شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
لماذا يبدع شباب وشابات غزة في العمل عن بعد؟

لماذا يبدع شباب وشابات غزة في العمل عن بعد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الاثنين 5 يونيو 202303:47 م

"رهبة البدايات وخوفي من العمل كفريلانسر كان مقيدني، ما بعرف شي وخايفة مرتبكة، لكن بعد 7 سنوات من العمل الحر بقدر أقول إني خضت تجربة جيدة في هاد العالم".

آية جودة فتاة مقيمة في مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، وحاصلة على بكالوريوس في الصحافة والإعلام، قادتها الصدفة البحتة للدخول نحو عالم العمل الحر مع عملاء عرب وشركات عربية. فأثناء تصفحها للـ"فيسبوك" وجدت إعلاناً معنوناً بـ"نود كاتبة محتوى" فقررت أن تجرب لأنها لن تخسر شيئاً. 

تقول آية لرصيف22: "قصة قطاع غزة وارتفاع نسبة البطالة معروفة، حاولت لسنوات بعد تخرجي أن أعثر على وظيفة في تخصصي لكن الفرص شحيحة جداً، وحينما وجدت عملاً، كان عقداً مؤقتاً براتب ضئيل، فقررت الخروج من الصندوق والنظر نحو الخارج لتحسين مستواي المادي، وتطوير نفسي بالتعامل مع جنسيات وعقول مختلفة". 

التخلص من المظلومية 

أول فرصة خاضتها آية في كتابة المحتوى كانت مع عميل مصري، فقررت أن تظل في قلب التجربة وتبحث عن المزيد من الأعمال بالقطعة وعن بعد، فبدأت بعرض خدماتها على العملاء، وكونت حصيلة من المعارف العرب في السعودية ومصر. 

يمكن القول إن الخطوة الأولى التي اتخذتها آية هي التخلص من شعور المظلومية والبحث الحقيقي في الفرص، ومع كل عمل كانت تتطور أكثر، وتتغلب على المعوقات التي تواجهها بحكم مكان إقامتها في القطاع المحاصر، ثم اشتركت في انترنت بسرعة عالية لتستطيع إنجاز العمل دون انقطاع في الشبكة، ووجدت حلولاً لمشكلة انقطاع التيار الكهربائي، فصار العمل أسهل بالنسبة لها، تقول: "كل اللي بحتاجه لابتوب مريح سريع، مخ صاحي، مكان هادي". 

تخلصت آية من شعور المظلومية الملازم للعاطلين عن العمل في القطاع، فعثرت على عمل عن بعد، وحرصت على حل مشكلة الكهرباء، ثم اشتركت في إنترنت بسرعة عالية لتهيئة جو عمل مثالي في بيتها 

تؤكد آية أن التواصل الوجاهي مهم في عملها، أحياناً لا تستطيع إيصال فكرتها كاملة بشكل جيد، ولكنها تحاول قدر استطاعتها أن تقدم ما لديها من أفكار منوعة للعميل، وفي هذا السياق تعبر عن قلقها وخوفها من أن تعتاد العمل من خلف الشاشات ولا تستطيع العودة لعالم المكاتب والوظيفة الثابتة، وتظل تسأل نفسها:  "ماذا لو أُتيحت لي وظيفة بدوام كامل خارج حدود بيتي، هل سيكون الأمر سهلاً عليَّ؟"

وعن المواقف المزعجة التي تعرضت لها أثناء عملها تقول: "كتير، كنت اشتغل مع جماعة كانت طلباتهم مبالغ فيها بشكل مش طبيعي، والمردود قليل بالنسبة للجهد المبذول، بس بهداك الوقت ما كنت بشتغل عشان الفلوس، بس عشان أضل محافظة على مهاراتي وأطور حالي وما أضل قاعدة بالفراغ".  

من دروب الحظ 

وعن رواتب العاملين في عالم كتابة المحتوى بالقطعة "فريلانسر" تشير آية إلى أن الرواتب متأرجحة حسب الشركة أو العميل، توجد أعمال بمقابل ضئيل جداً، وهناك من يقبل بها وهذا يؤثر على من يرفضون العمل برواتب لا توازي جهودهم، وفي المقابل توجد شركات كبيرة ومعروفة تحترم موظفيها وتقدم رواتب مجزية ومعاملة جيدة.

لم تتعرض آية للنصب خلال سبع سنوات من العمل عن بعد، كانت تنال المقابل المادي في وقته المتفق عليه، وتعتبر هذا من حسن حظها كونها سمعت كثيراً من القصص لزميلات لها أنهين أعمالهن بجدارة ولكن المشغل لم يحول المال لهن، وفي هذه الحالة لا يوجد أية وسيلة لاسترجاع حقوقهن. 

الصبر ثم الصبر 

أما محمد ناصر (28 عاماً)، وهو حاصل على بكالوريوس في هندسة الحاسوب، كان يعتقد أيضاً أنه بمجرد تخرجه سيجد وظيفة الأحلام، ولكنه صُدم بسوق العمل الغزي في مجاله، جلس لفترة طويلة يبحث عن وظيفة دائمة براتب شهري ثابت ولكن محاولاته باءت بالفشل فقرر تحويل مساره الوظيفي وتطوير نفسه بالدورات عبر الـ"يوتيوب" في مجال تصميم المواقع والتطبيقات لينشئ حساباً عبر موقع "مستقل" الإلكتروني ويكتب به مهاراته وسيرته الذاتية. 

أنشأ محمد زاوية للعمل عن بعد في غرفته، كمبيوتر ومكتب وكرسي مريح وإنترنت سريع واشتراك كهرباء يضمن استمرارية العمل 

يقول لرصيف22: "عدم عثوري على وظيفة في تخصصي الذي اخترته كان صعباً، حاولت كثيراً ولكن لا أمل، فما كان مني إلا إنشاء حساب على موقع (مستقل) وأعرض مهاراتي كمصمم مواقع، وبالفعل وجدت أول فرصة وكنت سعيداً، فرصة بعد فرصة وبدأ اسمي يكبر في المجال. لكن لم يكن العائد المادي ثابتاً بشكل شهري، فكنت أسعى بالموازاة مع العمل المتقطع إلى أن أحصل على وظيفة ثابتة في إحدى الشركات وبالفعل حصلت عليها، وأصبحت موظف براتب شهري وبدوام كامل".

لكن محمد لم يركن لوظيفته الثابتة، التي حصل عليها في إحدى الشركات العربية التي تعمل عن بعد، فظل يعمل بنظام المشاريع الفردية عن بعد وبنى لنفسه قاعدة معرفية واسعة في مجاله. 

يقول: "قد ما تشتغل وتقبض منيح إلا أنه بتضلك حاسس بعدم أمان وظيفي، في أي وقت ممكن تسيب وظيفتك لأي سبب كان، بضل شعور عدم الأمان الوظيفي موجود". 

زاوية للعمل في المنزل 

العامل عن بعد سيفعل كل ما يستطيع ليجد بيئة هادئة للعمل، محمد مثلاً صمّم في غرفته مكتباً خاصاً، واشترى شاشة كبيرة بمواصفات عالية لتظهر له ألوان تصميمه بوضوح، بالإضافة إلى كرسي مريح كونه يجلس لما يزيد عن 12 ساعة من العمل، جزء منها في دوام شركته المعتاد والباقي في المشاريع المتفرقة التي يقبلها من أرباب عمل مختلفين. كذلك لم ينس أن يحل مشكلة جدول الكهرباء في قطاع غزة، فاشترك في مولد كهربائي يؤمن الكهرباء لدى انقطاع التيار الكهربائي.

منصات للعمل وحاضنات محدودة

توجد عدة حاضنات أعمال في غزة تهتم بالشباب لدمجهم في مجال العمل عن بعد عن طريق تدريبهم على مهارة معينة وإتقانها ثم تعليمهم التعامل مع منصات الـ"فريلانسر" وإطلاعهم على طرق تحويل الأموال، أبرز حاضنة في غزة هي "سكاي جيكس" التي تعرف نفسها عبر موقعها الرسمي بأنها: "مسرّعة وحاضنة أعمال رائدة ومساحة عمل مشتركة ومركز تعليمي تكنولوجي يقوم بتحضير المطورين ورياديي الأعمال في غزة للمنافسة على مستوى عالمي". وتعمل هذه الحاضنة على توفير فرص العمل الحر عبر الإنترنت لمن يمتلكون المهارات ولم يحالفهم الحظ في الحصول على وظيفة في السوق المحلي". فبحسب آخر إحصائيات وزارة العمل في غزة فقد بلغ عدد العاطلين عن العمل 320 ألفاً أكثر من نصفهم من الخريجين. ومن المنصات الشهيرة كذلك موقع "خمسات"، وموقع "مستقل"، و"لينكد إن". 

العمل عن بعد يكسر حصار غزة

ريما محمود مديرة موارد بشرية في أكاديمية "كتاتيب أون لاين" تقول: "ساهمت في تأسيس شركة فريلانسر مقرها في الخليج، وأسست فريقاً متكاملاً في التسويق الرقمي، وكنت أحرص على اختيار الموظفين بعناية لكي يكونوا واجهة الشركة في بداياتها ويحققوا النجاح المطلوب، عملت مع الشركة عامين ثم انتقلت إلى تأسيس أعمال أخرى وانتهى بي المطاف في كتاتيب". 

تقول ريما أن التخصصات الأكثر طلباً في عالم "الفريلانسر" هي البرمجة، وتصميم المواقع، والتصميم الغرافيكي، بالإضافة إلى التسويق الرقمي، وكتابة المحتوى، والترجمة.

توجد عدة حاضنات أعمال في غزة تهتم بدمج الشباب في مجال العمل عن بعد عن طريق تدريبهم على مهارة معينة وإتقانها ثم تعليمهم التعامل مع منصات الـ"فريلانسر" وإطلاعهم على طرق تحويل الأموال

تكمل: "كوني في الفريق الإداري تقع عليَّ مسؤولية كبيرة خلال اختيار الموظفين فأحاول الموازنة بين متطلبات الوظيفة ومواصفات الموظف، وأهم ما يعنيني هو وجود إنترنت سريع لدى الموظف/ـة، إضافة للسمات الشخصية المتمثلة بتحمل العمل تحت الضغط والمرونة في التعامل مع الزملاء والالتزام بأخلاقيات العمل، وأداء المهام بعناية ودقة". 

وعن نظام العمل في الشركات التي تستقطب موظفين عن بعد، تقول: "تنقسم الشركات لقسمين، القسم الأول شركة تراقب أجهزة الحواسيب الخاصة بالموظف حتى ترى ما الذي ينجزه خلال ساعات الدوام المطلوبة، والقسم الثاني يعطي مهمات محددة وعلى الموظف إنهاؤها في وقت محدد، بدون رقابة على حاسوبه الخاص، وهذا المتبع مع الشركة التي أعمل بها". 

وعن المعوقات تقول: "أبرز الصعوبات اختلاف التوقيت، كما توجد صعوبة كامنة في دمج الموظفين لأن كل شخص في بلد يعمل بشكل منفرد، أحاول التغلب على المشكلة بعقد اجتماع كل فترة لتعزيز روح الفريق، إضافة لصعوبة متابعة الموظفين وإنجازهم، لكن بوجود المواقع المصممة لعرض الإنجاز وجدولة المشاريع بشكل منسق كموقع تريلو وغيره صار سهلاً عليَّ المتابعة ومراقبة المهام المنجزة على نحو أفضل".

تؤكد ريما أن عمل "الفريلانسر" يعود بالنفع على كل الأطراف، إذ يوفر على صاحب العمل التكلفة التشغيلية من شراء مكان أو استئجار وجلب معدات ومكاتب وخلافه، ويقدم للموظف خدمة العمل من منزله دون عناء في المواصلات، وفرص أقوى ورواتب أفضل من بلده الأم.

تقدم مديرة الموارد البشرية نصيحتها التالية للشباب العربي: "أنت كعامل في مجال "الفريلانسر" عليك أن تتبع قواعد معينة حتى لا تقع ضحية نصب، عندما يتواصل معك شخص من الموارد البشرية إعرف اسم الشركة منه جيداً ورابط موقعها الإلكتروني ومنصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي لكي ترى هل هي حقيقية أم لا، ثم تابع الأشخاص الذين يعملون مع هذه الشركة وتأكد أن حساباتهم تعود لأشخاص حقيقيين، فإذا تمت كل هذه الأمور وتأكدت واجتزت المقابلة عليك توقيع عقد، أي نعم لا إلزام قانونياً بهذا العقد لكنه يوضح واجبات الشركة ومهماتك كموظف".

تشجع ريما كل الراغبين في خوض غمار العمل عن بعد بالانطلاق وتطوير المهارات باستمرار، وعدم الركون للبطالة في بلادهم، وتؤكد أن المفتاح الأثمن في عالم الـ"فريلانسر" لكل المجالات هو اللغة الإنجليزية.


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard