شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"رنجة حمراء" نسميها البرّ بالوالدين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الجمعة 21 يوليو 202301:02 م

"أطيعي زوجك" كان هو الرد المقتضب الذي أثار الغضب ضد الداعية المعروف الشيخ عبده الأزهري (وبالطبع، جلب إليه المؤيدين أيضاً). الإجابة المختصرة الصارمة كانت – كما يتضح من ضمير المخاطب الأنثوي- ردّاً على سيدة، أرسلت إليه تشكو زوجها، الذي يمنعها من السفر لرعاية أمها التي أصيبت في حادثة. لم توضّح السيدة طبيعة الحادثة، لكن صيغة "عملت حادثة" في اللهجة المصرية تشير عادة إلى حادث سيارة. أرادت السيدة أن تذهب إلى أمها "البعيدة" من أجل أن "تراعيها فترة"، لكن أمام رفض زوجها، أرسلت تستشير الشيخ الذي أمرها بطاعة الزوج.

بالطبع ليس خافياً أن البرّ بالأم، كجزء من البرّ بالولدين، هو أمر قرآني، وفي العرف الإسلامي أن "الجنة تحت أقدام الأمهات"، ومن ثم، فقد كان الهجوم على الشيخ متوقعاً ومفهوماً، لكن الداعية الأزهري، مصرّاً على موقفه، و"مقاوماً" التعليقات الغاضبة، أصرّ على أن "الدين ليس بالأهواء" وأن "مصلحة البيت" (أي بيت السيدة وزوجها) مقدّمة "على العاطفة"، وليس كلام الشيخ بغريب، أو لنقل إنه ليس شديد الغرابة، فالزوجة في الإسلام – وغيره- مطالبة بطاعة زوجها، ويرى قطاع من الفقهاء أنه إذا كان في هذه الطاعة خطأ، فإن الإثم يقع على الزوج، لا على الزوجة، وإن أطاعت أوامره.

لكن المشكلة أن كل ما سبق هو في حقيقة الأمر، يقع خارج الموضوع الأساس، الذي تحققت فيه حالة نادرة، تكاد تكون ذاتية التأثير، من مغالطة "الرنجة الحمراء".

"أطيعي زوجك" كان هو الرد المقتضب الذي أثار الغضب ضد الداعية المعروف الشيخ عبده الأزهري. الإجابة المختصرة الصارمة كانت ردّاً على سيدة، أرسلت إليه تشكو زوجها الذي يمنعها من السفر لرعاية أمها التي أصيبت في حادثة

يعود أول استخدام لمصطلح الرنجة الحمراء إلى القرن السادس عشر، في إشارة إلى نوع من سمك الرنجة المدخّن الذي يُعالج حتى يتحول إلى اللون الأحمر، ويستخدم – لرائحته القوية النفاذة - في إلهاء وتشتيت كلاب الصيد عن الأرانب البرية والثعالب التي تهاجم الدواجن والمحاصيل، وذلك كجزء من عملية معقدة لتدريب هذه الكلاب على التتبع والصيد، وصولاً إلى أن تتعلّم في النهاية تتبع الرائحة الأصلية.

لكن من الواضح أن استخدام تعبير "الرنجة الحمراء" في عالم المغالطات المنطقية، يقصد به مرحلة ما قبل اكتمال تدريب كلاب الصيد ووصولها إلى الهدف المحدّد. إنه يشير إلى مرحلة الإلهاء والتشتيت، وهو بكلمات أكاديمية يتمثل في "عرض بيانات أو موضوعات أو أسباب جاذبة خارجة عن الموضوع لتشتيت انتباه الطرف الآخر عن الموضوع الأصلي" (ويكيبيديا)، والغرض هو توجيه الجمهور أو القارئ إلى نتيجة زائفة، وهو قد يستخدم عمداً أو عن غير عمد كمجرد خطأ في الجدل أو التفكير، ويبدو أننا، في حالة طلب الشيخ الأزهري من السيدة الشاكية أن تطيع زوجها، أمام تلك الحالة غير المتعمّدة، ولكن في صورة أشد ندرة، فالجمهور نفسه فيما يبدو، قد أوقع نفسه في فخّ الرنجة الحمراء.

لقد كانت "الرنجة الحمراء" هنا هي "البرّ بالوالدين"، ممثلة في "رعاية الأم" في تلك الحالة. دار النقاش، في صفحة الشيخ وآلاف الصفحات والحسابات الأخرى، حول إذا ما كان البرّ بالأم أشدّ أم أقل أولوية من طاعة الزوج، أو عما إذا كان من الصواب أخلاقياً طاعة رجل يرفض أن ترعى زوجته أمها المريضة، أو عن الموقف الذي يدفع الإنسان في لحظة كتلك إلى الاختيار بين أمه وزوجه، وعن أسئلة الطلاق، وأوصاف الأنانية، وضرورات الرحمة، إلى آخر كل ما يمكن أن يخطر على البال من الأسئلة الأسرية والمعاملات بين أفراد العائلة الواحدة.

آلاف القصص على صفحات الشكاوى الاجتماعية في العالم العربي، تسرد قصص الزوج/ الأخ/ الأب الذي يجب أن تستأذن منه الزوجة/ الأخت/ الابنة فقط لتغادر البيت إلى الدكان، من دون حتى التطرّق إلى "حقه" في أن "يؤدبها"، تلك هي العبودية التي لا مجاز فيها

غير أن السؤال الأهم، السؤال الذي ضلّلتنا عنه "الرنجة الحمراء"، هو سؤال "الحبس"، هو الظن بأن من حق إنسان ما، أياً كانت علاقته بإنسان آخر بالغ عاقل، أن يتحكّم في خروجه ودخوله من المنزل، وأن على هذا الإنسان الآخر أن يحصل على "الإذن" كي يفتح باب البيت ويغادر، سواء لزيارة أمٍّ مريضة أو حتى للذهاب إلى مدينة الملاهي.

في العام 2023، بعد كل ما خاضته البشرية، وناقشه الفلاسفة وأقرّته القوانين والدساتير والمعاهدات الدولية وإعلانات حقوق الإنسان، لا تزال قطاعات كبيرة من مجتمعنا تظن أن "حبس" الزوج لزوجته في البيت (لأن لا اسم آخر لهذا الفعل) هو أمر قابل للنقاش والأخذ والردّ وطلب الفتوى، وتظنّ تلك القطاعات أن ذلك "الحبس" يكون مرفوضاً فقط إن لم يكن له سبب عاقل، أو إذا منع المرأة عن مهمة "شرعية" كرعاية الأم المريضة، إما إن كان غير ذلك، فإن من البداهة – هكذا يؤمنون – أن على الزوجة، هذه "الإنسانة"، أن "تطيع" الزوج الذي هو ليس إلا إنساناً مثلها، لا أكثر.

يحب مستخدمو السوشال ميديا أن يشاركوا صوراً و"ميمز" عن العبودية تسخر من الموظفين في العصر الحديث، وتصفهم بالعبيد الذين منحهم "المالكون" بذلاً وكرافتات ومكاتب ليبقوا على عبوديتهم لا أكثر، إنها نكات منقولة/ مترجمة من العالم الغربي، لأن تلك العبودية المجازية هي ما تبقى لدى الغرب ليشكو منها، أما آلاف القصص على صفحات الشكاوى الاجتماعية في العالم العربي، التي تسرد قصص الزوج/ الأخ/ الأب الذي يجب أن تستأذن منه الزوجة/ الأخت/ الابنة فقط لتغادر البيت إلى الدكان، من دون حتى التطرّق إلى "حقه" في أن "يؤدبها"، فتلك هي العبودية التي لا مجاز فيها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard