الكوميديا نوع من أنواع التشخيص يقوم على تجسيد شخوص معينة في صور وقوالب مرحة من صنع المفارقات، وغالباً ما يصف النقاد الكوميديا بأنها "هروب من الواقع"، أو "تسلية خفيفة"، أو "سخرية سهلة".
مقدمة كان لا بد من ذكرها قبل استعراض فيلم "البعبع" من بطولة أمير كرارة الذي عرض خلال موسم عيد الأضحى، ولا يزال في السينمات.
يعود كرارة إلى السينما بهذا الفيلم بعد غياب طال منذ فيلمه "كازابلانكا" للمخرج الأثير لكل نجوم "الأكشن" في مصر، بيتر ميمي، من إنتاج العام 2019.
في فيلمه الجديد يقدم كرارة خلطة "الأكشن كوميدي" مبتعداً قليلاً عن نمط الشخصيات التي اعتاد تكرارها في كافة أعماله الماضية ولكن بقدر قليل، يفسح مساحة أوسع للضحك الذي عاد ليكون هو السلعة الأضمن، مع انحسار تيار المسلسلات والأفلام الوطنية الذي برز هو كواحد من نجومه، ومع وجود سوق جديد عميق الجيب، تفرض ذائقته وأمواله الكوميديا على شباك التذاكر.
في فيلمه الجديد "البعبع"، يقدم كرارة خلطة "الأكشن كوميدي" مبتعداً قليلاً عن نمط الشخصيات التي اعتاد تكرارها في كافة أعماله الماضية، مفسحاً المجال للضحك، السلعة السينمائية الأهم حالياً
يحكي الفيلم عن سلطان البعبع، المجرم الذي يخرج من السجن لينفذ عملية لا ترفض لرجل عصابات كبير، يقبل سلطان تحت إغراء المال أن ينفذ العملية، لكنه ينقلب على الرجل ويهرب، إلا أن رحلة هروبه لا تمر بسهولة.
منذ التريلر الأول للفيلم لم أتحمس له كثيراً، لكني عند مشاهدته وجدته فيلماً جيد الصنع؛ إلا أنه ضل طريقه إلى هويته التي يعبر عنها، فالشكل العام أو القالب المقدم للفيلم هو أفلام الحركة الكوميدية التي يقدمها جاكي شان وبروس ويليس، إلا أن كتابة الفيلم لم تحقق هذا الطموح، فخرجت الحركة منفصلة عن الكوميديا وكل منهما يسبح في واد. إذ غاب عنهم أن هذا النوع من الأفلام عليه أن يضع الاثنين في بوتقة واحدة ويصهرهما معاً وفق خيوط وقواعد باتت معروفة لصناعة هذا "الجنرا"، إلا أن تلك المعرفة لم تصل إلى صناع "البعبع".
أكشن أم كوميدي أم خلطة منهما؟
تقوم أفلام الأكشن الكوميدية على المخاطرات بشكل كبير، وتتخذ منها مع الشكل الهزلي للقتال والمعارك أسلوباً لتوليد الضحك. لكنها رغم جودة تنفيذها فهي تُشعِر المشاهد بسذاجتها وغرابتها، وأقرب مثال لها أفلام جاكي شان، التي تعتمد على مشاهد قتالية طويلة جداً تشوبها حركات غريبة ومبالغ فيها وأخطاء تستدعي الضحك.
لكن في فيلم البعبع، ورغم صنعة مخرجه حسين المنباوي الذي قدم أعمالاً درامية جيدة مثل "جزيرة غمام" و"الفتوة"، وأفلام مثل "عمهم" و"ليلة هنا وسرور" والتي يظهر فيها اهتمامه بهذا اللون السينمائي تحديداً: الجمع بين الحركة والكوميديا؛ إلا أنه على الرغم من اهتمامه بهذا النوع لم يهتم بدراسته جيداً، فرغم جودة تنفيذ مشاهد الأكشن فقد غلب عليها الاستعراض وأضفت على البطل صفات قتالية خارقة، وهذا لون آخر تماماً من السينما. كما أن هناك مشكلة في كون النجم الذي يحتل دور البطولة أمير كرارة، لا يملك قدرات كوميدية تضعه في تلك المساحة التي أرادها أو أرادها له المخرج.
النتيجة أن مشاهد الكوميديا التي قدمها كرارة خرجت باهتة بالمقارنة بتلك التي قدمها محمد عبد الرحمن، ويلعب الأخير دور شخص ساذج يقاتل، ولكنه قبل أي شيء يضحك ويعرف أن الأولوية للإضحاك لا إظهار القدرات القتالية، وهو ما لم يستجب له كرارة.
فى عام 2017، استحوذ كرارة على بطولة مسلسل "كلبش" مع المخرج بيتر ميمي. ليكون فاتحة بطولاته في المسلسلات والأفلام التي توسعت الدولة وشركاؤها المنتجون في صناعتها للإشادة بأجهزتها
من "باشا مصر" إلى "سلطان البعبع"
فى عام 2017، استحوذ كرارة على بطولة مسلسل "كلبش" مع المخرج بيتر ميمي. ليكون فاتحة بطولاته في المسلسلات التي تشيد بالأجهزة الأمنية في الدولة في وقت توسعت الدولة من خلال شركة المتحدة للإنتاج الإعلامي في إنتاج هذا النوع من المسلسلات الضخمة الإنتاج وتحمس لمشاركتها عدداً من المنتجين أصحاب شركات الإنتاج الخاصة.
حقق المسلسل نجاحاً واسعاً ذاع معه صيت أمير كرارة ليوضع بذلك المسلسل على خريطة النجوم، وحتى بيتر ميمي أصبح مخرجاً مفضلاً لدى صناع هذا النوع من الأعمال الدرامية والسينمائية.
لازمت شخصية ضابط الشرطة التي قدمها كرارة في "كلبش"، بطل المسلسل ليقدمها في جزئين آخرين. وانطبعت شخصيته على المسلسل حتى بات الجمهور ينسى اسم المسلسل "كلبش" ويعرفه بمسلسل "باشا مصر".
الآن وقد تراجعت أعمال "البطولات الوطنية" التي صنعت نجومية جيل كرارة، عادت الكوميديا لتكون السلعة الأهم، خاصة مع استهداف الأسواق الخليجية التي لا تعني كثيراً بيبطولات الأجهزة الأمنية المصرية
استثماراً في نجوميته الجديدة، قدم كرارة مع ميمي أول أفلامهما معاً في طريق "البطولات الوطنية" من خلال فيلم حرب كرموز.
كانت شخصيته في الفيلم لا تختلف عن شخصيته في مسلسل كلبش على الإطلاق، وعلى نهجمهما سار كرارة على نفس النمط: ابن البلد الوطني الجدع المقدام الحريص على صرامة تطبيق القانون من دون مساومة والمحبوب من الجميع والذي يحوز إعجاب أعدائه.
لم يخرج كرارة عن النمط قليلاً إلا في كازابلانكا، ليلعب هذه المرة دور المجرم الجدع، لا الضابط الجدع.
ثم جاء مسلسل "الاختيار" في جزئه الأول الذي أدى كرارة فيه دور الشهيد أحمد المنسي، ضابط الجيش الراحل، ما أنسى جمهوره تعلقه السابق بشخصية "باشا مصر" ليصبح هو "المنسي"، ليكون أول خروج لكرارة من عباءة دوره القديم.
تكررت محاولاته للخروج في مسلسل "سوق الكانتو" الذي عرض في رمضان الماضي، ويواصل الآن ذلك الخروج من خلال دور سلطان البعبع، الذي اتى مختلفاً وفيه أداء وتجسيد أفضل وفهم أحسن لطبيعة شخصية المجرم الذي لا يهتم حتى لأولاده.
ياسمين صبري إلى متى؟
يعتبر الدور النسائي في الأفلام شيئاً مهماً لسببين، أولهما تجاري لجذب جمهور نجمة ذات جماهيرية إلى شباك التذاكر، والثاني لتحريك الأحداث وصناعة هدف للبطل يدعم الحبكة الدرامية.
لكن في فيلم البعبع، يأتى الدور النسائي وكأنه لم يأتِ. فالدور الذي لعبته ياسمين صبري جاء فارغاً، كأن أحداً لم يكترث لصناعة شخصيتها، فالدور ليس له أهمية، ولا يحرك الاحداث ولا يسهم في ذلك. لم تحقق الهدف الرئيسي لوجودها في هذا النوع من الأفلام، فلم تكن نقطة ضعف ولا قوة للبطل، وإن كان هدفها الأساسي هو انتزاع الضحكات من خلال التمثيل الكوميدي؛ فهي لم توفق في هذا.
حسين المنباوي مخرج جيد ولكن
يعتبر حسين المنباوى من المخرجين المميزين، لديه رؤية وقدرة جيدتان على تقديم كادرات جيدة بصرياً، ولكنه يفتقد للإدارة الجيدة للممثلين، وتشعر أن ممثليه كلهم هم نفس الشخصيات في كل الأفلام مع تغيير الممثلين.
يمكنك من دون مراجعة صفحة معلومات الفيلم على الإنترنت أن تتعرف من خلال الملاحظة على كون مخرج هذا الفيلم، هو أيضاً مخرج فيلمي "ليلة هنا وسرور" وعمهم" فالكادرات متماثلة، والمطاردات والمعارك تكاد تتشابه، ويلعب في نفس المساحة الآمنة التي ألفها لينتج نفس المشاكل، وعلى رأسها الملل الذي يصيب المشاهد خلال الفصل الأخير من الفيلم.
هذا فيلم بلا مخاطرة، فيلم جيد كوميدي، في بعض الأوقات تتخلله مشاهد الأكشن. لكنه على كل حال خرج متماسكاً لطيفاً، يصلح للمشاهدة والضحك، لكنه لن يترك بداخلك أثراً يذكر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعتين??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 22 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون