شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"للمرة الأولى في حياتي أشعر بطعم الحرية"... غزّيون يحققون حلمهم بالسياحة الخارجية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات العامة

السبت 29 يوليو 202310:52 ص

حزم الشاب رياض الشاعر، من محافظة رفح جنوب قطاع غزة، أمتعته برفقة زوجته سلوى وطفليه أحمد وترنيم وانطلقوا في أول أيام شهر تموز/ يوليو الجاري في رحلة سياحية إلى مصر.

اجتازت العائلة الصغيرة بوابة معبر رفح الحدودي بعد انتظار دام نحو 8 ساعات، بين الجانبَين الفلسطيني والمصري، ثم بدأت الرحلة التي انتظر الشاعر 9 سنوات ليتمكّن من معايشة تفاصيلها برفقة زوجته.

يقول في حديث إلى رصيف22: "تزوجنا عام 2014، ومنذ ذلك الحين كنت أحلم بمرافقة زوجتي في رحلة سياحية إلى الخارج، للترفيه وللتعرف على أماكن جديدة ومشاهدة مناظر غير التي اعتدنا مشاهدتها في غزة، لكن إغلاق معبر رفح والحالة السياسية والاقتصادية حالا دون تحقيق ذلك... إلا هذا العام"، لافتاً إلى أن ذلك تم بعد مشاهدته إعلاناً لإحدى الشركات في غزة عن تنظيم رحلات سياحية خارجية.

استمرت رحلة الشاعر وعائلته نحو أسبوعين، زاروا خلالهما العاصمة المصرية القاهرة، ومدينة شرم الشيخ السياحية ومدينة العريش في منطقة جنوب سيناء، ومارسوا أنشطةً صيفيةً وألعاباً رياضيةً مائيةً مختلفةً، حسب البرنامج المخطط، ثم عادوا مجدداً إلى غزة.

الرحلة السياحية تلك لم تكن لتتحقق لولا تحسّن ظروف العمل على معبر رفح البري الذي يربط بين قطاع غزة ومصر في العامين الأخيرين، حيث صار في مقدور المواطنين التحرك في الاتجاهين بشكل أيسر مما كان سابقاً.

"جرّبت التسوق من متاجر الماركات العالمية التي نُحرم من وجودها في غزة لأسباب سياسية، كما تناولت أطعمة بلدان مختلفة والتقيت بالكثير من الأصدقاء خارج جدران الحصار"... غزّيون يختبرون "الحريّة" خارج القطاع المحاصر

وظهرت خلال الأشهر الماضية على منصات التواصل الاجتماعي منشورات لشركات من غزة، تتضمّن إعلانات عن رحلات سياحية، خاصةً في فصل الصيف، وتدعو المواطنين للاشتراك فيها مقابل مبالغ مالية وعرض بعضها إمكانية الاشتراك في الرحلات إما عبر آلية الدفع النقدي أو عبر "التقسيط".

وتتراوح المبالغ المالية لكل فرد، بين 600 و1،500 دولار حسب الدولة المختارة، ووقت تنظيم الرحلة ومدتها والأنشطة التي يمكن أن تتضمنها.

تحكّمات اقتصادية وسياسية

نائب رئيس مجلس إدارة جمعية وكلاء شركات السياحة والسفر في قطاع غزة، مهند الجاروشة، يقول في تصريحات لرصيف22، إن الوضع المعيشي في قطاع غزة والظروف السياسية هي من تتحكم في الأساس في إقبال المواطنين على الرحلات السياحية الخارجية في فصل الصيف، مشيراً إلى أن ما يمرّون به يزيد من حاجتهم إلى "التفريغ النفسي" بين وقت وآخر.

"رصدنا خلال العامين الماضيين زيادةً في إقبال المواطنين على الرحلات السياحية، وازدادت من طرفنا العروض بسبب تحسّن آلية عمل معبر رفح البري، واستيعابه عدداً أكبر من المسافرين يومياً"، يتابع الجاروشة، مشيراً إلى تنسيق "يجري بينهم وبين الحكومة للمساعدة في تسيير الرحلات وتسهيل خروج السياح من غزة خاصةً خلال موسم الصيف".

وأوضح أن الظروف الاقتصادية تقف حائلاً أمام رغبة كثرٍ من المواطنين الراغبين في السفر، مبيّناً أنهم يحاولون كشركات، العمل على خفض التكلفة قدر الإمكان وجلب عروض مناسبة لأهالي غزة، وذلك يعتمد على نوعية الفنادق المختارة والأماكن المستهدفة خلال الرحلات، بحسب قوله.

الجاروشة لفت خلال حديثه إلى أن الرحلات التي يتم حالياً تسييرها من غزة تصل إلى كلّ من "مصر وتركيا والإمارات"، كونها البلدان التي تقدّم تسهيلات من أجل منح الفلسطينيين فِيَزاً سياحيةً وتجاريةً، مضيفاً أنه "يزيد الإقبال بشكل كبير على تلك الرحلات خلال فصل الصيف، لكنّ ذلك يتعارض مع الضغط الموجود على معبر رفح في تلك الفترة وهو ما يزيد من تكلفة الرحلات".

ويأمل الجاروشة كغيره من العاملين في قطاع السياحة والسفر في غزة، أن يتمكّنوا في الوقت القريب من توسيع عمل شركاتهم وينظموا رحلات سياحيةً إلى بلاد أخرى تتناسب مع احتياجات المواطنين وقدراتهم الاقتصادية.

وتشمل الرحلات السياحية المعلن عنها، فعاليات وفقرات ترفيهيةً مثل زيارة شواطئ وأماكن أثرية ومدن ساحلية وممارسة أنشطة رياضية صيفية مختلفة.

"ركبت الطائرة لأول مرة في حياتي بعمر 31 عاماً"

الشاب رامي حسين، من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، زار تركيا في نيسان/ أبريل 2023، لمدة أسبوعين، بقصد السياحة.

يروي لرصيف22، أنه "تشجّع على تلك الرحلة بعدما اطّلع على عدد من التجارب لشبان وعائلات من غزة نجحوا في الخروج في رحلات سياحية إلى الخارج والعودة منها إلى القطاع دون أي عراقيل كما كان يحدث سابقاً".

ويضيف: "فرصة زيارة تركيا كانت عظيمةً، اطّلعت من خلالها على أماكن طبيعية كثيرة، وزرت مزارات تاريخيةً ومساجد وركبت الطائرة لأول مرة في حياتي وأنا ابن الـ31 عاماً".

في طريق سفره، التقى الشاب حسين بعدد من الشبان من قطاع غزة، كانوا في طريقهم إلى تركيا للغرض نفسه أيضاً، وفي طريق العودة قابل أمثالهم، موضحاً أنهم تبادلوا أطراف الحديث كثيراً، وتحدثوا بمشاعر كثيرة عن رحلاتهم وتجاربهم، وكلهم كانوا متشوقين إلى رحلات إضافية إذا سمحت الظروف مستقبلاً.

ويبيّن الشاب أن "تكلفة رحلته الإجمالية لم تتجاوز الـ1،500 دولار مع مصاريف التنقل ورسوم المعابر وغيرها"، مشيراً إلى أن هناك عدداً لا بأس به من أهالي قطاع غزة لديهم القدرة على دفع ذلك المبلغ لأجل السياحة، لكن الفكرة ظلت غائبةً لسنوات بسبب ظروف إغلاق المعبر والحصار الإسرائيلي.

في حزيران/ يونيو 2022، عاش الزوجان مها وسائد المصري من شمال قطاع غزة، تجربة السياحة في تركيا لمدة شهر واحد. تقول مها لرصيف22: "عشنا أجواءً وفعاليات أتمنى لو تتكرر كل سنة".

وتضيف: "لأول مرة في حياتي أشعر بطعم الحرية ومذاقها المختلف، وأقابل أشخاصاً من جنسيات متعددة وأتعامل معهم دون خجل"، متابعةً: "جرّبت التسوق من متاجر الماركات العالمية التي نُحرم من وجودها في غزة لأسباب سياسية، كما تناولت أطعمة بلدان مختلفة والتقيت بالكثير من الأصدقاء خارج جدران الحصار".

وتتمنى الزوجة مها أن تتمكن هذا العام من مرافقة زوجها مرةً أخرى في رحلة سياحية إلى خارج غزة، سواء إلى تركيا أو غيرها، موضحةً أن "ما يعيشونه من ظروف نفسية صعبة بسبب الاعتداءات الإسرائيلية والحصار يتطلب خروجهم بين وقت وآخر للتفريغ والترفيه".

ومنذ صيف 2007، تفرض إسرائيل حصاراً خانقاً على المواطنين في قطاع غزة، والبالغ عددهم مليونين و300 ألف نسمة، بحسب بيانات وزارة الداخلية، وأدى ذلك إلى تدهور مختلف مناحي الحياة وتسبب في ارتفاع نسبة الفقر إلى 61.6 في المئة والبطالة إلى 47 في المئة.

"ما يعيشونه من ظروف نفسية صعبة بسبب الاعتداءات الإسرائيلية والحصار يتطلب خروجهم بين وقت وآخر للتفريغ والترفيه"... السياحة الخارجية تمنح سكان غزّة فرصة ثمينة لشعور ولو مؤقت بالحرية

وبين وقت وآخر تشنّ إسرائيل حملات عسكريةً على غزة، تلقي خلالها آلاف الأطنان من المتفجرات، وتقتل المدنيين الأبرياء والنساء والأطفال وتدمّر المنازل والمباني، دون مراعاة للمواثيق والاتفاقيات الدولية.

وفي ورشة سابقة عقدتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أجمع أطباء ومختصون على أن "ثلث سكان القطاع بحاجة إلى دعم نفسي واجتماعي نتيجة تردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية".

وعزا مختصّون، خلال الورشة، أسباب تردّي الواقع النفسي لدى الغزيين إلى "وجود الاحتلال والحصار الإسرائيلي للقطاع منذ أكثر من 15 عاماً وما له من تبعات مختلفة".

وبحسب إحصاءات رسمية، لا يوجد في قطاع غزة سوى مستشفى واحد للصحة النفسية بسعة خمسين سريراً فقط لخدمة المحافظات الخمس في القطاع.

السفر عبر معبر رفح

انتظم عمل معبر رفح بشكل شبه يومي أمام المسافرين من غزة قبل 4 سنوات، بعد أن ظل لنحو 5 سنوات لا يُفتح سوى أيام معدودة خلال العام يمر خلالها أصحاب الحالات الإنسانية والمرضية وحملة الجوازات والإقامات الأجنبية فقط.

ويسجّل أهالي غزة عبر معبر رفح البرّي بطريقتين، الأولى من خلال وزارة الداخلية التي تعطي الأولوية في كشوفاتها للفئات المذكورة سابقاً، فيما يلجأ المسافرون العاديون إلى التنسيق مدفوع الثمن من أجل ضمان الوصول إلى الجانب الثاني للمعبر وعدم إرجاعهم من قبل المصريين.

وظهرت فكرة "التنسيق" قبل نحو 10 سنوات، وهو مبلغ مالي يدفعه الفلسطينيون للضباط المصريين عبر وسيط وسماسرة من غزة لتسهيل سفرهم عبر معبر رفح.

يقول جهاد سامي الذي يعمل في مجال "تنسيق دخول الأراضي المصرية"، لرصيف22، إن إقدام المواطنين على السفر شهد تزايداً ملحوظاً منذ بداية فصل الصيف الحالي، موضحاً أن سعر دخول الفرد الواحد إلى مصر ارتفع من 150 دولاراً إلى 400 دولار بسبب ذلك.

ويلفت إلى أن كثراً من المسافرين خلال فصل الصيف تكون وجهتهم السياحة إما في مصر أو تركيا ثم العودة مجدداً إلى القطاع بعد أسابيع، مشيراً إلى أن ذلك لم يكن متاحاً في سنوات سابقة إلا لفئات نادرة من أهالي غزة بسبب صعوبة التنقل والحركة والقيود التي كان يضعها الجانب المصري على المسافرين.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard