية المدنية للأطباء وخاصة طبيب التجميل من بلد لآخر، وقد تحدد التشريعات الوطنية الحقوق والواجبات التي يجب على الطبيب الالتزام بها. لكن بالعموم، تشمل: التشخيص الدقيق، الحصول على موافقة المريض/ـة على الإجراء بعد الاطلاع على مخاطره، ممارسة الاحترافية من خلال تقديم أفضل سبل الرعاية والممارسات الطبية، وأخيراً والأهم في هذا السياق الحفاظ على سرية المعلومات الطبية، وتعني حماية خصوصية المرضى وعدم الكشف عن أي معلومات طبية دون موافقة صريحة منهم. فإذا انتهك الطبيب أي من هذه الواجبات وتسببت أفعاله في أضرار للمريض، فيمكن للمريض المتضرر أو ذويه أن يقدموا دعوى قضائية ضد الطبيب للحصول على تعويض عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة تقصير طبي. 

المسؤولية المدنية للطبيب، وقسم الأطباء يلزمانه بالحفاظ على سرية معلومات المرضى، وعدم كشف عوراتهم، وحماية خصوصياتهم، وكل ما عدا ذلك يعتبر تعدياً على المرضى وانتهاكاً لخصوصياتهم 

بمعنى إذا أثبتت أي مريضة أن تصويرها تم بدون علمها، أو حتى بعلمها إنما تم النشر بدون موافقتها، أو بموافقتها على النشر إنما ضمن شروط مختلفة، تستطيع مقاضاة الطبيب تحت بند الكشف عن المعلومات الطبية.

أين نقابات الأطباء والمشرع؟

هذه التجاوزات كما أسماها الأطباء الذين شاركوا برأيهم تشير إلى ضعف دور منفذ القانون في البلاد التي شملها التقرير، وضعف دور نقابات الأطباء واللجان الصحية في البرلمانات والمجالس التشريعية، فما لم يكن هناك التزام من قبل الأطباء بمبادئ الأخلاق الطبية واحترام خصوصية المرضى. ينبغي أن تتدخل الجهات الرقابية والتشريعية لتحديث القوانين بما يتوافق مع أدوات العصر، والتي يجب أن تحمي المرضى من أية تجاوزات تحدث في مجال جراحة التجميل، بما في ذلك منع الترويج عبر الكشف عن أجساد المريضات على وسائل التواصل الاجتماعي مقابل مكافأة.

لكن حين يكون التشريع أبطأ من التكنولوجيا ستحدث المخالفات بالجملة قبل أن يتلفت أحدهم إلى ضرورة تقديم مشروع قانون يواكب التغيرات، وفي هذه الحالة قد لا يتمكن المتضرر/ة من الحصول على حقه/ـا على اعتبار القوانين لا تسري بأثر رجعي.   


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard